الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يستطيع شمشون إيران حرق المعبد؟

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2020 / 1 / 23
السياسة والعلاقات الدولية


ببساطة شديدة، ماذا يفعل قاسم سليماني في العراق ليقتل فيه؟
قد يبدو هذا السؤال تبسيطاً مخلاً فعلاً، ولكن تدقيق النظر في حيثيات الجولات المكوكية لقاسم سليماني، ومنذ الأيام الأولى، لإندلاع تظاهرات الشعب العراقي، في الأول من إكتوبر العام الماضي، تحيلنا على هذا السؤال: ماذا يفعل قاسم سليماني في العراق ليقتل على أراضيه، من قبل أمريكا؟
للأسف الشديد، الإجابة على هذا السؤال لا تأتينا من إيران، بلد قاسم سليماني، بل تأتينا، وعلى أثر مقتله مباشرة، من زعماء المليشيات التي يقودها سليماني، وأيضاً الحكومة والأحزاب التي عينها في العراق، وبالذات على لسان عمار الحكيم ومقتدى الصدر، والمتمثلة بإستنكار قتله والدعوة للإنتقام من قاتليه، الأمريكان..، وطبعاً فإن هذا يعني أن قادة هذه المليشيات تعتبر أن سليماني هو صاحب الدار… والعراقيون رعاياه وباقين في العراق بعطفه وعطف مرجعه الكبير خامنئي، ومن جهة ثانية، وهذا هو المهم، أن جميع أذرع سليماني، في العراق وخارجه، دخلت مرحلة اليتم وتيهه وضياعه، الذي لن تعرف الخروج منه بعد وفاة الأب!
قتل سليماني على الأراضي العراقية، وبعيداً عن تهريج وصراخ جميع مليشيات إيران في العراق، يقول أن صبر الولايات المتحدة قد نفد على إستهتار إيران بالعراق، وإنه آن لأن يعود كل شيء إلى مكانه الطبيعي، وإنه الإشارة الأكثر أهمية، لمن يجيد القراءة، في بغداد وطهران من قيادات، إن كل ما ترسموه هو في متناول أيدينا وهاكم البداية التي لم تتوقعوها… وكانت ضربة قاصمة بالفعل.
مما لا شك فيه، أن اوباما قد أخطأ كثيراً، في غضه النظر عن التمدد الإيراني في العراق بالذات، ليس عن عجز في قدرات الولايات المتحدة العسكرية، إنما بسبب قصر نظره ورؤيته الضيقة، وهو الأمر الذي إستثمرته إيران، ولكن بإستهتار وعبثية، وها هو رئيس أمريكي، أكثر دراية وبعداً في النظر، يصحح خطأ سلفه، ليس من أجل العراق وسواد عيون مواطنيه طبعاً، إنما من أجل هيبة الولايات المتحدة أولاً، ومصالحها في العراق ثانياً، ومن أجل مصالحها وتطمين حلفائها في المشرق العربي ثالثاً.
ردود الأفعال العراقية على هذا الحدث، والذي عكسته تصريحات إنفعالية لمليشيات قاسم سليماني والحكومة العراقية، على حد سواء، وأغلبها يتوعد بالرد والإنتقام، تُظهر سذاجة تفكير هذه الطبقة بصورة مزرية، وعدم تقديرها لقوة الولايات المتحدة وإمكانياتها العسكرية؛ كما إنها تعكس طفولية العقل السياسي الذي يتحكم بالعراق ومصيره ومصير شعبه، بإغفالها لأمر أن الإعمال الإنتقامية ضد القواعد الأمريكية في العراق، وإضافة إلى أنها ستحول العراق إلى ساحة حرب لا مصلحة له فيها، فإنها ستودي بعروش أمراء الطوائف، قادة المليشيات والطبقة السياسية، أنفسهم، إلى مصير يشبه مصير قاسم سليماني ذاته.
طبعاً حرب إطلاق التصريحات الإنتقامية وأخذ الثأر لم تقتصر على أيتام قاسم سليماني في العراق، بل رفدتها تصريحات مماثلة من القيادات الإيرانية، ولكن السؤال هو: هل الشمشون الإيراني على إستعداد ويملك قوة حرق المعبد على رأس الجميع، وإن كان خارج أراضيه؟
القيادات الإيرانية ليست بسذاجة أمراء المليشيات العراقية واللبنانية، فهي تعرف تماماً حجم القوة الأمريكية، وقبلها تعرف حجم قوتها هي ذاتها، وتعرف أن صناعاتها العسكرية، والصاروخية منها على وجه الخصوص، هي ليست أكثر من صناعات صفرية، أي عمليات تصنيعية تطويرية لصواريخ روسية وصينية، هذا من جانب، ومن جانب ثانٍ فهي تعرف أن عدوها الأمريكي يملك من الإمكانيات ما يفوق بقدرته وعدده إمكانية صواريخها هذه، فهل ستغامر بإمكانياتها هذه مغامرتها الأخيرة، التي ربما لن تنتهي حتى تكنس رموز النظام من مواقع السلطة، كما كنست صدام من قبلهم من عرش العراق عام 2003؟
الضربة الأمريكية التي لم تدر بحسابات أحد ولم يتوقعها طرف، لا من قيادات إيران ولا من أي من أذرعها الخارجية، جاءت كخفقة زلزال مفاجئة، هزت كل الرؤوس قبل الكراسي، والمفترض أن على الجميع، في إيران وخارجها، فهم رسالتها، ولكن التصريحات التي أدلى بها أمراء المليشيات في العراق تدلل على العكس، فهي تمثلت بالدعوة للإنتقام، والأهم هي دعوة مقتدى الصدر، الذي أوعز لمساعديه بإعادة إطلاق نشاط مليشياه الخاصة، جيش المهدي، وهي المليشيا التي مارست كل صنوف القتل والترهيب والتهجير والإخفاء القسري، ضد مدن وأحياء حزام بغداد السنية، ومدن محافظتي صلاح الدين وديالى، منذ حادث تفجير مراقد مدينة سامراء، عام ٢٠٠٦، وحتى نهاية عام ٢٠٠٨، وهذا ما يدلل على الإنفعالية التي تحكم تفكير هذه الشخصيات، لأن هذه المليشيا سيكون لديها الغطاء الآن لمماسة عنف مضاعف، دون الإلتفات لحجم أثره على حياة العراقيين ومستقبل بلدهم المتهاوي بسبب نشاط وإستهتار المليشيات الحزبية والايرانية ذاتها.
والأمر الذي يجب أن تضعه القيادة الإيرانية في أول حساباتها الآن هو، هل إن أمريكا، وفي حالة مهجامة أي من قواعدها ومراكز تواجد قواتها ومؤسساتها في العراق، هل ستكتفي بالرد على مليشاتها المسلحة في العراق، أم ستوسع نطاق ردها ليشمل قواعدها ومراكز إمدادها وتمويلها داخل الأراضي الإيرانية، إضافة إلى ما تنتقي من أهداف عسكرية وحيوية، وهي تعرف تماما أن الصواريخ والطائرات الأمريكية قادرة على هذا وبمنتهى الدقة في الإصابة؟
يعرف الجميع حجم المأزق الذي تعيشه المليشيات العراقية الآن، فمقتل قائدها سليماني، بهذه البساطة، وفي لحظة لم تدر بخلد أحد من قادتها، إضافة إلى مقتل زعيم أحد أهم مليشيات سليماني معه، المهندس، إنما أشر لإمراء هذه المليشيات أن عملية تصفيتهم من قبل أمريكا أمر أبسط مما كانوا يظنوه، كما إنه أزال عن أعين أتباعهم غشاوة الغرور والثقة بقدراتهم التي كانوا يظنوها بأنفسهم وبقائدهم المعجزة، والذي كانوا يظنون أنه محصن ضد أي من أشكال الهزيمة أو الموت، وها هو تطوح به ضغطة زر صغيرة، لا يستطيعون حتى تحديد مكانها على خارطة الأرض.
أمريكا وجهت هذه الضربة بحساب دقيق وتوقيت أدق، للحكومة الإيرانية وللميليشيات العراقية، فهل سيفهم الطرفان فحوى هذه الرسالة أم يتبعون أهواء خامنئي الخرف، ويسحبان العراق وإيران إلى مواجهة مفتوحة مع أمريكا؟
على الطرفين فهم رسالة مقتل سليماني في سياقها السوقي لا العاطفي، لأن إنسياق الطرفين خلف العواطف سيعرضهما للمزيد من حفلات صيد وشواء الطائرات والصواريخ الأمريكية التي لا تكل عن المطاردة، والتي لن تتمكن من صدها طائرات أف 14 الإيرانية المتداعية... وعلى خامنئي وخليفة سليماني أن يتذكرا أنها من صناعة أمريكية وليست إيرانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن