الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا تعمل أمريكا وإيران وأتباعهما المحليين بوطننا العربي ؟

منذر علي

2020 / 1 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


من الطبيعي أنْ تتباين المواقف العربية إزاء الصدامات الأخيرة بين الولايات المتحدة وإيران، المترتبة على مقتل الفريق قاسم سليماني، وردود الأفعال السياسية والدبلوماسية والعسكرية تجاه الحدث الجلل الذي وضع المنطقة على مشارف الحرب الشاملة.


إنَّ العرب، و بشكل خاص القيادات الخليجية، الذين يمقتون إيران ويناهضون سياستها غالباً ، لاعتبارات سياسية وطائفية ضيقة وليس لاعتبارات وطنية وقومية وإنسانية ، ابتهجوا لمقتل قاسم سليماني، وبلغتْ بهجتهم ذروتها ، حينما توهموا أنَّ أمريكا ستقوم بقصف إيران وهدم بنيتها التحتية ، وتدمير أسلحتها الثقيلة، وتفكيك جيشها، وإسقاط نظامها السياسي، وتشكيل نظام سياسي جديد على نمط نظام الشاهنشاه القديم ، موالٍ لها، كما عملتْ عام 2003 في العراق ، بإسناد لوجستي ، Logistics ملحوظ ، من قبل الدول العربية الخليجية التي ابتهجت قياداتها حينها جرى إسقاط صدام حسين وتقويض النظام العراقي ، ولكن ابتهاج تلك القيادات بشأن العراق أضحى بعد بضع سنوات كابوساً مرعباً لتلك القيادات، إما ابتهاجها بشأن إيران ، القائم على الأوهام والأمنيات والحسابات الخاطئة، فلم يدم طويلاً.


وبالمقابل فأنَّ الذين يحبون إيران لاعتبارات طائفية وسياسية وخرافية ، تصل حد الهوس، أصابهم الكمد لمقتل قاسم سليماني، ولكنهم سرعان ما استردوا عافيتهم، و فرحوا واستبشروا خيراً ، حينما قامت إيران، بعد خمسة أيام على مقتل سليماني وقبل مواراة جثمانه الثَّرَى، بإطلاق 22 صاروخاً باليستيًا على القاعدتين الأمريكيتين المعروفتين ب: " عين الأسد" و " حرير" في العراق.


وعلى الرغم من أنَّ الهجوم الصاروخي الإيراني لم يسفر عن ضحايا بشرية من الجانب الأمريكي، كما تشير العديد من المصادر حتى الآن ، إلاَّ أنَّ ثمة مصادر تشير إلى أنَّ الصواريخ الإيرانية أصابت القاعدين الأمريكتين، وأحدثت دماراً كبيراً في الأسلحة والمُنشآت العسكرية. كما شكلتْ العملية، من الناحية الرمزية ، صفعة قوية لدولة عُظمى بحجم الولايات المتحدة ، ترى نفسها دولة غير قابلة للتحدي حتى من قبل نظيراتها من الدول العظمى ، ناهيك عن دولة محاصرة ومنهكة مثل إيران.


لقد ترتب على الرد والتصميم الإيرانيين أنَّ أمريكا شعرت بالورطة ، وتعزز هذا الشعور مع الضغط المحلي و العالمي على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترانب ، و دفعته مُرْغماً ، وخاصة عقب القصف الإيراني ، إلى تليين خطابه السياسي والدبلوماسي، وتجنب التصعيد العسكري ، والدعوة إيران للحوار!


وتجنباً للاصطفاف الساذج والمتحيز ضمن موقف المبتهجين، أو المكتئبين، ومدح هذا الطرف وقدح ذاك الطرف، كما جرت العادة ، سنعمد إلى إبراز جملة من الوقائع و المؤشرات ، المتصلة بمقتل الفريق قاسم سليماني والقصف الصاروخي الإيراني، والخسائر والمكاسب هنا وهناك، واتجاهات الصراع في المنطقة، وانعكاساتها على الأوضاع العربية ، وذلك على النحو التالي:


