الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الناسخ والمنسوخ وما وراءهما- [1]

وديع العبيدي

2020 / 1 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [1]
(1)
اشكالية النصّ.. والمُتحوّل البيئي..
إن كان (الناسخ والمنسوخ) بدعة ارتبطت بأدب القرآن، فلا بأس بالمرور ببعض البدهيات القرآنية؛ ومنها:
أولا: ظاهرة التنجيم.
ثانيا: اختلاف قرآن مكة عن قرآن يثرب.
ثالثا: بدعة الناسخ والمنسوخ.
وهاته الثلاثة لا تخرج في حال، عن موضوع تقنيات النص/ التدوين/ الكتابة. وباستثناء الكتاب/ القرآن العثماني* المتيسر لدينا، ما من دليل مادي /(نقض أو إثبات)، يساعد في توفير قاعدة علمية للدعم والدحض.
وهنا، لا أعني، أن لو استمر محمّد [571- 632م] في الحياة، أكثر من ذلك، لأقدم على نسخة جديدة من (الناسخ والمنسوخ)، تلبية للمتطلبات البيئية/ الزمكانية الجديدة، وبالاتساق مع كل مرحلة، تدريجيا.
الأزمة العظمى للنسخة الاولى من البدعة، وما أثارته من هياج وفوضى وتداعيات، وسيل رخيص من الآراء والمؤلفات الدجلية؛ نتجت إثر التحول المكاني لمسافة تسعين (كم)، من مكة إلى يثرب. فكيف لو كان التحول الجغرافي على مسافة تقرب من الألف (كم)، من موقع يثرب الحجازية، إلى موقع الكوفة على نهر الفرات، ومن الكوفة إلى سواها من حركة العواصم والمراكز عبر الزمن.
فالناسخ والمنسوخ، ارتبطت مبدئيا، باختلاف الثقافات الاجتماعية/ الشعبية لكل بلدة، وأثرها في القراءة والتأويل والفهم الديني. من باب آخر، يمكن للقارئ القول، ان ظاهرة تعدد القرائين/ (القراءات)، حسب البلاد الجديدة، ناتجة من اختلاف البيئات، وليس اختلاف القراءات والقرائين المحمدية/(مكية أو يثربية)، ومنها اختلاف قراءة ابن مسعود الكوفي عن قراءة عمر المكية الحجازية، في سبيل المثال؛ غير نتيحة وتحصيل حاصل للمغايرة الثقافية، لا اختلاف النص الأصلي في بيئته الأولى.
ولما كان القرآن، كتابا شفاهيا متداولا، في أزمانه الأولى، فأن تدوينه المتأخر، أو المتسلسل والمتدرج، خضع للقواعد السائدة في البيئات الجديدة، وحسب القراءات والتلاوات المتلبسة بثقافات وإرث المناطق الخارجة عن محيط مكة ويثرب/ (الحجاز).
ولتبسيط اللغة، واجتناب التقعير والاصطلاحات الخاوية، يمكننا الاشارة لبدعة (الناسخ الأول)، بعبارة (قرآن يثرب). وقرآن يثرب له ثلاث ميزات..
أولا: التحاق (الأعراب) بمحمد، والهيمنة عليه.
ثانيا: اللقاء المباشر بين محمد والقبائل اليهودية، والذي انتهى بالتصادم والقطيعة.
ثالثا: انتقال الفكرة المحمدية، من المرحلة النظرية الانشائية، إلى مرحلة التطبيق العملي، ونتائجها المادية التي تتجاوز معالجاتها حذلقات اللغة.
والخلاصة.. ان توقف بدعة (الناسخ والمنسوخ) في نصوص القرآن، لا تعني توقف تلك البدعة، وانما تواصلها في كتب التفسير والتأويل وظهور الاجتهادات الفقهية المتفاوتة، وحسب خلافية الظروف والإشكالات الطارئة، وتعددية المراكز الجديدة وثقافاتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* القرآن العثماني: نسبة للخليفة عثمان بن عفان[576/ 644- 656م] الذي تولى/(645م) توحيد النسخ المتعددة والمتفاوتة للقرآن من حيث النصوص والقراءات، وأمر بوضع نسخة موحدة للقرآن، كتبت بأربع نسخ، تم توزيعها بين [المدينة والكوفة والبصرة والشام]؛ وقيل أنها سبع: توزعت في مكة واليمن والبحرين، إضافة لما سبق.
(2)
سلطة النص.. سلطة الشخص..
وهذا يعيدنا لتنصيص وتفصيص المحتوى القرآني الإنشائي إلى أقسام ثلاثة، بحسب قراءة الباحث خليل عبد الكريم [1930- 2002م]..
أولا: اسرائيليات/(يهمسيحيات نصرانية).
ثانيا: يعربيات/ (قرشيات حجازية).
ثالثا: محمّديات/(النبوّة والتحدي والتطبيق).
وسوف نجد أن (الأولى) وهي قصص تاريخية، و(الثانية) وهي طروحات نظرية تأسيسية، لها طابع الثبات غير القابل للتحويل والتأويل والتعديل/(النسخ)؛ مما يستبقي (الثالثة)، مادة ساخنة لاختلاف وجهات النظر، والتي سبق أن خضعت للجدل والمداولة في البدء المكي، مثل النبوّة والإصطفاء وحدودها ومعانيها، وانتقلت لحالة المواجهة الحادة/(الثورية) بعد الهجرة.
وبالوسع، القول أن موضوعتي (النبوّة والتحدي) تم حسمهما قبل الهجرة، وكانت الهجرة ختام (تحدّي) محمّد لمناهضيه ومعارضيه، والتي تطورت قدما للمواجهة والهجوم؛ وتصنيف مجتمع الحجاز، إلى (مؤمنين) و (مشركين)، وذلك تمهيدا لظهور تصنيف: (مسلمين) و (كافرين)، في وقت لاحق، وربما متأخر، بعد صدامه مع يهود الحجاز، ويأسه من استقطابهم.
الاصطدام بينه وبين القبائل اليهودية في يثرب أولا، وفي خيبر وفدك وسواها بالنتيجة، هو الحافز الرئيس، لاستتباع (النسخ) القرآني، والتطبيقي. وتضمن مفهوم النسخ الأول، التحول من موقف السلم والمداهنة مع (الكتابيين)، إلى حالة إعلان الحرب ضدّهم/(آيتا السيف والقتال/ التوبة).
(3)
مبادئ العروبة وقيم الرجولة..
بعبارة أخرى.. لو لم يقع الخلاف بين بني النظير والمهاجرين، بسبب الطعام والمعونة، لما تحوّل محمّد من حالة اللجوء والاحتماء بالبيئة اليثربية، إلى حالة (الغازي المحتل والمستوطن الطارد). ان العقل العربي والاسلامي، يتناسى في خضم ذلك، أن محمّد، دخل يثرب لاجئا/ هاربا من قوم مكة، محتميا بأهل يثرب العرب/(الأوس والخزرج)، واليهود/(بنو قريظة وقينقاع والنضير وسواهم مما يبلغ خمسا وعشرين قبيلة).
وإذا كان محمّد وصحبه قد بطشوا بيهود يثرب والحجاز لأسباب تافهة، فأن (صحبه) ما فتئوا أن بطشوا بعرب يثرب/ (الأوس والخزرج)، وزعيمهم سعد بن عبادة (ت 635م في حوران/ الشام)، الذي سبق أن أضافهم ورعاهم تحت جناحيه. ان موقف محمّد وصحبه وما عملوه وروّجوه عن سعد بن عبادة وذويه، هو عار تأنف منه قيم العروبة.
ان مكافأة النخوة والشهامة والكرم والضيافة، وهي من ذرى الفروسية والأصالة العربية والبدوية، قد كوفئت بالغدر والتصفية والتشهير والتسقيط التاريخي. وهو ما ينطبق أيضا على موقف محمد وصحبه من اليهود الذين شاركوا في إضافة المهاجرين المسلمين وقبولهم بين ظهرانيهم، قبل أن يطمعوا بغلالهم وبساتينهم ونسائهم، ويبطشوا برجالهم ذوي العلم والشريعة، وسادة الحجاز في الجزيرة.
ولم يختلف موقف محمد وصحبه من المسيحيين، الذين سندوهم وعطفوا عليهم وأزروهم، بدء بقوم خديجة وورقة وبحيرا، إلى نصارى نجران/(سورة المائدة) ونصارى الحبشة/(النجاشي) الذي احتوى أول دفعة من اللاجئين المسلمين الهاربين من بطش قومهم في مكة. فليس من الأخلاقي ولا المنطقي، أن يتحول اللاجئ إلى مغتصب، والمستمكن إلى متمكن، يبطش ويسود، ويذلّ من أكرمه.
الواقع.. أنني طالما توقفت وتحيرت أزاء انقلاب شخصية محمد بعد الهجرة، ووجدت صعوبة في تقبلها أو قبول مبرراتها، ومع ذلك، أجاري هنا (بتحفظ) العرف الشعبي ، رغم أنه في غير صالح النص والتاريخ والراهن الاسلامي، انما هذا ما يريدونه، بقصد أو غير وعي.
موقف محمّد السياسي/ اللاأخلاقي، يدحض طروحاته التي تمجد العروبة ومركزيتها الحجازية القرشية، ويشين برسالته النبوية التي تسعى لشمول كلّ الديانات تحت جناحيها/(مثل الاتحاد العربي الاشتراكي لعبد الناصر، والجبهة الوطنية التقدمية في العراق[1973- 2003م]/(كلّهم بعثيون وإن لم ينتموا))*.
بل أنه يسيء لنفسه وصورته الإعلامية الشعبية، إذ يعتبر نفسه: متمما لمكارم الأخلاق، وأنه إسوة حسنة، وهو بالتأكيد (رسول رحمة)، في مقابل: (يسوع المسيح رسول السلام).
ان رؤية (التناقض) على أنه (انسجام) خاصية عقلية غير منطقية. رؤية (الشرّ) على أنه (خير)، ورؤية (الأسفل) على أنه (أعلى)، و(الغريزة الدونية) على أنها (سموّ سماويّ)، لا تشير لواقع إنساني سليم.
ولكن.. مرّة أخرى، ان ما يوصف بـ(الكيّ أفضل العلاج)، يجد انعكاسه التمثيلي هنا: في مبدأ (الصدمة) مفتاحا، لإلغاء عوامل الرفض والمعارضة. ولنا أن نعترف- بقناعة أو عسف- ان سطوة الرعب الإسلامي الأول، لما تزل فاعلة وسارية في أبدان البشرية، منذ أربعة عشر قرنا.
وأن ما يجري ويضطرم في الراهن، يدين لتلك الممارسات المنافية للمنطق والأخلاق والقيم الإنسانية، أكثر من شيء آخر. وبالتالي، فأن عجزنا عن تنظيف وعينا الباطن، وعقولنا التاريخية الجمعية، من أوشاب الماضي، ومن الأشواك الضارة، هو أساس خيانتنا للعصر، ودليل مشاركتنا الفاعلة في تهميش الوعي العصراني، لخدمة عقلية الجهل وتقديس الخرافة وتبجيل التخلف فعليا، مهما بالغنا في القول خلاف ذلك. فلا جدوى لقول، في غياب العقل.
لقد بدأ الاسلام دينا شفاهيا، وأصبح دينا تلقينيا، متواردا ومتوارَثا، عبر الزمن؛ ليس لأنه (الحق)، أو (المعجزة)، أو (المصدر الإلهي)، وانما لسذاجة وغباء البيئة الاجتماعية المتحرك فيها. وما اصطلاحات: (فطرة)، (أمية)، (جاهلية)، (بداوة)، (صحراوية)، (لقاحية)، (أصالة)، غير تمجيد مجاني لتغييب العقل وجمود الفكر وتقديس الحرف الجامد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جمال عبد الناصر[1919/ 1952- 1970م] أول رئيس جمهورية في مصر، أنشأ الاتحاد الاشتراكي العربي [1962- 1978م] القائم على مبدأي : [القومية والاشتراكية العربية]، وذلك بديلا للاتحاد القومي [1957- 1961م] الذي حلّ محل (هيئة التحرير)/[1953- 1957م]، وذلك بغرض وضع منهاج سياسي واضح يترجم أهداف الثورة وبرامج الحكومة، ويرسخ زعامة عبد الناصر على أساس شعبي/(تفويض). وقد شكل الاتحاد الاشتراكي العربي إطارا لجملة من تنظيمات لاحقة مثل (التنظيم الطليعي/1962م)، التنظيم السياسي القائد/1963م)، (منظمة الشباب الاشتراكي/ 1964م).
*محمد شحرور [1938- 2019م] مفكر وباحث إسلامي، حاول تقديم قراءة قراءة معاصرة للاسلام باستخدام الأساليب اللغوية الحديثة، وبشكل ينفى بعض النظرات المشتبهة للاسلام الشعبي، ويجعله أكثر قبولا وانسجاما مع قيم التسامح والانسجام مع الديانات الكتابية الآخرى، وذلك في عديد من كتبه: الكتاب والقرآن/ 1990م، الدولة والمجتمع/ 1994م، الاسلام والايمان/ 1996م، نحو أصول جديدة للفقه الاسلامي/ 2000م، تجفيف منابع الارهاب/ 2008م، القصص القرآني/ م1 -2010م، القصص القرآني/ م2- 2012م، السنّة الرسولية والسنة النبوية/ 2012م، الدين والسلطة- قراءة معاصرة للحاكمية- 2012، أم الكتاب وتفصيلها- قراءة معاصرة في الحاكمية الانسانية- 2015م. وبايجاز، يصف شحرور اتباع محمد بالمؤمنين، ويصف أتباع الديانات الكتابية بالمسلمين. فالاسلام، هو إطار عام توحيدي، يشتمل على كل الديانات البراهمية السابقة له، ويدعمه بنصوص قرآنية، وهو مما سعى له محمد وخاب فيه، فعمل سيفه في الكتابيين، ونسخ موقفه الأولي بآيات السيف والقتال والذمّة. فهل وفق شحرور في تقديم صورة معاصرة مسالمة ومتسامحة، لا أثر فيها لتاريخ الاضطهاد والامتهان والاغتيال..؟.
(يتبع..)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري


.. رحيل الأب الروحي لأسامة بن لادن وزعيم إخوان اليمن عبد المجيد




.. هل تتواصل الحركة الوطنية الشعبية الليبية مع سيف الإسلام القذ


.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف




.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب