الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط النظام العالمي -الليبيرالي- لاميركا

جورج حداد

2020 / 2 / 1
العولمة وتطورات العالم المعاصر


منذ ايام قليلة وقف دونالد ترامب على المنصة امام وسائل الاعلام العالمية، وكأنه مارد الفانوس السحري، او يهوه التوراتي ، ليعلن عما يسمى "صفقة القرن"، والتي تنص انه يهب القدس وفلسطين والجولان للجزار بنيامين نتنياهو وشعبه المختار، مقابل 50 مليار دولار سيدفعها شيوخ النفط العرب، وليفعل "شعب يهوه المختار" بالشعب الفلسطيني كما اوصت به التوراة اليهودية ضد الكنعانيين سكان فلسطين الاصليين، وكما فعل "رواد الحضارة الاوروبية" الكولومبوسيون بالهنود الحمر سكان اميركا الاصليين.
ولكن حينما كان ترامب يقدم عهده الترامباوي لليهود، كان الفلسطينيون، شيوخا واطفالا، رجالا ونساء يتظاهرون في الساحات العامة على مرأى من جنود الاحتلال الاسرائيلي ويهتفون ضد "صفقة القرن" ويحرقون العلمين الاميركي والاسرائيلي وصور ترامب ونتنياهو ويدوسونها بالاقدام.
وهذا هو رد الشعب الفلسطيني على الوعود لليهود، من وعد يهوه الى وعد بلفور الى وعد ترامب.
ان هذا الاعلان الاحتفالي لـ"صفقة القرن" يمثل قمة السقوط والفشل للنظام العالمي "الليبيرالي" لاميركا، ولا سيما في عهدها الترامباوي.
وفي تشرين الاول 2017 كانت New York Times الاميركية قد كتبت باهتمام خاص عما يسمى ""المانيفيستو الالماني" الذي وضعه عدد من خبراء السياسة الدولية الالمان. وهو يشير ان اعمال الرئيس ترامب تضع علامة استفهام حول "النظام العالمي الليبيرالي" لاميركا. وحسب رأي واضعي "المانيفيستو" فإن انتخاب دونالد ترامب "وجه ضربة شديدة للاسس النظامية لليبيرالية الغربية".
وردا على المانيفيستو دعا الباحث الاميركي جوش بوبسي زملاءه الالمان الى الاعتراف بأن ازمة النظام العالمي الليبيرالي لاميركا انما بدأت قبل مجيء ترامب الى السلطة، وان مجيء ترامب بالذات هو نتيجة لهذه الازمة. وهو يعتبر ان العودة لهذا النظام لم تعد ممكنة، وان اوروبا عليها ان تتكيف مع الوقائع الجديدة في السياسة الدولية.
ان نظرية بوش الابن، التي تشكلت سنة 2002 والتي استخدمت لتبرير اجتياح العراق سنة 2003، هي مثال على السياسة الدولية الاميركية، التي كانت تهدف الى بناء نظام عالمي جديد لاميركا.
وفي مطلع التسعينات من القرن الماضي اعتبر الكثير من الباحثين الاميركيين ان الولايات المتحدة الاميركية تمتلك امكانيات كبيرة لبناء نظام عالمي جديد "ليبيرالي". وانتشر في الغرب على نطاق واسع الرأي القائل ان التشكلات السياسية وصلت الى نقطة لم يعد من الممكن معها وجود بديل للنظام العالمي بقيادة اميركا. وفي ذلك الوقت كانت الصين في بداية نهضتها. وطوال حقبة التسعينات كانت روسيا في حالة ضعف مستمرة. وكل ذلك عزز الفكرة في الغرب انه لا يمكن الوقوف بوجه الهيمنة الاميركية "الليبيرالية". وهذه الفكرة جرى تكريسها في المؤلف الاساسي لفرنسيس فوكوياما حول "نهاية التاريخ".
وحينذاك فإن قلة فقط من الباحثين توقعت انه بعد سنوات قليلة (خلال الـ2000) فإن مشروع الهيمنة "الليبيرالية" لاميركا سيبدأ بالانهيار.
وبعد سنة 2005 بدأ نظام الهيمنة الاميركية يصطدم باخفاقات جدية، واخذ في التآكل. وفي هذا السياق تندرج اخفاقات اميركا وحلف الناتو في افغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها. كما يندرج اخفاق اميركا الفاضح كوسيط "سلمي" وحيد بين اسرائيل ومنظمة اوسلو الفلسطينية، والذي تمخض عن الانحياز الاميركي الكامل للمشروع الامبريالي ـ التوراتي ـ الصهيوني.
ويعتبر بعض الباحثين الاميركيين ان مجيء ترامب الى السلطة عمّق الثغرات في نظام الهيمنة العالمية لاميركا. ويبدو ذلك في فشل سياسة العقوبات والعداء الاميركي ضد روسيا والصين وايران، كما في تمايز وتدهور العلاقات الاميركية مع الاتحاد الاوروبي ولا سيما مع المانيا وفرنسا.
كما يبدو هذا الفشل في الاضرار الفادحة التي تسببت بها الازمة المالية سنة 2008، والتي ادت الى تدهور معيشة مئات ملايين البشر، بما في ذلك داخل اميركا بالذات، وهو ما كشف عجز آليات عمل نظام الهيمنة الاميركية على العالم.
وليس من الصدفة ان الكثير من الباحثين الاميركيين بالذات اخذوا يظهرون القلق والخوف على مصير "الدمقراطية" داخل اميركا بالذات. ويقول احد هؤلاء الباحثين جون مرشايمر "بشكل عام، ان النظام الدمقراطي الليبيرالي اخذ ينهار بشكل ملحوظ".
ان العولمة الاميركية القت باعبائها الثقيلة والمدمرة على حياة مئات ملايين البشر وكشفت تماما حقيقة النظام العالمي الليبيرالي الجديد لاميركا التي تتاجر بشعارات الدمقراطية وحقوق الانسان.
ولكن نهوض روسيا والصين وايران ادى في نهاية المطاف الى تبدل جوهري في ميزان القوى العالمي، وقوض بالتالي نموذج القطب الاوحد الذي حاولت اميركا ان تفرضه على العالم.
وبعد نهاية الحرب الباردة السابقة بين الشرق والغرب، خاضت اميركا سبع حروب اقليمية ساخنة ذهب ضحيتها ملايين البشر، اي في المتوسط حرب كل سنتين او ثلاث، ولكن ايا من هذه الحروب لم تحقق الاهداف المرسومة لها. كما نضيف الحرب العدوانية التي شنتها اسرائيل على لبنان بدعم اميركي كامل سنة 2006، والتي انتهت ايضا بهزيمة تامة لمخطط العدوان الاسرائيلي.
ان العولمة الاقتصادية التي تعمل اميركا لفرضها على العالم باسم الليبيرالية والدمقراطية وحقوق الانسان تؤدي الى تدمير العلاقات الدولية الطبيعية بكل ما لذلك من اثار سلبية على العالم بأسره بما في ذلك على شعوب الكتلة الغربية وعلى رأسها اميركا.
ان نهضة الصين والعودة الروسية القوية الى الساحة الدولية ونهضة ايران هي عوامل قاتلة لنظام الهيمنة الاحادية الاميركية باسم النظام العالمي الليبيرالي بزعامة اميركا. ومجيء دونالد ترامب الى السلطة هو بمثابة رصاصة الرحمة على جثة النظام العالمي الليبيرالي لاميركا.
ويرى الباحث الاميركي مرشايمر انه "في المستقبل المنظور لا يوجد اي مستقبل للنظام العالمي الليبيرالي" لاميركا.
وفي ليلة 2 ـ 3 كانون الثاني الماضي قامت اميركا بعمليتها الارهابية التي اقدمت فيها على اغتيال قائد المقاومة الاقليمي الجنرال قاسم سليماني ومرافقيه. وكان في تقدير الادارة الاميركية ان القيادة الثورية الايرانية ستحني رأسها للعاصفة. ولكن بعد مرور مراسم الاسبوع على دفن قاسم سليماني ردت القيادة الثورية الايرانية على الارهاب الاميركي بقصف قاعدة عين الاسد الاميركية في العراق بالصواريخ الباليستية عالية الدقة. والذي احنى رأسه للعاصفة هو الادارة الاميركية العسكرية والسياسية التي "بلعت" الصفعة، وأخفت خسائرها ليومين او ثلاثة، ثم اعترفت بوقوع ثماني اصابات، ثم ارتفع العدد تدريجيا ليصل الى اكثر من 60. ومن يدري ربما بدأت الجثث ايضا تظهر من مطابخ الاعلام الاميركي الموجه. واكتفت الادارة الاميركية بالتهديد بمواصلة العمليات الارهابية وقالت انها ستقتل جنرالا ايرانيا ثانيا. وبالمقابل رفعت القيادة الثورية الايرانية شعار تحرير منطقة غرب اسيا من الوجود العسكري لاميركا. وسارت مظاهرة مليونية في بغداد للمطالبة بانسحاب القوات الاميركية.
وفي الوقت ذاته كانت الجماهير الفلسطينية تحرق الاعلام الاميركية وصور دونالد ترامب وتدوس عليها بالاقدام. ومن جبال اليمن الى شواطئ غزة لعلعت كالرصاص شعارات "الموت لاميركا، الموت لاسرائيل، اللعنة على اليهود!"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف