الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلّ عقيدة إرهاب

حسن عجمي

2020 / 1 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كلّ العقائد الدينية والسياسية والفكرية تسجن أتباعها بما تعتبره يقينيات لا تقبل الشك والمراجعة والاستبدال. المعتقدون بعقيدة سياسية أو دينية أو فكرية معيّنة يعتبرون أنَّ عقيدتهم تحتوي على معتقدات ومبادىء يقينية صادقة في كلّ عالَم ممكن و في أية ظروف طبيعية أو اجتماعية أو تاريخية فيصبحون بذلك سجناء معتقداتهم وسلوكياتهم المُحدَّدة سلفاً بهذه أو تلك العقيدة. لذلك يخسرون الحرية الحقيقية فمثلاً لا يتمكّنون من التفكير بما يناقض عقيدتهم أو التصرّف على نقيض من عقيدتهم. من هنا الحرية الحقيقية لا تتحقق سوى بالتحرّر من كلّ عقيدة.

المُؤمِن أو المُعتقِد بصدق منظومة دينية أو سياسية أو فكرية معيّنة دون سواها يتعصب لمعتقدات ومبادىء منظومته العقائدية أو الفكرية ما يُحتِّم رفض معتقدات وسلوكيات الآخرين فرفض الآخرين المختلفين عنه عقائدياً وسلوكياً ما يُؤسِّس للفِتَن والصراعات والحروب. هكذا كلّ عقيدة دينية أو سياسية أو فكرية تؤدي لا محالة إلى الحروب والصراعات. من هنا لا يتحقق السلام الحقيقي سوى من خلال التحرّر من كلّ عقيدة أكانت سياسية أم دينية أم فكرية. هكذا سبيل السلام سبيل التحرّر من كلّ العقائد.

كما بما أنَّ كلّ عقيدة تتمسّك بمعتقداتها على أنها يقينيات غير قابلة للشك والمراجعة والاستبدال , إذن كلّ عقيدة تكتفي بما لديها من معتقدات ما يُحتِّم عدم الاستمرار في عملية البحث المعرفي والعلمي. بذلك كلّ عقيدة (أكانت دينية أم سياسية أم فكرية) تمنع استمرارية البحث العلمي والمعرفي ولذلك كلّ عقيدة ليست علمية ولا معرفية بل تناقض العِلم والتفكير العلمي والمعرفي الموضوعي والمنطقي. فالعِلم يتميّز باستمرارية أبحاثه تماماً كأي حقل معرفي و إلا أمسى عقيدة دينية أو أيديولوجيا. و العِلم خالٍ من العقائد ولذا هو خالٍ من اليقينيات التي تغتال العقل والتفكير الموضوعي و التي تؤدي إلى الجهل وممارسة الإرهاب. فمَن يؤمن بأنَّ معتقداته يقينيات يتعصب لها فيرفض الآخر ما يجبره على إرهاب الآخرين. كلّ عقيدة إرهاب لأنها تسجن أتباعها بيقينياتها فتؤدي بهم إلى التعصب و رفض الآخر و تُؤسِّس بذلك للحروب والنزاعات.

كلّ العقائد السياسية والدينية والفكرية تمارس الإرهاب ضدّ الآخرين و ضدّ أتباعها أيضاً فلا تخلو عقيدة من آليات الإرهاب الفكري والمشاعري والسلوكي. هذا لأنَّ كلّ عقيدة تربط خلاص الإنسان باتباع مبادئها و الاعتقاد بمعتقداتها دون سواها و مَن لا يتبع مبادئها ويعتقد بمعتقداتها سوف يصل إلى جحيم الدنيا أو جحيم الدنيا والآخرة معاً. بذلك كلّ عقيدة ترهب أتباعها فكرياً و مشاعرياً إن لم تمارس الإرهاب الجسدي على أتباعها بتكفيرهم أو تخوينهم أو اغتيالهم معنوياً أو جسدياً أو معنوياً وجسدياً في آن. فالعقائد لا تتحصّن سوى باعتماد أساليب التعذيب المعنوي والجسدي. هذا لأنه إن لم تمارس الإرهاب على أتباعها فسوف تفشل في الحفاظ على عقائدها المُحدَّدة سلفاً و غير القابلة للشك والاستبدال. في حال لم تقمع كلُّ عقيدة أتباعها وتقاتل المؤمنين بالعقائد الأخرى بميزتها وامتيازها فحينها سوف ينمو الشك فيها ما يؤدي إلى تغيير مبادئها أو تركها والاستغناء عنها كلياً فالذي لا يتميَّز عن غيره ويمتاز على الآخر يخسر أفضلية قبوله. لذلك يستحيل على أية عقيدة سوى أن تمارس الإرهاب على معتنقيها تماماً كما تمارسه على المؤمنين بعقائد أخرى.

من هنا كلّ عقيدة قائمة على الإرهاب و لا تستمر سوى بتطوير أدوات إرهابها كاستغلال التكنولوجيا من أجل نشر دعوتها لقتال الآخرين. فكلّ عقيدة تعادي العقائد الأخرى ما يُحتِّم على كلّ عقيدة أن تمارس الإرهاب ضدّ أتباع العقائد الأخرى و إلا خسرت ميزتها التي تميِّزها عن سائر العقائد فخسرت أتباعها فوجودها بخسارة معاداتها للعقائد الأخرى. هكذا كلّ عقيدة في جوهرها وطبيعتها تمارس الإرهاب. فالمسلمون كما المسيحيون واليهود والبوذيون إلخ مارسوا الإرهاب ضدّ أتباع دياناتهم و ضدّ أتباع الديانات الأخرى تماماً كما أتباع الليبرالية و التوتاليتارية يمارسون الإرهاب. فبإسم الله يقتلون تماماً كما يقتلون بإسم الديمقراطية و بأسماء الطغاة.

أما العلاج الفلسفي لمرض العقائد فيكمن في قبول السوبر حداثة التي تؤكِّد على لا مُحدَّدية الكون فلا مُحدَّدية أية عقيدة هي العقيدة الصادقة و الأفضل. تعتبر السوبر حداثة أنَّ الكون غير مُحدَّد و رغم ذلك من الممكن معرفته من خلال لا مُحدَّديته كمعرفة أنَّ كل العقائد والنظريات التي تصف الكون ناجحة و متساوية في قيمتها. فمثلاً , بالنسبة إلى السوبر حداثة , من غير المُحدَّد إن كانت قوانين الطبيعة حتمية (كما تقول نظرية نيوتن العلمية ونظرية النسبية لأينشتاين) أم احتمالية (كما تصرّ نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية) ولذلك تنجح كلّ النظريات العلمية السابقة في وصف الكون وتفسيره رغم اختلافها وتعارضها وتتساوى في قيمتها و مقبوليتها. من المنطلق نفسه , إن كان الكون غير مُحدَّد ما هو و مما يتكوّن فحينئذٍ تتساوى كلّ العقائد والنظريات في مقبوليتها وقيمتها و إن اختلفت في وصف الكون وتفسيره. من هنا تعتبر السوبر حداثة أنه من غير المُحدَّد أية عقيدة هي الأفضل و الأصدق ما يجعل كلّ العقائد متساوية.

بما أنه من غير المُحدَّد أية عقيدة هي العقيدة الصادقة والأفضل كما تقول السوبر حداثة , إذن تتساوى كلّ العقائد في قيمتها ومقبوليتها ما يُحرِّرنا من التعصب لعقيدة معيّنة ضدّ أخرى فنتحرّر من اليقينيات والتعصب و رفض الآخرين ما يُؤسِّس لقبول الآخر وسيادة السلام وتحقيق الحرية الحقيقية من جراء تحرّرنا من سجون يقينيات أية عقيدة ترفض بطبيعتها الآخرين والعقائد الأخرى. و بهذا نضمن أيضاً استمرارية البحث العلمي والمعرفي من جراء تحرّرنا من اليقينيات. هكذا السوبر حداثة هي العلاج الأمثل لمرض العقائد لكونها تضمن الحرية والسلام والتفكير العلمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد -الإساءة لدورها-.. هل يتم استبدال دور قطر بتركيا في الوس


.. «مستعدون لإطلاق الصواريخ».. إيران تهدد إسرائيل بـ«النووي» إل




.. مساعد وزير الخارجية الفلسطيني لسكاي نيوز عربية: الاعتراف بفل


.. ما هي السيناريوهات في حال ردت إسرائيل وهل ستشمل ضرب مفاعلات




.. شبكات | بالفيديو.. سيول جارفة في اليمن غمرت الشوارع وسحبت مر