الأولى، يجب الإقرار أنه بمقتل الفريق قاسم سليماني تكون إيران قد خسرتْ قائداً عسكرياً بارزاً ، أستطاع على مدى أكثر من ثلاثين عاماً أنْ يُشيِّد درعاً أمنيًا وعسكريًا خارجياً قوياً لحماية الدولة الإيرانية ، المتبنية للأيديولوجية الإسلامية الشيعية الاثناعشرية، النازعة للفتح الإمبراطوري في محيطها الإسلامي . كما أستطاع سليماني أنْ يعمل على مد نفوذ إيران إلى عددٍ من الأقطار العربية والإسلامية، كالعراق ولبنان وسوريا وفلسطين واليمن والبحرين وأفغانستان، والمساهمة في صياغة رؤية إيران السياسية والإستراتيجية في المنطقة.
وعلى الرغم من أنَّ القيادة الإيرانية عيَّنتْ خلفًا له، هو العميد إسماعيل قاآني ، إلاَّ أنَّ الأخير لن يكون في مقدوره ملء الفراغ الذي تركه قاسم سليماني. وبالتالي لن يكون في مقدور إيران ، على المدى القصير على الأقل ، تعويض قاسم سليماني بقائد يحمل ذات الخصائص القيادية الكاريزمية، Charismatic، المتفردة. من جانب آخر فأنَّ الحكومة الأمريكية سعت، وبشكل خاص عقب الأحداث إلى تعزيز ومضاعفة العقوبات الاقتصادية ضد إيران وإرسال المزيد من القوات العسكرية إلى المنطقة. وبهذا المعنى فأنَّ مقتل قاسم سليماني ، وما تلاه من عقوبات سياسية واقتصادية وحصار وتهديد كانت ضربة موجعة لإيران.


الثانية ، إنَّ إيران فُوجِئَتْ بفاجعة اغتيال القائد العسكري والسياسي البارز الفريق قاسم سليماني، إلاَّ أنَّها تماسكت و فاجأت العالم أنَّها لا تخشى أمريكا الامبريالية القوية ، على الرغم من ضعفها الاقتصادي والعسكري مقارنة بأمريكا. وبهذا الموقف برهنتْ على قوة شكيمتها ، وكشفت عن ما تمتلكه من روح التحدي أمام الطغيان الإمبريالي الأمريكي. و لا ريب أنَّ هذا البعد المعنوي في حسابات القوة، عامل مُهم ومُجرَّب في معارك الشعوب المصيرية من أجل الحرية والاستقلال والكرامة الإنسانية. فالقوة المعنوية ساعدتْ الفيتناميين على هزيمة الوحش الامبريالي، وأجبرته على الانسحاب المُهين من فيتنام ، وساعدتْ الكوبيين على الثبات في وجه الغطرسة الامبريالية لأكثر من ستين عاماً ، كما ساعدت الفنزويليين على الصمود في وجه التدخل المتزايد للإمبريالية الأمريكية في فنزويلا.
وهذه المقاربة لا تخفي، على أية حال، الوجه القبيح للنظام الإيراني، القائم على الرؤية الكهنوتية ، القامعة للمعارضة المدنيِّة في الداخل ، والنازعة للتوسع السياسي والعسكري في الخارج، ضمن رؤية دينية مغلقة من شأنها أنْ تفضي إلى طريق مسدود في نهاية المطاف، كما يترَاءى لكل محلل عقلاني، يراقب النظام السياسي الإيراني عن قرب، أو بعد . غير أنَّ التحليل الموضوعي للوضع في إيران يقتضي أنْ نشير إلى الوجه الآخر لإيران ، وهو أنَّ السلطة الإيرانية وعلى الرغم من أنها تُدار من قبل جماعة تسعى للانتقام من التاريخ وتحقيق غاية دينية ضيقة ، فأنها في الواقع نخبة سياسية ذكية وبرجماتية غير مغلقة. فهي تحتكم إلى القانون والانتخابات ، و تَحكم وفق آلية شبه ديمقراطية ، حيث يُسمح في إطارها بتنوع وتباين الآراء إلى حدود معقولة.
و ضمن هذه الآلية السياسية تمكنت النخبة السياسية الإيرانية أنْ تدير المجتمع بمهارة ، وتحقق نهضة صناعية وزراعية وتعليمية كبيرة، وتعزز القاعدة الاجتماعية للحكم ، وتصمد في وجه العدوان والحصار لأكثر من أربعين عامًا ، وتتبنى سياسية وطنية مستقلة ، مناهضة بقوة للكيان الصهيوني و الامبريالية الأمريكية ، بكونها " الشيطان الأكبر"، وليست "آلهة العصر" كما يراها بعض الحكام العرب المعطوبين بالجهل والتعفن السياسي.


الثالثة ، ترتب على مقتل الفريق قاسم سليماني والرد الصاروخي الإيراني على القاعدتين الأمريكيتين في العراق في 8 يناير ٢٠٢٠ ، أنَّ اللُحمة الوطنية بين الشعوب الإيرانية ، بمختلف أعراقها وطوائفها ، والسلطة السياسية، تعززت بقوة ، وارتقت الوطنية الإيرانية إلى ذرى سامقة ، تجاه الخطر المحدق بإيران . الأمر الذي عزز ، بدوره ، من قدرة السلطة على الصمود والتصدي للعدوان الخارجي الجديد.
الرابعة، دفعت الإحداث الدرامية الأنظمة العربية الخليجية ، وبشكل خاص السعودية والإمارات والبحرين والأردن ، إلى ابتلاع فرحتها ، حينما أعلنتْ إيران ،عقب قصفها للقاعدتين الأمريكيتين في العراق ، أنَّ أي هجومِ أمريكي ينطلق من الدول الخليجية ، سيدفع إيران للرد بشكل ساحق على تلك البلدان.


الخامسة ، إنَّ إيران عززت في الآونة الأخيرة علاقاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع كل من الصين وروسيا الاتحادية ، وتجلى ذلك التعاون من خلال المناورات العسكرية التي جرت في خليج عُمان في أواخر ديسمبر الماضي 2019. كما إنَّ مقتل سليماني منحَ إيران "المهددة" مبرراً سياسياً أمام الرأي العام المحلي و العالمي للتراجع عن اتفاقية البرنامج النووي الذي أُبرم بينها وبين مجموعة الخمسة زائد واحد. وهذا التراجع، المُبرر منطقياً ، أتاح لإيران فرصة مواتية لاستئناف تخصيب اليورانيوم ، Uranium ، بخطى سريعة، وهو الأمر الذي يمكن أن يتيح لها ، و خلال وقتٍ وجيز نسبياً ، الشروع في صناعة السلاح النووي ، وتعزيز قدراتها الدفاعية.
السادسة، ترتب على الرد الصاروخي الإيراني تعزيز ثقة ما يُسمى ب " محور المقاومة" في كل من العراق وسوريا ولبنان، وفلسطين واليمن، وأفغانستان وغيرها. وبالتالي إطلاق يد تلك الفصائل لضرب حلفاء أمريكا ومواصلة الهجوم على الوجود الأمريكي في المنطقة العربية والإسلامية حتى يتم إجبارها على الخروج من المنطقة بشكل نهائي . الأمر الذي جعل الأمريكيين في هذه البلدان يشعرون أنهم يجلسون فوق مقلاة ساخنة، أكثر من أي وقتِ مضى، وهو أمرٌ ما كانوا يتوقعونه ، أو يريدونه البتة، خاصة في هذه المرحلة السياسية الحرجة ، حيث تجري التحضيرات للانتخابات الرئاسية الأمريكية في الخريف المقبل.


السابعة، وفي ظل هذه الظروف سعت الحكومة الأمريكية إلى تشديد العقوبات الاقتصادية وأحكام الحصار على إيران ، و أعربت عن رفضها الخروج من العراق متجاهلة طلب البرلمان العراقي ، ومتذرعة أنَّ طلب البرلمان العراقي لم يُعبِّر عن الأكراد والعرب السنة في العراق! كما سعت ، قبل أيام ، إلى الاستعانة بحلف شمال الأطلنطي ، الناتو، لمواجهة المُستجدات الجديدة في الشرق الأوسط، الأمر الذي يشير بوضوح إلى تصميمها على البقاء في العالم العربي.


الثامنة، استأنفت الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذ مخططها التخريبي ، الذي رسمه المؤرخ الصهيوني برنارد لويس ، Bernard Lewis، الهادف إلى تفتيت وتقاسم العالم العربي والإسلامي ، وبالتالي سعت بحماس إلى تنشيط لعبتها القديمة، القائمة على ثنائية الصراع بين الشيعة والسنة ، وعلى ثنائية الصراع بين المسلمين والمسيحيين ، وعلى ثلاثية الصراع بين العرب والأكراد والبربر، من أجل تعميق الانقسامات العربية والإسلامية، ومن ثم التمكن من الفتك بالجميع ، و التوسيع وبسط إمبراطوريتها العدوانية على العالم العربي والإسلامي.

التاسعة، ومن جانب تجاوبت النخب السياسية في العالم العربي، المعطوبة بشتى الأمراض السياسية والطائفية والقبلية والجهوية ، واستأنفت هي الأخرى نشاطها الجهنمي الأعمى ، بالتمحور حول أيديولوجيات الانتحار ، وشرعت بحماس أكثر من أي وقتٍ مضى في تحريض الجماهير السنية ضد الجماهير الشيعية وضد إيران، داعية إلى قتلها ، ومدافعة عن السعودية وأمريكا السنيتين. كما سعى الطرف الآخر إلى تحريض الجماهير الشيعية ضد الجماهير السنية ، داعية إلى إهلاكها ، ومتوثبة للدفاع حتى الموت عن جمهورية إيران الإسلامية.


العاشرة ، في هذا المناخ السياسي المسموم ، تعمل الأنظمة العربية على إقناع الولايات المتحدة على إبقاء قواتها في الوطن العربي لحماية المصالح الطبقية المشتركة ، وتسعى لتهيئة المسرح العربي للموت ، خدمة لمصالح القوى الامبريالية في المنطقة.


في الأخير لا بد من الإشارة إلى أنَّ الأوضاع في العراق واليمن ولبنان وفلسطين ستزداد سواءً في قادم الأيام. إما ودول الخليج المتعفنة فستستمر في ممارسة السحر، و ستعمل ، تحت ضغط الخوف ، على تمويل انتخابات دونالد ترامب في الخريف المقبل ، وإثراء الخزينة الأمريكية ، وشراء السلاح الأمريكي، وتعميق التبعية للامبريالية الأمريكية ، تحت وهم أنَّ أمريكا هي الحليف الأمين للعرب السنة ، الحريصة ، بشكل خاص ، على عرب الخليج، ولكن أمريكا الامبريالية ، في واقع الأمر ، حريصة على البترول وإسرائيل وعلى التوسع في المنطقة لاعتبارات سياسية و إستراتيجية من أجل كبح جماع التوسع الصيني والروسي ، فضلًا عن التوسع الإيراني والتركي ، إما الحكام العرب والنخب السياسية، فشأنهم مختلف ، فهم من وجهة نظر أمريكا الامبريالية مفيدون ، ولكنهم أقل أهمية من روث الإبل في الصحراء ، وسيبقون كذلك إلى زمن طويل ، كما يرى كثيرون ، ما لم يتجاوز العرب الانقسامات ، و يعملوا على تعزيز الهوية القومية الجامعة ، ويتحرروا من التبعية السياسية للغرب الامبريالي ، ويعملوا على تحرير شعوبهم من العبودية والصراعات الطائفية والعرقية ، و يحترموا إرادة شعوبهم وحقها في حياة حرة كريمة ، وينتصروا للعدالة الاجتماعية ، ويتخلوا عن الأوهام والمفاهيم الخرافية التي تحكم رؤيتهم للعالم، و يشرعوا في التفكير بشكل عقلاني ، وبما يتلاءم و منطق العصر.
غير أنّ ذلك لن يحدث طوعاً ، وعلى الشعوب العربية أنْ لا تسمح بتفكيك كياناتها ، و عليها أنْ تصون كياناتها ، و "تفك ارتباطها" بقوى التخلف المحلية والخارجية ، وتنظم نفسها ، وتسعى لتحقيق غاياتها النبيلة في الحرية والعدالة والتقدم بنفسها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال