الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرى انتفاضة مغدورة

سعيد مضيه

2020 / 1 / 18
ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية


ذكرى الانتفاضة المغدورة

تعرضت الانتفاضة الشعبية المصرية في 25 يناير 2011، ولا تزال، للاغتيال مرات. ووجهت في الحال بثورة مضادة أجهضت مضمونها الوطني الديمقراطي ثم انهالت عليها افتراءات متجنية دمجتها بما جابهها من طعنات وطعونات تجلت في أعمال عنف وفتن صدّرتها قوى التحالف الامبريالي – الصهيوني، كادت تقوض أكثر من مجتمع عربي. الحقيقة ان هذه الانتفاضة، ونظرا لتفجرها في مصر ذات التأثير على دول المنطقة، سلبا أو إيجابا، وكذلك الانتفاضة التونسية التي سبقتها بأشهر دشنتا مسلسل انتفاضات وطنية ديمقراطية ما زالت تتوالى، ترمي لإسقاط أنظمة أبوية تابعة تزخم بالفساد وتشيع الفقر والبطالة على اوسع نطاق وتتبع بلدانها لمشيئة الامبريالية وحلفائها الصهاينة. وعت الجماهير جوهر مكابداتها في استبداد الأنظمة الأبوية يتستر على مافيات ترهن الاقتصاد الوطني للاحتكارات المالية وتستأثر لنفسها الفتات المتبقي من النهب الضاري. انتكست الانتفاضة وأطبق رماد على جمراتها، إذ تراجع الحراك الشعبي بوجه ثورة مضادة نظمتها عناصر الليبرالية الجديدة المتغلغلة داخل قطاعات الاقتصاد وأجهزة الإدارة والأمن في الأقطار العربية. تفجرت الانتفاضات تحركات جماهيرية ضد الآثار الكارثية لليبرالية الجديدة وأجهضت بثورة مضادة كانت أدواتها يقظة متأهبة للانقضاض. اختزلت ثقافة الليبرالية الجديدة الحراك الشعبي وثورتها المضادة بمفهوم "الربيع العربي"، مفهوم تضليلي وخديعة انطلت على عديد من الكتاب والمحللين العرب؛ لكنه ظل موضع سخرية من قبل الجماهير الشعبية.
أما القوى اليسارية، قوى التغيير الديمقراطي التحرري، فقد شاركت في الانتفاضات؛ لكنها عجزت عن التحكم في صيرورتها. عبر عقود حوصرت من قبل الأنظمة داخل مقراتها بينما سمح للحركات السلفية إدارة العملية التعليمية وإنشاء الجمعيات الخيرية تقدم الخدمات التعليمية والطبية بأموال النفط وتتصل يوميا بالجماهير من خلال الجوامع. افتقرت الفصائل السياسية الى الكوادر الشبابية، التي تشكل عتلات تحرك الجماهير وتوجه حراكها.
انتفاضات تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين في بداية العقد توجهت ضد سطوة الليبرالية الجديدة المندمجة بالأنظمة الأبوية العربية. نجحت الليبرالية الجديدة في التمدد في معظم قارات المعمورة، الليبرالية الجديدة منحت الاحتكارات المالية حرية العبور الى اقتصادات البلدان التابعة كي تنهب بقدر استطاعتها وتخلف الدمار الاقتصادي والبطالة الواسعة والفقر المدقع. عملاء الليبرالية الجديدة ومخابرات السي آي إيه تمترسوا داخل مختلف الأجهزة واندفعوا مباشرة بعد الانتفاضات الجماهيرية يتسللون داخلها ويخربونها ويقوضون نزعتها الديمقراطية. وبذلك حققت الليبرالية الجديدة نجاحا اقتصاديا - سياسيا، لكنها فشلت في تدجين الضحايا وترويضها. زرعت الليبرالية الجديدة عملاءها في مختلف الأجهزة الإدارية والاقتصادية والتربوية –الثقافية والإعلامية ، حراسا يقظين للانقضاض على أي حراك مضاد. برهنت الليبرالية الجديدة انها أخطر نماذج الامبريالية، وانها لا تقتصر على النهب الاقتصادي.
من ناحية ثانية انخرطت إسرائيل ، بعد أن وثقت روابطها الاستراتيجية بالليبرالية الجديدة إثر عدوان حزيران، في استثمار الأزمات الاجتماعية في هذا المجتمع العربي أو ذاك، الناجمة عن قصور الأنظمة الأبوية العربية وقهرها لمختلف الشرائح الاجتماعية، واضطهادها للأقليات العرقية والطائفية، وذلك كي تؤجج الفتن الطائفية او العرقية. في هذا الصدد حققت جهود إسرائيل بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات الامبريالية، نجاحات غير مسبوقة؛ أشغلت شعوب المنطقة في فتن وحروب أهلية بينما انفردت بشعب فلسطين ومضت تنجز مشروعها غربي نهر الأردن. ولمعرفة مدى الارتباط العضوي لامبريالية الغرب بالمشروع الصهيوني وحرصها على إنجازه يكفي تأمل غزو العراق وليبيا وحصار إيران وتحييد مصر ومحاولة تدمير سوريا دولة ومجتمعا باستيراد التكفيريين وتزويدهم بالعتاد الحربي وبالأموال . ربما لم يدر بخلد الآلاف ممن تدفقوا على سوريا أنهم يخدمون مخططات إسرائيلية ، وبالقطع يمكن التأكد من أن عناصر الإخوان المسلمين في غزة والضفة لم تدر أن حركة حماس نضجت على نار هادئة أذكاها الاحتلال الإسرائيلي بهدف شق المقاومة الفلسطينية وإشغالها عن هدف التحرر الوطني. وبالمثل فات قواعد الإخوان المسلمين في مصر أنهم يشكلون قوة أساسية في الثورة المضادة الموجهة لإجهاض انتفاضة الملايين في مدن مصر وقراها وإفشال مراميها للتخلص من أعباء الليبرالية الجديدة.
علاوة على تغلغل عناصر الليبرالية الجديدة في الحياة الاجتماعية لضحاياها قدمت المخابرات المركزية الأميركية للأنظمة العربية خدمات أمنية من خلال بعثات سمح لها بالتدريب والتنظيم. وحسب ما أورده بوب وودوورد ،الصحفي الأميركي ذو الصلة القوية بالمخابرات المركزية الأميركية ، في كتابه "السياق.. حروب السي آي إيه"، عرضت السي آي إيه إثر نجاح الثورة الإيرانية عام 1978 إرسال فرق أمنية شكلت الخلايا داخل الأجهزة الأمنية والإدارية في الدول العربية، ووافقت الأنظمة على الترتيبات الجديدة. تمركزت العناصر الموجهة من قبل المخابرات المركزية في الدولة العميقة، ومنها جرى تعيين الوزراء وقادة الأجهزة. ولدى تنفيذ العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982 صمتت الأنظمة الأبوية العربية، صمت الموافقة على حرب الأرض المحروقة وضرب عاصمة عربية بالطائرات الحربية، وتنفيذ مجزرة صيرا وشاتيلا، وطرد مسلحي منظمة التحرير الفلسطينية بعيدا عن الأرض المحتلة. صمتت الأنظمة الأبوية، وهي مطمئنة من عواقب التواطؤ الضمني مع العدوان الإسرائيلي على قطر عربي والمقاومة الفلسطينية.
أتبعت الليبرالية الجديدة سطوتها الاقتصادية بحملة ثقافية لوثت الحياة الثقافية خلال العقود الماضية بفيروسات هاجمت الدفاعات الأمامية للوعي الشعبي بقصد تدميرها وصولا الى تشويه إنسانية مجموعات بشرية ، وحتى مجتمعات بأكملها. أطلقت الليبرالية الجديدة انماطا اقتصادية وعدوانا ثقافيا روج للكراهية العنصرية والتمييز الطائفي والعرقي وأشاع القسوة والعنف وازدراء قيم التعاطف والتضامن مع الفئات والأمم المقهورة ، ومنها الشعب الفلسطيني. ضمن هذه الموجة الهمجية دأبت سياسات الليبرالية الجديدة وثقافتها على طمس التراث الكفاحي للشعوب، تهيل عليها اكداسا من زبالة الافتراء والتحريف وحتى قطع الذاكرة. وبذلت، ضمن هذه الممارسات العدوانية، الجهود لتشويه حقيقة الانتفاضات الجماهيرية التي تفجرت في مطلع العقد، في أكثر من بلد عربي وتجاوبت معها المجتمعات العربية كافة، وتجلت في انتفاضات متعاقبة تعبر عن وعي الشعوب العربية لشريحة مافيات احتكرت الحكم وأشاعت الفساد المالي والإداري ونهبت ما طالته إيديها من مال عام تحت ستار استبداد الأنظمة.
طوال العقد الماضي جري عمدا تسريب الأخبار بصدد قيام وكالة المخابرات المركزية الأميركية بعقد دورات لتدريب العملاء على قيادة "الثورات الملونة" وجرها في متاهة أو إضفاء سمعة قذرة على الحركات الوطنية الديمقراطية الرامية للتحرر من أنظمة الليبرالية الجديدة. وشاركت أنظمة وحركات مناهضة للامبريالية، مثل النظام الإيراني وحزب الله، في ترويج السمعة الرديئة للحراك الشعبي الديمقراطي ضد الفساد وإهمال حاجات الجماهير ، وهي تقر بفداحة الفساد والسرقات بالجملة التي تحركت ضدها الجماهير.
من المستحيل أن تنجح المكائد الأجنبية المعادية في تحريك جماهير راضية عن النظام تنعم بإنجازاته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتمارس حياة سياسية ديمقراطية. لكن الدسائس والمكائد الخارجية تفلح حيث تعم النقمة على التقصير في تلبية الحاجات الضرورية لرغد العيش. بينت التجارب في اكثر من قطر عربي أن مناهضة الأنظمة الوطنية لدسائس الامبريالية تفشل، وتعجز ميلشيات السلطة وجيشها واجهزتها الأمنية عن التصدي للمكائد العدوانية حين تفصل فجوة بين الأنظمة والجماهير الشعبية؛ التحرر القومي، لكي ينجح ويتصدى لثورة مضادة، يلزمه ان يردف بتحرر اجتماعي يوقظ الجماهير من بياتها كي تشارك في الحياة السياسية وتكتسب الثقافة السياسية المانعة من الانخداع بحيل الدعاية المضادة. والغلطة القاتلة للأنظمة الوطنية في منطقة الشرق الأوسط كمنت في إحجام الأنظمة عن رعاية حاجات الجماهير ومصالحها الاقتصادية وتربيتها سياسيا وثقافيا. ويبدو ان حركات الإسلام السياسي، سواء تلك المرتبطة بالامبريالية أو المناهضة لها، تعمل على تأجيل تلبية حاجات الجماهير وإشراكها في الحياة السياسية الى حين تقام دولة الإسلام؛ وليست انتقاداتها لفساد الأنظمة وديكتاتوريتها وإفقار الجماهير سوى مواد للتحريض وكسب الجماهير، كي تشكل سدا مانعا بوجه التطور الديمقراطي التقدمي. وهنا تكمن خطورة حركات الإسلام السياسي، حتى المناهضة منها للتحالف الامبريالي – الصهيوني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات