الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محدودية السياحة البينية للدول الإسلامية

صبرينة عبد الرؤوف كريمي

2020 / 1 / 21
السياحة والرحلات


في إطار اقتصاد الخدمات الذي يشكل جزءاً لا يستهان به في الناتج المحلي الإجمالي لكل من الدول النامية والمتقدمة على السواء، يأتي الاهتمام بنشاط السياحة، وتولي العديد من الدول الإسلامية أهمية خاصة لنشاط السياحة، لما يمثله من مصدر مهم للنقد الأجنبي، الذي تعاني الدول الإسلامية من نقص فيه.

وحسب بيانات منظمة السياحة العالمية، فقد وصل عدد السائحين على مستوى العالم في عام 2012م، إلى ما يزيد عن مليار سائح، كما وصلت العائدات السياحية لهذا العدد من السائحين إلى 1076 مليار دولار أمريكي. كما تصنف المنظمة عدد الأنشطة والصناعات الاقتصادية بنشاط السياحة بـ 185 نشاطا، سواء كان هذا النشاط يرتبط بالسياحة بشكل مباشر أو غير مباشر (1).

وفي إطار ما يعيشه العالم الآن من تحويل دفة الاقتصاد العالمي نحو الشرق، فقد لوحظ أن حصة أوروبا والأمريكتين من السياحة العالمية قد بدأت في التراجع، فبعد أن كانت تزيد عن نسبة 70% من اجمالي عدد السائحين في العالم، تراجعت في عام 2012م، لتصل إلى 67.3%، ويتوقع أن تتراجع حصة أوروبا والأمريكتين خلال السنوات القادمة، لصالح الدول الصاعدة لتزايد حصتها من النشاط الاقتصادي العالمي.

وعلى الرغم من أن منظمة التعاون الإسلامي تضم في عضويتها 57 دولة، أي ما يزيد عن ربع عدد دول العالم التي تتمتع بعضوية منظمة الأمم المتحدة، فإن نصيبها من حركة السياحة العالمية لا يزال ضعيفا، في الوقت الذي تمتلك فيه دول منظمة التعاون الإسلامي مقومات سياحية هائلة، سواء على صعيد السياحة الثقافية، أو الشواطئ الطبيعية، وغيرها من المقومات السياحية.

واقع السياحة البينية الإسلامية
يحدد تقرير صدر حديثا عن مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية بأنقرة، بعنوان "السياحة الدولية في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي: الآفاق والتحديات 2013م" (2): نصيب دول منظمة التعاون الإسلامي من عدد السائحين على مستوى العالم، بنسبة 15.2% في عام 2011م، بواقع 151.6 مليون سائح، في حين كانت حصة هذه الدول في عام 2010م نحو 16.3% ويرجع التقرير هذا الانخفاض إلى الأحداث التي شهدتها الدول العربية في نهاية عام 2010م وبداية عام 2011م، كما بلغت حصة دول المنظمة نسبة 13% فقط من اجمالي عوائد السياحة العالمية، بواقع 135.5 مليار دولار.

إلا أن الملمح البارز في أداء الدول الإسلامية على الصعيد السياحي العالمي، هو وجود كل من تركيا وماليزيا على قائمة أكبر 10 مقاصد سياحية على مستوى العالم، لتحتل تركيا المرتبة السادسة وماليزيا المرتبة العاشرة، وتحافظ الدولتان على هذا الترتيب على مدار عامي 2011 و2012م.

وتمثل السياحة نشاطا معتبرا في العديد من الدول الإسلامية، فهي تمثل نسبة لا يستهان بها في الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول، فبيانات 2011م، تشير إلى أن قطاع السياحة يسهم بنسبة 8% من اجمالي الناتج المحلي في مجموعة من الدول الإسلامية منها: لبنان، المغرب، مصر، ماليزيا، البحرين.

لكن على صعيد السياحة البينية لدول المنظمة نلحظ أن هناك تطورا بطيئا، فبيانات عام 2007م تشير إلى أن عدد السائحين بلغ 47.1 مليون سائح، وفي عام 2010م، أي بعد 3 سنوات، وصل عدد السائحين بين الدول الإسلامية 53.3 مليون سائح، ووصل العدد في عام 2011م إلى 54.4 مليون سائح. وسمة كثير من الأنشطة – التي ترصد الأداء الاقتصادي والتجاري البيني للدول الإسلامية – هي أن مجموعة من الدول تسيطر على النسبة الأكبر من النشاط، وتعيش بقية الدول حالة من العزلة، أو المشاركة المحدودة، ففي عام 2011م، استحوذت 10 دول على نسبة 81.3% من حجم السياحة البينية، بواقع 44.2 مليون سائح، وهو ما يعني أن نصيب باقي دول المنظمة والبالغ عددهم 47 دولة من السياحة البينية، 10 مليون سائح تقريبا.

ونفس المنوال ينطبق على مؤشر العائدات السياحية البينية، حيث استحوذت هذه الدول العشر على النصيب الأكبر بواقع 93.5 مليار دولار، وبنسبة تبلغ 81%، وهذه الدول التي تستحوذ على النصيب الأكبر من السياحة البينية للدول الإسلامية حسب الترتيب التنازلي هي (السعودية، تركيا، البحرين، سورية، ماليزيا، الكويت، كازاخستان، تونس، إيران، الأردن).

ونلاحظ على هذا الترتيب الآتي: أن المملكة العربية السعودية في الصدارة لما تتمتع به من السياحة الدينية، حيث أداء مناسك الحج والعمرة، أما تركيا فهي تعد مقصدا سياحيا إسلاميا ودوليا، نظرا للطفرة الاقتصادية والحضارية التي حققتها على مدار السنوات العشر الماضية، وأن إدراج سورية على هذا المؤشر في إطار بيانات عام 2011م، حيث لم تكن الأوضاع السياحية والأمنية قد تدهورت على ما هي عليه الآن في عام 2014م، حيث وصلت معدلات السياحة إلى الصفر.

أسباب محدودية السياحة البينية
تعود محدودية السياحة البينية للدول الإسلامية إلى مجموعة من الأسباب، تتعلق في غالبيتها بالدول الإسلامية ذاتها، كما يعود بعضها لأسباب خارجية، أما الأسباب الداخلية ففي مقدمتها، الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها غالبية الدول الإسلامية وانتشار الفقر، وبالتالي لا تتوفر الإمكانات المادية التي تساعد على السفر والتنقل بين الدول الإسلامية. فمن بين نحو 50 دولة تصنف على انها الأشد فقرا على مستوى العالم، يوجد من بينها قرابة 24 دولة هي أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.

أيضاً حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني داخل الدول الإسلامية، فضلا عن العلاقات غير الجيدة على الصعيد السياسي بين الدول الإسلامية، مثل نزاعات الحدود، وإذكاء روح العداء والتقاطع بين مواطني هذه الدول، فمن السهل على مواطني الدول الإسلامية المختلفة الحصول على تأشيرات الزيارة والسفر والتنقل للدول غير الإسلامية، في الوقت الذي توضع فيه العديد من العراقيل امام التنقل والسفر لمواطني الدول الإسلامية بين بعضها بعضا.

كذلك الأوضاع التنموية لدول العالم الإسلامي، لا تجعل منها مزارات لراغبي العلم أو التدريب أو العلاج، كما هو الحال في دول أخرى، فباستثناء تركيا وماليزيا، لا تمتلك باقي الدول الإسلامية البنية الأساسية الصلبة والمعرفية التي تجذب السياح إليها من مختلف بلاد العالم، فضلا عن جذب السياح من الدول الإسلامية.

وثمة عامل مهم يتعلق بالتوعية المعرفية وضرورة التطلع لمعرفة حضارة وثقافة باقي الدول الإسلامية من قبل أفراد الأمة الإسلامية، فحضارة الغرب، وريادتها التكنولوجية والحضارية، جعلت التعرف على بلاده وثقافتها وحضارتها سهل علي كثير من أبناء العالم الإسلامي، بينما الدول الإسلامية تفتقد لهذه الميزة الحضارية.

أما العوامل الخارجية فعلى رأسها وجود الكيان الصهيوني، الذي يحول دون التواصل البري بين عدد كبير من الدول الإسلامية في دولتي افريقية وآسيا، فزوال دولة الكيان الصهيوني يجعل من السهل، أن ينتقل المواطن المسلم بسيارته ليزور العديد من الدول الإسلامية، وبلا شك أن السفر البري أقل من حيث التكلفة مقارنة بوسائل النقل الأخرى.

متطلبات زيادة السياحة البينية
النشاط السياحي البيني، سيكون انعكاسا طبيعيا لزيادة حجم التعاملات الاقتصادية والتجارية بين الدول الإسلامية، لذلك يجب العمل علي زيادة الروابط التعاونية والتكاملية بين الدول الإسلامية، فحجم التبادل التجاري لا ينبغي أن يكون كما هو على مدار السنوات الماضية، حيث لا يتجاوز نسبة الـ 10%.

العمل على إنهاء حالات النزاع بين الدول الإسلامية، والعمل على نزع موروثات الغزو الفكري بين أفراد الأمة الإسلامية، وأن تستحضر كل دولة عوامل التعاون والتكامل فيما بينها وبين بقية الدول الإسلامية، وأن يستفاد من الروابط القديمة، التي رسخ لها مفهوم الأمة ثقافة وسلوكا خلال ما قبل الدولة القطرية. والعمل على أن تستفيد كل دولة إسلامية على ما لديها من مزايا تنافسية على الصعد الإسلامي، من معاهد إسلامية، أو ارتباط بعض المناطق بمشاهير العلماء ورواد الحضارة الإسلامية.

الاتجاه نحو تسهيل حصول أفراد المجتمعات الإسلامية على تأشيرات الدخول والزيارة لمختلف الدول الإسلامية، طالما الأمر يتعلق باحترام سيادة الدول، ولا يخالف قوانينها الداخلية، وأن يستفاد من تجربة الاتحاد الأوروبي في حرية السفر والتنقل، بل والاستفادة من تجربة تركيا مؤخرا في هذا الشأن، فكل فترة تعلن تركيا عن أن مواطني دولة ما يعفون من تأشيرة الدخول ويحصلون عليها في مطارات تركيا، مما أنعش حركة السياحة في تركيا بشكل كبير، وجعلها تحتل المرتبة الثانية بعد السعودية في حركة السياحة البينية للدول الإسلامية، ولولا السياحة الدينية التي تتميز بها السعودية لأداء شعائر الحج والعمرة، لكانت تركيا في المقدمة.

لا تصلح العواطف لبناء علاقات اقتصادية خالصة، فلابد من وجود مصلحة يستفيد منها الطرفان، وهو ما ينبغي أن تركز عليه برامج ترويج السياحة البينية للدول الإسلامية، فبعد سبعة مؤتمرات عقدتها منظمة التعاون الإسلامية منذ عام 2000م وحتى الآن، على مستوى وزراء السياحة للدول الإسلامية، ينبغي أن تستهدف الدول الإسلامية السائح المسلم، ليس من قبيل تميزه عن غيره، ولكن من قبل وحدة الثقافة والدين، وسهولة تقديم وسائل الترفيه والراحة بما لا يخالف الشريعة الإسلامية، ولعل تجربة الفنادق الإسلامية، والطعام الحلال المنتشرة في العديد من دول العالم، تعطي الدرس للدول الإسلامية ما تمتلكه من ميزة تنافسية لجذب السائح المسلم.

وفي هذا الإطار يمكن الاستفادة من التجربة الماليزية بترويج برامج السياحة الطبية الإسلامية، التي خاطبت شريحة معينة تطلب خدمات طبية نسائية للنساء، وأخرى رجالية للرجال.

العمل على جذب الاستثمارات السياحية فيما بين الدول الإسلامية، بما يساعد على تحسين بنيتها الأساسية في مجال السياحة، مثل الفنادق والمدن الترفيهية، أو البحث عن مجالات سياحية تتميز فيها الدول الإسلامية كل على حدة، سواء السياحة الجبلاية، أو العلاجية، أو الريفية، أو الثقافية، أو الدينية، وهكذا.

يعد العنصر البشري عماد أية عملية تنموية، ويحتاج النشاط السياحي نوعية متميزة للعمل فيه، وهو ما يفرض على دول العالم الإسلامي الإسراع في القضاء على الأمية، والتوسع في مجال التعليم المرتبط بالنشاط السياحي، حتى يمكن أن يساهم هذا النشاط في القضاء على البطالة التي يعاني منها معظم دول العالم الإسلامي.

ويرتبط بهذا المجال التعليم الخاص بإدارة المنشآت السياحية، حيث يلاحظ أن معظم المنشآت السياحية بمستوياتها المختلفة في العالم الإسلامي، تديرها شركات إدارة من خارج دول العالم الإسلامي. ومن شأن وجود مديرين مؤمنين بأهمية مراعاة القواعد الشرعية أن يؤدي ذلك لعدم الوقوع في الممارسات الخاطئة التي يعاني منها قطاع السياحة في الدول الإسلامية (3).

إن قضايا الأمة الإسلامية على اختلاف تنوعها، يرتبط بعضها ببعض، ولا شك أن الأمر يحتاج إلى أن تفعل المؤسسات التي تم انشائها في إطار التعاون الإسلامي، ولا شك أن العمل على تحرك أحد القطاعات اقتصاديا سيدفع بباقي القطاعات نحو التفاعل الإيجابي، ونحسب أن عدد السكان يزيد عن 1.25 مليار نسمة، جدير بأن يصنع نشاطا سياحيا مزدهرا.

هوامش
السياحة الرياضية في دبي : https://www.ibtesamah.com/showthread-t_572386.html
اعتمد المقال على الأرقام الواردة بالتقرير المذكور، وهو منشور على موقع المركز بشبكة الانترنت، عبر هذا الرابط، علما بأن المركز يتبع منظمة التعاون الإسلامي.
عبد الحافظ الصاوي، نحو استراتيجية تنموية للسياحة.. رؤية تنموية، تقرير واقع الأمة بين الثورات والمرحلة الانتقالية، إصدار مجلة البيان 1434 هجرية – 2013 ميلادية، الإصدار العاشر، ص 452.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة