الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تازة.. صفحات من تاريخ مدينة

عبد السلام انويكًة
باحث

2020 / 1 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أي وعي بالتراث وتاريخ المدن العتيقة وأي التفات لرمزية هذه المكونات المجالية وأي انصات لمواردها الزمنية كهوية بخصوصية حضارية وانسانية، وأي حماية لِما هو كائن من ذاكرة المدن ومن المحليات هنا وهناك كزمن، وماذا عن سؤال المتوفر من أسس الغنى والنماء المحلي والجهوي والوطني الاستشرافي المؤسس على عبق شواهد وتحف الماضي، أسئلة وغيرها كثيراً ما تحضر ضمن تماسات قضايا بحث ودراسات وتأليف حول الحواضر عموماً ومدن المغرب العتيقة تحديداً التي تطبع تاريخها روح خاصة يستمدها من مجريات وتفاعلات عدة ووقائع وتطورات.
وضمن مدن المغرب العتيقة ولعلها كثيرة ومتباينة في نشأتها ومعالمها وتراثها المادي واللامادي، بقدر ما تازة المدينة العالقة بجبال الأطلس المتوسط والمطلة على الريف شمالاً، هي تاريخ موقع بقدم وتأثير وتأثر كنقطة وصل لكل مما هو طبيعي وبشري وقْع فيه، بقدر ما الباحث في تاريخ هذا الموقع يجد نفسه مُقتحِماً لتفاعلات غير منتهية بصدى يتردد بعيداً في مجالات متأثرة بما تم فرزه عبر مسارات على منحى تاريخ البلاد. وممر تازة ومن خلاله المدينة لا يستقيم الحديث عن تاريخه دون رجوع لِما حام حول علاقته بمارين عبره منذ القدم، ما يجعل من تناوله أكثر ارتباطاً بمحورية موقع لكل قادم إليه ومتوجه منه. وكانت جغرافية تازة قد جعلتها سداً منيعاً انتصبت في وجه كل محاولات تطويع، فضلاً عن مكون قبلي بردوده في علاقته بالسلطة جعلها تنتزي في مجالها دون جعل بناء كيانٍ شأناً لها، كما قبائل"صنهاجة- مصمودة- بنو مرين.." اللواتي كان لها سبق بناء أحلاف وإعلاء عصبية. اشارات بأهمية تاريخية دقيقة استهل بها د.الحسن الغرايب الباحث في تاريخ المغرب الوسيط بفاس، تقديماً لمؤلف صدر حديثاً عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر اخترنا له عنواناً "تازة..صفحات من تاريخ مدينة .. موضع بحر ودور وفج عبور وجمع بلامع حضور".
والكتاب الذي جاء في ثلاثمائة وإثنتين وعشرين صفحة من قطع متوسط بدعم من وزارة الثقافة بعدما أجازت طبعه لجنة علمية ضمنها باحثون مؤرخون مقتدرون، يقدم تازة في عز حدثها التاريخي ضمن مسار دول مغرب العصرين الوسيط والحديث، مستحضراً مجال المدينة وموقعها باعتباره عنصراً موجهاً للتاريخ وصانعاً لتدافعات غير منتهية خلال فترات ازدهار المدينة وتقلصه الى حدود أسوارها في فترات عدم استقرار. وتناول منهجي لموقع ومجال وموضوع بهذا التشابك جعل من تتالي فصول الكتاب أمراً في غاية المتعة أولا، وسبر غور تراث محلي ثانياً يضيف د.الحسن الغرايب. ليتبين أن انتقال البحث من الخاص الى المشترك التاريخي بإعطائه بعده العميق عبر نبش بيوغرافيات أعلام المدينة وأحوازها، يجعل من إعادة كتابة تاريخ مدننا العتيقة أمراً ملحاً لإماطة اللثام عما هو خفي من حوادث ذات صدى عبر فترات.
وكتاب "تازة صفحات من تاريخ مدينة"، لحظة انصات لزمن مدينة زاخرة بوقائع ومعالم وتفاعلات تاريخها هو تاريخ إنسانية إنسان وتنوع وتفاعل وتكامل، الوعي به كهوية وتراث وثقافة يقتضي استثماره كموارد زمن رمزية في بناء حاضر المدينة ومستقبلها. ولا شك أن مدن المغرب العتيقة كذخيرة هامة لا تزال بحاجة لجهود أبحاث ودراسات لِما هناك من أوجه عدة ومتداخلة لم تدون بعد. وعلى أهمية ما تراكم يبقى تاريخ كثير منها في حكم النادر والمجهول، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالعصرين الوسيط والحديث ناهيك عن القديم. وبقدر ما ماضي تازة ومعها عدد من مدن البلاد العتيقة لا يزال بمعرفة غير شافية، بقدر ما كانت بأدوار هامة على أثر من صعيد خلال العصرين الوسيط والحديث، كفترة جديرة ببحث وتمحيص وكشف لكثير من التجليات.
وكانت بداية انفتاحنا على زمن تازة وعمقها التاريخي متأثرة بمن كان من أبناء المدينة منشغلاً بهذا المجال، بداية تعود لتسعينات القرن الماضي مع ما رافق ذلك من سؤال وتفاعل وجمع لمادة. مع ما تأسس لدينا من قناعة بحث وتأليف وفق وعي بما هو محلي، تماشياً مع ما توجه اليه عدد من المهتمين والباحثين في تسجيلهم لمحاسن وخواص وتميز مدن نشأتهم، بذكرهم لإرثها وتراثها ومآثرها وفضلها وعلماءها وأعلامها اعتزازاً منهم بموطنهم وذاكرتهم وهويتهم وقربهم. ولعل من يفقه قليلاً في تاريخ المدن من خلال مواقعها يجد نفسه بدهشة وهو يتأمل مدينة عالقة بجبل الأطلس المتوسط، مطلة من شرفتها على ممر شهير باسمها يصل شرق البلاد بغربها حيث جوانب هامة ومتشعبة من زمن المغرب. تلك هي تازة التي توحي بعمر زمني ممتد وقدم تاريخي وعظمة معالم وعلامات، بقدر ما البحث فيها عمل مشوق بقدر ما للموضع إنسان وخواص وتفاعلات شكلت مجتمعة روح مكان.
وقد تأسس كتاب "تازة.. صفحات من تاريخ مدينة" على ببليوغرافيا غنية، مع أهمية التأكيد على ما يمكن أن تسهم به الدراسات الأركيولوجية التي لا يزال وقعها محدودا جداً، باستثناء ما حصل من تنقيت حول المدينة من قِبل"كومباردو"الضابط في الشؤون الأهلية الفرنسية على عهد الحماية، فضلاً عما يسجل من غياب لوثائق أسر ودفاتر أحباس ومخطوطات خاصة بالمنطقة وغيرها. ويأتي كتاب"تازة ..صفحات من تاريخ مدينة " تجاوباً مع نداء نبيل للعلامة عبد الهادي التازي رحمه الله الذي قال يوماً أن تازة ليست إسما لمدينة فقط بل رباط جهاد تحطمت على أبوابه سائر المناورات، ومركز عِلْمٍ أسهم في صنع رجال فكر وسياسيين ودبلوماسيين فضلاً عما كانت عليه المدينة من تاريخ حافل بمواقف شريفة في سبيل حماية وحدة البلاد الروحية المتجلية في وحدة المذهب والعقيدة، مشيراً الى أن على أبناء تازة تقع مسؤولية كتابة تاريخ مدينتهم مؤكداً أن عليهم وحدهم تقع تبعة التعريف بهذه الماسة.
وقد جاء زمن دولة بني مرين مَفْصلاً في كتاب "تازة.. صفحات من تاريخ مدينة" تحقيبياً، لِما طبع هذه الفترة من اشعاع وما ميز هذه الحاضرة العتيقة من بروز، وعليه جاء الكتاب موزعاً بين حدثين مؤسسين ومغيرين الأول منهما يتعلق بنشأة دولة الأدارسة وبيعة مولاي ادريس الأول، أما الثاني فقد ارتبط ببداية الحداثة المغربية نهاية القرن الثامن عشر على عهد السلطان محمد بن عبد الله. وقد تقاسمت الكتاب محاور أربعة متكاملة زمناً وتيمة ونهجاً خصص الأول منها لمِا هو فزيائي شمل موضع المدينة وجوارها، أما الثاني فنتناول بعض وقائع المنطقة وتطوراتها خلال العصر الوسيط والحديث منذ الأدارسة مروراً بالمرابطين والموحدين والمرنيين والوطاسيين والسعديين ثم العلويين. أما ثالث المحاور فقد توجه لرصد عمارةٍ وتعميرٍ تاريخي وسياقات ذات صلة عبر فرز وتمييز بين ما هو ديني وعلمي واجتماعي ودفاعي، ليستحضر آخر محاور الكتاب بعض أعلام تازة ممن كانوا بشأن في أمر دين وفقه وتصوف ومجتمع وسياسة.
وقد جاء الكتاب مثناً وشكلاً ونهجاً مبرزاً بعض جوانب تاريخ تازة خلال هذه الفترة من زمن المغرب، بناء على ما توفر من مرتكز ووثائق في غياب تأليف خاص بالمدينة خلال هذه الفترة. وحتى وإن كان فهو في حكم المجهول كمؤلَّف" تقريب المفازة الى تاريخ تازة" لعلي الجزنائي. مما قد يكون وراء ضياع كثير من أخبار المدينة ووقائعها خلال هذه الفترة، وأن ما تبقى ليس سوى شتات اشارات هنا وهناك بمصادر تسمح الى حدما بفكرة حول مكانة تازة في تاريخ البلاد. وكان تثمين ما هو رمزي من مقاصد هذا الكتاب الذي يدخل ضمن ما اتجهت اليه عناية باحثين ومهتمين بعدد من حواضر البلاد، باعتباره مساراً وورشاً وظيفياً مفتوحاً تجاه ما هو محلي واقليمي وجهوي كرهان ترابي. مع أهمية الاشارة الى أن تازة هي بزمن مشرق ومجال وتاريخ فكري وعلمي وسياسي واجتماعي ودفاعي .. كذا بعمران وأعلام وعلماء وتجليات جمعت بين تميز ونبوغ عبر العصور، لايزال بحاجة ليس فقط لمزيد من البحث والتعريف بل أساساً لحسن تدبير وحكامة استثمار باعتباره رأسمالا رمزياً للمنطقة بجعل موارد الزمن في قلب نماء وتدبير مجال.
وكما حال عدد من مدن بلادنا العتيقة، باتت المكتبة التاريخية المحلية بتازة منتعشة خلال السنوات الأخيرة بفضل جهد ثلة من أبناءها الى حين مزيد من بحث ودراسة واضافة واغناء وتوثيق وتعميق. وقد ارتأينا حول تفرد معالم المدينة قلب أجمل تحف تازة صورة لغلاف كتابنا، ثريا جامعها الأعظم المتفردة حيث عبقرية صانع وروعة ابداعٍ وجمال هندسة وزخرفة واشعاع.
عبد السلام انويكًة...
عضو مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر