الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الحاج حاتم
سلام ابراهيم محمد
2020 / 1 / 9كتابات ساخرة
شارع الكفاح ؛ علوة الفواكه و الخضر؛ عصريات الخميس، ستينيات القرن الماضي
الحاج حاتم أبو "الحياييه"
قاصدا علوة الفواكه والخضروات مارا بالقشل المكتظة ليتبعه صبية المحلة بالعشرات مكونين جمهوره الأول في حلقة دائرية، يحدد طول قطرها بحية صغيرة ماسكا آخرها فترفع رأسها و يدنيها ليوجل و يُبعد بها الصبية المتجاوزين لمحيط دائرته الافتراضية .. في هذه الاثناء تخف حركة السوق ويقل ضجيج سيارات الحمل و يعم هدوء نسبي..التوقيت مضبوط و الموقع ستراتيجي بحق: فسحة صغيرة أمام مقهى بالقرب من تفرعات طرق و أزقة مؤدية من الى محلة القشل و محلات و أسواق حنون، الدهانة، الغزل و الشورجة..هنا يتواجد عتالي العلوة والشورجة الكثر و من هنا يمر الشبان و الرجال العائدون من العمل عصرا في طريقهم إلى مآويهم ؛ أيام الخميس جيوبهم مثقلة قليلا بدريهمات و بضعة دنانير إسبوعيتهم، لذا هذ الاختيار الزماكاني المهم..
عُمر الحاج حوالي الأربعين سنة مكتنز الجسم و الوجنتين بشارب غليظ ، يشد وسطه بحزام أسود عريض تحت طية كرشه الذي يمنع من سقوط كيسين يحملهما بين أعباب دشداشته الفضفاضة والتي كانت يوما ما بيضاء، يتأبط حين قدومه صندوقا مستطيلا من خشب الصنوبر صبغته أشعة الشمس و مُضي السنين بُنّيا، بقياسات 25x25x80 سم يتوسطه مقبض أسود من الجلد و بغطاء( Slide) يُفتح سحبا يمينا او يسارا فيه ثعبانان منهكان لا طاقة لهما حتى بالخروج عند فتحه الغطاء للحظة قصيرة كتأكيد و تحفيز للصبية ..ثم يختار الحاج (لا أعلم إن كان فعلا..) أحدا من الصبية المتأهبين لمهمة جسيمة: حارسا على الصندق ! من امتيازات هذا المنصب هي اتاحتها لأمين الصندوق فرصة لالقاء نظرة خاطفة على محتواه مستأنسا مستأسدا و مثيرا حسد و فضول صحبه المنخرطين في نقاشات حامية حول انواع والوان الثعابين التي يصطحبها السيد، هل هي حية بيت، أَم سامة و درجة سُمّيتها، بشكل عام كان الإجماع في المداولات التي حضرتها: الحيات التي فيها مسحة حمراء هي الاخطر، طبعاً هذا التشخيص لم يكن سياسيا !
بعد أن تثير جمهرتنا انتباه المارة و تجذبهم، يفتتح الحاج حديثه بحكايات و قصص تشد الانتباه كما يبدو_ بالحقيقة قلما كنا نستمع إليه همنا كان منصبا على الحيات و متى يخرجها من الكيس أو الصندق_الحلقة تكبر بهدوء يقابله تركيزه على أواخر كلماته و تصاعد نبرة صوته مسببة احساسا بالذنب و التقصير في واجباتنا وعصياننا لارادة الخالق وخذلان اوليائه و قُبح تعاملنا مع المخلوق فيخيم الوجوم على المستمعين الكبار و تتأوه القلوب ألما و تتحرك الشفاه استغفارا.. يسكت شيخنا لثوان ، يمد يده إلى عُبه ليخرج كيسا فيها نسخ لآية الكرسي المباركة المُطَمئِنة للأفئدة و المُبعدة للشر يدور بها على الجمع و يبيعها بسعر زهيد 10 فلس مع توصية بحملها دائما؛ عيناه الملغوزتان تتطلعان بنظرات تغور وتغوص عميقا مُسبرة في نفوس ومحفظات نقود زبائنه ، مأسوري سحر موعظته..
بحركة مسرحية و ايماءات يده و أصابعه يعلن السيد بحثه عن عشرة لا غير(العدد يتناسب مع عدد الواقفين من الرجال ناقصا واحد..اثنين..) يعطي كل واحد منهم درهما واحدا فقط يوفيها لهم دعاءا خالصا لقضاء حاجاتهم عند الأمام.. غدا الجمعة، بعد أن يستحصل دراهمه ، يسحب غطاء الصندوق بالكامل تاركا الثعبانين حرية الحركة التي تستغلاها بتأن و بطء، وحالما تخرج من محشرها تجثم على الاسفلت بلا حراك تقريبأ، تَملمُلْ الصبية و إرتفاع أصواتهم يقطعها بمواصلة حديثه هذه المرة عن المعجزات و الكرامات مترقبا ورود زبائن جدد مُتفحصا هندامهم راميا إحمائهم للجولة العبادية التالية وهي عبارة عن قضاء ليلة الخميس على الجمعة ماسكا شباك ضريح الأمام متوسلا داعيا لهم بتحقيق أمانيهم من شفاء، مشاكل عائلية و إقتصادية بحق جده؛ إكرامية عمل الخير هذا هي نصف دينار و عدد الموكلين كالعادة حسب تخميناته للناذرين من الحضور 4، 6.. تراهم يسلتوها من جيوبهم برضا و إمتنان، في الحقيقة نقودهم لا تذهب هباءا إنها تنتقل فقط بأمان و إناقة من جيوبهم متجعدة متقبضة إلى جيب دشداشته الجانبي الطويل..
خمس و خمسين سنة مرّت و ما زال عندي شغف و فضول لرؤية مجددة لحيّات الحاج حاتم الكسولة ، ياترى من يعتني بهن الآن !
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. هذا ما قالته الممثلة مي سحاب عن سبب عدم لعبها أدواراً رئيسية
.. -مساء العربية- يفتح صندوق أسرار النجم سعيد العويران.. وقصة ح
.. بيع -الباب الطافي- الذي حدد نهاية فيلم تيتانيك بسعر خيالي
.. الفنان #محمد_عطية ضيف #قبل_وبعد Podcast مع الاعلامي دومينيك
.. الفنان عبد الرحمان معمري من فرقة Raïm ضيف مونت كارلو الدولية