الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغائية في الفكر الديني

منال شوقي

2020 / 1 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الغائية هي مذهب فلسفي يقول بأن لكل شيء هدف نهائي وُجِد لأجله وهذا الهدف سابق على وجود الشيء نفسه، فوجود الأنهار حتمي والهدف من وجودها سابق على إيجادها الا وهو ري ظمأ الكائنات الحية وعلي رأسها الإنسان (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، والهدف من وجود الأسماك سابق على وجودها ألا وهو أن تكون طعاماً للإنسان (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً).
ولقد نوقشت الغائية أو تم قياسها ومحاولة تطبيقها على كل فروع المعارف الإنسانية تقريباً، ولكن ما يعنينا هنا هو بُعدها اللاهوتي أو الديني والذي يقودنا قسراً للبُعد الأخلاقي في الغائية.
فإذا سلمنا بأن لكل شيء هدف ما من وجوده وأن هذا الهدف من وجود الشيء سابق على وجود الشيء نفسه وأنه لولا الهدف ما كان هذا الشيء قد أوجد من الأساس لقادنا ذلك إلى نتيجة حتمية، ألا وهي أن الهدف نفسه أكثر أهمية في تلك المعادلة من الشيء نفسه وما الشيء إلا وسيلة لبلوغ الهدف.
فالهدف من وجود النهر (وجود حياة) أهم من النهر في حد ذاته وما النهر إلا وسيلة لبلوغ الهدف، والهدف من وجود الأسماك (لحماً طرياً يأكله البشر) أهم من الأسماك نفسها والتي هي مجرد وسيلة الغرض منها أن تكون طعاماً للإنسان.
والذين قالوا بالغائية من الفلاسفة إنما فعلوا لأنهم رفضوا أن يكون وجود الإنسان بلا غاية، فالإنسان عندهم خُلِق لغاية أو هدف نهائي ولو كان الأمر خلاف ذلك لما كان لوجود الإنسان معني وما كان معني لحياته وبالتالي لاستوى وجوده وعدمه واستوت حياته وموته واستوى أيضاً كل الكيفيات التي يمكن أن تكون عليها حياته وأفعاله وبالتالي سيستوي أن يعطي أحدهم زهرة لجاره وأن يعطيه رصاصة في رأسه، أو أن يداعب أحدهم طفلاً بلطف وأن يركله بقسوة ويتوصلون بذلك لإثبات وجود قوة مهيمنة تُحدد الهدف من وجود الشيء، و تحديد الهدف سابق بالطبع علي إيجاد الشيء كما رأينا.
فإذا كان الإنسان مخلوق من قِبَل خالق، فلا شك أن خلقه – أي الإنسان- كان لهدف وهذا الهدف سابق على خلق الإنسان نفسه وأن الهدف من خلق الإنسان أهم من الإنسان نفسه وما الإنسان سوي وسيلة لبلوغ الهدف أو الغاية.
وفي القرآن: وما خلقنا الإنس والجن إلا ليعبدون، تلك هي الغاية أو الهدف من وجود الإنسان في الإسلام والتالي فغائية الله من منظوره هو في خلق الإنسان هي أن يُعبَد كإله وما الإنسان إلا وسيله لتحقيق هذه الغاية.
وبتطبيق الأليه نفسها التي يستخدمها الغنائيون لإيجاد معني لوجود الإنسان أو لوجود الكون ككل، علي الإله لوجدنا أنه من منظور الإنسان فإن الغاية من وجود الله هي أن يخلقه، إذ ليس لوجود الله في حد ذاته أي أهمية بالنسبة للإنسان سوي أنه خلقه -أي الإنسان-و الدليل علي ذلك أنه لو لم يكن الله قد خلقه و كان الإنسان رغم ذلك موجوداً لما كان لوجود الله أي أهمية بالنسبة للإنسان، فأهمية الله بالنسبة للإنسان تكمن في أن الله خلق الإنسان، و بالتالي فالغاية من وجود الله بالنسبة للإنسان هو أن يقوم الله بعملية الخلق، و بما أن الهدف أو الغاية بحسب الفلسفة الغائية أهم من الشيء/الوسيلة و سابق عليه، فإن الهدف بالنسبة للإنسان (خلق الإنسان/ وجوده) أهم من الشيء/الوسيلة/ الله و سابق عليه و لولا خلق الإنسان ما كان لوجود الله أي ضرورة أو مبرر.
فكما أن غاية الله من خلق الإنسان كانت أن يعبد هذا الأخير الله ولولا وجود هذه الغاية لما كان للإنسان وجود و بالتالي تكون عبادة الله مقدمة علي الخلق من حيث الأهمية و سابقه عليه في الزمن ، فإن غاية الإنسان من وجود الله هي أن يخلقه و لولا وجود هذه الغاية لما كان الله موجوداً وبالتالي يكون خلق الإنسان مقدماً علي الوهية الله و سابق عليه في الزمن، و كما أن الإنسان هو وسيلة الله لبلوغ غايته في أن تتم عبادته، فإن الله هو وسيلة الإنسان لبلوغ غايته في أن يُخلَق، فكيف إذن كان الله ليُنَصِب نفسه إلهاً بلا مخلوقات تُبًلِغُه غايته!!!
عندما نصل إلى هذه النقطة علينا أن نقر بأن الغائية التي يبرهن بها البعض على وجود الإله هي نفسها التي تدحض وجوده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الغائية ضد العلم الحديث
منير كريم ( 2020 / 1 / 11 - 16:51 )
تحية للكاتبة المحترمة
مقال ممتاز حول الغائية
اود ان اضيف بان الغائية سبقت منهج البحث العلمي القائم على التجربة والمنطق وان الغائية اسلوب غيبي مناقض للعلم الحديث
لقد تعدت الغائية المجال الديني ودخلت في الايديولوجيات التاريخانية الشمولية كالماركسية مثلا
شكرا لك ثانية
شكرا للحوار المتمدن


2 - الهدف و الغاية
ايدن حسين ( 2020 / 1 / 11 - 20:15 )
بعد التحية الطيبة
المشكلة
كيف ل ( ما ليس لديه غاية ) ان يؤدي الى ايجاد ( ما لديه غاية )
كيف للكون الذي ليس لديه غاية ( بزعم البعض ) ان يؤدي الى انسان يصنع الات و مكائن لديها غاية
لاحياة يؤدي الى حياة .. لا وعي او لا فهم يؤدي الى وعي و فهم
انا لا احب ان يقول احدهم قطعيا ان هذا هو هكذا
كل معلوماتنا لا تعدو ان تكون غير .. احتمالات غير يقينية و غير حتمية ايضا
السيدة منال .. نسالك .. هل انت متاكدة مائة بالمائة ان الكون و الانسان ليس لديه غاية
الافضل .. هو ترجيح راي على اخر
اما ان نقول يقينا ان هذا هو الواقع و الحقيقة
فلا اظن ان ذلك امر جيد
و احترامي
..


3 - مفهومنا للغائية العبادية
muslim aziz ( 2020 / 1 / 11 - 23:16 )

الماء وسيلة والهدف منه الحياة فهل الحياة أم من الماء ام سابقة على وجود الماء ؟ طبعا لا فالماء والحياة لا ينفكان عن بعضهما البعض،
مثل اخر السيارة وسيلة للراحة والغاية التنقل السريع فهل التنقل السريع اهم من السيارة ام انهما لا ينفكان عن بعضهما البعض
وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون فالغاية من خلق الانسان عبادة الله وهل العبادة وخلق الانسان لا ينفكان عن بعضهما البعض؟ الجواب نعم ينفكان ، فالانسان يعبد الله إن شاء ويترك عبادته إن شاء والواقع يبين صدق ما نقول فليست العبادة اهم من وجود الله يا سادة يا متفلسفة
الماء يعطي الحياة للانسان، السيارة تنفع الانسان وتعطيه الراحة، العبادة يعود خيرها على الانسان وليس على الله.
فاستدلالكم باطل باطل وهناك حديث يبين ان العبادة لا تزيد في ملك الله وعدم العبادة لا تنقص في ملك الله شيئ.


4 - تهافت الفلسفة
muslim aziz ( 2020 / 1 / 11 - 23:52 )

و لولا خلق الإنسان ما كان لوجود الله أي ضرورة أو مبرر.
استنتاج ساقط ومتهافت وكأن هذا الكون او هذه الاكوان ليس فيها الا الانسان، وماذا عن باقي الاكوان التي نعرفها والتي لا نعرفها،
أعجبني · رد · دقيقة واحدة


5 - منال عايزك ضرورى
Ahmed A ( 2020 / 1 / 12 - 08:22 )
انا احمد يا منال
من فضلك عايزك ضرورى
بعت لك ع الفيسبوك


6 - مقال عقلي ومنطقي صرف
محمد البدري ( 2020 / 1 / 12 - 13:36 )
الفاضلة استاذة منال، شكرا جزيلا لهذه المقالة الدسمة عقليا والتي يمكن اطلاق اسم الفلسفة العملية لكشف ما في النصوص من فساد.
تحياتي واحترامي وتقديري

اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل