الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشييء الجماهير: القيادة الثيوقراطية والإثنية

علي عبد الرحيم صالح

2020 / 2 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يخطئ من يعتقد أن الجماهير تمتلك إرادة في تقرير مصيرها وتحقيق حريتها، إذ قد تعيش في وهم التحرر والإرادة الحرة، التي قد يحكمها قائد سلطوي، يمتلكها بسحر الدين والأثنية والايدولوجية السياسية الفاشية، ويحركها بوصفها شيء قابل للتطويع والتوجيه والتنفيذ كيف يشاء ويرغب، من دون المبالاة بقرارات الجماعة ومشاعرها واحترام ذاتها وذاكرتها الجمعية!!. يطلق علماء النفس على هذه الظاهرة بالتشييء reification ، عملية ينظر من خلالها الفرد إلى الأخرين (سواء كانوا اشخاص أو جماعات) كسلع أو منتجات قابلة للبيع والمقايضة، وتقوم على تجريد الناس من خصائصهم الانسانية والتعامل معهم كأدوات من أجل تحقيق المصالح والرغبات والحاجات الخاصة. لذا لا يتعامل القائد المشييء مع جماهيره كبشر، ولا ينظر إليهم بوصفهم أمتداد إلى ذاته القيادية، وإنما عبارة عن أشياء يوظفها في الحفاظ على نرجسيته وأزمته الوجودية وأوهامه بوصفه منقذ الجماعة وحامي عرضها وسيادتها. وسنختصر في هذه المقالة ثلاثة جوانب مهمة (القائد-الجماهير-الاستراتيجيات).

سيكولوجية القائد المشييء
يتسم القائد المشييء بطابع سيكولوجي خاص يدفعه إلى التعامل مع جماهيره بوصفهم أشياء مادية، إذ نجد من خلال مراجعة السير الذاتية للقادة المشيئين أنهم يمتلكون سمات وأمزجهم واضطرابات سلوكية خاصة تحكم طريقتهم في التفكير واتخاذ القرار السياسي تجاه الاحداث السياسية الراهنة، فنجد أن هؤلاء القادة يفتقدون إلى المرونة المعرفية عند الحكم وتقدير السياقات السياسية، وتكون قراراتهم احادية البعد وجامدة ومتمركزة حول ذواتهم، مما يجعلهم يعتقدون بأن قراراتهم ناجحة ومناسبة إلى جماهيرهم في جميع المواقف والازمات (بغض النظر عن العوامل التي تتحكم في الظروف الخارجية)، كذلك يعانون من الخوف والقلق الدائم من فقدان ما يمتلكون، مما يزيد رغبتهم في التحكم بجماهيرهم، وانزال أشد العقوبات على من يخرج عن سلطانهم، نتيجة لذلك نجدهم يتسمون بطابع مزاجي مضطرب وعنيف، ويعانون من فقدان السيطرة على انفعالاتهم، ويتعاملون مع المواقف بعصبية شديدة، الأمر الذي يدفعهم نحو اتخاذ قرارات متهورة ومؤذية، تهلك شعبيتهم وقوتهم وجماهيرهم. وبهذا الصدد تحدد العالمة "مارثا نوسباوم" بعض الخصائص للمشيئين، اهمها: التعامل مع البشر كأدوات، ورفض الاستقلال الذاتي للآخر، وامتلاكه بوصفه شيء، والنظر إليه بأنه قابل للتبادل، ومشروعية ارتكاب العقاب والعنف ضده، ومحاولة اخضاعه إلى رغباته.

حاجة الجماهير إلى القائد المشييء
أن ديمومة حكم القائد المشييء مشروط باستمرار معتقدات الجماهير وحاجاتها وأزماتها وولائها إلى سيدها، وكلما عاشت الجماهير في ظروف القهر والقحط والمرض زادت رغبتها في طاعة أوامر قائدها وتجنب نواهيه. إن هذه العلاقة تحكمها اوهام الجماعة وجهلها وتفكيرها السحري بأن قائدها هو المنقذ المنتظر، الذي يستطيع ان يحميها ويخرجها من مستنقع الفقر والكفر والضلال، إذ انها (الجماهير) تؤمن بدرجة مطلقة أن قائدها مؤيد من قبل الأله، وأن افعاله وغضبه ورضاه له حكمة إلاهية وروحية سحرية، وإن من دون وجود قائدهم فأنهم سوف يتيهون ويتهالكون ويأكلهم الضياع، وبالفعل أننا نجد أن هذه الاوهام تصبح حقيقية نتيجة ضعف ايمان الجماعة بقدراتها الخاصة، إذ بعد وفاة القائد، تواجه الجماعة الشغب والتفكك والانقسام والحروب!!!.

متى ينجح القائد في تشييء جماهيره
أثبتت الدراسات التي قدمها لوبون وفرويد وشريف وتاجفل إن للجماهير خصائص نفسية واجتماعية معينة، نستطيع من خلالها السيطرة على تفكيرها وسلوكها الجمعي، وكلما كان القائد واعيا بهذه الخصائص، فأنه سيتمكن من سرقة قلوب جماهيره وعقولهم!!!، ولو تمعنا بسلوكيات القادة التي تقود الجماهير كالقطيع، لوجدنا أن هؤلاء يتبعون استراتيجيات ويمتلكون مهارات تساعدهم على سلب جماهيرهم، فهم يحاولون التماهي بطرائق نفعية واحتيالية مع جمهورهم عبر عيش معاناتهم (مثل زيارة منازلهم، ومشاركتهم طعامهم، والتشبه بثيابهم، واللعب مع اطفالهم..وغيرها)، والتكلم باحلامهم وافكارهم، وتوظيف الصور والشعارات والخطابات في مداعبة مشاعرهم، فضلا عن خلق عدو وهمي (لا سيما الجماعات التي يكرهها القائد) يحاول استبدادهم وابادتهم، والتمسك بمذهبهم أو أثنيتهم ومدح عشيرتهم...وغيرها. وبهذا نجد أن هذه الطرائق تحول الجماهير بطريقة تدريجية ولا شعورية إلى عبيد، يحركها القائد كيفما يشاء من دون اعتراض او نقد او تمحيص.
في ضوء ما سبق نجد أن معظم جماهير الشارع العراق خاضعة للتشييء، ومنجرفة بصورة عمياء وراء قادتها المشيئين، والأسوء من ذلك أن هؤلاء يعيشون بأوهام نجاة الأمة، وأنهم صمام ومفتاح الأمان لحل الأزمات في العراق، وهذا ما يجعل الوضع الحالي مليء بالصدامات المتزايدة والمستمرة بين الجماهير المتشيئة والجماهير الراديكالية التي تسعى وراء التغيير الجذري للنظام الحالي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب