الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اِسْتِرْدَادُ الثَوْرَةِ السُّودانِيَّة ..!

فيصل عوض حسن

2020 / 2 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


طَلبتُ في مقالتي (اَلْصَحْوَةُ اَلْسُّوْدَاْنِيَّة: مَحَاْذِيْرْ وَمُتَطَلَّبَاْت) بتاريخ 22 ديسمبر 2018، من شباب السُّودان الذين خرجوا للشوارع وَوَاجهوا الموت ببسالةٍ/شجاعة، أن (يحموا) ثورتهم التي دفعوا ثمنها من دمائهم الطَّاهرة وألا يسمحوا بـ(سرقة) تضحياتهم، ونصحتهم بعدم التَرَاخي والإسراع بالتنسيق والانتظام في مرجعيَّةٍ شبابيَّةٍ واحدة، يُشكِّلونها ويُديرونها بأنفسهم ويُشرفون عليها (دون وِصَاية)، وبعيداً عن طُلَّاب السُلطة وتَجَّار الحروب.
اتَّسعت الاحتجاجات التي بدأت بالأقاليم في 12 ديسمبر 2018، وغَطَّت خلال 13 يوماً فقط (يوم 25 ديسمبر 2018) كلاً من: الدمازين، الفاشر، بورتسودان، عطبرة، بَرْبَرْ، دُنْقُلَا، كريمة، كَسَلَا، الأُبَيِّضْ، القَضَارِفْ، الجزيرة أَبَا، كُوْسْتِي، رَبَكْ، سِنَّاْرْ، مَدَني/الهِلَاليَّة، النُّهُود، أُمْدُرْمَان، بحري والخرطوم، وكان بالإمكان القبض على غالِبِيَّة (قَادَة) المُتأسلمين، إذا استمرَّ الحِرَاك بنفس القُوَّة والسُرعة، لولا الظهور المُفاجئ لتَجَمُّعِ المِهَنيين وقفزه فوق الحِرَاكِ الشعبي، بعد تقديم وجوه (شبابِيَّة) غير مألوفة و(تضخيمهم) وتقديمهم كمُستقلِّين، حتَّى يَتَقَبَّلهم الشعب الذي كَرِهَ جميع الكيانات (مدنِيَّة/مُسلَّحة). ولم يَطرَح المِهنِيُّون أي فكر استراتيجي/مُؤسَّسي حتَّى الآن، ولم يُقدِّموا للثورة سوى (جداول) تَظاهُر كارثِيَّة/مُتهوِّرة)، كدعواتهم للتَوَجُّه إلى القصر من جبرة أو الثورة الساعة الواحدة ظهراً و(بالأقدام)، أو التَوجُّه من لَفَّة القُبَّة جنوباً (نحو معسكر الاحتياطي المركزي)، وغيرها من الأفكار/الدعوات التي أضَرَّت بالحِرَاك، وخَلَّفت خسائر بشريَّة كبيرة (دون مُقابل)! وافتقد المِهَنِيُّون، للتَجَرُّد/الصدق والوفاء، حيث سَارَعُوا للتَحَالَفِ (دون تفويض شعبي) مع الكيانات الانتهازِيَّة لتعطيل/إفشال الثورة، بعدما لَاحَت مُؤشِّرات نجاحها في الأفُق! فما أن تَشَكَّلَت جماعة الحَرِّيَّة والتغيير (قحت) إلا وبدأت الربكة/الخلافات، وشَاهَدنا أسوأ صور الغَدرِ والانبطاح، وتَسَابَقَ القَحْتِيُّون للتَفَاوُض (الانفرادي) مع العَسْكَر، والسفر (خِلْسَةً) للإمارات وغيرها من مظاهر الخزي، وتَرَاجَعت التظاهُرات الشعبِيَّة التي غَطَّت 13 مدينة/منطقة في أقل من أسبوعين، لتُصبح فقط في (حَيَّيْنِ) اثنين أو ثلاثة من أحياء الخرطوم، عقب قيادة المِهنيين وقحت، و(تَقَزَّمَت) السقوف المَطلبِيَّة إلى (التَفاوُضِ) بدلاً عن (الإسقاط الكامل) للمُتأسلمين!
استمَرَّ الغَدرُ (الفِخَاخْ) بأكثر من صورة/صعيد، كالتفاوُض والاعتصام وتصويرهما كإنجازات تستحق المُقابل السُلطَوِي/الاسْتِوْزَار والمالي! فالتفاوُض لم يكن مَطْلباً شعبياً أبداً، وإنَّما خيار الكيانات الانتهازِيَّة المُتخفِّية خلف المهنيين. وأمَّا الاعتصام، فقد أفشلته جماعة قحت عمداً، إذ لم يطرحوا أي استراتِيجيَّة نَّاضجة/واضحة لدعمه، ورفضوا الأفكار التي قَدَّمها العديدون، ومن ضمنهم شخصي سواء بنحوٍ مُباشر أو عبر المقالات المنشورة، وأغرقونا في تصريحاتٍ وصراعاتٍ (هايفة)، وسَمَحُوا لـ(قادة) المُتأسلمين بالهروب مع أُسرهم للخارج، وتَراجَعت نِسَب/احتمالات استرداد أموالنا المنهوبة، وَوَجدَ الطَّامعون الخارجيُّون فرصة التَدَخُّل وتحوير خياراتنا، وزادت مُعاناتنا الاقتصادِيَّة والإنسانِيَّة والأمنِيَّة. كما تَسَبَّبَ الاعتصام في اقتناص خيرة شبابنا (اغتيالاً وخطفاً/اعتقالاً)، سواء بنحوٍ فردي أو جماعي كما جرى في (مَجْزَرَة) فَضِّه البشعة، التي لم يُصَبْ فيها أياً من رموز قحت أو المهنيين، وهذه حقائق مُوثَّقة لا يُمكن إنكارها.
قَاْبَلَت جماعة قحت مسيرة السُّودانيين (المليونِيَّة) يوم 30 يونيو 2019، بخيانةٍ بشعة أسموها (اتِّفاق)، مَنَحُوا فيها (الشرعيَّة) للمُجرمين، وحَصَّنوهم من المُلاحَقة والمُحاسبة والعقاب، وأغفلوا المليشيات المُسلَّحة وتسليم قادتها/أفرادها المُتورِّطين للعدالة، وإيقاف الارتزاق وتجارة البشر. كما أغفلوا (المفقودين) الذين صنعوا هذه الثورة المجيدة بدمائهم وأعراضهم، وتجاهلوا التغيير (المُتسارع) للتركيبة السُكَّانِيَّة والتجنيس العشوائي، وإعادة النَّازحين لأراضيهم الأصيلة وتعويضهم، واسترجاع الأراضي المُحتلَّة، وهيكلة القُوَّات النِّظامِيَّة وتعديل القوانين/التشريعات، وغيرها من الجوانب التي لا يسع المجال لتفصيلها. ثُمَّ وَاصَلَ الدكتور حمدوك وطاقمه (الكارثي) خاصةً وزير المالِيَّة، مسيرة التضليل وتغبيش الوعي، بمُسَانَدَةِ الأرزقِيَّة وبعض (الغافلين)، الذين تَبَنُّوا حملات تضخيم (أسطوريَّة) لحمدوك، وتخوين كل من يُحاول التوعية والإشارة لكوارثه المُتلاحقة/المُوثَّقة، وعدم إيفائه بأيٍ من وعوده التي أطلقها فور إعلانه رئيساً للوُزراء، وثَمَّة تفاصيل بمقالاتي (إِلَى أَيْن يَقُوْدُنَا حَمْدوك) بتاريخ 24 سبتمبر 2019، و(المُتَلَاعِبون) بتاريخ 24 أكتوبر 2019.
ولا يختلف المُجتمعين بجوبا عن المهنيين/قحت وأزلام المُتأسلمين، فهم وعلى اختلاف مُسمَّياتهم (نداء سُّودان، جبهة ثوريَّة .... إلخ)، يُنفذون الآن سيناريو أخطر وأكثر انحطاطاً، مما حدث بنيفاشا بين المُتأسلمين والحركة الشعبيَّة، لأنَّ نيفاشا أفضت لفصل الجنوب وحده، وما يجري الآن يرمي لتذويب/تلاشي السُّودان بكامله، ويتضح هذا من التَعَدُّد والتقسيمات (المُفاجئة) لما يُسمَّى مسارات تفاوُض، وإيجاد مقاعد/مسارات وَهمِيَّة للبعض، مع (فَرضْ) مُعطيات (مُغلقة) كموضوع (العلمانِيَّة) وخياراتها/بدائلها، مع تَعَنُّت كل طرف وتُمَسُّكه برأيه، بما يُفضي لخياراتٍ مُحدَّدةٍ بدقَّة! ولو كانوا صادقين/قادرين فعلاً، لما جلسوا مع المُرتزق حِمِيْدْتِي، الذي كان ولا يزال (أداة) الإبادة والإجرام في السُّودان عموماً، ودارفور والمنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) بصفةٍ خاصَّة، وهي المناطق التي يُتَاجر المُتواجدون في جوبا بقضايا ودماء أهلها.
إنَّ الشعب السُّوداني لم يُضَحِّ بالأنفس والأموال، ليَسْتَوْزِر (الانتهازيين/الطُفيليين)، وينجوا المُتأسلمين و(أزلامهم/مُرتزقتهم) من المُحاسبة والعقاب، وتُسْتَبَاحُ البلاد وأهلها من مُغامري الدَّاخل والخارج، إنَّما نَشَدَ السُّودانِيُّون وطناً حُراً عزيزاً، يَنعُم فيه الإنسان بخيرات/موارد بلده بعدالةٍ وكرامة، وهذا لم ولن يَتحَقَّق بوجود كياناتنا الانتهازِيَّة، التي أعاقت – ولا تزال – أي جهود مُخلصة/صادقة لإعادة بناء السُّودان، على أُسُسٍ إنسانِيَّةٍ وقانونِيَّةٍ وأخلاقِيَّةٍ وعلميَّةٍ سليمة. وهنا أدعو شبابنا بلجان المُقاومة في كل السُّودان – باعتبارهم أصحاب الوَجْعَة الحقيقيَّة - لتَبَنِّي الفكرة التي طرحتها منذ 2014، وكَرَّرتُها كثيراً آخرها مقالتي المُشار إليها أعلاه، وتتعلَّق بتشكيل مجلس شبابي/سِيادي من كل أقاليم السُّودان، وفق التقسيم الإداري: دارفور، كردفان، الشرقي، الأوسط، النيل الأبيض، النيل الأزرق، الشماليَّة والخرطوم، وبمُعدَّل شابَّينِ اثنين/للإقليم (16 عُضواً)، يختارهم أبناءُ الإقليم المعني بأعمارٍ بين 25-55، بغض النظر عن دياناتهم أو أعراقهم أو أنواعهم (ذكور/أُناث)، لنضمن تمثيل كل السُّودانيين في الحكم، على أن يختار أعضاء المجلس (في ما بينهم) رئيساً ونائباً، ويكون جميل جداً لو أُخْتِيرَت امرأة لرئاسة المجلس، تقديراً لمُساهمة المرأة السُّودانِيَّة القوِيَّة في الجهود النِضالِيَّة.
هناك أكاديميين (مُستقلِّين) كُثُرْ، على استعداد لمُساعدة الشباب بإعداد/تجهيز استراتيجيَّة رصينة للفترة الانتقاليَّة (خمس سنوات)، مع خطط عمل تنفيذيَّة تفصيليَّة وفق مواردنا المُتاحة فعلاً. والأكاديميُّون مُستعدُّون لمُساعدة الشباب كذلك، في وضع شروط/مُوهِّلات المناصب الوزاريَّة المعنيَّة، وفقاً للكفاءة والتخصُّص (المُؤهِّلات العلميَّة والخبرات العمليَّة)، بعيداً عن الميول الحِزبيَّة أو الديانة أو النوع أو الإقليم، وترشيح ثلاثة أسماء (بالتَسَلْسُلْ) لكل وزارة، وتبريرات اختيارهم ليختار المجلس أحدهم، مع دمج/ضغط الوزارات الاتِّحادِيَّة واستبدال الإقليميَّة بإداراتٍ عامَّة، كالإدارة العامَّة للشئون الماليَّة (بدلاً عن وزير الماليَّة) وهكذا، لتعمل تحت إشراف حاكم الإقليم، ولكن وفقاً لمُوجِّهات الوزارة الاتحاديَّة المعنيَّة. وبالنسبة لنظام/شكل الحكم (فيدرالي/مركزي/لامركزي وغيره)، فيتم الاحتكام لمبادئ الإدارة العلميَّة الرَّصينة لاختيار النظام/الشكل الإداري، وفقاً لتوفُّر مُقوِّمات/عوامل نجاحه (إداريَّة، اقتصاديَّة/ماليَّة، ثقافيَّة/معرفيَّة، اجتماعيَّة وسياسيَّة)، بعيداً عن الارتجال و(دَغْدَغَة) المشاعر، وبعد انتهاء الفترة الانتقالِيَّة يُمكن إعادة انتخاب أعضاء المجلس الشبابي، أو اختيار آخرين بحسب رغبة أبناء الإقليم المعني.
هذه الآلية كإطارٍ عام قابلة للإثراء، وربَّما تكون (واقعيَّة) للخروج من أزمة إدارة الدولة، ثم البناء عليها وتطويرها باستمرار بما يدعم نهضة السُّودان، وهي اختبارٌ/تَحَدِّي حقيقي لبلورة شعار إتاحة الفُرصة للشباب، وتعزيز مُشاركتهم في الحُكم. ومن مزاياها تقليل الإنفاق العام، وعَدَالة وحُرِّيَّة اختيار أبناء السُّودان لمُمثِّليهم، وحَسْم إشكاليَّة التهميش نهائياً، عبر وجود تمثيل دائم لكل إقليم في المجلس. ومن جهةٍ ثالثة، سيُشرف المجلس الشبابي، على كافة مراحل إعداد الدستور الدائم للسُّودان، وإجراء أي انتخابات تجري بعد ذلك وفقاً لهذه المُعطيات.
إنَّ التَلَكُّؤ والتأخير في اقتلاع الحاكمين الآن، سيكون ثمنه زوال/تذويب ما تَبقَّى من السُّودان، وبدلاً عن التَوَهَان خلف المُغامرين والانتهازيين، أتمنَّى من شباب لِجان المُقاومة البدء فوراً بتبنِّي هذا التَوَجُّه وإثرائه وبَلْوَرته لواقعٍ مُعاش، لأنَّهم أصحاب الوَجْعَة و(صُنَّاع) التغيير الحقيقيّين، ولا تنقصهم الأخلاق أو العقول/الكفاءات في مُختلف المجالات والمُستويات، فليكونوا الوطَن ويقودوه دون وِصَايةٍ أو إقصاء، وليثقوا بأنَّهم قادرين على اقتلاع البرهان وحِمِيْدْتي وأزلامهم وحسم سادتهم بالخارج، مثلما أجبروا البشير (على الاختفاء) وابن عوف (على التَنَحِّي)، عليهم فقط الابتعاد عَن كياناتنا التافهة ونبز الجَهوِيَّة، وسينجحون دون أدنى شك في استرداد ثورتنا السُّودانِيَّة المسروقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا