الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول ثقافة البدول The Bedoul في محمية (Petra) الأثرية

صالح أبو طويلة

2020 / 1 / 17
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


في سياق الموقف الإيديولوجي المسبق لإصدار الأحكام العلمية والتاريخية تسقط الأمانة العلمية والموضوعية؛ حيث لا يتمكن الناقد أو الباحث من التحلل من (معاييره الثقافية وتوجهاته الإيديولوجية) ...يشير الفيلسوف الفرنسي بيير بورديو إلى مسألة التخلص مما يسمى ب(الحس المشترك) حيث يقوم الباحث بعملية انعكاسية لإعادة التموضع بعيدا عن توجهاته العقائدية ومعاييره الثقافية، صحيح أن الباحث لا يمكنه التحلل بشكل كامل من الذاتية، لكن يمكنه إعادة تطبيع الذات العارفة (وعبر مراحل قاسية) للحكم بشكل موضوعي على (الموضوع ذاته أو القضية قيد الدراسة ضمن ظروفها الزمكانية)، وإلا فإنه لن يفلح في إنتاج أية مسألة علمية وسيغدو تحليله مشوها تماما.
للرد على هذه المسألة ينبغي طرح مجموعة من المفاهيم الإبستيمولوجية وتشريحها للتوصل إلى مفاهيم (القبيلة، البداوة) ...تلك مفاهيم لا زالت ملتبسة في المنطقة العربية عموما...دعونا نضيق الدائرة ونحددها بالأردن : كيف نحدد مفهوم القبيلة والبداوة والثقافة البدوية؟ تلك العملية تحتاج أولا إلى مزيد من البحث والنقاش للخروج من التقسيمات التقليدية الخاطئة (بدوي، شبه بدوي، فلاح، شبه فلاح) ولكني سأحاول تقريب هذه الإشكالات فيما بعد من خلال طرح بعض الملاحظات وصولا الى صياغة مقالة مستقبلية مفصلة حول هذه الموضوع، لكنني سأعرج ضمن ملاحظات حول مسألة الأصالة أو الزيف لدى البدول كما تم طرحها ....
1- كيف لنا أن نحكم على ممارسات ثقافية استنادا إلى مقولة لأحد الزائرين العابرين لأيام معدودة، لا تتوفر هنا شروط الملاحظة بالمشاركة والرصد المتعمق والمنهج العلمي.(مورفولوجيا أم صيحون تعكس رؤية الدولة تجاه البدو وطريقة توطينهم، ولكنها لا تعكس رؤية البدول أنفسهم تجاه أنفسهم والعالم من حولهم)، على الرغم من محاولة البدول التأثير في الواقع المورفولوجي لأم صيحون في فترة زمنية محددة (من خلال اضافة التشكيلات الحضرية البيضوية التي تعكس رؤية البدو للفضاء المكاني)
2- يجب الأخذ بعين الاعتبار أن البدول ضمن ثلاثة أجيال (الجيل الأول وهو المغرق في البداوة (أيا كان تصنيفها)، الجيل المخضرم (الذي عاش فترتين متساويتين زمنيا ما قبل وما بعد الترحيل (هو مثل جيلنا نحن مواليد السبعينات الذين عاشوا مرحلة ما قبل العولمة الرقمية وما بعدها)، الجيل الشاب الذي ولد في أم صيحون وطرأت عليه تغيرات اجتماعية واقتصادية وثقافية بسبب الظروف المتوترة التي تعرض لها.
3- بما أن اليونسكو حددت البدول ومعهم قبائل أخرى كممثلين للتراث غير المادي خلال الأعوام 2006-2008 في مناطق البترا ووادي رم ، كان من الأجدر إيجاد آليات وبرامج لحفظ تراثهم وتثقيفهم بالأدوات اللازمة للحفاظ على الهوية الثقافية (طبعا هذا لا يعني العودة الى الكهوف، ولا استخدام النار في المنازل) لا يمكن تجسيد الثقافة بشكلها الاصلي الا ضمن مواقف وممارسات محددة زمنيا ومكانيا (ولكن هذا ما لا يدركه الباحث المتحيز لموقفه الأيديولوجي)
5- تم إنشاء مركز الاميرة بسمة لحفظ التراث الغير مادي (كانت الفكرة هي توجيه المؤسسات للعناية بتراث البدول -بحسب اعتقادي-) لكن البرامج تم توجيهها لمناطق ومكونات اجتماعية أخرى باستثناء البدول.
6- من خلال المسح الاستكشافي تبين أن الدراسات والأبحاث المحلية قامت بتهميش البدول تماما لأسباب خفية، فيما جاءت الدراسات الاجنبية غزيرة بالنسبة لثقافة وأنماط عيش البدول (جاءت هذه الدراسات في سياق الصراع الايديولوجي والطبقي والهوياتي حول من يمتلك الشرعية التاريخية للمجال الترابي)
7- إن فكرة تجسيد الثقافة الأصلية والأصيلة لم تتبلور لدى شباب البدول بسبب ارتفاع مستوى التثاقف(Acculturation) مع الشعوب الاوروبية، وهذا ليس عيبا بل قد يحمل ايجابيات كثيرة غير الجانب الاقتصادي (يدركها البدول أنفسهم) ، الى جانب غياب الرؤية الرسمية لتطوير وحماية الثقافة الأصيلة لدى المجتمعات الاردنية القديمة بشكل عام. ومن هنا تأتي التحديات العميقة بالنسبة لشباب البدول في كيفية التعاطي مع منجزات الحداثة مع الحفاظ على الهوية الأصيلة.
8- الواقع السكني والضغط النفسي داخل ام صيحون لا يمكن ان يقود الى خلق سياحة بدوية اصيلة بمنتج ثقافي أصيل، ولو توفرت الشروط التنموية لأمكن حماية وتجسيد المفردات الثقافية للبدول، هذا الإشكال لا ينفي وجود ثقافة بدوية حاضرة (تحديدا في الفضاء المكاني والمجال الترابي للموقع الأثري، إذ يمكننا العثور على أنماط متعددة للممارسات الثقافية الحية والأصيلة داخل ام صيحون وفي الموقع الأثري وفي سطوح النبي هارون).
9- إن الظروف المعقدة التي تحكم مجتمع البدول تقود إلى إشكاليات عميقة في التعبير عن الهوية الثقافية، ومن هنا لا يمكن إجراء مقارنة بين أي مكون بدوي (يقدم أنماطا من الحياة البدوية الأصيلة) والبدول، لأن المعايير هنا لن تكون علمية أبدا.

* البدول The Bedoul : قبيلة بدوية كانت تسكن كهوف البترا الأثرية جنوب الأردن، تم ترحيلها عام 1985 (إلى منطقة أنشئت خصيصا تدعى (أم صيحون) ) بعد صدور تعليمات اليونسكو بإدراج البترا ضمن لائحة التراث العالمي، كما أدرجت اليونسكو البدول كممثلين للتراث الغير المادي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س