الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع نهر الكونغو

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2020 / 2 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


"مصر هبة النيل"، ويبدو أن هذه الهبة تتعرض لتهديدات جدية وخطيرة، قد تؤدي إلى نضوبه، ما يعني أنّ كارثة كبرى ستواجهها مصر في القريب العاجل، إذ بدون النيل لا يمكن تصور أية حياة لأكثر من تسعين مليون مصري..

وفقاً للأعراف الدولية، تصل أي دولة حدود الفقر المائي عندما يصبح نصيب الفرد فيها أقل من ألف متر مكعب في السنة. في مصر يواصل نصيب الفرد السنوي من المياه انخفاضه بشكل خطير، فبعد أن كان في نهاية الخمسينيات ألفي متر مكعب، وصل في عام 2018 إلى 555 متر مكعب سنويًا. وطالما أنّ نصيب الفرد من المياه يقل كلما ارتفعت الزيادة السكانية فسينخفض إلى 400 متر مكعب من المياه بحلول العام 2050.

وبما أنّ تعداد السكان في مصر يربو على التسعين مليون نسمة، فذلك يعني أنها تحتاج تسعين مليار متر مكعب سنويا. وحاليا تبلغ حصة مصر السنوية مــن مياه النيل بحدود 55.5 مليار متر مكعب، وهذه أقل بكثير من حاجتها الفعلية. وتشير التقديرات لاحتمالية وقوع مصر تحت عجز مائي يبلغ 32 مليار متر مكعب عام 2025؛ ما يعني تفاقم الوضع المتدهور أصلًا.

تعتمد مصر على مياه النيل بنسبة 95% (الباقي من الأمطار، والمياه الجوفية، وتحلية مياه البحر)، وعند استكمال بناء سد النهضة في أثيوبيا (بعد سنتين تقريبا) ستفقد مصر والسودان كمية مياه تتراوح ما بين 14 و24 مليار متر مكعب، ما يعني أن مصر ستكون لأول مرة في التاريخ، مُهددةً فعلياً في مصادر المياه لأسباب غير طبيعية.

ومن البديهي أن نقص المياه إلى هذه الدرجة الخطيرة سينجم عنه تقلص المساحات الزراعية، وبالتالي زيادة أسعار الغذاء، فضلا عن المخاطر الاجتماعية الأخرى، مثل هجرة الريف للمدن، وتغير أنماط الإنتاج، والتي قد تؤدي إلى أزمات اقتصادية، وحدوث قلاقل أمنية، واضطرابات سياسية، أو نشوب حروب المياه بين الدول العطشى.

المفاوضات المصرية الأثيوبية تراوح مكانها، ويبدو أن أثيوبيا ماضيةً في مشروعها (بدعم إسرائيلي)، فيما مصر عاجزة عن وقفه (لحد الآن)، وتقف أمام خيارات صعبة، من بينها المواجهة العسكرية.

من بين الحلول المقترحة "مشروع نهر الكونغو".. لكن هذا المشروع ما يزال قيد الدراسة، ويواجه صعوبات كبيرة، وبالرجوع إلى المصادر، وجدتُ تباينا كبيرا في مواقف الخبراء؛ بين من يراه خياليا، ومن يراه واقعيا، بين من يعتبره مؤامرة على مصر، وبديلاً عن سعيها الجدي للحصول على نصيبها العادل من مياه النيل، ومن يراه إنقاذا لمصر، يعِد بتحويلها إلى جنة خضراء.. وهذا التناقض في المواقف يشمل الأرقام، والخرائط، والتقديرات..

يعتبر نهر الكونغو ثاني أطول أنهار أفريقيا، وأوسعها حوضا، وهو أعمق أنهار العالم، وأكثرها غزارة. هذا النهر العظيم يتدفق بعنفوان 40 ألف متر مكعب في الثانية، وتندفع مياهه داخل المحيط الأطلسي إلى عمق من 30~60 كلم، بحيث يُهدر فيه سنويا أكثر من ألف مليار متر مكعب من المياه العذبة.. تذهب هباء.. هذه الكمية تكفي كل القارة الإفريقية..

خبراء يقولون أن نهر الكونغو محلي، وآخرون يؤكدون أنه نهر دولي تتشارك في حوضه تسع دول.. والفرق كبير بين التصورين، فالنهر الدولي يحتاج أي مشروع عليه إلى موافقة جميع الدول المتشاطئة، خلافا للنهر المحلي، الذي يحتاج إلى اتفاقية ثنائية فقط.

طُرح المشروع أول مرة عام 1902. وخلال القرن الماضي تجدد طرح الفكرة مرات عدّة، إلا أن مصر لم تضعه ضمن أولوياتها لأسباب مختلفة.. وفكرته تقوم على أساس توصيل قناة اصطناعية لمسافة نحو 600 كلم، بين شرق نهر الكونغو لتصل إلى النيل الأبيض، في جنوب السودان، ومن هناك ستغذي نهر النيل بكمية مياه وفيرة، تكفي مصر والسودان لآلاف السنين، وحسب تقديرات الخبراء سيوفر المشروع لمصر 95 مليار متر مكعب من المياه سنويا، ما يسمح بزراعة 80 مليون فدان، وتزداد كميات المياه خلال 10 سنوات لتبلغ 112 مليارا، تسمح بزراعة نصف الصحراء الغربية.
مقابل موافقة الكونغو، ستقوم مصر بتنفيذ مشاريع تنمية في الكونغو، أهمها توفير طاقة كهربائية بقدرة تبلغ 10 أضعاف طاقة السد العالي، ستستفيد منها كل دول المنطقة، إضافة لمشاريع صحية وبنية تحتية تشمل أيضا جمهورية جنوب السودان، وأفريقيا الوسطى التي ستمر منهما القناة..

المؤيدون للمشروع يؤكدون أنه سيدر على مصر مليارات الدولارات (أثمان كهرباء)، وسيكفي مصر حاجتها من المياه بشكل إستراتيجي، وبالتالي فهو مشروع قومي حيوي، لا بد من تنفيذه، مهما بلغت التكلفة، لأن مستقبل مصر يعتمد عليه، حيث أن النيل (حتى لو توقف مشروع سد النهضة) لن يكون كافيا لتزويد مصر بحاجتها المائية بعد ثلاثين سنة.

المعارضون للمشروع يتحدثون عن صعوبات جيولوجية تجعل تنفيذه مستحيلا، أو بتكلفة باهظة جدا، خاصة بسبب غياب الخرائط الطبوغرافية، فضلا عن المعيقات الفنية الأخرى، والمخاطر الأمنية، والأوضاع السياسية في تلك المنطقة الملتهبة من القارة، والتي تعاني من الحروب الأهلية وعدم الاستقرار الأمني.

موقف مصر النهائي ما زال ضبابيا، فمرة تعلن رسميا رفضها التام للمشروع لوجود صعوبات وعراقيل فنية وهندسية وتمويلية وسياسية تحول دون تنفيذه.. ومرة تقول أن الخبراء يواصلون جهودهم لتنفيذه، الذي يحتاج نحو خمس سنوات.

إعلاميون وخبراء يقولون أن تلكؤ مصر، وترددها، وتأخرها عن تنفيذ المشروع سببه الفساد، والترهل الإداري، وتضارب مواقف الخبراء، وعدم جدية الدولة في إيجاد حلول جذرية لأهم معضلة تعاني منها مصر، وعليها يتوقف مستقبلها..

بينما يقول آخرون أن أولوية مصر الآن، هي إيقاف سد النهضة، والتقاسم العادل لمياه النيل بين شعوب حوض النيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى