الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [3]

وديع العبيدي

2020 / 1 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


(7)
سلطة النص.. سلطة التلقي..
إن كانت فكرة (المتلقي) وأثره في الفهم والتأويل والإحالة، من الظواهر البنيوية والألسنية المحدثة في تفسير النص، فأن (الناسخ والمنسوخ)، ظاهرة متقدمة زمنيا في هذا السياق، ليس بفعل أثر البيئة على النص، وإنما، بأثر القارئ/ المستمع/ المتلقي، على تفسير النص/(المكي)، وإعادة تقييمه /(يهود يثرب)، وتعديله قولا أو فعلا/(الأعراب).
من الذي يكتب النص؟.. المؤلف.. أم المتلقي الذي يتولى قراءة النص وتسويقه؟..
هل نحن نسوّق أفكار أفلاطون؟.. أم نسوّق قراءتنا ومفهومنا له؟..
لهذا أيضا تتعدد قراءات أفلاطون، وتتعدد اتجاهات ومدارس أتباعه!..
في بدايات القرن الماضي، تلقينا ترجمات الثقافة الإغريقية والأوربية، حول: الفن للفن.. أو الفن للناس.
وفي الوسط العربي كان الانحياز لتيار (الفن للناس)، مع إدانة مثالية للأنانية والغرور والانغلاق لتيار (الفن للفن). وبسبب تلك الإدانة العامة لهذا التيار، لم تتشكل لدينا طبقة ثقافية نخبوية، تلعب دور العقل في المجتمع العربي، وصولا لما بلغه القرن الواحد والعشرين، إذ صار (الغوغاء) هم صدارة ونخبة قيادة المجتمع والدولة والأخلاق العامة.
وفي الأدب العربي السابق للاسلام، كان الشاعر (ذيل) القبيلة، يروّج ما تريده وليس ما يريده لها. وكان لكل قبيلة شعراؤها، وليس مثقفوها. ويتداخل غرامشي هنا، في أن المثقف الذي يتنازل إلى صف الناس، لتوجيههم وتطوير وعيهم وتطلعاتهم، يفقد (غالبا) صفته النخبوية الطليعية؛ فتفشل عملية التغيير، أو قيادة الجماهير في مواجهة الفاشية.
ولم يكن (مدوّن) القرآن، غريبا عن هاته المفارقة، عندما استقرأ الوسط الشعبي والثقافة السائدة، وجعلها أساسا ومصدرا، لتسجيل (المدوّنة القرآنية). بمعنى، ان صاحب (القرآن) لم ينطلق من طروحات ذاتية حاضرة لديه، لتقديمها للناس؛ وانما، أعاد تسجيل ما يعتقده الناس، مدخلا لاستمالتهم أولا، ثم التحكم بهم لاحقا.
مثاله الموقف المتبدّل من الكتابيين، بحسب تبدّل الظروف والحالات..
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)- (البقرة 2: 62)/ مدنية
(إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)- (المائدة 5: 69)/ مدنية
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا، إن الله يفصل بينهم يوم القيامة، إن الله على كلّ شيء شهيد)- (الحج 22: 17)/ مدنية
ما الذي جعل هاته النصوص تتفاوت وتختلف في معالجة نفس الثيمة، بل تتفاوت في تراتبية الأديان، تجعلهم تارة من المشركين/(وليس الكافرين)، وتجعلهم تارة، في صف الأبرار.
الجواب هنا يتعلق باختلاف البيئة والظرفية وتقلباتها، والمغزى المضمر فيها. ويمكن رصد كثير من هاته الأمثلة النصية، المتفاوتة بحسب عوامل الزمكان، وبحسب أغراض المؤلف وتفاوت قوته وتطور حركته.
ولا يجعل كتاب (أسباب النزول): (سلمان الفارسي)/(!!) سبب ورود النص، يردّ محمّد عليه: [(يا سلمان، هم من أهل النار). فيشتدّ ذلك على سلمان، فأنزل الله هذه الآية]. وهذا يعني انحياز (االله)/ المؤلف، إلى (سلمان) ضدّ نبيه ورسوله محمّد. فهل (سلمان الفارسي) أكثر علوّا من (محمّد النبي) عند صاحب الجلالة؟!.
ولماذا اختلف نص سورة (الحج 22: 17) في الموقف من المكونات الدينية تلك؟..
العكس صحيح. وهو أن أن محمّد أراد استمالة الكتابيين لدينه ودعم خندقه، فيما بغى استفزازهم في موقف آخر، وفصلهم عن (أمة الإسلام)، وجعلهم مرتبة دنيا ، فينقذوا أنفسهم من سمة (الشرك). وهو لا يخرج في علم السياسة العصرية عن بدعة (التكتيك) الظرفي، وسيلة لتحقيق الأغراض الأبعد.
ويمكن القول أن (القرآن) جملة، يستعرض حالة حرب دائبة، بين المنتصرين لمحمّد، وبين المخالفين له وغير المنضوين تحت لوائه، وما يجري خلال ذلك من مداهنات ومساومات وترهيب وترغيب. وهذا هو موضوع النسخ المحسوم في سورة (التوبة 9: 5)- (آية السيف) و(التوبة 9: 29)- (آية القتال)؛ وهي التي تضع نهاية لجملة اللف والدوران حول الموقف من غير المسلمين/ الكتابيين/ أهل الذمّة.
من سمات النص القرآني عموما، وما يدعى بالحديث والسنّة، المنسوبة لمحمّد، هي خضوعها لطباع: [المزاجية والنرجسية] المتبدلة لشخصية (النبي)، وحضوره الساخن، لغويا ونفسيا، داخل القانون الإسلامي.
ولعلّ مما لا يمكن إغفاله، اقتران لفظ وشخصية محمّد بالذات الإلهية، فلا يكتمل الايمان بالله من غير (محمّد). وكأنّ المضمّر هنا، هو جعله، الدالّ الوحيد والباب الأوحد لعالم السماء والألوهة/[قارن: البدع والعقائد الايرانية في العصر العباسي، بدء بتأليه علي وعائلته وليس انتهاء بالبابيين والبهائيين].
ان المكانة الدينية والسوسيوثقافية لمحمّد لدى المسلمين، من الهيمنة المطلقة على الوعي الجمعي والثقافي، والموازية للمكانة المقدسة لـ(لعلَوية الإمامية) عند أتباعها، قد رفعت (شخص الإنسان/ الميت) فوق منزلة الله، مما طبع جملة الاعتقاد الإسلامي، وقطع عليه طريق التفكير والرجوع، أو الخروج إلى البراح.
صدر الموقف القرآني والإسلامي، من قلب الجزيرة البدوية؛ والدولة العباسية ذات الصبغة المجوسية؛ إذ ما كان (الكتابيّون) مكوّنا اجتماعيا، من غير كيان سياسي وعسكري، ضعفاء أمام الجيش الإسلامي، من جهة؛ ومن جهة ثانية، كانت فارس في عداء وتنافس متصل ضدّ الأغريق والرومان ومن بعدهم بيزنطة المسيحية والعالم الغربي. فجرى استخدام الإسلام العباسي، وتوظيفه أيديولوجيا ضدّ (الغرب).
وبعد سقوط العباسيين، سوف يؤدلج الإسلام (الإمامي) ضدّ (العرب)، معتبرة نفسها الأصل الحقيقي، والوريث الأوحد لميراث النبي شخصا ورسالة.
عمليا، انتهى الدين (الإسلامي) على أيدي العباسيين، وجرى تحويله إلى (أيديولوجيا) سياسية، تتبع الباب السلطاني، وسوف يتم انتاج تعليم وثقافة دينية سلطانية، من خصائصها، اتساع رقعة الكهنوت والملالي والمرتزقة والمتكسبين على باب السلطان باسم الدين، على غرار طبقة الشحاذين والشذاذ على باب محمّد: [سلمان الفارسي وأبي ذر وأبي هريرة وابن عباس، وسواهم]، والذي يشكلون لا حقا طبقة رواة الحديث والعنعنة.
خلاصة القول هذا، أن محمّدا، كان يسجل رؤية كلّ جماعة يلتقيها، ويعتبرها من (أحسن القصص..)-(يوسف 12: 3)، وقواعد الأحكام. وقد قيل: أن من لا يعرف (الناسخ والمنسوخ) فلا يعرف شيئا من الكتاب. ونقول: أن من لا يسجل المتناقضات ومواردها في القرآن والسنة، فإسلامه وإسلام البهيمة واحد. وأكثر المسلمين مدّعون، والعارفون منهم وشيوخهم منافقون، وحكم المنافقين في القرآن معروف.

(8)
النص والنخبة.. النص والحضارة..
[كلّ ما قام على باطل فهو باطل؛ وكلّ ما قام على كذب فهو كذب!].
ظهر الإسلام في القرن السابع الميلادي، وذلك في أوج الإمبراطورية البيزنطية وعاصمتها: (قسطنطينة/ إستامبول)، الواقعة على خط واحد يمتدّ عبر الشام مع الساحل الشرقي لبحر القلزم إلى مكة واليمن/(الحبشة). و(بيزنطه) هي الإمبراطورية الرومانية، بعد اعتناقها المسيحية/(313م)-(مرسوم ميلانو)، وجعلها ديانة رسمية في البلاد، على يد قسطنطين الأول [272- 337م]. وهو مؤسس بيزنطه وباني القسطنطينية/(كوستانتينوبل)- [324- 330م] على إسمه.
وقد اختلفت عقيدة بيزنطه الشرقية، عن عقيدة (روما) الغربية، على مدى الزمن، حتى سقوط الإمبراطورية في القرن الخامس عشر/(1453م)، وظهور اللوثرية/(1517م) حسما للأثنين. ولكن.. في القرن الخامس الميلادي، تبنى (أوتو) إمبراطور بيزنطه عقيدة (المونوفيزم/(وحدانية). ولرفض المسيحيين العرب فكرة الثالوث المسيحي، فقد شاعت (المونوفيزم) في أوساطهم، لتوافقها مع الثوابت الدينية السائدة بينهم.
رفض العرب قبل الاسلام المثنوية المجوسية والتثليث المسيحي، وكانت تلك هي عقيدة (الحنفاء/ الأحناف)، وهم من العلماء العارفين باللغات والكتب وتواريخ القدماء.
من الضرورة الملحة، دراسة التاريخ الميلادي [الروم بيزنطي/ غريكولاتيني]، مدخلا لفهم ظروف وتفاصيل نشأة وظهور الفكرة الإسلامية، والإطلاع على المستوى الثقافي والحضاري للحواضر العربية المحاذية لبحر القلزم، وليس أوساط البدو المعزولة عن العصر والحضارة، تلك التي انحازت إليها مدرسة (النقل) الكوفية، معتبرة إياها، منبع الأصالة والفطرة، ضاربة بثقافة الحواضر/(ومنها: مكة) عرض الجدار.
فثقافة الكوفة الإسلامية النقلية، التي تشكلت ملامحها مع استقرار عليّ [599/ 656- 661م] فيها، هي التي تولت صياغة الإسلام التقليدي، ثم الاسلام الأيديولوجي العباسي[750- 1258م].
ومنذ فرار عليّ إلى العراق، عقب اغتيال عثمان، وانتهاء الأمر بيد بني العباس ، جرى تهميش مكانة مكة ويثرب ودمشق ومصر، من المتن العربي والإسلامي. وهذا هو التاريخ المدرسي، والسائدة آثاره التدميرية لليوم.
والسؤال: هل كانت جزيرة العرب خارج المشهد السياسي والحركة الحضارية الرومانية والبيزنطية، ومحور حركة قوافل التجارة وطريق الحرير، من سواحل حضرموت وعُمان وصنعاء والحبشة، شمالا نحو مفترق دمشق- مصر- روما، والعود إلى جنوبي الجزيرة، التي وصفها الرومان باليمن السعيد.
عند تنوير تاريخ جزيرة العرب، والتعرف إلى ثقافاتها وعلومها وتلاقحها مع حضارات مصر وروما وبيزنطه والهند، تسقط تلك الغمامة السوداء المسماة بـ(الجاهلية). أية جاهلية وأهل الكتاب هم أكثرية سكان الحواضر، وأغلبية سكان مصر والشام والعراق/(معدل 80% نصارى)، فضلا عن اليهود وسواهم.
بينما كان اليهود الذين استضعفهم (الإسلام)، ينتشرون في العالم ومراكز الحضارة، وهم صيارفة ميلانو وفينسيا، وأول من أنشأ البنوك وبوليصات التأمين، في جمهورية فينسيا غير السياسية. ولنا أن نتعرف بشجاعة إلى دور يهود اليمن والحجاز في حركة التجارة العالمية. فكانت إبادتهم الجماعية على يد أصحاب محمّد، ليس ضربة للتجارة العالمية، وانما إعلان قطيعة (بدو) الجزيرة عن الحضارة والتمدن.
[لا يشعر المسلم بحقيقة المجازر والجنايات غير الإنسانية، وهو يمجد ويجعل الله يصلّي على أصحاب محمد، والذين هم لدى العقيدة العلوية المجوسية، (أهل البيت والكساء) وما يحيطهم من مزاعم وأباطيل وشرك مفضوح. فلا يكفي أن الله يصلّي على (محمّد) وانما يصلّي على صحبه وبضعة أهل بيته. ألله (عبد) في منطق الأذان الإسلامي، ومحمّد صحبه وبضعة أهله هم الآلهة!]. هو يأتمر بأمرهم، وهم يتسلطون عليه، ويوزعون لعناتهم وبركاتهم على المخالف والموالي، حسب مزاجهم المقدّس.
قدماء العرب كانوا يفصلون بين اليمن وخارجها، أو يفصلون بين السواحل والباطن/(بواطن الجزيرة ونفودها). وبعضهم قسم الجزيرة إلى ثلاثة: [اليمن، الحجاز، نجد] والثالثة مواطن البدو. وبعض المستشرقين يقصرون لفظة (العرب) على اقليم الحجاز ومكة تحديدا.
والإسلام تبلور وانطلق من (بثرب) الواقعة على حافة الصحراء، وكان جيش محمّد من الأنصار والبداة الطامعين في الغنائم، الجاهلين الجاحدين بالدين، وهم الذين ارتدّوا بموت محمّد.
وثمة.. فأن عرب ما قبل الإسلام، لم يعدموا طبقات الأعيان والوجوه والخيار وذوي الألباب. ومن هؤلاء الحكماء والفلاسفة والشعراء حسب طبقاتهم ونحولهم. وكان (محمّد) يتباهى أنه رأى القسّ بن ساعدة وهو يتكيء على عصاه خطيبا، وأنه يستذكر شيئا من خطبته. والقس بن ساعدة هو أول من قال: (أما بعد..) في افتتاح الكلام. وكان يجالس حفيدة أمرئ القيس وحاتم الطائي، لسماع أخبارهما.
أفليس أولئك من نخب العرب وأعيانهم، ورموزهم التاريخية؟.. وإلا.. كيف نستذكرهم اليوم، وتبحث فيهم الدراسات الجامعية بعد ألفين من السنين، لولا ثقافاتهم ومكانتهم الأدبية الخالدة!. لقد حاول الإسلام التقليدي والمدرسي، طمس آثار أولئك، وتشويه من استعصى طمسه مثل امرئ القيس قطب شعراء العربية للأبد. ولكنه خاب.
لقد تكشف العصر على كثير من مظاهر تلك الحضارة والثقافة، وعيون الأفكار والأشعار، التي اقتنصها مؤلف القرآن في كتابه؛ لنعرف اليوم أن لفظة الجلالة (الله) معروفة عند العرب قبل الإسلام، وقد وردت في أشعارهم، ومثلها الملائكة والوحي، وكثير (أحسن القصص..) فضلا عن الأسفار التوراتية وترجمات الأناجيل، والأناجيل المنحولة، معروف قبل الإسلام.
وسوف يطلعنا الدكتور جواد علي [1907- 1987م] أن الصلاة والصوم والزكاة والحج كانت معروفة لدى عرب (الجاهلية!!) ومعمولا بها، وأن الكعبة كانت مزارا قائما قبل الإسلام، ولم يغير (محمّد) من طقوسها الوثنية، ولم يرفع منها صنمي (آساف ونائلة) اللذين ارتكبا الفاحشة في (مزار) هو الأكثر قداسة عند أتباع (محمدّ).
لماذا لم يجرؤ محمّد على بناء مزار جديد، وجعله قبلة إسلامية مقدسة؟. الجواب لأنه فضل مجاراة الناس (الوثنيين)، على المجازفة بأمر لا يضمن ميل الناس إليه.
وفي هاته المناسبة، سنجد أن [ أول النسوخ: الصلاة الأولى، ثم القبلة الأولى، ثم الصوم الأول، ثم الزكاة الأولى، ثم.. المخالطة في الحجّ]*. وقد حصل ذلك في السنة الثامنة للهجرة وعقبها، أي بعد ما يدعى بفتح مكة.
والخلاصة من هذا..
أولا: ان العرب لم يكونوا جهلاء ولا (جاهليّة) قبل (محمّد)، ووجود عقائد وجماعات كتابية وغير كتابية.
ثانيا: وجود جذور حضارية وثقافية سائدة، وحركة اقتصادية تجارية رائجة.
ثالثا: وجود طبقة أعيان وحكماء وعلماء وشعراء/(مثقفين بلغة اليوم)، لهم مكانتهم، ونفاذ كلمتهم في المجتمع.
ولكن محمّدا، قام بتزوير التاريخ، وألغى كلّ ذلك، طمسا وتشويها، لاقتناص معارفهم ونسبتها لنفسه، متخذا من الجهلة والغوغاء وسكنى الصحراء أتباعا ومقاتلين لاهثين وراء الغنائم والرقيق، لتصنيع: (أمة إسلامية).
ولا ننسى إضافة مسلم بن حبيب الحنفي(بني حنيفة شرقي نجد)/ والمشهور بـ(نبيّ اليمامة) النصراني، الذي شوّه أصحاب محمّد إسمه وتاريخه ومكانته، بالصفة المذمومة الشائعة، فلا ينتبه مسلم، أن تسمية دينه مشتقة من إسم (نبي اليمامة)، وأهل الباكستان ينسبون أنفسهم إلى (محمّد) بالانجليزية: (مهمّدان). وإلا.. فما المفارقة بين الإسمين.
وقد تعلّمنا في سنوات الابتدائية الأولى: شخصية (مسيلمة الكذاب)/[الذي هو من (الأحناف) وعلماء زمانه]؛ لكي ينحت في لاوعي الطفل. وما هو بكاذب ولكن الشياطين كذبوا. وقد عقد محمّد اتفاقية مع نبي اليمامة لاقتسام أرض الجزيرة، وكري (جزيتها)، ولم يصطدما أبدا. وقد عمّر مسلم الحنفي فوق المائة وكان موته في أرض الشام.
وماذا نرى في زمننا هذا، من نظرة (المسلمين) لطبقة المثقفين، من استهجان وتكفير ونهي الاستماع إليهم، والاطلاع على كتاباتهم، إلا تقليدا (مقدّسا) لبدعة (محمّد) تجاه علماء زمانه وسابق عهده. ماذا نفع الإسلام، قتلهم وتنكيلهم بالعلماء وأهل الثقافة، غير دفع الإسلام والمسلمين في قرارة مستنقع الجهل والانحطاط الغريزي والأخلاقي. فالإسلام هو المسؤول الأول، عن جعل العرب، في مؤخرة أمم الأرض، في القرن الواحد والعشرين.
يقال أن (محمّد) نهى صحبه عن الرهبانية والكهنوت، فأنتج مزرعة عالمية من اللحى والمقلدين، التي طغت وطمت وسادت على سطح المستنقع العربي، متصدرة دور (النخب) العلمية والمثقفة، بطبقة جهلة وتنابلة سلطة. وهذا بالضبط ما حصل في عراقستان بعد (1440) عاما على الموروث المحمّدي الأول.
وماذا حصل وكاد أن يجري في مصر على أيدي الإخوان الذين يدّعون (المظلومية) عبر فضائيات إقليمية، بعدما وشّحوا تاريخهم بالدم والجريمة والإغتيالات، غير المشمولة بالقانون، ولا زالت جيوبهم النائمة تتنفس في مجتمعات الجهل والأناركية والمعتاشين على الفساد.
وهنا، لا بدّ من تحية إكبار للثقافة المصرية ونخبها الوطنية الرائعة، في التصدي لحركات الجهل والفساد، واستمرارهم في التنوير العقلي والاجتماعي. والمجد لشهداء الحرية والتنوير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ناسخ القرآن ومنسوخه- ان البارزي الجهني الحموي [1246- 1338م]- تحقيق: د. حاتم صالح الضامن- منشورات مؤسسة الرسالة/ دمشق- 1988م.
* مسلمة الحنفي- قراءة في تاريخ محرّم- جمال علي الحلاق- منشورات الجمل- ألمانيا.

(9)
النصّ والغوغاء..
لم يخرج محمّد من تجارة خديجة الأسدية، بغير صحبة عبد الرحمن التيمي وعثمان الأموي، وهما من صغار تجار قريش. أما تجار مكة الكبار، فقد نظروا لمحمّد ومزاعمه نظرة زراية ولامبالاة، أو (تشكيك) في أحسن الأحوال.
وعندما خرج من مكة، بعد ثلاث عشرة عاما من الدعوة، لم يبلغ عدد أتباعه المائة، انصرف سبعون منهم إلى الحبشة بقيادة عثمان، ولبث البقية في ركب محمّد يتنقلون بين الحواضر، بغية المأوى، فلا يجار؛ حتى أجاره أهل يثرب.
بين المائة من أتباعه، عبيد وإماء جرى شراؤهم، بأموال الموسرين من صحبه. ولم يكن بين أولئك من يجيد القراءة والكتابة، أو يتوفر على شيء من معرفة. وفي يثرب، طلب من بعض اليهود، أن يقوموا بتعليم صحبه أصول القراءة والكتابة.
أما هو، فلا تذكر السيرة، أنه أعجب بالأحناف والمتعلمين، أو انحاز إليهم، وكان يفتخر في وصف نفسه (النبيّ الأمّيّ). وكيف كان يأتمن (قرآنه) بيد زيد بن ثابت [610- 665م] الذي تصدف ولادته، ظهور أوائل (القرآن) في (611م)، وهي معجزة بذاتها. وذلك بعد وفاة ورقة وبحيرا بعام.
أي أن الأخيرين، لم يمليا عليه شيئا من النصوص، وأن حكاية خديجة واستشارتها ابن عمها في أمر زوجها، المرتعب من هيئة (جبريل)، انما هي صناعة وافتراء، فقد مات ورقة في (610م) قبل الدعوة بعام.
مهما كان. فقد فضّل محمّد مخالطة العبيد وبسطاء الناس وعامة الأعراب، على المتعلمين والوجهاء والأعيان الذين لم يعترفوا به، ومنهم بنو عبد المطلب الهاشمي.
لقد كان محمّد اشتراكيا يساريا بالفطرة، منحازا للفقراء والعامة، حربا على الأغنياء وعلى قوافلهم وصيتهم الاجتماعي. ورغم أن أتباعه وأحفاده، سيرتفعون لطبقة الأغنياء والموسرين وملاكي العبيد، فسوف يستمرون في تبني خطاب الفقر والزهد والعفّة، ولو زورا.
وفي حركة الدعوة والتبشير، لا يتجه المسلمون للمثقفين والعلماء المتهمين بالزندقة/ (على الشبهة والرجم بالغيب)، وانما يقصدون الضعفاء الفقراء المعوزين، محدودي الفهم والأميين. وهم بذلك يستسهلون كسب الجهّال، والتقوية بالعدد، لمحاربة (النوع) وطبقة المثقفين، بعد عزلهم عن القاعدة الاجتماعية.
ما الذي جعل محمّدا يأوي مجموعة من الشحاذين والمرتزقة، بدل مصاحبة العلماء والأعلام. ولماذا نكّل بالأحبار والرهبان، وهو يمتدحهم في (القرآن)، ولم يحتمل صحبتهم كثيرا. ما كانت صحبته لهم إلا لاستمالة وإخضاع، فلما عجز منهم، هجرهم وغدر بهم، بعد عامين من مكوثه في يثرب.
أولئك الشحاذون والمرتزقة على باب محمّد، سيكون مراجع ومصادر الحديث والنقل عن محمد، وهم قادة العلمامء والنخب الإسلامية*.
هل في محيط دائرة محمّد من هو عالم أو مثقف، لم ينكل به ويوصم بالزندقة؟.. هذا ينطبق على مرتزقة بني العباس، ممن تأسلموا وارتزقوا، ومن لم يطاوع ويرتزق، كان مصيره الاضطهاد والتنكيل والتصفية.
هل اختلف شيء منذئذ حتى اللحظة. وبمن تعج سجون البلدان والحكومات المسلمة، بلا مراجعة أو رحمة أو صحوة ضمير. من المفارقات السمجة، التي عرفها تاريخنا المعاصر، أعني في العراق ومصر، حواضر العلمانية والعصرنة في القرن الماضي، أن السجناء اليهود، كان يعرض عليهم، (اعتناق الإسلام)، شرطا للخروج من السجن. ولم تكن لهم تهمة، سوى شبهة العمالة لدولة إسرائيل والصهيونية، رغم أنهم مواطنون عراقيون ومصريون، يوصفون باليهود العرب، ولبعضهم كتب ومؤلفات وخدمات وطنية مجيدة.
بالتأكيد ان عبد الناصر كان علمانيا، وكذلك حزب البعث العراقي، بلا شكّ. ولكنها علمانية إسلامية/ مسلمة، تخضع لفقه ابن تيمية وأحكام المتوكل، بلا شعور بالتناقض أو الاعتداء على الانسانية والحضارة.
الأحزاب الدينية تحصد ضحاياها من تلاميذ الدراسة المتوسطة، ومن طبقة العمال والباعة والقوت اليومي. واليوم، تنشط حركة الدعوة والتبشير الإسلامي، في الغرب، في صفوف المراهقين ومرتادي نوادي الخمور والملاهي الليلية والمتسكعين، ومنهم المشردون والهاربون والمطرودون من ذويهم، بعد سنّ السادسة عشرة، إذ لم ينجحوا في الدراسة ولم يتوفروا على قوتهم.
ان الرأسمالية الوحشية، أنتجت طبقات من المشردين والمعوزين؛ وظواهر اجتماعية ونفسية وصحية من الضياع والاضطراب والمتمردين، الذين تنقصهم الرعاية الاجتماعية والدعم المدادي والنفسي. وهؤلاء اليوم من ضحايا الصيد الإسلامي. ومن العار، على الغرب المتعولم، أن يستنقع في براثن المادة، ويحرم أبناءه من العطف والرعاية الاجتماعية، ثم يشكو من التمدّد الإسلامي، ومن حرب الهويات والثقافات.
في المقدمة من هؤلاء: (الفتيات المتسكعات)، بلا مأوى، أو بلا ثقافة وبلا أمان واستقرار اجتماعي، وهنّ أفضل الضحايا. فمن جهة هن إماء وجوار، ومن جهة أخرى، فأن أسلمتهن أجر وثواب. والطريف أن من يصطادوهن من باب البغاء أولا، قد يكونون: علمانيين أو شيوعيين، ولكنهم يخدمون المشروع (الإسلامي)، من غير قص، أو جراء: تنامى سعار حقد وكراهية ضدّ الغرب.
ان معظم المتأسلمين الغرابوه هم من الجهلاء والدهماء، وممن يعانون من أزمات معيشية وعائلية واضطرابات نفسية وعقلية أو اجتماعية. ولعلّ السؤال الأهم، ماذا يفهم هؤلاء من الإسلام، ومن كوكتيل تراثه المضطرب والمتناقض، وتعددية مذاهبه وفرقه وفتاوي مشايخه.
هل هناك كتاب واحد متفق عليه (بالاجماع)، يقدم فكرة واضحة ثابتة، عن الاسلام الحقيقي والواقعي، من غير تزوير ومراوغة ودجل. والمعروف ان الاسلام طريق باتجاه واحد، لا يسمح بالخروج منه حيا، مثل قواعد المآفيات الايطالية.
لقد رأيت والتقيت شخصيا، نساء غربيات، هربن من أزواجهن ورفضن الاسلام، لسوء معاملتهم، والتغرير بهن، وفي مرات، للزواج المتعدد عليهن. ولكن ماذا لو تعلّم هؤلاء حقيقة نصوص القرآن والأحاديث، وماذا لو تخصص أحدهم، أو احداهنّ، في دراسة الاسلام، فكيف تكون النتيجة؟.
بعبارة واحدة، أن كثيرين من الدارسين رفضوا الاسلام بعد سنوات، وأغلب النساء يرجعن عن إسلامهن بعد سنوات، بعدما تذبل زهرة شبابهن، أو يستبدلها الزوج، أو يعود إلى بلده. وللأسف.. فأن بعض الفتيات، بعدما نال أحدهم منها وطرا، يقدمها لصاحبه، أو تدور هي على المقاهي والمحلات العربية ، بحثا عمّن يأويها لأيام، بعدما كانت متسكعة مشرّدة تشحذ، في هامش المجتمع المسلم، الذي غرر بها.
ولكي لا ينحصر تفكيرنا في الغرب الصليبي/(الكافر)، تزخر مجتمعاتنا وبلداننا العربية، التي يسودها الإسلام الأخواني والشيعي، بملايين حالات النساء المخدوعات والمنتهكة أعراضهن، والخائفات من العودة لأهاليهنّ.
فتستمر في التسكع والانتقال إلى مدن وبلدان أخرى، وهي حالة من اليأس والعدم والخوف من الإعتراف، وإلا.. فكيف انتشرت ظاهر التسكع والاستجداء والمخدرات، والبغاء الرخيص في الشارع العربي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* للدكتور محمود إسماعيل كتاب طريف في تفنيد (الحديث والسنّة) في الإسلام، صادر عن معهد الاستشراق الروسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عشرات المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى


.. فلسطينية: العالم نائم واليهود يرتكبون المجازر في غزة




.. #shorts - 49- Baqarah


.. #shorts - 50-Baqarah




.. تابعونا في برنامج معالم مع سلطان المرواني واكتشفوا الجوانب ا