الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فشلت اتفاقية الرياض بين اليمنيين وربحت القوى الإقليمية!

منذر علي

2020 / 2 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


بعد جهد جهيد ومكر عنيد، أفلحت الحكومة السعودية في 5 نوفمبر 2019 ، في إقناع كل من الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي ، على توقيع اتفاقية سياسية مُزمنة تنفذ بين 5 نوفمبر 2019 - 5 فبراير 2020 . واليوم انتهت الفترة المحددة ولم تنفذ الاتفاقية. ترى لماذا فشلتْ ، ومن الرابح، ومن الخاسر مما جرى؟
كانت الاتفاقية تقضي بتقاسم المناصب الحكومية بين الشمال والجنوب ، وإشراك المجلس الانتقالي فيها كأحد الأطراف الجنوبية السياسية الفاعلة . غير أنَّ تطبيق الاتفاقية على أرض الواقع لم يكن بالأمر السهل ، كالتوقيع عليها. ذلك أنَّ الاتفاقية شملت، بمعنى ما ، الأطراف المتصارعة وغير المتصارعة في الجنوب ، الموقعة و غير الموقعة، و كان لا بد أن يكون لها تداعيات واسعة على مجمع الصراع في اليمن.
إنَّ القراءة الموضوعية للاتفاقية ، ينبغي أن تتوخى الواقعية ، وتتجنب الانزلاق نحو صناعة الوقيعة، وعليها أن ترصد تفاؤل بعض الأطراف المتصارعة ، مع ما يحمله تفاؤلهم من صدقٍ، أو تربص تجاه بعضهم البعض، دون أن تغفل تشاؤم الأطراف أخرى، وتساؤلاتها المشروعة حول مستقبل الصراع في الجنوب وعموم الوطن اليمني . كما أنَّ القراءة الموضوعية تقتضي رصد التفاعلات السياسية للقوى الداخلية المندرجة في الصراع ، والقوى الخارجية المغذية للصراع والمشاركة فيه ، والموجهة لسير الأحداث القائمة والمستقبلية في اليمن.
و في هذا الإطار سأسعى ، بشكل موضوعي ، إلى قراءة مواقف مجموعة الأطراف الفاعلة ، المشمولة بهذه الاتفاقية ، سواء الأطراف المضحوك عليها ، أو الأطراف الضاحكة، الرابحة منها و الخاسرة ، وما يمكن أن ينجم عن الاتفاقية ، و البدائل الممكنة ، و كيفية تلافي الأخطار المحتملة .
كان يرى المتفائلون من طرف المجلس الانتقالي ، الذي أعلن النفير العام في الأول من أغسطس ،عقب مقتل منير اليافعي ( أبو اليمامة) ، وعمل في 10 أغسطس 2019 على إزاحة العناصر المحسوبة على الحكومة الشرعية في عدن ولحج والضالع وأبين ، و لكنه لم يتمكن ، لأسباب كثيرة ، من إدارة المناطق التي وقعت تحت سيطرته ، وأخفق في التوسع و السيطرة على شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى، ولذلك بدا له أنه سيحقق من خلال هذه الاتفاقية ما كان يصبو إليه ، وستمكن عبرها ، على الأقل من الناحية النظرية ، من السيطرة سياسيًا على جزء من قرار الشرعية ذاتها ، و جغرافيًا سيتمكن من السيطرة على جزء أكبر من الجنوب من خلال مشاركته في السلطة الشرعية ، بعد أن فشل في تحقيق ذلك عن طريق القوة العسكرية بين 10 – 29 أغسطس 2019. وهذا يعني ، ببساطة ، أنَّ المجلس الانتقالي سيتمكنَّ جزئيًا من السيطرة على الدولة من داخلها بعد أنْ فشل في السيطرة عليها من خارجها . وهذه المكاسب الجديدة للمجس الانتقالي ، كما يرى هذا الانتقاليون ، بالغة الأهمية ، خاصة مع ضمان استمرارية الدعم الكلي لهم من الإمارات العربية المتحدة ، حتى مع بقائها الجزئي في الجنوب اليمني.
ولا شك أنّ الوضع الجديد الذي ترتب على اتفاقية الرياض ، كما يرى هذا الطرف، ستتيح للمجلس الانتقالي ، ضمن إستراتيجية مُحكمة ، المناورة من داخل الدولة ، والظهور بمظهر المؤيد للشرعية ، و في نفس الوقت ، سيمكنه من العمل ، بشكل متدرج ، ضمن الشرعية ، المُعترف بها دوليًا ، من أجل تحقيق كافة أهدافه ، المفضية، في المحصلة الأخيرة ، إلى تحقيق انفصال جنوب اليمن عن شماله ، وتقويض الدولة الموحدة التي تشكلت في 22 مايو 1990، و العودة إلى ما قبلها، وتحقيق مصالح القوى الخارجية الداعمة له.
غير أنَّ جناحًا أكثر نضجًا، ضمن المجلس الانتقالي، أو قريب منه ، وخاصة بين صفوف اليسار ، تساوره بعض الشكوك حول الاستنتاجات السياسية للطرف المتفائل أو المتهور من أعضاء المجلس الانتقالي وحول المُستقبل. وبالتالي فانَّه يعتقد أن هذه الرؤية مفرطة في تفاؤلها ، تحجب الصعوبات الماثلة أمام المجلس الانتقالي ، خاصة وأن َّ الانفصال يتعارض مع المرجعيات الثلاث ، ومرفوض من قبل المجتمع الدولي ، ويعارضه 90% من الشعب اليمني ، ولن يتحقق الاستقرار والسلام في الجنوب عقب الانفصال المأمول حتى لو حظي بدعم خارجي قوي. كما يرى هذا الطرف أنَّ التوجه نحو الانفصال هو نوع من المغامرة غير المحسوبة ، التي تفوق في حماقتها عشرات المرات ، الاندفاع نحو الوحدة في 22 مايو 1990. ذلك أنَّ ما جرى قبل الوحدة كان مبرراً ، وما جرى خلال الوحدة كان معلومًا وظالمًا ، أما ما سيكون عليه الحال بعد الوحدة فهو مجهول ومحفوف بالمخاطر، وهو أقرب إلى الانتحار ، فضلًا عن أنه خيانة لأماني الشعب اليمني ولمشروعه التقدمي. والمقابل يرى المتفائلون ، أو البلهاء ، من طرف الشرعية أنَّ الشرعية هي الرابحة من هذه الاتفاقية لأنها ستتيح لها ابتلاع المجلس الانتقالي ضمن الحكومة الشرعية ، و رشوة قياداته ببعض المناصب ، بشكل أقل أو أكثر ، أو في مستوى تلك المناصب التي كانت قد شغلتها عناصر من المجلس الانتقالي في وقت سابق بين 2015- 2017 . وهذه الاتفاقية ستمكن الشرعية من انتزاع المخالب المسلحة للمجلس الانتقالي ، من خلال سحب سلاحه الثقيل و تغيير قياداته العسكرية ، و ضم مليشياته إلى الدولة ، وتفتيتها ضمن المؤسسات الأمنية والعسكرية للدولة ، وتوزيعها في مساحة جغرافية واسعة ، ومن السيطرة عليها والتحكم بها.

و الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية، هو أنَّ الاتفاقية ستمكن الحكومة والبرلمان من العودة إلى عدن، تحت الحماية السعودية، وسيتم تقليص النفوذ الإماراتي في جنوب اليمن ، وتأمين سلطة الحكومة الشرعية بالاعتماد على القوات السعودية ، وإكسابها المزيد من السيطرة والشرعية في المجتمع ، فضلًا عن تعزيز قدرتها في مواجهة السلطة الانقلابية في صنعاء. غير أنَّ هناك بعض الأطراف ، من خارج الشرعية، سواء المتعاطفين معها ، والمناهضين للمجلس الانتقالي، أو المتعاطفين معه، يعتقدون أن وضع الشرعية المهلهل لن يتيح لها ابتلاع الانتقالي ، كما تأمل الشرعية أو تتوهم، لأن المجلس الانتقالي أكثر تماسكًا من الشرعية ، فضلًا عن أنه يملك جيشًا كبيرًا، ويحظي بدعم قوي من قبل الإمارات العربية المتحدة.
وهذه الأطراف ، ومن ضمنها عناصر من الحراك والأحزاب اليسارية والقومية ، ترى أن الاتفاقية قلصت في الواقع ، من سلطة الحكومة الشرعية لصالح السعودية والإمارات وأدواتهما ، وجعلت من هاتين الدولتين مسئولتين بشكل مطلق ، مع إيران وأدواتها ، عن اليمن داخليا وخارجيا ، بدلا من طردهما من اليمن باعتبارهما قوى احتلال خارجية. وتمضي هذه الأطراف في جدلها المنطقي، بتأكيدها أنَّ مكونات الانتقالي كانت تعمل في إطار الشرعية حينما كانت ضعيفة بين 2015 - 2017 ، و لم تتفق ، حينئذ، مع الشرعية ، وحينما خرجت و شكلت مجلسها السياسي الانتقالي في 2017 ، عمد المجلس إلى توسيع قاعدته الجماهيرية ،و تعزيز قواته العسكرية بدعم إماراتي كبير ، فأتسع خلافه مع الحكومة الشرعية. وحينما أصبح المجلس الانتقالي قوة عسكرية ضاربة، انقلب على الشرعية، وطردها من كل مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية. واليوم وبعد أن أصبح المجلس الانتقالي في إطار الدولة ، بفعل الموقف السعودية والدعم والمباركة الإماراتية ، سيكون من الغباء الاعتقاد أنه سيتفق مع توجهات الشرعية وسيرضخ لتوجيهاتها بعد أن أصبح أكثر قوة من ذي قبل.
وهناك، بالطبع ، المتشائمون ، من طرفي الانتقالي والشرعية: غير الراضيين عنها لأنها لم تحقق ،كما يروْن ، ما كان كل طرف يصبوا إليه من أهداف سياسية وعسكرية.

وهناك بالطبع الحوثيون اليقظون، الأكثر تماسكًا من الناحية العقائدية والعسكرية ، الذين يبدو أنهم يحققون مكاسب سياسية وعسكرية متزايدة سواء ضد قوى التحالف في أقصى الشمال، في المناطق المحاذية للسعودية ، أو ضد الشرعية ، في مناطق مثل مأرب والجوف والبيضاء ، أو ضد المجلس الانتقالي في محافظة الضالع ، ويكسبون إلى صفهم المزيد من الأنصار ، وخاصة من الجماعات المحسوبة على حزبي الإصلاح والمؤتمر الشعبي . وهم يراقبون ، باهتمام شديد، ما يجري من حوارات وصراعات ظاهرة ومستترة بين الشرعية والانتقالي ، فضلًا عن ما يمكن أن ينجم عن اتفاقية الرياض في 5 نوفمبر 2019. كما أنَّ هناك المرتبكون ، أو لنقل المتشائلون ، ( بحسب تعبير الكاتب التقدمي الفلسطيني أميل حبيبي)، الذين يقعون بين التشاؤم والتفاؤل ، وهم في غالبيتهم من خارج الانتقالي والشرعية ، وهؤلاء كانوا يتساءلون بقلق مشروع منذ البدء ما إذا كانت اتفاقية الرياض ستشكل حلًا للأزمة أم ترحيلًا لها ، واستعدادًا لجولة أكثر دموية من الصراع اليمني.
ترى أين تكمن الحقيقية؟
المضحوك عليهم في هذه الاتفاقية هم الطرف "الوطني" ، بشقيه الشرعي والانتقالي ، لأنه أسلم قياده كاملًا لسيطرة الطرف الخارجي: السعودي والإماراتي . لقد عمد الطرف الخارجي إلى التعامل مع الطرفين " الوطنيين" المتخاصمين ، كالفئران والجربيع ، فتم وضعهم في كيس، اسماه الحكومة، وأحكم قبضته عليه ، وصبا في الكيس أموالهما و أوامرهما ، و أمسكا باليد الأخرى سوطًا ، وطلبا من الفئران والجرابيع أن تتصرف ، بأدب جم ، و بما يتوافق مع المصالح السعودية والإماراتية في اليمن، ما لم فأنهما ستوقفان صب المال أولاً ، ومن ثم ستلجأن إلى سوطهم بالكرباج ثانيًا.
هناك من يعتقد أنَّ ما لم تدركه قوى التحالف التوسعية العفنة ، هو أنَّ بعض الفئران والجرابيع قد تثقب الكيس ، وتسحب الكرباج من يدي السعودي والإماراتي ، وتتحالف مع الشعب اليمني، وتشبع الدخلاء ضربًا وركلا وتقذف بهم خارج الحدود. ومع ذلك هناك من يقول أن كثيرًا من الفئران والجرابيع قد تصرخ في البداية ، ولكن بمجرد أن تأكل وتشبع ، ويزداد وزنها ، ستكف عن المشاغبة وستهدأ وستصبح طيعة ، ولن يكون أمامها فرصة للمقاومة ، مادام الكرباج السعودي والإماراتي فوق رأسها .
وبذلك ستصبح الفئران والجرابيع مجرد أداة منضبطة ، وجيش احتياطي مأجور ، للضغط على الحوثيين ، ومن ثم المساومة مع الإيرانيين ، من أجل الوصول إلى تسوية سياسية تخدم في المحصلة الأخيرة مصالح السعودية والإمارات وإيران في اليمن ، وهؤلاء هم الرابحون الحقيقيون . أما الخاسرون ، فهم أبناء الشعب اليمني في الشمال والجنوب والشرق والغرب، بسببه نخبة المتخلفة ، الغبية والانتهازية ، التي ليست أكثر من فئران وجرابيع متصارعة.
قلبي على وطني!
هذه هي المحصلة المأساوية للصراعات السياسية على السلطة في اليمن منذ حرب إبريل 1994، وحتى اتفاقية الرياض في 5 نوفمبر 2019. وها نحن اليوم في 5 فبراير 2020، نهاية الفترة المزمنة لتنفيذ الاتفاقية ، وقد فشلت الأطراف الموقعة عليها في تنفيذها ، وأصبحت الطرفان الراعيان للاتفاقية ، السعودية والإمارات، هما المـتحكمان بالأرض والدولة اليمنية .
هل كان ثمة بديل آخر لهذه الاتفاقية؟
بالتأكيد ، إذْ يرى بعض المراقبين السياسيين أنَّ الحوثيين الانقلابيين يسعون إلى الحفاظ على الوحدة اليمنية ، ولكن في ظل الهيمنة الطائفية على كل اليمن. كما يرى بعض المراقبين أنَّ الانتقاليين الانقلابيين، يسعون إلى الانسحاب من الوحدة اليمنية ، و من ثم تحقيق الهيمنة القبلية على جزء من اليمن. ومن ثم يخلص المراقبون السياسيون إلى القول أنَّ الشرعية، الواقعة تحت الهيمنة السعودية والإماراتية، اتفقت مع الانقلابيين الانفصاليين من أجل مواجهة الانقلابيين الطائفيين، ولكن لصالح قوى الاحتلال الخارجي.
ولذلك فانَّ البديل المنطقي لهذه الاتفاقية الشائنة ، كان يجب أن لا يكون الاتفاق مع قوى انقلابية على حساب أخرى والرضوخ للقوى الخارجية، وإنما رفض المشروع الانقلابي بشقيه ، والتحرر من التبعية للقوى الخارجية ، بالاعتماد على الشعب اليمني ، والعمل من أجل قف الحرب الدائرة في اليمن، وتكوين حكومة توافقية انتقالية من جميع الإطراف الوطنية ، والبحث عن القواسم المشتركة، وبناء نظام عادل يحقق العدل والحرية لجميع اليمنيين.
هذا هو مشروع المستقبل الذي ينبغي أن نناضل من أجله. إذ لا يجب ، تحت أي ظرف من الظروف، أن نسقط في هاوية اليأس ونستسلم لقوى التخلف بفئرانها وجرابيعها وعربانها وغربانها. غير أنَّ تجاوز الوضع المأساوي القائم لا ينبغي أن يقف عند عتبة الجمل الثورية ، والأشعار المزركشة ، والشقشقة اللفظية ، والأغاني الحماسية للوطن والشعب ، وإنما سيتوجب على القوى الثورية الوطنية اليمنية أن ترفض مشروع التخلف، بوعي وطني وثوري مسئول ، من خلال إنعاش العمل السياسي والتنظيمي، والتواصل مع الجماهير ، و العودة إلى الجذور ، وتبني الرؤية الوطنية التقدمية ، المتحررة من المال والكرباج ، بحيث تكون غاية تلك الرؤية هي اليمن الديمقراطي الموحد ، كما حلم به الآباء التقدميون منذ مطلع الخمسينيات. وغير ذلك سنخسر كل شيء إذا ظللنا مجرد أتباع للفئران والجرابيع المحلية ، التي لا تجيد غير السباحة في مراحيض قوى التخلف الرجعية والامبريالية في الخارج .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب إسرائيل وإيران... مع من ستقف الدول العربية؟ | ببساطة مع


.. توضيحات من الرئيس الإيراني من الهجوم على إسرائيل




.. مجلس النواب الأمريكي يصوت على مساعدات عسكرية لأوكرانيا وإسرا


.. حماس توافق على نزع سلاحها مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود




.. -مقامرة- رفح الكبرى.. أميركا عاجزة عن ردع نتنياهو| #الظهيرة