الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليبيا وصراعات مصالح غاز شرق المتوسط : أزمة القومي العربي والإسلامي الأممي !

محمود الزهيري

2020 / 1 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يتكالب أصحاب المصالح علي الشعب الليبي الممزع الأشلاء بصنائع إجرامية لم يكن له فيها ثمة إرادة للخراب , وعلي وجه خاص بعد الإطاحة بنظام الراحل العقيد القذافي , الذي صار الحديث عن مآثره أو جرائمه في هذا التوقيت بمثابة لون من ألوان العبث التافه أو الهراء السياسي الحقير , ومابين التفاهة والحقارة تصنع أزمات خطيرة بإرادة المجرمين من المنتمين للتيار العروبي القومي والتيار الإسلامي الأممي علي حد سواء , ويصدق ذلك ما يحدث من دول تنتمي لنادي العروبة والقومية العربية التي صارت وكأنها عار يتباري الجميع في التخلي عنها وعن المباديء المصنوعة علي أعين أصحاب الخيانة والعار , إلا أن هناك من يريد إبتعاث الروح , والمتوهم بأنها خامدة تحت الرماد التركي والركام التاريخي والتراثي الإسلامي , ممثلاً في شخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان , بالتعاون مع الأمير القطري تميم بن حمد آل خليفة , وبمشاركة العصابات والتيارات والجماعات الدينية الإسلامية المنتشرة في ربوع الأوطان العربية والإسلامية والمتعدية لحدود تلك الأوطان , لتكون متلازمة الخراب والعروبة والقومية متصادقة مع متلازمة الخراب والأممية الإسلامية , فهنا يصدق القول بأن إنتماءات العروبة وإنتماءات الإسلام الأممي , كانت ومازالت أخطر معوق لتقدم دول العرب والمسلمين علي حد سواء , وهذا المعوق مازال يعمل بجدارة الخيانة والعمالة في دول العرب والمسلمين , والجغرافيا شاهدة علي ذلك , وأمثلتها تدلل عليها الجغرافية الليبية والعراقية والسورية واليمنية , بل وصارت لبنان علي محك الخراب , وستتوالي مشاهد الخراب لتطال باقي دول العرب والمسلمين , بأسباب راجعها للجهل والعنصرية والتمييز , وبالطبع منتجات الإستبداد العسكري / الديني / الأمني , ودوائر الفسادات اللانهائية , وانعدام القرار الوطني وتبعيته لإرادات القوي الخارجية المؤثرة في صناعة القرارات الوطنية أو الدولية ..
مايحدث في ليبيا من حرب أهلية يزكي نيرانها أطراف خارجية , يعود إلي دول عربية وأخري إسلامية , وإن كانت هذه الدول في الأساس لاتمتلك ثمة قرار يتضمن الداخل الوطني أو الخارج الأجنبي , فالتافهين والضعفاء لايمتلكون قرار في عالم الجشعين الأقوياء والموظفين للعقل والتكنولوجيا العسكرية في إدارة صراعات ومعارك وحروب الخراب !
الصراع المصنوع في ليبيا والتدخل الأجنبي في القرار الليبي لم يخرج حتي الأن عن المصالح المتراكمة في غاز شرق المتوسط , والذي تبحث تركيا عن حصة تمكنها من تحسين أوضاعها الإقتصادية بإعتبارها قوة لها طموح مخادع و متعدي وعابر للقومية تحت مسمي الأممية الإسلامية أو محاولات إبتعاث الخلافة الإسلامية , لتكون هي الأداة الفاعلة في تحسين وتقوية اقتصادياتها علي المدي البعيد , وخاصة بعد بزوغ نجم الدولة العبرية في أواسط وعواصم عربية عديدة , والتواجد العبري صار بلا مواربة أو مماحلة أو خفاء , فهاهي صارت دولة مصدرة للغاز إلي الأردن ومصر بجانب تصديرها للغاز إلي أوروبا عبر قبرص واليونان وإيطاليا , وتسعي لإنشاء منظمة إقليمية بالتعاون مع الدولة المصرية لتصدير غاز شرق المتوسط ولتضم عدة دول منها قبرص واليونان وايطاليا والأردن وفلسطين وذلك خلال انعقاد قمة لهذا الشأن , والذي ستكون فيه لإسرائيل الدور الأعظم إقتصادياً .
وحال قراءة المشهد الليبي , لايمكن تجاهل المشهد التركي والإسرائيلي وبالطبع المشهد الإيراني, فالزعامة والقيادة في القادم ستكون للدولة العبرية والتركية والإيرانية , وهذا سيكون علي أنقاض الدول العربية والدول الإسلامية , والتي سيتم إغراقها في العديد من الصراعات الدينية والطائفية وخلق العديد من المشاكل والأزمات لقيادات وزعامات هذه الدول لتكون أكثر طواعية وتخديماً لأدوار هذه الدول والتي ستكون في النهاية خادمة للدور الأمريكي , وبعض الدول الأوروبية المتحالفة مع الإرادة والقرار الأمريكي في مواجهة الدولة الروسية , ليصير دورها بمثابة حارس علي مصالح تلك الدول عبر خلق تلك النزاعات التي تنشغل معها الدولة الروسية بمصالحها عبر تواجدها كحارس بلا أجر !
وبالفعل فإن الدولة الروسية واقعة في أزمات بسبب خط غاز شرق المتوسط المتجه من إسرائيل إلي قبرص واليونان ومنهما إلي أوروبا , مما يؤثر علي الإقتصاد الروسي الذي تم تخفيض تصديره للغاز إلي أوروبا من 107 مليون متر مكعب إلي مايقارب 36 مليون متر مكعب , خاصة وأن الدولة الروسية تمتلك الإحتياطي الأكبر للغاز عالمياً , والذي تمر صادراتها منه عبر الدولة الأوكرانية , ونظراً لإتفاقيات تعدد مصادر إستيراد الطاقة مع أوروبا , فإن روسيا ستكون المتضررة من خط غاز شرق المتوسط هذا , والذي تقدر إحتياطياته بــ 122 تريليون متر مكعب , ومن ثم تبحث لها عن دور عبر هذا الخط الذي من الممكن من خلاله أن تقوم بتصدير حصة من الغاز خلاله , وكذا نظراً لإستبعاد الدولة التركية من منظمة غاز شرق المتوسط للخلافات الحادة بينها وبين الدولة المصرية التي تمثل طرفاً رئيساً في هذه المنظمة التي سيتم إنشائها والإعلان عنها قريباً , ونظراً لفقر الدولة التركية في مصادر الطاقة وخاصة الغاز , كان البحث عن دور بديل عبر التدخل في القرار الليبي بغطاءات دولية مزيفة , وصولاً لحصة في غاز شرق المتوسط , حتي وإن كانت علي أشلاء ودماء الشعب الليبي , ولايمكن نسيان الدور القطري المساند لتركيا في هذا الشأن , والذي يستخدم العديد من الجماعات والتيارات الدينية المسلحة كأدوات لخلق بؤر صراعات دموية ويتم خلق دوائر توازنات للقوي ومن خلاله يمكن التأثير علي القرار الليبي , وصولاً لأعظم قدر من المصالح !
ومع التواجد التركي في الأراضي الليبية , يمكن أن يكون لتركيا وروسيا دور متعاظم بشأن غاز شرق المتوسط , بالرغم من أن الجانب الروسي متحالف مع خليفة حفتر , والجانب التركي متحالف مع فايز السراج , ولكن المصالح تنحي الخلافات السياسية حيناً , وتبقي علي المصالح الإقتصادية , ولايمكن إغفال أن روسيا تصدر لتركيا الغاز عبر خطي تورك ستريم , وقدرة كل خط مايقترب من 16 مليار متر مكعب أحدهما يغزي الدولة التركية والأخر يصدر لأوروبا عبر خط تورك ستريم , وأن جملة المصالح المتبادلة بين الدولة التركية والروسية تقترب سنوياً من 100 مليار دولار أمريكي , وهذا يؤدي إلي نسيان خلافات السياسة , وتضاد القرارات السياسية , والإبقاء والحفاظ علي كتل المصالح المليارية !
وعلي هذا المنوال تسعي الدولة التركية , والدولة القطرية , إلي إعادة إنتاج وتصدير الأزمة السورية إلي الدولة الليبية , وحسب العديد من المصادر والغير مؤكدة , فإنه تم إرسال مايزيد علي 3500 فرد من أفراد الجماعات الدينية , ليتشاركوا مع جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا عبر فروعها المسماة بـ " الصلابي " نسبة لـ علي الصلابي , القيادي الإخواني , والجماعة الليبية المسلحة والتي تنتمي إلي عبدالحكيم بلحاج , إلي جانب العديد من العناصر الدينية المسلحة , والممولة عبر تركيا وقطر , والموالين لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج , وعلي الجانب الآخر , تكون السعودية والإمارات ومصر وروسيا , والمتحالفين مع المشير خليفة حفتر , وهكذا تصير ليبيا أرض للصراع من أجل المصالح , وليكن غاز شرق المتوسط , والبحث عن أدوار من خلال التواجد علي الأراضي الليبية , ليتم إستخدام ليبيا كورقة من أوراق إدارة الأزمة أو أداة من أدوات الضغط علي الأطراف اصحاب المصالح في منظمة غاز شرق المتوسط , وهذا يتم علي حساب الشعب الليبي , وإعادة تصدير وإنتاج المأساة السورية علي الأراضي والجغرافيا الليبية !
والمثير في الأمر , أن الصراع علي غاز شرق المتوسط , لايمكن أن يخرج إيران من المعادلة , عبر الدولة السورية المأزومة بالحرب الأهلية والتي لتركيا وقطر دور خطير في إدارتها وصناعتها , وكذلك التواجد الروسي في الدولة السورية والمتحالف مع إيران ضد الجماعات والتيارات الدينية المسلحة , وكذلك التواجد الإيراني عبر تنظيم حماس في غزة , وحزب الله في الدولة اللبنانية , مما يجعل إيران غير بعيدة عن إدارة هذا الصراع , خاصة وأن حصة فلسطين / غزة , وحصة لبنان , وسوريا في غاز شرق المتوسط تكاد تكون متلاشية لحد الصفر , نظرااً لأحوال سوريا ولبنان وغزة , وهذا له تداعياته في المستقبل , حتي بالرغم من وجود الأردن وفلسطين في عضوية المنظمة وتغييب تركيا وروسيا و سوريا ولبنان من معادلة المصالح التي تتبناها منظمة غاز شرق المتوسط , والتوتر الحاصل في لبنان , وغزة وسوريا , يجعل إيران مراقب جيد للأحداث , ومشارك في صناعة الأزمات لهذه الدولة لحماية الأمن القومي الإيراني بواسطة الأذرع الطويلة الخارجية .
والسؤال الذي تتم إثارته علي الدوام والمتمثل في مدي إمكانية نشوب حرب بين تركيا ومصر علي الأراضي الليبية , وهذا تنفيه دلائل وإشارات كثيرة , ويعود لإنقسام الجغرفيا الليبية إلي جبهتين أو قسمين أحدهما شرقي والملاصق لتونس والجزائر , واللآخر غربي والملاصق للحدود المصرية , وتوجد أطراف متحاربة , وسيكون الدور المصري والسعودي والإماراتي والروسي والأردني بمثابة أياد مساعدة ومعاونة للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر , كما تساعد تركيا وقطر ومعهما أفراد من الجيش التركي والمستشارين العسكريين , بجانب الجماعات الدينية الممولة , مما يجعل الصراع التركي المصري داخل الأراضي الليبية غير وارد, ويصعب القرار التركي بإستهداف الدولة المصرية عبر أراضيها أو مياهها الإقليمية , وذلك لإتساع رقعة الأرض والجغرافيا الليبية , وبعد المسافة بين الدولة التركية وبين الدولة الليبية , والتي تصل إلي مايقرب من 2180 كم , وكذلك خشية الأطراف الدولية علي مصالحها في المنطقة , بجانب أن تأهيل ليبيا إلي التقسيم قد يكون من الأدوار المؤهلة لإنعدام فرصة الحرب بين مصر وتركيا ..
وعلي حسب هذه القراءة فإن الأزمة مازالت تسكن الجغرافيا الليبية , وتسكن عقول أطرافها , ومصالحهم الحقيرة المتعدية للحدود الوطنية الليبية إلي دائرة القومية العربية أو الأممية الإسلامية , واللذين صارا بمثابة مستنقعين عطنين آسنين تسبح فيهما طموحاتهم الهزيلة , وأحلامهم المريضة وتخيلاتهم المتوهمة السفيهة , وهذا علي حساب المخصوم من الوطن والمواطن الليبي في آن معاً , وحسب التجارب التي مرت بالعديد من الدول والتي صارت خراباً , وتعلمت ووعت دروس الخراب , وتيقنت بأنه لانجاة ولاتقدم ولا تنمية إلا خلال تفعيل دور دولة المواطنة المدنية العلمانية المؤسسة علي المساواة والعدل وتكافوء الفرص , والتي تبني علي المؤسسات , وتعلي من شأن الحوار والإختلاف وقبول الآخر والديمقراطية التشاورية , وتعطي ملفي الصحة والتعليم والبحث العلمي شأناًَ عظيماً , ومازال المثال الصارخ للدولة العبرية يدلل علي ذلك , ويشير إليه متهماً كافة الدول العربية والإسلامية بالفساد والإستبداد والطغيان واستخدام الدين والمذهبية والطائفية بمثابة أدوات للخراب وإعلاء شأن نظرية المؤامرة والحرب علي الدين وتهديد الأمن القومي , إلي غير ذلك من الأدوات التي صارت مفضوحة في توظيفاتها الإجرامية ..
ومازالت ثروات الشعب الليبي تجعله من أعظم الدول في كافة المجالات والأصعدة, لتكون ليبيا دولة عصرية حديثة متمتعة بكافة الإمكانات والقدرات العلمية والتكنولوجيا والعسكرية , في زمن قياسي قصير , وهذا لن يتحقق إلا بإرادة المواطنين الليبيين في طرح كافة الصراعات القومانية العروبية , والصراعات الدينية الطائفية والمذهبية , وتفعيل دولة المواطنة والديمقراطية والحريات الفردية والمجتمعية , ومازال النموذج التونسي حياً شاخصاً , ويمكن تتبع اثره السلمي الآمن , عبر التوافق علي أن تكون المشتركات الإنسانية هي الأساس في التوافق , وتليها كافة المشتركات الوطنية الليبية الخالصة .
مازال العقلاء والحكماء من أبناء الشعب الليبي قادرين علي صناعة المستقبل الليبي بجدارة العقل والحكمة والإرادة الواعية المدركة لمفهوم الوطن ومفهوم الدولة والتنمية والسلام والديمقراطية والدولة المدنية العلمانية كحل أخير ونهائي , فهل سيتحرك العقلاء والحكماء عبر طرح المبادرات ولوائح المطالب والجلوس عبر مائدة مستديرة للحوار الليبي الليبي برعاية أممية غير منحازة !؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah


.. #shorts -75- Al-baqarah




.. #shorts -81- Al-baqarah