الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله مفهوم إنسانوي

حسن عجمي

2020 / 1 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الله خير مطلق و إلا لا يكون حديثنا عن الله. وبذلك إذا لم يفعل الإنسان الخير بل فعل الشرّ فحينئذٍ يزول الله بزوال الخير ما يبرهن على أنَّ الله يوجد بوجود خير الإنسان تماماً كما يقول المفهوم الإنسانوي لله. من هنا الله هو إمكانية تحقيق إنسانية الإنسان بفعل الخير و التصرّف على ضوء القِيَم الإنسانوية. فمن دون وجود خير في الكون يستحيل وجود خير كامل و مطلق. بذلك الخير الكامل و المطلق أي الله موجود بوجود الخير في العالَم. لذلك كلما فعلنا الخير وُجِدَ الله. من هنا الله اكتمال إنسانوية الإنسان. هذا هو المضمون الأساسي للمفهوم الإنسانوي لله.

بما أنَّ الله هو إمكانية تحقيق إنسانية الإنسان بفعل الخير بينما إنسانية الإنسان لم تتحقق بعد من جراء فعله الشرّ, إذن الله حقيقة مستقبلية لا تتحقق سوى بتحقق الإنسان الحق. الله مشروع تحقيق الإنسانوية و بذلك يتطوّر الله بتطوّر الإنسانوية و يكتمل باكتمالها كما يوجد بوجودها. يتطوّر الله بتطوّر الإنسان لأنَّ الإنسان غير المتطوِّر لا يفقه الله وبذلك يخسر الله صفة أنه المعلوم من قِبَل الإنسان فتمسي ماهيته ناقصة بِنقص ماهية الإنسان العالِم. هكذا الخالق و ما خلق يشكِّلان حقلاً وجودياً واحداً ألا و هو حقل الوجود الإنسانوي. فبِلا كون خيِّر لا إله خيِّر و العكس صحيح. من هنا لا ينسجم الإيمان بالله أي لا يقع الإيمان بالله في التناقض سوى من خلال المفهوم الإنسانوي لله الذي لا يفصل الله عن فعل الخير فلا يُجزِّىء ماهية الله ولا يفصل بين الله والكون والإنسان رغم شخصنة الله وتعاليه.

الله مُعرَّف بالقِيَم و يُعرَف بها تماماً كالإنسانوية المُعرَّفة بالقِيَم كقِيَم العدالة و الخير و المحبة و المعرفة. لذا الله مفهوم إنسانوي لأنه مُعرَّف بالقِيَم الإنسانوية. لكن القِيَم مجرّدة ما يجعل تعريف الله بالقِيَم يكتسب نجاح التعبير عن مجرّدية الله فتعاليه ما يمكّن هذا التعريف أو المفهوم لله من التعبير عن تعالي الله فلا يرفض أنه متعالٍ بل يتضمن مفهوم أنَّ الله متعالٍ لكونه مجرّداً و متعالٍ بمجرّدية و تعالي القِيَم الإنسانوية. من المستحيل وضع القِيَم في صناديق و تقديمها للآخرين كهدايا على نقيض من الكينونات المادية. لذا القِيَم مجرّدة فمتعالية بمجرّديتها على نقيض من الظواهر المادية ما يمكّننا من التعبير عن مجرّدية الله و تعاليه من خلال مجرّدية القِيَم و تعاليها.

من القِيَم الإنسانوية قيمة المقدرة على الخلق و اكتساب صفة الخالق. بذلك يضمن تعريف الله بالقِيَم وصف الله بالخالق. فخلق الكون قيمة ما يتضمن أن يمتلكها الله لأنه مجموع كل القِيَم. إن كانت المعرفة قيمة إنسانوية فحينئذٍ المقدرة على الخلق على ضوء المعرفة قيمة إنسانوية أيضاً. لذا يتصف الله بالخالق لأنه مجموع القِيَم الإنسانوية ما يؤكِّد على صدق المفهوم الإنسانوي لله. هكذا المفهوم الإنسانوي لله يتضمن وصف الله بالخالق ما يجعله يتضمن أيضاً أنَّ الله إلهٌ شخصي بمعنى أنه يتصف بصفات العقلانية و الوعي و المعرفة (كالشخص العاقل و إن كان يختلف الله عن الأشخاص العقلاء بامتلاكه للصفات المطلقة كصفة المعرفة المطلقة و العُليا) لأنَّ من دون هذه الصفات يستحيل عليه أن يكون خالقاً (فالخلق يحدث على ضوء المعرفة).

كل هذا يرينا أنَّ المفهوم الإنسانوي لله لا يرفض مفهوم الله المتعالي تماماً كما لا يرفض مفهوم الله الشخصي بل يتضمنهما. فالله المُعرَّف بالقِيَم إلهٌ متعالٍ بتعالي القِيَم و إلهٌ شخصي عقلاني و واعٍ و خالق لأنَّ صفات العقلانية و الوعي و الخلق قِيَم إنسانوية أيضاً. و بما أنَّ المفهوم الإنسانوي لله يتضمن المفهوم المتعالي لله و المفهوم الشخصي لله , إذن المفهوم الإنسانوي لله يُوحِّد بين المفهوميْن السابقيْن و المتنافسيْن فيحلّ الخلاف بينهما ما يجعله يكتسب هذه الفضيلة الأساسية ما يشير بدوره إلى مقبولية المفهوم الإنسانوي لله و نجاحه.

إن لم يكن الله مفهوماً إنسانوياً فلن يكون الله مرتبطاً بالإنسان و قِيَمه و بذلك سوف يستحيل على الإنسان معرفة الله. لكن إن استحالت معرفة الله فحينها يزول أساس الإيمان بالله. من هنا الإيمان بالله معتمد على حقيقة أنَّ الله مفهوم إنسانوي. على هذا الأساس لا بدّ من التسليم بأنَّ الله مفهوم إنسانوي لكي يتحقق الإيمان الحق بالله. إذا لم يكن الله مفهوماً إنسانوياً مرتبطاً بالقِيَم الإنسانوية كقِيَم العدالة و الإنصاف و الخير فحينئذٍ لن يكون الله مالكاً لهذه القِيَم ما يجعله نقيض الله و ليس الله الذي نتكلّم عنه. لذلك القول بأنَّ الله مفهوم إنسانوي مُبرَّر منطقياً و عقلانياً و إلا لن يكون حديثنا عن الله بل عن نقيضه.

ليس من المهم أن نؤمن بالله بل المهم أن يؤمن الله بنا. إذا كان الإيمان بالله يؤدي إلى تحقيق القِيَم الإنسانوية كالعدالة و السلام فحينها فقط الله موجود و إلا فلا يوجد. هذا لأنَّ الله خير مطلق و بذلك لا يوجد إلا بفعلنا للخير و تصرّفنا على أساس القِيَم الإنسانوية. هكذا الله موجود بوجود إنسانية الإنسان. أنسنة الله أنسنة الإنسان. فلا إنسانٌ بلا إلهٍ مؤنسَن تماماً كما لا إلهٌ بلا إنسان ٍ مؤنسَن. الله و الإنسان فكرة إنسانوية واحدة لا تتجزأ ألا و هي فكرة أنسنة الكون بِكلِّ ظواهره من خلال التصرّف على ضوء القِيَم الإنسانوية. هكذا يولد الله بولادة الإنسان و يموت بموته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن