الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طه حسين الكفيف صاحب البصيرة الثاقبة

ماهر عبد الرحمن
باحث وكاتب مصري

(Maher Abdelrahman)

2020 / 1 / 30
سيرة ذاتية


في كتاب "هؤلاء علموني" يقول سلامة موسى عن الكتاب الذين تأثر بهم "أحببتهم، وأعظمتهم، ووجدت فيهم النور والتوجيه، ولكني حاولت الاستقلال، وهذا ما أنصبح به القارئ الذي يجب أن ينصت إلى قول أمير الأدب جيته؛ إذ يقول "كن رجلا ولا تتبع خطواتي"، فعلينا في كل حال أن ننشد الاستقلال". ولو أني ذكرت هؤلاء الذين تعلمت منهم وتأثرت بهم، فالقائمة قد تطول وأكثرها سوف يكون من نصيب كُتاب عرب ومسلمين من القرون الغابرة إلى اليوم وأقلهم غير ذلك (سلامة موسى ذكر 20 كاتب كلهم أجانب)، وده مش لسبب إلا فقط لفقري اللغوي في اللغات الأخري غير العربية. وعلى رأس الكُتاب الذين "أحببتهم، وأعظمتهم، ووجدت فيهم النور والتوجيه" يأتي الدكتور طه حسين. طه حسين الذي تجاوز بإرادته وصلابته وبصيرته المحنة العلائية، وآمن بالعقل لا كمجرد أداة للنقد، ولكن كأداة للنقد والإبداع والتبشير بالمستقبل.
كتاب "محاضرات في تاريخ الإصطلاحات الفلسفية العربية" للمستشرق لويس ماسينيون (وبالمناسبة أهميته الأكبر الآن هي تاريخية وتخليدا لذكراه، فالدرس الفلسفي نفسه ونحت المصطلحات باللغة العربية قد نضج وتجاوز محاضرات ماسينيون)، لكن لا بأس من هذه المطالعة الشيقة طبعا. وأُلقيت سلسلة المحاضرات هذه، وعددها 40 محاضرة فريدة من نوعها، في الجامعة المصرية، في العام الدراسي من 25 نوفمبر 1912 إلى 24 أبريل 1913، على طلبة منهم: طه حسين، ومنصور فهمي، وعلي العناني. والمحاضرات أقرب للأمالي (وهو ما يمليه الشيخ على طلبته) فقد كتبها أحد الطلاب ثم راجعها ماسينيون ونقح بعضها واختار لها هذا العنوان. وفيها التزام بمنهج حدده لطلابه منذ البداية ولم يخالفه حتى النهاية، فكان يذكر المصطلح العربي إن كان موجودا، ثم يتعقب تطور معانيه في مختلف المذاهب الفلسفية الإسلامية، ثم يرجع إلى أصله اليوناني ويفعل نفس المنهج.. ودائما مع الحرص على ذكر المقابل الفرنسي أو الإنجليزي أو الألماني أو اللاتيني. وكان يتولى ترجمة المصطلح إلى اللغة العربية إن كان مستحدثا.ورغم أن المهمة كانت شاقة لشرح الفلسفة لطلبة لا يعرفون إلا القليل عنها، لكنه لم يدخر أي جهد، ويتضح منها أنه (وكان وقتها لم يبلغ الثلاثين) لديه استيعاب دقيق وجاد للنظريات العلمية المختلفة. وأنه كما تقول المحققة "كان مثالا نادرا للأستاذ الذي يبذل كل الجهد من أجل تلاميذه، يرشد عقولهم للحقيقة، ويحرص على تعليمهم المنهج الذي يتيح لهم الوصول إليها بمفردهم بعد ذلك". وفي محاضرته الأولى يقول لتلاميذه "سأكون دليلكم حتى نصل إلى أول باب من أبواب الحقيقية، فأترككم تلجونه وأنا لا أدخل كما قال دانتي الشاعر الإيطالي من أنه يحمل المصباح ويتقدم أمامهم حتى باب الجنة مهتدين بنور مصباحه ثم يدخلون ولا يدخل". ولأن ماسينيون كان مبعوثا للتدريس من قِبل الحكومة الفرنسية فكان عليه في نهاية العام الدراسي أن يكتب لها تقرير عن ذلك، ونص التقرير كاملا يورده عبد الرشيد الصادق محمودي في كتابه عن "طه حسين من الأزهر إلى السوربون"، ومن اللافت للنظر في هذا التقرير أن ماسينيون يذكر فيه إعجابه بعقل ونباهة أحد الطلبة فيقول: "ومما سرني أني وجدت بين طلابنا عقلا من المرتبة الأولى، كفيفاً صاحب بصيرة ثاقبة، هو الشيخ طه حسين"، ثم يعود ويذكره مرة أخرى ويذكر نبوغه وهو يعلق على أداء الطلبة للإمتحان النهائي فكلهم حفظوا دروسهم عن ظهر قلب لكن ضعفهم ظهر في مبادئ العلوم الجديدة، لكنه يستدرك فيقول: "إلا أن طالباً بلا نظير هو الشيخ طه حسين قدم عن السؤال العاشر شرحاً بلغ فيه غاية الدقة في التعبير لمناقضات العقل المجرد وفقا لكانط". هذا هو طه حسين الذي مازالنا في حاجة لتجديد ذكراه بما يمثله من نور وعقل، وما دافع عنه من أجل قيم العدل والحرية والمساواة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة