الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوّذا قد كتبت مقالا عن احتقار الثقافة!

محمد طه حسين
أكاديمي وكاتب

(Mohammad Taha Hussein)

2020 / 1 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ثقافة تُربّي أفرادها على إحتقارها، هي بِنتُ بساطةِ الروحِ وليونة العقل، أُنبِتَت على بدائيّة التواصل ومحدودية العيش ضمن مجموعات بحاجة إلى البقاء البيولوجي أكثر من ما تحتاج إثبات وجودها الكينوني الواعي. ثقافة المسايرة لا الصراع، مسايرة الطبيعة الفيزيكية وقوانينها، وليست ثقافة مبنية على محاورة الذات الواعية المدركة لأهمية وضع أثرها العقلاني المادي على الأرض أو المكان ومن ثم تضع قوانينها بموازات الطبيعة وتقرر السيطرة بدل (المسايرة والتأقلم السلبي).
ثقافة كهذه تلزم كائناتها بإطاعة اللّامدرك واللّامفهوم واللّاواضح، إذن هي ثقافة تأسّست بُنِيّتَها المعرفية على الطاعة والخضوع، لا الجدل والدايناميكية الحيوية والتي تفرخ بمخرجاتها ضمن معادلة التأثير والتأثر بين الذات الفاعلة والواعية من جهة والموضوع المُدرك خارجها من الجهة الأخرى.
كائنات الثقافة تلك تتراكم لديها أعراف وعادات نمطية لا يمكن لأي فرد الخروج عنها خشية فقدان التماسك الباعث للقوة والهيبة الرجولية المتجلية في الذات الثقافية العامة الناكرة لإرادة الفرد الحرّ.
سلوكٌ يحتقر منظومته القيمية الرافضة لمواقف فردية، التحقير هو موقف سلوكي ينبعث من موقف فكري واعي(لا واعي بعض الأحيان) يرفض الأسلاك الشائكة والألغام القيمية التي تنفجر بمن يحاول الإبداء بمكنون من مكنوناته. موقف جوهري خفيّ، يصبح بمرور الأزمان من اللاشعور الجمعي يظهر من خلال ما سميت بالأخطاء والجرائم بحق الثقافة.
ليس بإمكان كل فرد بلوغ مرحلة الإحتقار لثقافته أو للثقافة، من يخرج عن دائرة الطاعة للثقافة الملغومة إمّا هو مجرم أو جاني(وهذا ليس موضوعنا هنا)، أو هو المبدع لحياة فردية واعية وهو الذي ينوي إظهار ثقافة الشك من الدوغماتية وإهتزاز القيم المألوفة ويخطط للوصول بالمجتمع ومؤسساته إلى حتمية الحركة والتغيير والدايناميكية.
من يحتقر الثقافة هو نفسه مُحتَقَر ومنبوذ من ثقافته، إذن المعادلة واضحة فالثقافة تحتقر من يحتقرها، ومن يحتقر الثقافة هو الباحث عن ايجاد مخارج معقولة للبت في ممارسة تأثيراته عليها أي على(الثقافة)، وبهذا تظهر بُنِيّات معرفية أخرى قد تصطدم بالقديمة ضمن مشاريع مختلفة قد تكون ثورة مسلحة أو سياسية أو تَحَوّل من نوع علمي وحضاري يتجسد في أشكال نضالية أخرى كالثورات العلمية والمعرفية والصناعية والمدنية المتسامحة والديمقراطية.
ثقافتنا الكردية هي من النوع المؤطر المؤسس على الفولكلور والتراث النمطي التقليدي للحياة تزرع بذورها في الأفراد والجماعات من خلال مؤسسات التنشئة الإجتماعية النمطية أيضاً، هي ثقافة مزروعة إعتباطياً، تنكر التجديد والتحديث ولا تتكيف لا سياسياً ولا إجتماعياً ولا دينياً مع المستجدات الحداثوية، فالنمطية تلك متجسدة في الشخصية السياسية(الأحزاب ورجالاتها نموذجاً) والشخصية الدينية(المجموعات الدينية ومؤسساتها نموذجاً) وكذلك الشخصية الإجتماعية(الأيقونات الفردية الإجتماعية ومنظوماتها نموذجاً) وإن تتظاهر شكلياً ضمن موديلات التجميل الظاهري.
إذن نحتقر أنا وأنت يا صديقي ثقافتنا كوننا نحاول تجاوز المألوف ولكن الثقافة تردّ بالمثل بل أقوى، ومن هذا تبرز ميول إحتقارية من جانبنا للثقافة أولاً ومن الثقافة تجاهنا ثانياً، نحن نعيش ثقافة الإحتقار والهذه هي المسببة لظهور حالة إحتقار للثقافة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جواب لأخي وصديقي الكبير محمد حسين المهندس الذي أبتزني معرفياً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التفكير النقدي وليس الاحتقار
زكي أنور ( 2020 / 1 / 18 - 16:43 )
احتقار الثقافة أيا كانت ينبئ بعدم احترام الذات من وجهة نظري، في كثير من الأحيان الشعبوية هي الخلاصة الحقيقية لأي مجتمع، بجميع مكوناتها السلبية منها والإيجابية. الانتقاد للثقافة مقبول أما احتقارها فلا، لماذا يحترمني شخص إن كنت أنا نفسي أحتقر نفسي وثقافتها؟ لا تنس أن تلك الثقافة هي ما جعل من الثوري ثوريا في المقام الأول، فالإبداع عادة ما تخلقه الصعوبات

اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب