الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلنا خرجنا من معطف غوغول القديم

هاله ابوليل

2020 / 1 / 28
سيرة ذاتية


معطف غوغل القديم

فجأة , وبدون سابق إنذار .... وجدت نفسي أكلم السكرتيرة :لا اريد أن اعمل إقامة
وهذا يعني في بلد المشايخ , أني سأغادر البلاد فلا اقامة لمن لا يعمل هنا ,
الشيء الغريب إنه ليس هناك أي اسباب خلافية وراء قراري سوى أن الكلمات خرجت لوحدها من فمي ,ووجدتني ارسل اشعارا بالإستقالة للمديرة التي تفاجأت بدورها ,وخاصة أن أموري سلكت ,واشتركنا في جمعية معلمين ودخلت معنا المديرة بكامل اناقتها بثلاث أسهم, ومضت الأمور بسلاسة منذ بداية العام الجديد وكانت اقامتي على وشك الإنتهاء في شهر ديسمبر
فما الذي استجد؟
في الحقيقة, أنا لا اعرف ؟
لم تخرج الكلمات التي لست اعرف , كيف خرجت, إلا لأنها تريد أن تخرج فلا شيء يظهر على فلتات اللسان الا اذا كان هناك شيء يتلبسه
فما الذي تلبسني آنذاك ؟؟
كل ما أعرفه أن بلادا تشعرك بالسعادة ستجعلك راغبا في البقاء فيها والعيش بسعادة بعيدا عن نق الجارات وكيد زوجات الاخوة المزعجات وهو افضل بلا شك من الذهاب اليهم بكل الأحوال,
ولكن ثمة اشياء ليس من بينها تعليق للمديرة, تعليقا سمجا بضرورة رمي احدى ثيابي القديمة , و تبرعها السخي بإحضار ملابس لي لم تلبسها .
كان عرضا سخيا بالفعل , فالمديرة الانيقة لا تلبس إلآّ ثيابا غالية وليست بالضرورة جميلة ,كما أراها , فالمسالة أذواق ,
ولكني اعرف صديقة , لو عرض عليها هذا العرض ,لكانت أسعد نساء الكرة الأرضية .ومع إنها كانت تأخذ منها قبل أن اصبح صديقتها أنا الآخرى , إلآ أن هذا العرض ازعجها لأن هذا العرض بالنسبة الى طريقة تفكيرها كتابع , إني بلغت في قلب المديرة نفس ما بلغت ,ولهذا فقد كرهتني .
يا للهول , كانت تتمسك ببركة اي ثوب يأتيها من المديرة وكأنه ثوب مقدس لا يمكن التفريط به . على عكسي أنا .
فالطبع , لم يكن عرضها الودود سوى من باب الصداقة التي تجمعنا فأنا مثلا, أفضل أن أرمي ملابسي أو أقطعها, لتتلف على أن أراها على جسد مخلوقة لا أحبها , ولكن هذا فعليا ما جعلني أفكر بجدوى إقامتي في الغربة بعمل لا مردود من وراءه.
ولكي اكون صادقة كان هذا العرض نابعا من محبة لا اتوقعها من أي امرأة,
ربما كان عرضا طيبا وليس من وراءه أي نوايا مرضية أو تقصدا كيّديا أو سموما نسائية كما هو متعارف.
فنحن كما نحن -أقل من صديقتان- وأكثر من زميلتان في العمل.
كنا نتضاحك ونلهو و بيننا قصص سخيفة ولكن ذلك العرض جعلني في البيت اشتمها
لا اعرف لماذا؟ جعلتني انتبه إلأ أن اقامتي في بلد حتى لو كان جميلا , لن يجلب لي مدخرات لشيخوختي. ما جدواه !
وشتمي لها لم يكن من باب الغيرة والحسد , فمديرة تتقاضى 30 الف درهم ,كيف بدا لك أن تقارني نفسك مع زميلة لك تتقاضى فقط ست الآف درهم .
كيف لها ,أن تقارن ملابسها بعظيمة مثلي , تتقاضى 6 الآف درهم فقط,
ضحكت وابتسمت لسخاءها المثير, وقلت لها: لن اذبها بالعراقي) تعني لن ارميها كنت اعاكسها طبعا بتمردي
فهذه البلوزة ( ساخرة) تستطيع ان تعيش لمدة خمسة عشر سنة اخرى.
مضى الموضوع بسلام .ومرت الشهور الثلاثة , ولكن في اعماق اعماقي لم انسى.
كان شيئا ما في داخلي يقول
اذا لم تكن هذه البلاد قادرة على ترفيهك و جعلك فتاة مدللة ,فلما البقاء فيها؟
اذا كنت معرضا لكي تقدم لك المساعدة من قبل مديرة يتجاوز راتبها خمس اضعاف راتبك ولا تشعر بالإهانة,
فهذا شيء قد يأخذ عليك ,فأنت شخص عديم الاحساس
شخص ملابسه قديمة, وبحاجة لمعطف غوغل على وجه السرعة, ولكنه لا ينتبه.
اذا كنت لا تستطيع أن تركب سيارة " تيدا " الصغيرة ,وتستقل الباص مع خادمات المنازل والهنود لتفاجأك احدى العاملات بالمدرسة لتقول لك ضاحكة ..مس هلا, سيف ماني
يعني بالعربي (بتحوش فلوس) كانت سيارة الدفع الرباعي ( الأكس فايف) تقف أمام البيت وادفع اقساطها وهي تقف أمام البيت بحاجة لعشر الأف لتصليح محركها .
واضطر لأركب باصات مكيفة الى المارينا مع خادمات البيوت والهنود
كلمتها جعلتني اضحك (save money )
قلت لها بالسخرية المريرة التي أجيدها قائلة لها ,وهي تتشارك معي نفس المقعد وقد طلبت لها قهوة مثلي
. عزيزتي:" لا يوجد معي ( money)
to save it)
لا يوجد مال ,ليوفر.
الفلبينيات يعتقدن ان ست الآف درهم ثروة بالنسبة لعملات بلدهم ,لذا فقد تعجبت من ركوبي الباص مثلها وهي التي لا تتقاضى سوى الف و200 درهم , بالحقيقة , لقد كانت كلمات الحائزة على نوبل" توني موريسون "ترن في دماغي ,عندما قالت بما معناه أن تنتظر لآخر الشهر ,لكي تقبض راتبك ,تلك هي العبودية الحقة.

ووجدت أني لا املك ثمن طائرة فيما لو حدث مكروه ما تطلب مني مغادرة البلاد ,فهل أستدينه مثلا ! ومن يقرضني ؟
مثل تلك الأسئلة كانت تدق في رأسي, باستمرار
عندما تنهي اعمال سنتك ولا تجد ما تعود به الى ديارك , فما الجدوى من هذا العمل ؟ حتى لو كان مريحا .
في لحظة , وجدتني قد خسرت رفيقة عمري التي كانت صديقة للمديرة , بسبب أن ابنتها الصغيرة ,اصبحت صبية تدس برأس أمها أساليب المكر النسائي , ثم وجدتني اسكن في استديو صغير ,ولكنه جميل . ولكن البروكر المصري سيزيد اجرته ليصبح ثلاث الآف درهم , فما الذي سيتبقى من الراتب بربك ؟في حيت أن الزيادة التي حصلت عليها ستذهب فروقات اسعار للغلاء .عوضا عن أن المدارس لا تستجيب لرفع الرواتب للعاملين وهي التي لا يقل مدخولها السنوي من الارباح الى خمس مليون على اقل تقدير, ولا يوجد قانون يلزمها برفع الرواتب, فأنت حتما ستغادر البلاد.
عندما يتجاوز عمرك الاربعين وأربع سنوات ونيف ولا تجد بدا من مشاركة غرفتك مع احداهن من المريضات نفسيا , لتشرع الكاميرا بتصويرك وانت نائمة , تشخرين.
هذا يعني أنك لا تحتاجين لنكشة , بل تحتاجين لمقيّم نفسي ,لأن هناك من هم اصغر منك بالعمر, وأمورهم ميسرة , وكل شيء مريح , فلماذا تقبلين بالفتات, اذا كنت قادرة على العيش بدونه في بلادك .
فليذهب الفتات للريح إذن .
حتما و بعد كل هذه المبررات ..ستغادر البلاد وتضحى بالحرية ,والاستقلالية و البحر وكل شيء.

عندما افكر ما سأفقده هناك الشمس والبحر والمراكب الشراعية و العشب والقمر والجلسات المريحة والمشي في الساعة 6 صباحا
سأعلم بأني ارتكبت حماقة اخرى ,تضاف لحماقاتي . ورغم كل ذلك كتبت الاستقالة وامرت الطابعة منذ الصباح أن تطبعها ,ولكن الطابعة لم تستجب.
غدا , صباحا حتما ستستجيب الطابعة بلا شك.
٠--------٢--------‏/١--------١--------‏/٢--------٠--------١--------٤--------
فن النبش في الماضي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة