الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة معاصرة لاصلاحات محمد علي باشا في مصر .

فراس حاتم

2020 / 2 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


عندما نقرا عن بلد متقدم او نزوره نسال في انفسنا سؤال من دافع الفضول ما السبب في تقدمه لهذا المستوى رغم انه قبل سنوات قليلة كان بلدأ غارقا في الفوضى و الحروب من كل حدب و صوب . و حتى حين يروي التاريخ لنا عن تقدم دول و مجتمعات مثلا عن الثورة الصناعية في اوربا و تاثيرها على تقدم المجتمع نتيجة للتطور العلمي الذي قامت على اساسه و جعلها في مقدمة قطار التطور العصري و هنا نتعرف على مواكبة مصر للعالم المتقدم في فترة قصيرة ايام حكم محمد علي باشا من خلال اصلاحاته العميقة لارساء الدولة الحديثة في مصر و جعلها في صدارة الريادة العالمية .محمد علي باشا هو ابو الدولة المصرية الحديثة و صانع نهضتها حيث كانت تراوده فكرة بناء الدولة في مصر على طراز اوربي اساس مجتمعها قائم على العلم و المعرفة و هذا ما حققه محمد علي باشا منذ توليه الحكم في 17 مايو 1805 بعد ان بايعه الشعب بتولي الحكم في مصر هنا بدا رحلة محمد علي باشا في بناء الدولة الحديثة من خلال الاستعانة بخبراء فرنسيين من السان سيمونيين نسبة الى الفيلسوف الفرنسي هنري دو سان سيمون المعروف بافكاره الاصلاحية و ايمانه بان يقوم المجتمع الفرنسي الصناعي على اساس علمي بحت من اجل دولة حديثة و من اشهر تلاميذه هو فرديناند ديلسبس الذي كان لاحقا عراب مشروع حق قناة السويس في مصر لربط البحر الاحمر بالبحر المتوسط و في ذات الوقت الذي كان مهندسا مدنيا و اقتصاديا من اجل بناء مجتمع حضري فرنسي اساسه العلم في كل مجالاته الصناعية و الزراعية و باقي الانشطة الاقتصادية وهذا ما كان يسعى اليه محمد علي باشا لمصر بان الدولة لن تنهض سياسيا و عسكريا و اقتصاديا مالم يبنى فيها نظام تعليمي متقدم يكون قاطرة التقدم لها . و لتحقيق ذلك على ارض الواقع كان من اصلاحات جذرية تنقل مسار مصر الى مصاف الدولة المتقدمة من خلال حزمة اصلاحات كانت :
اولا
الاصلاحات السياسية :
من اجل ارساء الدولة كان لابد لمحمد على من ارساء ر حكم اوتوقراطي مع وجود مستشارين متخصصين في كل الجوانب لمساعدته على سياسة الدولة المصرية لان لابد من انهاء الحكم الاستبدادي للمماليك الذي ساده التخلف و الفوضى الذين اختزلوا السلطة و اختصروها بهم حتى تسال الفرنسيون في كتاب وصف مصر كيف لمصر ان من المحزن رؤية امكانيات مصر العظيمة هذه مسجونة بحكم المماليك المستبد . و هذا ما ارساه محمد علي في بناء مؤسسات الدولة الجديدة المصرية التي تقوم على اساس الفصل ما بين السلطات حتى تقوم الدولة في كل واجباتها على اتم وجه . بداية من السلطة التنفيذية المثتمثلة بمجلس حكومي يكون اشبه بمجلس الوزراء في عصرنا الحديث عرف باسم "الديوان العالي" مقره القلعة التي بناها يترأسه نائب الوالي محمد علي .حيث يخضع لسلطة هذا الديوان دواوين تختص بشؤون الحربية والبحرية والتجارة والشؤون الخارجية والمدارس والأبنية والأشغال اشبه ما تكون بوزارات في عصرنا الحديث. كما أسس مجلسًا للمشورة الذي كان بمثابة السلطة التشريعية في مصر يضم كبار رجال الدولة وعدد من الأعيان والعلماء، ينعقد كل عام ويختص بمناقشة مسائل الإدارة والتعليم والأشغال العمومية. وفي عام 1837، وضع محمد علي قانونًا أساسيًا عرف بقانون "السياستنامة"، يحدد فيه سلطات كل ديوان من الدواوين الحكومي التي ارست العمل المؤسساتي في مفاصل الدولة المصرية الحديثة .
ثانيا
الاصلاحات الادارية :
من اجل تعزيز التنمية في كل ارجاء مصر و ارساء الحكم كان لابد من انجاز التقسيم الاداري لكل محافظات مصر على اساس جغرافي لغايات تنموية و هكذا قسّم محمد علي مصر إلى سبع مديريات أربعة في الوجه البحري وهي الأولى ضمت البحيرة والقليوبية والجيزة والثانية المنوفية والغربية والثالثة الدقهلية والرابعة الشرقية، وواحدة في مصر الوسطى وشملت بني سويف والفيوم والمنيا، واثنتان في مصر العليا الأولى من جنوب المنيا إلى شمال قنا والثانية من قنا إلى وادي حلفا، اي المحافظات المعروفة زراعيا و اهم ما فيها زراعة القطن. إضافة إلى خمس محافظات كبرى وهي القاهرة هي العاصمة السياسية لمصر و مركز صنع القرار فيها والإسكندرية اي العاصمة الاقتصادية لمصر ورشيد ودمياط المحافظتان ذات التنوع في مختلف الانشطة و لكونها اهم مدينتين في دلتا النيل والسويس التي كانت معروفة بالنقل البحري و التجاري .

ثالثا :
بناء الجيش المصري :
كان هدف محمد علي باش بناء جيش مصري حديث مدرب يقوم على اساس مهني و يشمل مختلف مكونات مصر في ذات الوقت لكن يجب على هذا الجيش ان تكون له مؤسسات تعليمية , صناعية و اجتماعية ذات عقيدة صارمة و منضبطة تكون الاولى في المنطقة انذاك حيث لكانت لمصر في ذلك الوقت تحديات و حروب في الشام , الحجاز و غيرها من اجل تحجيم النفوذ العثماني و منعه من الرد على تمرده ضدهم حيث قام محمد علي باش بافتتاح مصانع عسكرية للجيش في مختلف صنوفه فعلى سبيل المثال كان محمد علي يرى ان الجيش المصري يجب ان يكون مؤسسة مستقلة بعيدة عن كل حسابات سياسية وظيفتها في الدرجة الاولى حماية مصر من ان تصبح رهينة الدول الاجنبة كافة من خلال انشاء مصانع الاسلحة التي كانت تنتح بنادق , مدافغ , سيوف , رماح و حمائلها بالاضاف الى صهر الرصاص و صبه في البنادق و كانت هذه المصانع بعيدا عن المناطق السكانية اي في ضواحي المدن ومنها القاهرة بالاضافة الى معامل البارود المنتشرة في كل انحاء مصر . ايضا محمد علي باشا قام ببناء الاسطول البحري المصري بمساعدة فرنسية و كانت اول ترسانة هي ترسانة الاسكندرية التي كانت تحوي مئة سفينة حربية مصرية بايدي مصرية خالصة . لكن مع هذا امن محمد علي ان تطور الجيش المصري يجب ان يكون على اساس علمي اكاديمي بحت . و مثال على ذلك وضع محمد علي التعليم العسكري في مصر حجر اساس في بناء الجيش المصري الحديث، و منها مدارس للضباط في اسوان , ووحدات صحية عسكرية في القصر العيني من خلال فتح اعدادية صحة عسكرية في المستشفى , بناء مدرسة الموسيقى الحربية , المشاة , المدفعية و سلاح الفرسان في مختلف مناطق مصر . بالاضافة الى الاكاديمية البحرية في راس التين لتاهيل الضباط البحريين في الاسكندرية . و كان ديوان الجند يقوم توظيف من كافة انحاء مصر في بداية الامر اعترض الاهالي على ذلك و اعتبروا ان الخدمة العسكرية هي بمثابة السخرة لكن بعد ما شرحوا لهم عن الخدمة العسكرية توظف فيها من مختلف الفئات الاجتماعية و القومية و الدينية و الاثنية للمجتمع المصري من اجل جيش مصري حديث قادر عن الدفاع عنها بدلا من العصابات في السابق و تشكيل فرق للحروب .

رابعا
التعليم و البعثات العلمية :
اهم ما في مصر من انجاز لمحمد علي باشا هو البعثات العلمية للتعرف على اسرار التقدم في الدول و نقل التجربة الى مصر لتنهض و تواكب العصر و هذا ما عمل عليه محمد علي باشا من اجل مصر متقدمة بعلمها و علومها تكون منارة للشرق و الغرب في ان واحد تجمع فيها الحداثة و الاصالة و تكون منطلقا لمجتمع مصري متقدم اساسه العلم و المعرفة . فمثلا ادرك محمد علي باشا ان عليه بناء منظومة تعليمية تواكب العصر و تنقل مصر الى مصاف الدول المتقدمة من خلال الابتعاث الى ايطاليا لتعلم الطباعة , العمارة , الهندسة , صناعة السفن و العلوم العسكرية و فرنسا و انكلترا في مجال الطباعة , العلوم , الهيدروليك , الطب و المعادن و الكيمياء و التاريخ الطبيعي و صناعة الاسلحة بالاضافة الى الترجمة من اجل ان يكون لمصر قوة بشرية علمية قادرة على ان تضمن لها البقاء كدولة متقدمة . اما على الصعيد الديني فقد اوفد طلابا ازهريين الى فرنسا للدراسة في مجالات عدة من اجل ان يكونوا نواة القوة البشرية المصرية بالاضافة الى بعثة شملت اولاده ايضا و احفاده و عرفت انذاك ببعثة الانجال . غير عن فتح مؤسسات تعليمية و مدارس داخل مصر في مختلف المراحل و الاختصاصات من اجل مصر قوية و متقدمة .

الاصلاحات الاقتصادية :
كانت اصلاحات محمد علي باشا الاقتصادية ذات تاثير مهم على حياة مصر من خلال البدء بالنظام المالي اي الغاء النظام المالي الذي يقوم على الالتزام و احلال محله نظام يقوم على اساس الضرائب الذي مول من خلاله مشاريعه و حملاته اعتبره البعض نوعا من الاحتكار لكنه في الحقيقة ادارة الاراضي الزراعية كانت من خلال الدولة و استصلاحها من قبل الفلاحين و توزيعها على مستحقيها نعم كان بعض الاعتراض عليه لكنه كان منصفا في التوزيع حيث بنى من خلاله القناطر الخيرية و شق الترع و تعزيز زراعة الزيتون و الحبوب و القطن و تصديره على كافة انحاء مصر و الى العالم اجمع الامر الذي ساعد على ازدهار الاقتصاد المصري و بناء اركانه . و هذا ما اتعكس على عى التجارة بعد اصلاحات من خلال تعبيد طريق السويس و اعادة مصر الى كمفترق طرق بين الهند و اوربا و افريقيا من خلال تعزيز دورها الريادي . اما على صعيد الصناعات فكان النصيب الاوفر في بناء قاعدة صناعية ضخمة في المحلة الكبرى و بني سويف لمصانع النسيج و الزجاج و السكر و الاسلحة و غيرها التي توفر للانسان المصري احتياجاته الاساسية في ذلك الوقت يعد نقلة نوعية في حياة الانسان المصري و جعله اكثر رفاهية و توفير فرص عمل في ذلك الوقت فكان لابد من بناء صناعة محلية قادرة على توفير احتياجات مصر بالاضافة الى تصدير الفائض الى اوربا من اجل مصر متطورة في كل مجالاتها و التطور الصناعي فيها يعكس التطور التعليمي و الاجتماعي الذي حصل فيها .
سادسا
الاصلاحات الاجتماعية :
بعد كل هذه الاصلاحات الكبرى في حياة المجتمع المصري اصبحت مظاهر التنوع من مختلف الاعراق و المهن و الاديان موجودة تسجل حضورا قوية في المجتمع المصري من طبقات عمال و مزارعين و اكاديميين و شركس و مسلمين و مسيحيين و يهودا و عربا و غيرهم كانوا مقربين من محمد علي باشا و لهم احترام و ضمان مشاركة فعالة لهم ليكونوا دعامة حقيقية لمصر و مظهر من مظاهر تقدمها .
سابعا
التطور العمراني:
لاحق هذا التطور على كل في بناء المدن مثل الخرطوم و كسلا و تعزيز دور العاصمة القاهرة و بناء فيها القلاع و القصور و المؤسسات الحكومية على نسق حديث و في ذات الوقت يحافظ على اصالة بناءها لتكون صلة وصل الشرق و الغرب كما منع محمد علي باشا تجارة الاثار و اعتبرها من المحظورات لانها ارث مصر و تاريخها يجب الحفاظ عليه و حمايته لانها ذكرى من مصر للعالم و ان التطور العمراني هو نتاج الاصلاحات و نجاح بناء الدولة المصرية الحديثة .

و استمرت هذه الاصلاحات ان توفي محمد علي باش في 02 اغسطس 1849 في راس التين في الاسكندرية تاركا ارثا و اصلاحات الى يومنا هذا كانت نقلة اساسية في ارساء دعائم الدولة الحديثة في مختلف المجالات اساسها هو العلم و التعليم لتكون قاطرة في التطور الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي لان كان هدف محمد على باشا هو بناء مصر حديثة متقدمة صناعيا تواكب التطور في اوربا انذاك من خلال افضل تعليم و انفتاح على جميع الامم حيث لا يزال الى يومنا هذا ماثل الى العيان ارث ابو مصر الحديثة محمد علي باشا الذي كان سببا في جعل مصر منارة الشرق و ان تكون هذه الاصلاحات بنظرة معاصرة هي هدية الى الاجيال القادمة في بناء دولة في مدة قياسية و جعلها في طليعة الدول المتقدمة انذاك و قبلة انظار العالم كما ارادها محمد علي باشا بااني مصر الحديثة من خلال اصلاحاته الكبرى و تغيير مسارها الى الافضل بسلاح التعليم و جعل مصر سباقة في التطور .
تحياتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في