الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غرفة بلا نوافذ مسرحية الفلسفة الميتافيزيقية

عقيدي امحمد

2006 / 6 / 3
الادب والفن


عندما كنت أشاهد العمل المسرحي غرفة بلا نوافذ أخذتني ذاكرتي إلى قول الكاتب الروسي أنطون تشيخوف حين قال إن المبدع يموت نصف موت ، لأن روحه الحية تظل من بعده في أعماله . لقد رحل عنا الفنان عيسى الجرموني ، وترك لنا رصيد هائل من الأغاني التي إلى حد ألان يتغنى بها شبابنا في كامل أنحاء المعمورة ، ورحلوا عنا العديد من الفنانين ولازلنا نتذكرهم بأعمالهم . وتكريما إلى روح كل الفنانين جاء هذا العمل الفني الجميل ، الذي اقتبس نصه وأخرجه قارح عبد الرزاق ، وأدى الأدوار فيه جملة من الشباب الموهوبين الذين أستطاعوا في ظرف وجيز جدا الوصول إلى مراسمه مخرج المسرحية ، حيث وأنت تشاهد العرض المسرحي تكتشف الانسجام في الأداء والايقاع ، وعندما تتسع البؤرة الضوئية المتعددة الألوان لتشمل اكبر مساحة على الخشبة ، وعندما يخيم الصمت الرهيب القاعة ، يخرج الراوي ( حميد اعراب) في جو حميمي شاعري يقول : ( قد يكون كل واحد منا سعيد بما يفعله ، وقد يكون أكثر شقاء ، هلموا بنا لنعرف سر هذه الغرفة التي تغلق كل المنافذ أمام عالم ، ومؤلف ، وموسيقار، وراقصة ، وطفل صغير ، يملؤه الحزن واليأس ) هكذا كانت بداية العرض المسرحي الذي يبحث فيه الفنان والعالم ، والموسيقار ، والراقصة ، والطفل ، على النور الذي طالما انتظروه مستعملين كل الطرق التي تجعلهم يصلون اليه ، محاولين بين الحين والأخر كسر الجدار ، وبين كل هذه الأشياء يتطور الحدث الدرامي ، لنكتشف فيما بعد
سعادة الراقصة وشقاء الطفل والموسيقار ، وسر سعادة العالم ، وبين هذا وذاك يمزج المؤلف بين السعادة والشقاء .
وعلى الرغم من جدية المضمون الفلسفي للمسرحية ، أستطاع المخرج معالجتها بأسلوب درامي يجذب أنتباه المتلقي عن طريق عرض الأفكار بشكل متسلسل ، ومثير للدهشة ، وداخل إطار من الأحداث الدرامية المتوالية بسرعة والمثيرة للتأمل والتفكير ، ومن أبرز ما يتمتع به المخرج حرفيته وتقنيته العالية المستوى في رسم إطار عام تتحرك داخله شخصياته التي وظفها جيدا على خشبة المسرح ، بارزا للمشاهدين عالمين ، الأول أمامهم ، والثاني مجهول ، ومن هذه الفلسفة الميتافيزيقية تنبعث العديد من الأسئلة في نفوس المتفرجين عن سر العالم المجهول ، وهل هناك بداية العالم أم نهايته ، ربما لاتكون النهاية ، ولكن أحلام وأمال الممثلين قد تنتهي عند اكتشاف هذا العالم المجهول وتعد مسرحية غرفة بلا نوافذ من الأعمال الميتافيزيقية الرائعة التي تعتمد على الخيال ، وهذا النوع من الأعمال يجعل المتفرج يقف وجها لوجه أمام أعمال الكاتب الذي يحسن الكتابة الى المسرح الفرنسي البير كامي ، الكاتب المتمرد الذي كان دائما في كتابته يحاول ان يقارن بين عالمين لا مقارنة بينهم .
ويمثل هذا العرض الزاخر بالأفكار الجادة ، كل من الممثل ( خضار لزهر) في دور الموسيقار ، والممثلة (فرياك يسمين) في دور الراقصة ، والممثل (خنفوف مصباح) في دور العالم ، والممثل (عدلان تريعي) في دور المؤلف ، والممثل الواعد (عراب تاج الاسلام) في دور الطفل ، وتحكم في أجهزته التقنية كل من (باديس مراد) ، و(عيسو عبد الرشيد) في الاضاءة ، و(منير مذكور) في الموسيقى ، و(عيسو اسماعيل) السينوغرافيا .
وجاء هذا العمل تكريما لكل الفنانين بولاية ام البواقي ويعد في نفس الوقت فرصة لإبراز قدرات الممثلين الفنية في مجال التمثيل ، حيث حاول المخرج أن يمسك بخيوط الحدث الدرامي وبالتالي إيقاعه فكان أثار التحول من مكان إلى أخر واضحا في السيطرة على الزمن الممتد عبر مشاهد سريعة دارت على الركح .
ونظرا لطموح الممثلين تم بلورة الفكرة بمهارة ، لتوصيل نية المخرج إلى الجمهور ، والمسرحية جاءت باللغة العربية الفصحى هذا الصراع الذي تحول إلى جدار سميك يحجب عنا الاهتمام بفنية المسرح وقدرته على أن يشكل حيوية اجتماعية تعطيه أهمية بين النشاطات الإنسانية الإبداعية كافة ، حيث كانت أهميتهم بالغة في أعداد العرض بالفصحى ، وهذا حتى يتلقى استجابة واسعة داخل وخارج الوطن ، وخاصة عند النخبة المسرحية ، وهذا ما جعلهم يحافظون على الفصاحة الدرامية في الحوار الذي وصل إلى الجمهور فكانت الافكار تتجلى بهذه الفصاحة المسرودة بصورة تثير التساؤل ، وهذا ما أعطى للنص أهمية وقدرة في طرح جملة من القضايا المدهشة ، وأنها لجرأة من أعضاء الفرقة المسرحية أن يتبنوا عملا من هذا النوع ، وهذا ما يجعل العرض المسرحي غرفة بلا نوافذ في الخط المناضل لتوصيل الأفكار والصراعات إلى كل المثقفين بولاية ام البواقي ، وهذا كشحنات كهربائية تحمل الطاقة الفنية إلى بطاريات المولعين بالفن المسرحي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي


.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و




.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من


.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا




.. كل يوم - -الجول بمليون دولار- .. تفاصيل وقف القيد بالزمالك .