الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الساسة من بيت الأحمر: وبال على اليمن

السيد شبل

2020 / 2 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


انضم عدد من آل الأحمر بشكل متقطع للتمردات والثورات على الأئمة من بيت حميد الدين/المملكة المتوكلية (1918 - 1962)، ليس لدافع وطني أو لأغراض تقدميّة، وإنما لأطماع قبليّة وبدوافع الغيرة ورغبة في توسيع النفوذ، وأحيانا بتحريض خارجي..

في 26 سبتمبر 1962 نجحت الثورة الوطنية بقيادة "عبد الله السلال" في الإطاحة بآخر أئمة المملكة المتوكلية "محمد البدر"، والذي كان قد تولى الحكم حديثًا بعد وفاة والده "أحمد بن يحيى حميد الدين"، وكان من الطبيعي بعد نجاح الثورة أن يقوم النظام الجديد بالإفراج عن المساجين المعارضين للنظام السابق، وكان من بين المفرج عنهم "عبد الله حسين الأحمر" الذي كان مسجونًا منذ مشاركته في تمرد 1959 ضد الإمام "أحمد بن يحيى"، وتورطه في محاولة اغتيال الإمام، وهو ما انتهى به إلى سجن "عبدالله" وإعدام والده حسين وأخيه حميد..

بعد الإفراج عن "عبد الله" انضم للثورة وقاتل بصفوفها ثم تم تعيينه وزيرا للداخلية في 1964، لكنه ظل يفكر انطلاقا من أفقه القبلي الضيّق، ورؤيته الطبقية فهو ابن بيت "الأحمر" زعماء قبيلة حاشد الأثرياء وشبه الإقطاعيين، كما جمعته العلاقات برجال يحملون فكر جماعة الإخوان في اليمن، مثل أحمد محمد النعمان، ومحمد محمود الزبيرى (جماعة الإخوان كانت جزءا فاعلًا في التمردات ضد الأئمة مثل أحداث 1948 التي انتهت باغتيال الإمام يحيى مؤسس الدولة، وتمرد 1959 ضد الإمام أحمد بن يحيى).. وانطلاقًا من مجموع تلك الأمور تطورت سلوكيات "عبد الله الأحمر" نحو الصدام مع عبد الله السلال والتدخل المصري، ورغم أنه يعترف بشجاعة الضباط والجنود المصريين في الحرب، إلا أنه لم يدخر وسعًا في الهجوم على مصر وعلى جمال عبد الناصر..

في الحقيقة كانت جماعة الإخوان في اليمن والدائرين في محيطها ( أحمد نعمان – محمد الزبيري – الأحمر - عبد الرحمن الإرياني)، تريد أن يصب تغيير الإمامة لصالحها، وهذا ما كانت تعطله القاهرة والضباط الثوريين الذين كانوا يطمحون لبناء دولة حديثة صاعدة، ويخططون لمشاريع تنموية، ونظام حكم مختلف كلية، وليس استبدال وجه بوجه، وحكم عائلة بحكم أخرى.. لذا كان الإخوان رغم تأييدهم للإطاحة بالإمامة، عنصر تخريبي داخل الثورة، وكثيرًا ما تم ذلك من خلال المناصب التي تولوها في حكومات ما بعد سبتمبر 62، كما اعتمدوا مبدأ المناكفة، وتبنوا خطابًا محرّضًا على القوى التقدمية داخل الثورة، وأساءوا لمصر والقوى العربية التي تتولى دعمها، كما أن الإخوان كانوا على استعداد لفتح علاقة مع السعودية، والتصالح مع النظام الساقط لانتفاء المبدأ الثوري.

بعد الضربة الغربية/الصهيونية في يونيو 67، بدأت مصر تخفّض من تواجدها في اليمن، في اتجاه التراجع الكامل، ثم حصل في نوفمبر 1967 انقلاب على عبد الله السلال، وكان هذا بابًا لأن تتفرغ الثورة اليمنية من محتواها التقدمي والوحدوي، فقفز إلى الحكم القاضي "عبد الرحمن الإرياني" وتعززت مواقع "عبد الله بن حسين الأحمر" وأمثاله، ثم تجرأ الملكيون والقبائل الموالية لهم لتنفيذ حصار على صنعاء عاصمة الجمهورية، فيما سمي بحصار السبعين (70 يومًا)، ورغم أن السلطة في الأعلى كانت في يد الأرياني وزعماء القبائل والشخصيات الدينية، إلا أن من خاض مهمة الدفاع عن العاصمة والجمهورية هم الضباط الشباب من القوميين والاشتراكيين، واستبسلوا حتى حققوا الانتصار، وتلقوا دعمًا حينها من الروس والسوريين، لكن ما أن انتهى الحصار، حتى تعرض هؤلاء الضباط للغدر ثم التنكيل على يد القوى القبلية والدينية، لدرجة أن ضابط الصاعقة "عبد الرقيب عبد الوهاب"، المتخرج من كلية الحربية في مصر، وبطل حصار السبعين تم سحل جثته في الشوارع!!..

وانتهى الأمر في أواخر 1968 لتثبيت سلطة الأرياني وأمثال عبد الله الأحمر، فبدت الجمهورية الثورية حينها وكأنها حلمًا تبخّر أو بالأصح تضاءل الرهان، فحكامها رجعيون بل وحلفاء للسعودية تماما، وعلى استعداد للارتماء في حضن الرياض، والتصالح مع الملكيين..

وقد تم التصالح فعلا بداية من 1969، وكان أشد المحرضين عليه" أحمد محمد نعمان"، وهو سياسي من الإخوان كما سبق ذكره، درس في جامعة الأزهر بالقاهرة في الثلاثينيات، وأسس مع "محمد الزبيري" الذي درس هو الآخر بالقاهرة في كلية دار العلوم، حزب الأحرار اليمنيين المعارض في 1944 بعدن المحتلة بريطانيًا حينها، وبضوء أخضر من الإنجليز نظرًا لخلافهم مع الإمام يحيى (الذي نعيب عليه رجعيته وعقليته الماضوية، لكنه كما قال عنه المفكر هادي العلوي، لم يسمح للاستعمار الغربي بدخول مناطق حكمه، على عكس مسلك جيرانه شمالا وجنوبًا)، وعن الحزب الإخواني انبثقت في 1946 الجمعية اليمانية الكبري، وكان "نعمان" قد تولى رئاسة الحكومة لفترة في 1965، لكن مصر، مدعومة بثوريي اليمن الحقيقيين، عارضت بحزم وجوده بالمنصب لميوله الرجعيّة، ونجحت في منعه من الاستمرار..

في 13 يونيو 1974 وصل الضابط الناصري الثوري "إبراهيم الحمدي" لرئاسة اليمن، مطيحًا بالأرياني، حاول "الحمدي" صناعة دولة قوية حديثة، واهتم بالاقتصاد ودعم مساعي التصنيع وتنظيم وتطوير الزراعة، وطمح لتغيير اجتماعي، وأعاد بناء وتنظيم القوات المسلحة اليمنية، كما سعى لحصار سلطة زعماء القبائل فألغى وزارة شئون القبائل التي كان يرأسها "عبد الله الأحمر"، وابتعد عن الفلك السعودي، ومدّ الأيادي لتقوية العلاقة وربما الوحدة مع الاشتراكي "سالم ربيع علي" رئيس اليمن الجنوبي (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية).. كانت سياسية الحمدي التقدمية والوطنية، سببًا في غضب القوى الغربية والسعودية عليه، وغضب الأحمر وأمثاله كذلك.. فانتهى الأمر باغتياله في أكتوبر 1977!..

لاحقًا ساند عبد الله الأحمر وأولاده المعارك التي تم شنها ضد القوميين والاشتراكيين في الشمال المدعومين من اليمن الجنوبي، والذين أرادوا الانتقام لـ"الحمدي" واستكمال أو تطوير مشروعه، فكان "صادق" نجل "عبد الله حسين الأحمر" أحد القادة المشاركين في حرب 1979 ضد اليمن الجنوبي الذي كانت رئاسته قد انتقلت لعبد الفتاح إسماعيل..

قويت شوكة عبد الله الأحمر، وتمتع بدعم سعودي، ونشط كمعارض لأي فكر له طابع قومي أو اشتراكي أو تقدمي، ثم بعد إتمام الوحدة بين شطري اليمن في 1990، أسس الأحمر حزب جماعة الإخوان باليمن (التجمع اليمني للإصلاح)، وتولى هذا الحزب بث خطاب رجعي تكفيري بالغ التدنّي، واستخدم الخطاب الديني ضد خصومه السياسيين من الاشتراكيين والقوميين، وساهم رجلهم البارز "عبد المجيد الزنداني" في حشد الشباب للقتال في أفغانستان..

في 1994، وأثناء الحرب ضد الانفصاليين، كان حزب الإخوان حليفًا للحكومة المركزية الهادفة للدفاع عن الوحدة، لكنه كان وضيعًا للغاية باستخدام لغة تكفيرية عنصرية وتبيح السلب والنهب والتعدي على الأعراض ضد "الجنوبيين" الذين سعوا للانفصال بزعامة علي سالم البيض، والمدعومين سعوديًا حينها (السعودية كانت قد استدارت وتحالفت مع الساسة الجنوبيين بعد أن هجروا اشتراكيتهم، وابقوا عليها كاسم لحزبهم فقط، ولأنها لم تكن ترغب في وجود دولة موحدة قوية بجنوبها).

قيادات الحزب الإخواني وآل الأحمر، تحالفوا أحيانًا مع عبد الله صالح (الرئيس من 1978 -2011) وحاربوا لصالحه، وأحيانًا أخرى ناكفوه وضايقوه، وربما وصلوا للمعارضة الصريحة والتدابير الانقلابية..

حتى وصلنا لأحداث "ربيع 2011"، كان عبد الله الأحمر قد مات في 2007، لكن ترك أولادًا وحزبًا إخوانيًا قويًا، فامتطى آل الأحمر ظهر الاحتجاج، والأغرب أنهم كانوا قد بدأوا في مغازلة الجنوبيين الانفصاليين وتبنوا ما يعتبروه "مظلوميّاتهم"، وحاولوا اغتيال صالح بقصف مسجد القصر الرئاسي..

ولمّا تخلى "صالح" عن الحكم سقطت الثمار في قبضة حزب الإصلاح الإخونجي وآل الأحمر..

خلال حكومات ما بعد "صالح" تعززت سلطة إخونج اليمن ضمن التحالفات الحاكمة، وبدأوا في توسيع حقائبهم الوزارية، وشرعوا في الهيمنة على الجيش عبر رجلهم "علي محسن الأحمر"، وهو قيادي عسكري منذ زمن صالح، لكنه انقلب عليه في 2011 وانضم للاحتجاجات، وهو يتأرجح في ولائه بين السعودية وقطر، ومن المهم الإشارة إلى أن "علي محسن الأحمر" هو قائد حروب صعدة الستة ضد أنصار الله (2004-2010)، ورغم أن الحروب كانت بتوجيه من الرئيس "علي صالح" بطبيعة الحال، إلا أنه لم يكن يرغب في شل قوة أنصار الله تماما، بل كان مخططه حصار قوتهم مع إبقائهم كمنافس للإخونج ولأغراض أخرى، وذلك على العكس من "علي محسن الأحمر" الذي كان يرغب في تدميرهم بالكلية..

لم يتعطل مشوار صعود الإخونج إلى السلطة منذ 2011 في اليمن إلا مع ثورة 21 سبتمبر 2014، أي عندما تحالف علي صالح مع أنصار الله الحوثيين، ودخلوا إلى صنعاء، والحقيقة أنك عندما تتابع تقدم قوات "ثورة 21 سبتمبر" فإنك تلحظ أن الجهة الأبرز التي تحاربت معهم لم تكن سوى قوى حزب الإصلاح، والقيادات العسكرية المحسوبة على الحزب، مثل على محسن الأحمر – حميد القشيبي "الذي قتل في المعارك"، والقبائل المرتبطة به، مثل قبائل أرحب، بالتحديد الجماعة المؤيدة لعبد المجيد الزنداني، كما أن الجزيرة لعبت الدور الأبرز في شيطنة سمعة أنصار الله واغتيال علي عبد الله صالح معنويًا، وانتجت أفلام لهذا الغرض مثل، "خيوط اللعبة"، و"السلاح المنهوب"، و"الطريق إلى صنعاء"
. ومن هنا تفهم، كيف أن قيادات وشباب إخونج اليمن، مثل توكل كرمان، كانوا من أكثر المحرضين على أي تدخل خارجي يكبح تحالف "صالح – الحوثي"، ويعيد الإخوان للسلطة، ولم يكن اعتراضهم على تدخل مصر بريًا والذي جاء عنيفًا على لسان الزنداني، سوى لأنهم خافوا من أن يأتي التدخل الثقيل لمصر-المعادية للإخوان- بالشكل الذي يعطّل قطفهم لثمار "العاصفة" (طبعًا النخبة الوطنية في مصر عارضت التدخل لأسباب مختلفة ومحقة)..

وهنا يجدر لفت الأنظر إلى أنه في بداية أحداث 2014، عندما تراجع الإصلاح اليمني أمام "صالح والحوثي" كانت ميلشيات الإخونج الإليكترونية، تشيع أن هذا التحالف مدعوم من مصر والسعودية، كجزء من مشروع (30 يونيو) للإطاحة بالإخوان ومطاردتهم في كل مكان.. لكن ما أن قررت السعودية بالتحالف مع قطر العدوان على اليمن تحت لافتة "عاصفة الحزم"، حتى ابتلع الإخونج هذا الكلام، لكنهم أبقوا على اتهام مصر بدعم "صالح والحوثي"..

بقي الوضع كما هو عليه بعد مرور أعوام على الحرب، لكن ما أن طفا الخلاف بين الرياض والدوحة، حتى انعكس على موقف "حزب الإصلاح" في اليمن، الذي صار متذبذبًا، وتبادل العداء مع الإمارات تحديدًا (وليس السعودية التي لا تزال تفتح خطوطًا معه)، لكن حالة التذبذب تلك لا تعني انفصال الحزب عن "العاصفة" أو عن عبد ربه منصور هادي، فعلي محسن الأحمر هو نائب الرئيس، و"التجمع" أيّد عملية الحديدة التي قادتها السعودية والإمارات في يونيو ٢٠١٨، كما أن ساسة الإخونج تواجدوا في حكومة "عبيد بن دغر"..

بالأساس حزب الإصلاح اليمني، ومؤسسوه آل الأحمر، مرتبطون جذريًا وتاريخيًا بالسعودية، ولم يتأرجح الحزب بين قطر والسعودية، إلا مع تأرجح الجماعة نفسها، وذلك منذ التسعينيات مع وصول حسن الترابي لحكم السودان، ثم مع ظهور قطر كقوة نفطية، يحاول أميرها حمد بن خليفة وراثة دور السعودية في رعاية قوى الإسلام السياسي السني، وكذلك تنصيب نفسه كوكيل للمصالح الأمريكية بالمنطقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد إسرائيل في شمال قطاع غزة هو الأعنف منذ إعلان خفض القوا


.. طفل فلسطيني برفح يعبر عن سعادته بعد تناوله -ساندويتش شاورما-




.. السيناتور ساندرز: نحن متواطئون فيما يحدث في غزة والحرب ليست


.. البنتاغون: لدينا بعض المخاوف بشأن مختلف مسارات الخطط الإسرائ




.. تظاهرة مؤيدة لفلسطين في بروكلين للمطالبة بوقف تسليح إسرائيل