الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول ورش النتائج في العمل الاداري

عبد السلام انويكًة
باحث

2020 / 1 / 17
الادارة و الاقتصاد


في زمن رقمي وتدفق معارف ورهان تجويد وجودة وغيرها، بات من الاستراتيجي العمل من أجل نتائج ملموسة رافعة لنماء ومساهمة في حل مشكلات. ولعل النتائج هي ما هو تغيير قابل لقياس ووصف، باعتباره نتاج تنزيل أنشطة ما وفق مراحل ما. ولا شك أن التدبير بالنتائج سبيل اداري يروم فاعلية وكفاية أداء من خلال تحديد متوقع منها، بناء على أهداف ينبغي أن تكون بواقعية وقابلية للتحقق في حدود امكانات متوفرة، ومن خلال مدخلات وأنشطة ومخرجات ناهيك عما هو بيئة محيطة بمثابة مكون مؤثر. والتدبير بالنتائج أو المتمحور حول النتائج تجنباً لأي لبس، حديث عن أسلوب عمل أبان عن نجاعة في مجالات عدة منذ عقود في دول الشمال. بقدر ما هو عليه من تقاطع مع نماذج مجاورة أحيطت باهتمام معبر في الوسط التربوي بالمغرب منذ حوالي العقدين، بقدر ما يبقى بتميز لفاعليته ودقته وحصيلته، لِما يعتمده من مساطر منهجية ذات أهمية وصدقية من خلال تتبع وانجاز مهام وقراءة نتائج مؤسسات بناء على معايير ومؤشرات.
ولعل ما سجل من قِبل باحثين وفاعلين ومسؤولين من هشاشة ذات طبيعة انتاجية وضعف مداخيل مؤسسات ووحدات وغيرها، كان من دوافع اعتماد أسلوب التدبير بالنتائج. فضلاً عما بات من حاجة متزايدة لخدمات أساسية تجمع بين صحة وتعليم وسكن وبنيات تحتية وغيرها، اضافة لِما حصل من اتساع رأي ونقد وتتبع لجميع ما هو قطاع عام في اطار ربط المسؤولية بالمحاسبة وتقديم الحساب. والى جانب ما طبع فعل التدبير العمومي من تحولات وصعاب كانت بأثر في تعقيد الأمور، عمق ترابط المؤسسات ومن خلالها علاقات دول من سؤال النتائج، ناهيك عما سجل من غنى قانوني واتساع وعي مجتمع وتحولات سياسية وثقافية واقتصادية، وما أفرزته عولمة سوق وانتاج وموارد ... دفعت لتركيز أكثر على ما هو فعل وممارسة وانجازات بعيداً عما هو شفويات.
وباعتباره مسار خيار ورهان يمكن الحديث في التدبير بالنتائج عن فترات باهتمامات متباينة طبعته منذ سبعينات القرن الماضي، بحيث الى غاية ثمانينات هذا الأخير كان هناك تدبير بأهداف في علاقة بترشيد اختيارات ميزناتية، قبل الانتقال خلال فترة التسعينات للحديث عن تجويد وجودة وعن تدبير بنتائج بات مقاربة متبناة من قبل التعاون الدولي. مع أهمية الاشارة لِما ارتبط بهذا الأسلوب في التدبير مع بداية الألفية الثالثة، وخاصة حدث قمة الألفية التي حضرتها حوالي مائتي دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة اتفقت على انعاش نماء أكثر فاعلية واستدامة. اضافة لما تم تداوله في مؤتمر منتيري بالمكسيك وما طرح في مائدة واشنطن المستديرة 2002، فضلاً عما عقد هنا وهناك من لقاءات استهدفت النتائج في مجال التنمية، ومنها لقاء مراكش وما تضمنه من ثقافة التزام بانعاش تشارك دولي في أفق توسيع وعاء التدبير بالنتائج في في هذا الاطار. هذا قبل ما يعرف في الأوساط المعنية بالتعاون من أجل التنمية بإعلان باريس، الذي تقاسمته جملة مبادئ تم تبنيها جمعت بين تعميم عمل تنزيل وتفعيل ثقافة التدبير بالنتائج وبين تحمل مشترك للمسؤولية حولها. اضافة لِما خلص اليه حول ربط أداء مساعدات دولية بدرجة انتقال الى تدبير بالنتائج، ما بات رهيناً بتقوية قدرات وما أقرته مائدة مستديرة عقدت في هانوي 2007.
وعلاقة بهذا الاطار الدولي وهذه الرؤية تجاه عمل تدبير بنتائج، تجدر الاشارة الى أن المغرب شارك في جميع اللقاءات الدولية حول التنمية ذات الصلة. بل التزم بتوطين هذا الأسلوب في التدبير منذ بداية الألفية الثالثة وفق دورية للوزير الأول في دجنبر 2001، فضلاً عن اقدامه على ارساء قواعد معنوية ومادية لمجتمع برهان حداثة ودمقرطة ذات طبيعة استشرافية. مع انتقال لإجراءات استهدفت تحقيق اندماج من أجل بيئة منسجمة رافعة لهذا التحول، منها ما حصل من مقاربة ميزانياتية (مالية) مبنية على مساءلة مدبرين ودرجة التزاماتهم بما هو انجاز ونتائج، عبر برمجة لعدة سنوات مع شمولية اعتمادات وتعاقد مثلما جاء في قانون مالية 2007.
وكان المغرب خلال السنوات الأخيرة على ايقاع رهان تحديث إداري جاء في سياق إصلاحات دستورية وما فرضته مستجدات سياسية واقتصادية واجتماعية، لخلق تدبير مؤسس على حكامة وتقاسم لأدوار ومسؤوليات ومهام بين فاعلين عموميين، في أفق قطيعة مع مقاربات تقليدية تخص تدبير شأن عام كثيراً ما تفتقد لرؤية واضحة .وعليه، بادر لتأسيس حكامة جيدة في مجال التدبير باعتماد مقاربة بالنتائج، مع وضع ادارة هادفة في مقدمة ما يجب أن تسعى لتحقيقه سياسات ادارية من غايات، لإحلال روابط ثقة بين إدارة ومواطن ولإرساء علاقات جديدة مع قطاع خاص في أفق شروط مناسبة لمقاولة مغربية واجنبية أكثر إسهاما في التنمية.
ووعيا بأهمية تحديث منظومة تدبيره العمومي وعقلنته، انخرط المغرب في تفعيل إدارة تأخذ بعين الاعتبار النتائج، سعياً منه لتطوير وترشيد أساليب تدبير اداري ومالي وانتقال من ثقافة تدبير تقليدية تقوم على وسائل إلى ثقافة أكثر استحضاراً لنتائج وتغيرات، كذا المساهمة في دعم أسس حكامة ادارية مؤسسة على تعاقد ومسؤولية وشفافية. وفي اطار مواجهته لعولمة اقتصاد وفي أفق تحسينه لظروف حياة مواطنين واستفادته من مساعدات خارجية، أطلق المغرب منذ تسعينات القرن الماضي سلسلة اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية باعتماد أساليب تدبير حديثة، منها اصلاح نظام تربية وتكوين من خلال ميثاق وطني كذا إرساء لامركزية/لاتمركز مع برنامج استعجالي ورؤية استراتيجية ثم اصلاح ميزانياتي.
ولكونه اختار بنفسه تبني رزنامة إصلاحات محدداً استفادته من اعانة خارجية كهدف له، فضلاً عما ورد حول كون ما حصل من جدول اصلاحات لم يفرض عليه من أية جهة أجنبية، اعتبر المغرب بلداً نموذجا للإصلاح في العالم العربي. لم تستهدف مجهودات مبادرته في مجال التعاون الخارجي انطلاق عملية الإصلاحات في البلاد، بقدر ما استهدفت مساندة وتشجيع برنامج اصلاحي بادرت به واليه الحكومة المغربية، ومن الاصلاحات التي كانت قد أثارت الانتباه هناك نظام التربية والتكوين والاصلاح الميزانياتي. وفي هذا الاطار كان تقرير اليونسكو حول مشروع التتبع المستمر للتربية للجميع على هامش مؤتمر داكار في أبريل 2000، قد أشار إلى أن المغرب هو بعجز كبير في مجال التربية الأساسية مع ضرورة تدخل مستعجل لمحاربة الفقر والأمية وعدم تعميم التمدرس، ما كان على وعي به ويستعد لمواجهته بدليل رسالة ملكية حول التربية في 2 فبراير 1999.
هكذا جاء ميثاق وطني للتربية والتكوين بجزئين متكاملين، الأول منهما مبينا لمبادئ رئيسية لنظام التعليم والتكوين وغاياته الكبرى وحقوق وواجبات مختلف الشركاء والتعبئة الوطنية اللازمة لإنجاح الإصلاح، أما الثاني فقد جمع ست مجالات للتجديد شملت تسعة عشرة دعامة للتغيير. وجاء ارساء لا مركزية ولا تمركز من خلال القانون 00-07 في 19 مايو 2000 المتعلق بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، كمؤسسات ذات شخصية معنوية واستقلالية مالية خاضعة لوصاية الدولة ومراقبة ماليتها المطبقة على المؤسسات العمومية بمقتضى تشريعات جاري بها العمل. فضلاً عما ارتبط بمرسوم 376.02.2 في 17 يوليوز 2002 المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بالمؤسسات التعليمية، وبإحداث مجالس تدبير على مستوى كل مؤسسة وإناطة المسؤولية بالأساتذة والآباء.
واذا كانت الميزانية الموضوعة رهن إشارة الحكومة هي الأداة الأكثر أهمية من أجل بلوغ الأهداف والنتائج التنموية في البلاد، وأنها تشكل ترجمة لتوجهاتها وسياستها الاقتصادية والاجتماعية وأولوياتها، وللمجهود المالي الذي يبذل لتنفيذ سياسات قطاعية كما الشأن التربوي التعليمي. فإن هدف الإصلاح الميزانياتي هو استجابة لجملة حاجيات لعل منها احترام توازنات مالية وإرساء شفافية وترشيد نفقات عمومية، كذا البحث عن فعالية ونجاعة ادارية مع ملائمة مسلسل تدبير ميزانية مع إطار لا تركيز فضلاً عما هناك من سياق دولي ووطني ذو صلة.
ومن هنا أولاً سؤال مقاربة المغرب الجديدة للميزانية التي استهدفت تعويض منطق وسائل بمنطق نتائج، علماً أن الأول هو ما كان معتمداً سابقاً بينما الثاني فهو المنشود. وثانياً سؤال مضمون الإصلاح الميزانياتي الذي جاء مصمماً بطريقة مترابطة وشاملة وفق ثلاث أبواب كالتالي، إعادة هيكلة الميزانية واعتماد تصنيفة جديدة لها على أساس برامج(شمولية اعتمادات وتحديد اهداف ونتائج ومؤشرات) جندرتها (بحسب فترات وسير عمل ونتائج..) فضلاً عن التعاقد، وضع اطار لنفقات متوسط المدى، ثم اصلاح شامل لمراقبة نفقات عمومية من خلال تخفيف المراقبة القبلية على الالتزام بها. وذلك من أجل تكييفها تبعاً لنضج مراقبة داخلية ودعم قدرات تدبير، كذا تعزيز المساعدة الاستشارية للآمرين بالصرف من قِبل وزارة المالية وانشاء مراقبة مصاحبة، وتوحيد وتسهيل اجراءات تنفيذ النفقات وارساء تدبير مندمج لها وتنمية افتحاص الأداء.
وفي علاقة بالتدبير بالنتائج وفهماً لمبادئه ومفاهيمه، من المفيد استعمال مفاهيم أساسية ومصطلحات وأدوات تخص هذا الأسلوب، وبناء سلسلة نتائج واختيار مؤشرات المردودية وتعريف المخاطر وتقييمها واتخاذ تدابير للحد منها، مع تعميق مفهوم تقديم الحساب وخلق إطار للتتبع وللمردودية. ولعل من أسس التدبير بالنتائج هناك أولاً مسؤولية ضمان مناخ عمل يكون فيه البحث عن نتائج وعمل مشترك ومحدد بوضوح، ثانياً شفافية تقوم على تقاسم أفضل للمعلومات وتوثيق أحسن للقرارات، فضلاً عن شراكة تنبني على تعاون مع متدخلين عبر توافق معهم. مع أهمية الاشارة من أجل تنزيل مفيد لهذا الأسلوب في التدبير الى ما هناك من أهمية للتبسيط لتسهيل الأجرأة، ومن قيمة لتعلم ميداني عبر الانجاز واعادته في اطار تصحيح مشاريع وبرامج ومخططات ضمن اتقان متدرج في أفق تعميم تطبيق إذا سمح الأمر بذلك.
إن صعوبة ضمان تحقيق نتائج من تدخلات ما جزئياً أو كلياً، هو ما كان وراء الحاجة للسؤال والتتبع والتقييم وفق مراحل لقياس درجة تحول وإنجاز محدث باتجاه محدد مؤمل على المدى القصير والمتوسط والبعيد. مع ما يقتضيه الأمر من مقارنة بين المنجز وما هو مخطط له، كذا تحديد الانحرافات وتفسيرها واتخاذ ما ينبغي من وقاية وتصحيح لازم لضبط الأداء. ولا شك أن كل هذا وذاك بحاجة لمنهجية عمل واضحة، تروم تحقيق نتائج وتغييرات تنموية وليس متابعة تنفيد أنشطة وإنتاج مخرجات وتقديم خدمات ما فقط. ولعل هذا هو ما جعل خيار التدبير بالنتائج كمقاربة يحظى باهتمام كبير لدى عدد من الجهات، في علاقته طبعاً بمحدودية موارد وعدم فاعلية تدخلات تزايد حولها تركيز على مساءلة وتقديم حساب.
عبد السلام انويكًة
عضو مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قاض بالمحكمة العليا البريطانية يحدد شهر أكتوبر للنظر في دعوى


.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 أبريل 2024




.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال


.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة




.. تراجع الذهب وعيار 21 يسجل 3160 جنيها للجرام