الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدود الاحتجاجات في مناطق سيطرة نظام الأسد

راتب شعبو

2020 / 1 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


تبرز من فترة إلى أخرى أشكال من الاحتجاجات الشعبية المطلبية في مناطق سيطرة نظام الأسد، كان آخرها المظاهرات التي شهدتها محافظة السويداء السورية (كانون الثاني 2020) احتجاجاً على الغلاء وتدني مستوى المعيشة. قبل هذه المظاهرات شهدت محافظة طرطوس اضراب لسائقي التكسي، وقبل ذلك شهدت اللاذقية احتجاجات عقب جريمة قتل أحد ضباط الجيش على يد أحد الشبيحة من عائلة الأسد. كما تشهد درعا من حين لآخر مظاهرات تبدو الأقرب إلى روحية مظاهرات الثورة الأولى. هناك أيضاً احتجاجات أو مواقف فردية عديدة، منها ما ذهب بصاحبه إلى القبو، ومنها ما ذهب به إلى القبر.
على محدوديتها، تشكل مظاهرات السويداء أقوى موجة احتجاج في مناطق النظام حتى الآن، سواء من حيث عدد المشاركين أو من حيث الديمومة. يمكن رد ذلك إلى الموقع الخاص الذي تتمتع به السويداء من الصراع السوري.
في مناطق النظام، يسهل تمييز جمهورين، لكل منهما أسبابه التي تمنعه من رفع الصوت أمام تفشي الغلاء والبؤس العام. الجمهور الأول هم النسبة الغالبة من المسلمين السنة الواقعين في هذه الظروف تحت تهمة جاهزة سلفاً هي الإرهاب الإسلامي والصلة مع داعش والنصرة .. الخ، على غرار حال المسلمين السنة في العراق. والجمهور الثاني هم الاقليات الدينية (للموحدين الدروز وضع خاص بينهم)، الذين يبدو لهم أن النظام يخوض معركة ضد "التطرف الإسلامي" الذي يستهدفهم كما يستهدف النظام، وأن أي احتجاج ينبغي أن يكون دون عتبة إحراج النظام وإشغاله عن معركته "الوطنية".
الطرف الذي تبلور مع الوقت بوصفه المناهض الأبرز لنظام الأسد، أقصد الطرف الإسلامي الجهادي، عمّق من خط التمايز بين هذين الجمهورين وشلّهما في الوقت نفسه.
لا يستغرق أي من هذين الجمهورين جمهور السويداء الذي يمكن وضعه في خانة مستقلة. لم تكن السويداء على خط الثورة التي انطلقت من درعا المجاورة، ولكنها أيضاً لم تكن تماماً على خط النظام، وحافظت دائماً على هامش "متمرد" على النظام، الأمر الذي جعلها عرضة لضربات تأديبية أو ترعيبية، كانت إحداها على يد داعش (تموز/يوليو 2018) التي لم تكن يد النظام بعيدة عنها. غير أن أغلب الضربات كانت على يد زعران محليين بالتعاون مع أجهزة الأمن، هذا التعاون الذي وضع حداً دموياً لظاهرة "مشايخ الكرامة" الذين كانوا يعرفون أنفسهم على أنهم ليسوا معارضة وليسوا موالاة وأن همهم حماية الجبل، حين اغتيل الشيخ وحيد بلعوس، أبرز شخصياتها.
عدم التماهي التام مع النظام، والفاصل السياسي والمذهبي مع تيارات الإسلام السياسي السني (لا يمكن تصنيف الاحتجاجات في السويداء في خانة الإرهاب الإسلامي الجاهزة والمقبولة دولياً)، ومستوى التضامن الأهلي العالي المتوفر بين أبناء محافظة السويداء والذي يفرض على النظام التعامل الحذر فيها، هو ما يعطي التمايز لجمهور المحافظة، وهو ما صنع المجال الذي تحركت فيه مظاهرات "بدنا نعيش".
لا تدخل هذه المظاهرات أو أشكال الاحتجاج الأخرى التي شهدتها مناطق سيطرة النظام، في تحد مباشر مع النظام ، الغالب أنها تعي نفسها بوصفها احتجاج متضررين ولكنهم أقرب إلى النظام منهم إلى الطرف الإسلامي الذي يواجهه، أي إنهم متضررون ولكن على الضفة نفسها، فلا يصل عمق احتجاجهم إلى أبعد من مطالبهم المباشرة غير السياسية (تستثنى مظاهرات درعا التي تستفيد من بعض الحماية الروسية في سياق التجاذب بين الحلفاء). والملاحظ أن هذه الاحتجاجات تبقى معزولة ولا تستولد احتجاجات مشابهة في مناطق النظام التي تعيش الظروف نفسها، ولا أيضاً في المناطق الخارجة عن سيطرته التي تتعرض لحملة عسكرية واسعة، دون ظهور أي بادرة شعبية سورية للتضامن مع المدنيين المنكوبين فيها.
تعدد السيادات على الأرض السورية خلق مع الوقت تباين في الظروف المعيشية والسياسية ضرب إلى حد كبير عصب التضامن بين السوريين في مناطق السيادات المختلفة، هذا فضلاً عن التشتت وضروب اليأس ونضوب الطاقة.
صحيح أن مظاهرات السويداء استهدفت مركز شركة الهاتف الخليوي (سيرياتل) العائدة إلى رامي مخلوف القريب عائلياً وسياسياً واقتصادياً من القصر الرئاسي في سورية، والذي يمكن اعتباره امتداداً مباشراً للقصر في السوق. وأن هذا الاستهداف يشكل نقطة مشتركة لهذه المظاهرات مع المظاهرات السورية الأولى (2011). في السويداء هتف المتظاهرون "يا مخلوف، يا شاليش، حلوا عنا بدنا نعيش"، وفي المظاهرات الأولى هتف المتظاهرون ضد مخلوف وتعرضت مراكز شركته للحرق على يد المتظاهرين الذين "يدركون" إنها تمثل لب النظام وجوهره (الاستبداد السياسي للسيطرة على الثروة).
وصحيح أن المظاهرات التي ألحت على البعد السياسي لدوافعها بترديد "الشعب السوري مو جوعان" وبالتشديد على المطالبة بالحرية، التقت في استهداف رمز الفساد، مع مظاهرات السويداء التي تلح على "العيش" وعلى نفي البعد السياسي بترديد "بدنا نعيش، لا سياسة ولا تسييس". غير أن الفارق بين الحالتين واسع مع ذلك، يعكس الفارق بين المطلبي والسياسي، بين سورية اليوم وسوريا 2011.
التلازم بين التسلط والفساد يشكل القنظرة التي تجمع بين مظاهرات "الحرية" ومظاهرات "العيش". لكن من ناحية ثانية، هناك فارق تنبغي ملاحظته على مستوى وعي المتظاهرين لأنفسهم ولموقعهم في الصراع السوري الحالي الذي تعقد إلى حد كبير واختلطت فيه الخيوط وبات من المفهوم أن تتحرك الاحتجاجات على أساس مطلبي مباشر بعد أن تحولت حياتهم إلى جحيم.
الفاصل السياسي عن الثورة الأولى أو عن مسارها اللاحق، معطوفاً على الخوف من بطش النظام الذي برهن على استعداد دموي مرعب، يجعل الاحتجاجات في مناطق نظام الأسد تتحرك في دائرة رفض ضيقة. هذا، إلى جانب محدودية الانتشار، هو ما يفسر تحمل النظام لهذه الاحتجاجات وعدم ارتداده العنيف ضدها. مع ذلك، لا يستطيع مسؤولو نظام الأسد، رغم كل الظروف المأساوية للسوريين، إلا أن يضيفوا إلى المشهد لوناً أسدياً تجلى في تصريح أمين فرع السويداء للحزب (البعث)، في عود على بدء، بأنه رصد جهات خارجية ومجموعات مسلحة تدفع أموالاً للطلاب لكي يتظاهروا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص