الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من وراء تقادم القيم الاستعمالية المتسارع ؟؟؟ او التقادم المبرمج-L’obsolescnce programmée-

سعيد زارا

2020 / 2 / 5
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


يعزو الكثير من الباحثين ما يسمى ب"تقادم القيم المبرمج" الى مؤامرة الشركات الصناعية عبر دس تقنيات تحد بسرعة من استعمال السلع المنتجة لحث المستهلك على الافراط في الاستهلاك ، و اغلبهم يرجعون، الى "برنار لندن" وسيط في الاستثمار العقاري الامريكي الذي كتب سنة 1932
« Ending Depression Through Planned Obsolescence » يحث الدولة ان تفرض على المستهلكين القاء اشيائهم للتخلص من الانتاج الفائض المترتب عن ازمة 1929، و كذلك الى "قرار" الكارتيل فويبوس في تحديد عمر المصابيح الكهربائية. ان الغرض من هذه المساهمة البسيطة ليس التدقيق في اشكال "تقادم السلع المبرمج" او بالأحرى تقادم القيم الاستعمالية المتسارع، كالتقادم الوظيفي او الجمالي و الى غير ذلك من التصنيفات ، ولكن الغرض الرئيس هو الكشف عن مسببات هذا التسارع الذي تزامن مع تراجع الانتاج البضاعي في المراكز الرأسمالية سابقا مع مطلع ستينيات القرن العشرين بحيث لم تشهد مثيله الرأسمالية منذ نشأتها الى مرحلة نضوجها . .

تتميز الرأسمالية بخصيصة رئيسة وهي تثوير قوى الانتاج بحكم المنافسة الشرسة بين الرأسماليين وهو ما ينعكس مباشرة على كل الانتاج السلعي، فيسعى كل رأسمالي ان يستثمر اكثر في تحسين اداء وسائل الانتاج لان يكون جيل سلعه احسن من باقي اجيال سلع منافسيه وبهذا يشهد السوق تقادم القيم بدون ان تكون العملية مبرمجة مسبقا. مما يعني ان النظام الرأسمالي و الذي يتميز ايضا بفوضى الانتاج يعمل اليا ، دون اي "برمجة مدسوسة"، على ان يكون انتاجه من السلع يحمل تعديلات تلقي بسالفه الى التقادم. لكن ما نشاهده الان و هو تسارع وتيرة التقادم بسرعة ينذر بالكوارث الاقتصادية و البيئية قد تنهي حياة الجنس البشري نهائيا على الارض.

مؤامرة "تقادم السلع المبرمج" اضحت موضة فكرية خصوصا في اوساط "المدافعين عن البيئة" ، نظرا لما يترتب عن هذا التقادم السريع للسلع من الاستنزاف المكثف للموارد الطبيعية او الاضرار التي تلحق بالبيئة من خلال ملايين اطنان النفايات، حيث المتهم الرئيسي هو منتجي السلع و خصوصا الصين و دول شرق اسيا. لكن السؤال المطروح هل فعلا هذا التعاقب المتسارع لأجيال السلع الذي لا يبالي بمحدودية الموارد البشرية و تلويث البيئة يتحمل مسؤوليته فقط عمالقة منتجي السلع؟؟؟

لا يخرج اغلب الشيوعيين عن هذه الدائرة حيث يرون في النظام الحالي نظاما رأسماليا متوحشا يتهمونه بانخراطه في مؤامرة "تقادم السلع المبرمج"، "...تقصير مدة استعمال السلع الاستهلاكية ،عبر "تقادم السلع المبرمج" من طرف راس المال ، يعني التضحية بالثروات الطبيعية من اجل فرض جيل جديد متسارع ... مثل هذه العملية تسرع زمن دوران راس المال لكي يتمكن من زيادة مراكمته، على حساب التقصير المفتعل لمدة نفع القيم الاستعمالية و كذلك الثروات الطبيعية بشكل عام.(1)" لم يتساءل شيوعيونا لحظة انه رغم هذا التسارع في تقادم القيم الاستعمالية الذي نشهده منذ ستينيات القرن العشرين الى الان فان راس المال الصناعي في المراكز الرأسمالية تقلص و تراجع انتاجه الى ما دون العشرين بالمائة من اجمالي الانتاج الوطني الخام. لا يتوقف شيوعيونا عند هذا الحد في التضليل بل و يستمرون في قلب الحقائق بحيث يعتبرون ان الاستهلاكية، التي نعيشها الان، انفجرت منذ ستينات القرن الماضي لازالت الرأسمالية تتحكم فيها كي تمتص اجيال السلع المتعاقبة و المتقادمة بوتيرة متسارعة.

"الرأسمالية هاهنا متهمة بالحفاظ على الارتفاع المتواصل للاستهلاك على مستوى المعمورة، وهذا ما يلزمها لتطلق عنان غرائز الاستهلاكية المفرطة لدى الشعب – او على الاقل الذين يتمتعون بقدرة شرائية معينة- ، و هو ما يقود الى صراع دائم بين الرساميل من اجل توسيع السوق للاستيلاء على اكبر الحصص." هناك جانب من الحقيقة في هذا القول لكن في مجمله جهل بواقع المرحلة و تشخيصها.

فعلا لقد لجأ الرأسماليون الى اطلاق عنان الانفاق الاستهلاكي حلا لازمة تكدس الانتاج و قد مضى على هذا ما يزيد عن اربعين عاما، لكنه لم يكن الحل الدائم كما يزعمون وان الرأسمالية لازالت تحيا بفضله، بل العكس ما حدث تماما حيث كان الحل مسموما انهى نظام الانتاج الرأسمالي. في اول اجتماع للخمس الكبار في قلعة رامبوييه سنة 1975 بفرنسا تقرر بشكل رسمي تعميم نمط العيش الاستهلاكي تفاديا للازمة الحادة التي لحقت بالرأسمالية مع بداية السبعينات و قد ترتب على هذا توسيع استهلاك الخدمات فاضحت الاخيرة تحتفظ بما يقرب الستين بالمائة من ميزانية مواطني هذه المجتمعات، و هو ما انعكس بصورة الية على كلفة انتاج قيمة قوة العمل التي ارتفعت بسبب تعميم ذلك النمط الاستهلاكي. و بعد ذلك تسيد انتاج الخدمات على الانتاج البضاعي في البلدان الرأسمالية السابقة فأصبحت حصتها من اجمالي الانتاج الخام تفوق الانتاج البضاعي بأربعة اضعاف، و هو ما يفضح دعاوى شيوعيينا و امثالهم في ان التشجيع على الانفاق الاستهلاكي يطيل من عمر الرأسمالية و يمدد قاعدتها.

تعميم الانفاق الاستهلاكي انما كان مصاحبا للإقلاع عن الانتاج السلعي مصدر كل ثراء الدول الرأسمالية و هيمنتها، و بالمقابل تفجرت استدانة هذه الدول لضمان وتيرة ذلك الانفاق المرتفع. فاصبح اقتصادها اقتصادا مكشوفا يستهلك اكثر مما ينتج حيث ترى المواطن العادي في امريكا يملك منزلا مدججا بكل الاشياء، التي اقتناها عبر تسهيلات الابناك او ما يسمى بقروض الاستهلاك، و تجد من بين هذه الاشياء من لم يستعملها مرة واحدة و قد اشترى من جيلها اللاحق ايضا لتنتهي كما السابقة الى تكديسها في مستودع المنزل و بالتالي الى النفايات. تجند طبقة البورجوازية الوضيعة طلائعها كوكالات الاشهار في ان تستعمل اقذر الوسائل كإثارة الغرائز الحيوانية في وصلاتها الاشهارية لكي تدفع بمجتمعاتها ان تنفق و تبذر و تسرف في اقتنائها المزيد من السلع لان ذلك ما يضمن ايضا تورم الخدمات في كل الجسم الاقتصادي للمجتمعات الحالية.


عاشت المجتمعات الانسانية من قبل الاف السنين تتدبر امرها في قساوة شروط العيش لكن البورجوازية الوضيعة لن تعمر طويلا رغم رفاه نمطها و عيشها الاستهلاكي لسبب واحد و هو انها طبقة عاقر لا تلد ثروة لان انتاجها الخدمي لا يحمل فائض القيمة بل ينهل منه دون ان يضيف اليه قليلا. قرن الوفرة الذي فاض بالخيرات التي راكمتها كل من الرأسمالية باستغلالها البروليتاريا و قوى التقدم الاشتراكية جف بعد ان سادت طبقة البورجوازية الوضيعة بسنوات قليلة على انهيار الرأسمالية في بداية سبعينات القرن العشرين و لن يمتلئ مهما سارعت الصين و دول شرق اسيا في انتاجها السلع بوتيرة اعلى من التي نعيشها الان.

مؤامرة "تقادم السلع المبرمج" او بالأحرى تقادم السلع المتسارع اليوم هي في الحقيقة مؤامرة "امريكية صينية" حيث البورجوازية الوضيعة في الدولتين تعهدتا باستغلال منتجي السلع، فتكلفت البورجوازية الوضيعة الصينية باستغلال البروليتاريا الصينية مقابل دولارات زائفة تطبعها الولايات المتحدة الامريكية بدون رقيب و لا حسيب بعد ان الغى نيكسون الغطاء الذهبي للدولار في غشت عام 1971. و هو ما يدفعنا لان نقول بيقين ان المسؤول الاول عن الوتيرة المتسارعة لتقادم السلع الان هو طبقة البورجوازية الوضيعة و سرطانها الانفاق الاستهلاكي.

الانفاق الاستهلاكي المتزايد هو من يسرع وتيرة تقادم السلع في عصرنا، فالخدمات انتاج البورجوازية الوضيعة لا تستطيع ان تضيف للثروة شيئا، فاكلافها يدفعها منتجي السلع . تستغل البورجوازية الوضيعة منتجي السلع من خلال بيعها خدماتها باضعاف اضعاف "قيمتها الحقيقية"، فكلما احتد استغلال البورجوازية الوضيعة لمنتجي السلع كلما زادت وتيرة تقادم القيم الاستعمالية




المصادر:
1- الراسمالية في مواجهة انهيارها -نحو جغرافية سياسية جديدة- صفحة 13
2- نفس المصدر السابق صفحة 26.
الكتاب من تاليف خمسة كتاب ( ....W.dierckxsens, A.piqueras)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرفيق البولشفي العزيز سعيد
فؤاد النمري ( 2020 / 2 / 5 - 23:53 )
سعدت كثيراً بحضورك اليوم وخاصة أن ساحة نضال الماركسيين ىاللينينين قد ضاقت كثيرا وغدت فلي غاية الصعوبة حيث كثر شيوعيو البورجوازية ىالوضيعة

مسألة تقصير عمر القيمة الاستعمالية للسلعة وكنت عاينت مثل هذه السياسة في تصميم السلع
لكن ذلك ينعكس في رفع كلفة ساعة العمل وهو ما يؤدي بالتالي إلى خفض القيمة الزائدة

فهل لك أنتراجع مثلهذه القضية وتفيدنا بآرائك
مع تقديري الكبير لرفيقنا الماركسي اللينيني العريق


2 - تصميم السلعة و كلفة ساعة العمل
سعيد زارا ( 2020 / 2 / 6 - 08:03 )
الرفيق العزيز فؤاد تحياتي البولشفية

كتبت المقال املا ان اسلط الضوء على موضوع غدا موضة فكرية بين الاوساط الفكرية الغربية و هو تقادم السلع المبرمج لابين على عكس مايذهبون اليه هو توحش الراسمالية و سعيها لمراكمة رؤوس الاموال هم من وراء هذه -الالية- و ان البورجوازية الوضيعة و قد عممت نمطها الاستهلاكي هو من وراء هذا التقادم المتسارع. و قد اشرت بعجالة ن من اوجه تسارع تقادم القيم الاستعمالية هناك الوجه الجمالي و هذا فعلا من اختصاص المصممين designerساحاول ان اكتب في هذا الموضوع قريبا.


لك ازكى التحيات

اخر الافلام

.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح


.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز