الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمبريالية تطورها و صراعها الإستعمارى (الحلقة السادسة)

عمرو إمام عمر

2020 / 2 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


ليست الدولة نتاج للمجتمع فى مرحلة معينة من مراحل تطـوره ، بل إنه إعـتراف إن هذا المجتمع يتخبط مع نفسه فى تناقضات لا حل لها ، بإنقسـامه إلى أضاد ، لا سبيل للتوفيق بينها ، فيقف عاجزا عن تلافيها ، و حتى لا يفنى المتصارعون - أى الطبقات الإجتماعية – بعضها بعضا ، و يفنى المجتمع معها ، فإن الحاجة تفرض نفسها ، إلى سلطة تضع نفسها فى الظاهر فوق المجتمع لتطمس الصراع ، و تبقيه فى حدود النظام ، هذه السلطة التى نشأت من المجتمع و التى تضع نفسها – مع ذلك – فوقه ، و تتزايد غربتها عنه ، هذه السلطة هى الدولة ...
فردريك إنجلز

إن علاقة الدولة بالصراع الطبقى تعكس كافة تناقضات المجتمع كما عبر عنه إنجلز ، على العكس من منظور المذهب الإنسانى الذى تبنته المدرسة السكولاستيكية الذى ربط بين الدولة كمؤسسة و الاحتياجات الحيوية للمجتمع ، فهم لم يروا التعقيدات التى بدأت تنشأ نتيجة لتشكل تركيبة طبقية مغايرة عما كانت عليه من قبل ، فالتناقضات على المستوى الأجتماعى تداخلت ، و الصراعات بدأت تتسع لتعكس صورة مضطربة للمجتمع الإنسانى الجديد لا تختلف كثيرا عما كانت من قبل فقط سيتم استبدال طبقة مسيطرة بطبقة اخرى …

الحياة المادية فى أوروبا بنهايات العصر القروسطى

عندما نتكلم عن الحياة المادية فنحن نقصد دراسة الأشياء من أطعمة و مساكن و ملابس و ترف و معدات و أدوات و وسائل نقدية و الفوارق بين اشكال المدن و القرى ، كذلك نمط الملكية و الثروة و توزيعها بأختصار هى دراسة كل ما يستخدمه الإنسان و يتعامل به بحياته ، هى محاولة للإحاطة بالأبعاد الحياتية اليومية للإنسان الأوروبى فى تلك الفترة و تأثيرها على التطورات الاقتصادية و الفكرية و السياسية ، فالتعرف على من يقتسمون الثروات و الأرض و عددهم لها مغزاها للتعرف على مراكز تمركز الثروات و أسلوب إدارتها ، كذلك العدد الإجمالى للسكان فى أوروبا و التقسيمات و الأشكال الحضارية …

شكلت الزراعة المؤسسة الإجتماعية و الأقتصادية الأساسية فى العصر القروسطى ، لذا كانت علاقة الافراد بالأرض هى الأساس الأول للمجتمع ، و كانت العلاقات الناشئة عن الملكية الأقطاعية الكبيرة العائدة لنبيل أقطاعى واحد الأكثر ثباتا و رسوخا ، فالأرض المكتفية ذاتيا و التى يعيش عليها عدد من الفلاحين الأتباع المرتبطين بها و المسئولين عن تأدية كافة الخدمات الخاصة بها لصالح السيد صاحب الأرض مقابل حقهم فى الحماية و العيش و جزء من المحصول كانت تمثل العلاقة الأساسية فى بيئة بدائية فى مراحل تطورها الأجتماعى الأولى ، تعود الملكيات الاقطاعية إلى اوخر العهد الرومانى ، لكن الأسباب التى واكبت تلك النشأة لازالت غامضة و معقدة ، و إن كان لأنهيار امبراطورية شارلمان1 و تجزئتها عامل مساعد فى تكوين تلك الأقطاعيات الكبيرة ، و خلقت الحروب التى نشبت بعد إنهيار الامبراطورية عن تشكل طبقة ذات أمتيازات ، فى تلك الفترة لم يكن للنقود وجود تقريبا ، و كانت الأرض هى الدليل الوحيد على الثروة و الثراء ، كان المجتمع الأقطاعى يشكل هرما منسقا متناسبا ، فكل صاحب أرض يدين بالولاء لمالك أعلى منه ، و هو بدوره يخضع لأسياد فوقه ، و هؤلاء يرتبطون بسيد فوقهم و هكذا حتى نصل إلى القمة حيث يوجد الملك الذى أكتسب حقوقه من برعاية الله من خلال الكنيسة …

لعبت الفروسية دور المثل الأعلى فى عقلية القرون الوسطى ، و لا تزال صورة الفارس لها بريقها عند الكثير من الناس حتى اليوم ، فصورة الرجل ”الجنتلمان“ ليست سوى الشكل العصرى الحديث للفارس ؛ و لعبت السير و الأساطير دور كبير فى تشكيل صورة الفارس ، كان الوصول إلى تلك المرتبة حلما يراود الكثيرين لكن مجال الإرتقاء للفلاحين كان ضيقا للغاية و أقرب للمستحيل ، لكن ظلت حلما تحاول الأيادى الممتدة الوصول إليه …

شكلت كذلك الحروب الصليبية صورة اسطورية للفارس فهو القديس المسيحى المحارب القوى التى بلغت قمتها فى مجموعات الهيكليون أو فرسان المعبد2 Templars ، و فرسان مالطة3 المعروفون بالـ Hospitality ، و فرسان التيوتوتيون4 Teutonic الذين جمعوا بين ورع الرهبان و شجاعة و قوة الفرسان ، لذا باتت الفروسية نظاما تبنته الكنيسة و قدسته و باركته ؛ لم تكن الفروسية وراثية تابعة للأرض ، و لكنها كانت قائمة على التفوق الشخصى الذى يستطيع تحقيقه كل فرد خاصة من طبقة النبلاء ، كان الفارس أولا و أخيرا محاربا لذا كانت الشجاعة بوجهيها المادى و المعنوى من مميزاته الأساسية بالاضافة إلى الولاء ، فكان ولاء الفارس لسيده النبيل عامل أساسى يتفاخر به الفارس و يعمل عليه ، أما ثالث السمات فكانت السخاء و التعالى عن الصغائر و الرأفة و العدالة و المروءة ، و أعتقد العديد من قراء تلك السطور تعرف على قصص فرسان المائدة المستديرة و الملك ريشارد قلب الأسد و عن صفاتهم التى تغنى بها الكتاب و الشعراء …

أما الفلاحين فحياتهم تكشف لنا أظلم النواحى فى العصور الوسطى ، فلم يكن للفلاح مثل أعلى أو هدف يحاول الأرتقاء إليه ، بل كان عليه الإستسلام للقدر الإلهى الذى جعله عبدا رقيقا يحاول العيش فى سلام ، و كان هناك عدد قليل من الفلاحين أستطاعوا أن ينجوا من سلطة الأقطاعيين يملكون قطع صغيرة من الأرض عادة ما تكون خارج نطاق القرى أو على حدودها الخارجية يتبعون أحد النبلاء و لكنهم ليسوا قناً له ، إلا أنهم كانوا عرضة دائما لهجمات اللصوص و الأتاوات الباهظة التى يفرضها عليهم النبلاء …

لو تركنا الريف و أتجهنا صوب المدن لوجدنا نوعا مغايرا من النظم ، فحضارة المدن التى نشأت تجارية و تعود إليها كافة عوامل خلق العصور الحديثة مغايرة لحياة الريف ، فكانت المدن دائما فى صراع مع الطبقة الأقطاعية كما عرفنا خلال الحلقات السابقة ، كذلك لم تكن هناك صناعة بالمعنى المعروف و لكنها كان هناك مجموعة من الحرفيين بجانب التجار ، و الأنتاج كان معدا فقط للإستهلاك المحلى للمدينة و القرى القريبة منها …

لم تعرف أوروبا التعاملات النقدية بشكل كبير إلا مع بدايات القرن الرابع عشر ، و يرصد الكاتب الفرنسى المعاصر لتلك الفترة نويل دى فيل Noel du Fail حوارا بين بعض عجائز الفلاحين يتحدثون عن الكساد الذى حل بهم إن كل هذا بسبب إن الفلاحين أصبحوا لا ينتظرون أن يبلغ الدجاج أو الطيور كامل نموه ، بل يتعجلون و يهرعون إلى سوق المدينة لمبادلتها مقابل النقود ، فالطبقة البورجوازية بدأت تعصف بالمجتمع القديم بفتح الباب أمام النقود ، ليفقد المجتمع القديم توازناته التى أكتسبها خلال سنوات طويلة ، لتنطلق قوى جديدة تلعب العاب مغايرة لما هو مألوف ، تلك اللعبة الجديدة هى لعبة النقود حيث تختلط الأوراق خلطا مضطربا ، لتتميز فئة ضئيلة من الناس ، و الآخرين يرمى بهم إلى الجانب المنكود من القدر ، فإنتشار النقود يعتبر حدثا تاريخيا دراميا ، ففجأة اصبح هناك دائنون و مدانون ، و هؤلاء المدانون كانوا يتسمون بقدر من السذاجة يثير الدهشة ، فالحياة تضرب بهم ذات اليمين و ذات اليسار بدون ان يعرفوا من اين يأتى الضرب ، تتوالى تلك الضربات فى صور عدة ، إيجارات الأطيان ، إيجارت البيوت ، الرسوم ، المكوس ، سوق المدينة يعترف فقط بالنقود المعدنية ، فجأة وجد الناس أنفسهم مطالبين بتملك تلك النقود و أن يدفعوا ثمن أحتياجاتهم بتلك القطع الرنانة و التى تأخذ اشكال متعددة منها الأصفر الذهبى ، و منها الأبيض الفضى ، و منها الأحمر النحاسى ، اشكال جديدة رسمت خطوطها على الحياة بأكملها ، التبادل السلعى اصبح يتناقص دروه بشكل كبير ، كان وراء كل هذا الطبقة البورجوازية الجديدة ، فهى لا تملك أراضى يمكن المبادلة بإنتاجها من الحبوب مثلا ، أو مزارع يمكن مبادلتها بما تنتجه من حيوانات ، و لا حتى هم صناع حرفيون يمكن أن يبادلوا ما بينتجونه بإحتياجاتهم من الأشياء ، و أصبحت تلك النقود هى المؤشر و العلامة على ثورات العامة من الناس و يتحدث المفكر الأنجليزى وليم بيتى William Petty عن النقود قائلا ” هى شحم جسم السياسة ، الأفراط فيه يضر مرونة الجسم و نشاطه ، و النقص منه يسبب المرض“ ، قول قد يشعرك عزيزى القارئ أن قائله طبيب أو جراح لكنه معبر بشكل ما عن تلك الأداة المسماة نقود …

كان الحاجة إلى النقود هى إنعكس عن التطور الأقتصادى الذى حدث ، أمتازت بخفة الحركة و التعقيد فى آن ، فقد ظهرت نوعيات من النقود و من النظم النقدية ، التى شكلت اقتصاد متعدد الطوابق ، و إن ظلت المقايضة تحتل هى القاعدة الأساسية ، تطورت النظم النقدية ليظهرعلى السطح نظام الإئتمان ، و الذى ظهر فى أول الأمر فى فرنسا من خلال مصرف أمتلكه البورجوازى ”جون لو“ الذى ابتدع نظاما مصرفيا أعتمد على الإقراض و الأئتمان و حفظ المدخرات لكن هذا النظام لم يصمد كثيرا و سرعان ما أعلن مصرفه الإفلاس ، كذلك عرفت كل من ألمانيا و أنجلترا بعض النظم المصرفية و التى لم تحقق نجاحا كبيرا فى بدايتها ، فى نفس الوقت كانت الأمبراطورية الإسلامية قد بدات فى التعرف على النقود من خلال الدراهم و الدنانير المسكوكة من الذهب و الفضة ، فكان لابد على أوروبا أن تطور أنظمتها النقدية حتى تستطيع التعامل مع المشرق العربى و الأمبراطورية الإسلامية ، لتأخذ النقود شكلا آخر ليس فقط اقتصاديا و لكن باتت تمارس نوع من السياسة الخارجية بين الدول ، خاصة مع بداية العصر التجارى فالتعامل من خلال المبادلة بالذهب أ و الفضة الخالصة لم يكن مفضلا لدى التجار الأوروبيين ، فكان لابد من البحث عن وسيلة أخرى للتعاملات التجارية الخارجية لتظهر السندات لتأخذ دورها كتعامل نقدى و يعود الإئتمان بعد فشله فى المراحل الأولى من ظهوره ليلعب دورا هاما فى التجارة الخارجية بالخصوص بعد إعادة ترتيب أوضاعه و تنظيمها ...

تشكل و تركزت الثروات و اللجوء إلى الإكتشافات الجغرافية

كان لابد من التعرف إلى أماكن تركيز الثروة فى أوربا و عدد الملاك لكن كان هناك صعوبات جمة للوصول إلى ارقام دقيقة لعدد سكان أوروبا و تقديرات دقيقة لحجم المعاملات المالية و الأقتصادية خاصة فى العصر القروسطى ، فالدراسات التى أهتمت بذلك بها الكثير من القصور و التضاربات ، خاصة إن عدد السكان أصابه حالات من المد و لجزر لاسباب متعددة ، لذا كان المقياس الذى أتبعته هو رصد التطورات الإنتاجية و المبادلات التجارية ، فكلما زادت أعداد البشر ، إزداد معها الإنتاج ، و توسعت نتيجة لذلك كل من المدن و القرى ، كان من الملاحظ كذلك أنه إذا زادت أعداد البشر ، زاد معها معدل الهجرات السكانية من مكان إلى آخر و زاد معها ردود الفعل سواء كانت إيجابية أو سلبية حيال الضغط السكانى الذى قد ينشأ فى منطقة ما ، ففترات الزيادة السكانية دائما ما كان يواكبها طوفان من الحروب و الصراعات ، فتمددت الجيوش و إزدادت الأطماع السياسية ، و صنعت الزيادة السكانية على نحو غير مألوف شريحة صغيرة من الأغنياء تنامت معها التناقضات المجتمعية لينتج عنها صراعات سياسية …

فى تلك الفترة الزمنية إذا كانت الزيادة السكانية جالبة للخير فى أوقات إلا إنها أيضا جالبة للشر ، فالشعوب التى تزداد أعدادها تتبدل و تتعدل علاقتها بالمكان ، هذا مرتهن بالثروات المتاحة لها و نمط توزيعها ، لذا نجد إن الزيادة السكانية إذا ما تجاوزت إمكانيات انتاج الغذاء خلال العصور الوسطى و ما بعدها إلى بدايات القرن الثامن عشر لا تؤدى فقط إلى تدهور مستويات المعيشة و لكن زيادة الأوبئة و الدفع إلى الهجرة المكانية ، فالتوازن بين الأفواه المطلوب أطعامها و الأغذية المنتجة ، و التوازن بين الأيدى العاملة و فرص العمـل يؤثر على حياة الشعوب و استقرار المنظومات السياسية و الأجتماعية ، و كانت التصحيحات السياسية و الأجتماعية دائما ما تأتى من خلال الثورات الشعبية.

كان كل أنحسار سكانى يؤدى إلى إنحسار مشكلة من المشكلات أو مجموعة من التواترات و يمنح الباقين فرص أفضل للحياة نسبيا ، لكنه فى نفس الوقت يزيد من ثروات شريحة صغيرة فى مقابل الشرائح الأخرى ، مثال على ذلك ففى أعقاب كارثة ”الطاعون الأسود“ التى تكررت أكثر من مرة بداية من منتصف القرن الثانى عشر ، و فى منتصف القرن الثالث عشر و ظلت تلك الكارثة لها تأثيرها الكبير على الحياة السكانية حتى منتصف القرن الرابع عشر ، فى تلك الفترة تركزت ملكية الأراضى فى أيدى عدد قليل من السكان هم اللذين بقوا على قيد الحياة و أنتقلت إليهم إما بالتوريث أو من خلال وضع اليد و الإستيلاء عليها لعدم وجود ملاك لها على قيد الحياة ، إن مشهد الأموات الذى حصد الأطفال و الأمهات ، الرجال و الشابات ، يسحق الآمال و التطلعات ، يهدم الأسر ، يدوس الأمتيازات يسحق الملوك و الصعاليك دوت اى أعتبار للتراتيبية الإجتماعية ، لتظهر رقصة الموت أو رقصة المقابر - الفرندول – و تنتشر بين الناس ، فهى كانت إنعكاس لحالة الخوف التى آلمت بالجميع ، و أصبح الكل متساوٍ أمام شبح الموت ليرقصوا رقصتهم الأخيرة متشابكوا الأيادى لتتهاوى الفوارق الطبقية فى لحظة الحقيقة ...

لم يقتصر هذا على أوروبا وحدها ، فإذا نظرنا خارج أوروبا سنجد إن تلك الزيادات و الإنحسارات السكانية تماشت إيقاعيا مع أوروبا كما لو كان الجنس البشرى قد خضع لما يمكن أن نطلق عليه إنتخاب طبيعى لترتيب أوضاعه ، فتلك الأوبئة الطاعونية شهدتها كل من آسيا و أفريقيا فى توقيتات متقاربة إن لم تكن متزامنة لما حدث فى اوروبا …

كان لموجات الجذر و المد السكانى كذلك الأكتشافات الجغرافية فى العالم الجديد و المستعمرات الأوروبية فى آفريقيا و آىسيا اثر كبير على التركيبة السكانية من خلال موجات الهجرة خارج أوروبا ، فالتقديرات تشير إلى أن عدد سكان أوروبا من بدايات القرن الرابع عشر إزداد بشكل كبير و بدأت الأوضاع الاوروبية تميل ناحية الأضطرابات السياسية و الصراعات الأقتصادية ، و قبل ذلك كانت رحلات ”كريستوفر كولمبوس“ قد وصلت إلى جزر الأنتيل فى عام 1492 معتقدا إنه وصل إلى آسيا ، إلى أن وصل البحار الفلورنسى ”أمريجو فيسبوتشى“ لتلك الجذر ليعود ليعلن لأوروبا و العالم إن كولمبوس لم يصل إلى جزر الهنـد بل أنه أكتشف عالما جديداً ، و انطلقت موجات من الهجرة إلى العالم الجديد بعد هذا الإعلان و التى بدأت بطيئة حثيثة ، و لكنها ما لبثت أن إزدادت إيقاعتها بشكل كبير …

كان لفشل الحروب الصلبية على المنطقة العربية دوركبير فى الأتجاه للأكتشافات الجغرافية ، فالبورجوازية الأوروبية الصاعدة بعد أن فشل حلمها بالسيطرة على طرق التجارة بين آسيا و أوروبا بما عرف بأسم الحروب الصليبية ، و خيبة أمل شريحة كبيرة من النبلاء الذين لم يكونوا يمتلكون أرضاً بسبب قوانين الوراثة5 فى تلك الفترة أتجهت نحو أكتشاف طرق أخرى و عوالم جديدة يمكن السيطرة عليها ، كانت النزعة التجاربة المتعطشة للربح بأى وسيلة ممكنة و لتعويض الخسائر التى منيت بها البورجوازية الأوروبية بعد فشل الحملات الصليبية هى الدافع الأساسى للأكتشافات الجغرافية ،كذلك الصراعات التى دارت نتيجة لقطع الاتراك طرق التجارة البرية مع الشرق ، و تحالف البندقية مع الدولة التركية مما آثار حفيظة جنوا و صقلية بعد ن زاد الحصار التجارى لهم برا و بحرا ، وكان لابد من أن يبحثوا عن طريق تجارى آخر يقودهم إلى الصين و الهنـد …

حاول كريستوفر كولمبوس إقناع تجار جنوة بتحمل تكلفة رحلاته لإكتشاف طريق بحرى جديد يصل إلى الهنـد ، لكن الخسائر التى تكبدها هؤلاء التجار بعد إنحسار التجارة عنهم لم تمكنهم من تحقيق ذلك ، فأتجه إلى ملوك أوروبا يطلب منهم الدعم ، و كان منهم ملوك إسبانيا اللذين كانوا يعيشون زهوة إنتصارهم بعد أستعادتهم لغرناطة ، و قدموا لكريستوفر ثلاث سفن صغيرة ليبدا بهم رحلته الإستكشافية ، تلك الفترة تصاعدت بأوروبا الصراعات السياسية و الإضطرابات الإجتماعية نتيجة لصعود الطبقة البورجوازية الجديدة ، كذلك الزيادة السكانية التى بدأت تظهر آثارها ، و لكن الرغبة فى الهجرة خارج أوروبا لم يكن حلاً مطروحا بين الأوروبيين فى تلك الفترة لذا جاءت الهجرات داخلية لتحتل الجانب الأكبر ...

الحرية السياسية و الثروات الخاصة

كان الخطر الذى يحلق حول المدن الجمهورية هو النمو المطرد للثروات الخاصة الذى بات مفسدة للحياة السياسية و هذا ما ألمح إليه كل من مكيافيلى و جويشياردينى ، و كان على العكس منهم مفكرى المدرسة الإنسانية الذين كانوا يمجدون بغنى تجار فلورنسا و أنهم أثبتوا وجودهم فى القارة الأوروبية فى مقابل بريطانيا ، و اضافوا إن السعى للربح ما هو إلا نعمة إيجابية للجمهورية ، و المال هو عصب الحياة فى الدولة ، و الذين يحبون المال هم أنفسهم أسس الدولة ذاتها ، ظل الإنسانيين فى اوائل القرن الرابع عشر غير قلقين من الحفاظ على الحرية من تعاظم و تراكم الثروات فى ايدى حفنة قليلة من الناس ، و كان قلقهم الوحيد فى أن التهديد لسلامة جمهورية مثل فلورنسا يتمثل فى أن مواطنيها لم يعودوا مستعدين للقتال و أنهم وضعوا مسألة الدفاع عن مدينتهم و حريتهم فى أيدى حفنة من المرتزقة المأجورين و التى لا يمكن الركون إليهم ، هذا المفهوم جاء نتيجة للأحداث التى شهدتها المدن الإيطالية خلال هذا القرن التى أثبتت لهم إن الركون إلى المرتزقة باتوا خطرا على المدينة ، ففى خلال صراعهم مع مدينة بيزا عام 1362 و حصارهم لها طالب مرتزقة فلورنسا بمضاعفة الرواتب و عندما رفض طلبهم أنسحبوا من ميدان المعركة ، و حدث بعد ذلك ما هو أخطر خلال صراعهم مع مدينة ميلان عام 1424 ارتد أحد القادة العسكرين من المرتزقة مع جيشه و أنضم إلى مدينة ميلان التى عرض قادتها دفع رواتب اكبر لهم مما أدى إلى هزيمة جمهورية فلورنسا …

الحل الذى أقترحه الإنسانيون هو اتخاذ المثال الأعلى الذى تمثل فى أن يكون المواطنين مسلحين و مستقلين ، وهو نفس ما جاء به أرسطو فى الجزء الثالث من كتابه السياسة- Politics - ، و توصلوا إلى وجوب الدفاع عن فلورنسا من قبل حكام مستعدين لا فقط لتقديم مهاراتهم السياسية بل و تقديم حياتهم عند الضرورة فداء لها ، للحفاظ على الجمهورية و حريتها ، و جاء ليوناردو بورنى ليستكمل ما هذا المفهوم فى كتابه المديح - Eulogy - على وجوب أن يكون كل مواطن مستعد لحمل السلاح للحفاظ على الحرية ، و فى كتابه فى الخدمة العسكرية – On Military Service – هاجم مفهوم ”حب المال“ الذى تبناه رواد المدرسة الإنسانية فى بداية تكوينها بوصفه سببا للقتال قائلاً « هدف الجندى يجب أن يكون نيل المجد لا الثروة » ، و برهن على ذلك بالنصر الذى أحرزته ”فلورنسا“ ضد ”فولتيرا“ فى منتصف القرن الثالث عشر بدون أى مساعدة أجنبية أو من مرتزقة ، فقط قاتل أهل المدينة لمصلحتهم و للدفاع عنها و عن حريتهم …

صراع البورجوازية مع الكنيسة

غيرت الطبقة البورجوازية التجارية وجه الحياة الأوروبية ، خاصة و أنها أخذت تزعزع عادات و تقاليد العصور الوسطى تزامن هذا مع الضعف الذى حل بالطبقة الأقطاعية ، كانت الكنيسة فى ظل علاقات الإنتاج الإقطاعية أستطاعت أن تصوغ الدين بشكل يتفق مع تلك العلاقات ، و نجحت الكنيسة أن تؤسس سيطرتها على الجماهير الكادحة من خلال مجموعة من المفاهيم الخادعة6 التى تم صبغها صبغات دينية ، فعملت على تمجيد حياة التقشف و الزهد ، و النهى عن التمتع بجمال الحياة و نعيمها ، و دعوة الناس إلى تعذيب النفس و الحرمان7 ، أماتت الكنيسة روح البحث و الإبتكار و كانت تطالب الناس بإتباع تعاليمها بدون نقاش ، مما اعمى الإنسان عن رؤية الجمال فقد كان الجمال رجساً من عمل الشيطان و الدنيا ما هى إلا مرحلة للوصول إلى الموت و الجهل دليل على صدق العقيدة و قوة الإيمان …

طمعت الكنيسة بعد أن أحكمت سيطرتها على الجماهير أن تلعب دورا سياسيا بالسيطرة على الأباطرة و الملوك ، بمعنى ”أخضاع الحكم المدنى للسلطة الدينية“ ، فالنظرة الكنسية فى تلك الفترة إن الحكم يستمد سلطانه من الله الأمر الذى أدى إلى نزاعات بين الكنيسة و السلطة المدنية فى أوقات كثيرة ، هذا الدور الدينى و المفاهيم التى نشرتها الكنيسة وضعتها فى مركز سام خاصة الكنيسة الكاثوليكية التى أعتبرت المركز الدولى للاقطاع ؛ فهى التى وحدت أوروبا الغربية الإقطاعية و استطاعت بناء نظام سياسى موحد لتواجه الكنيسة الأرثوذكسية الأغريقية و الأمبراطورية العثمانية الإسلامية ، و اعطت للنظام الأقطاعى هالة من القداسة ، فضلا عن إنها كانت تمتلك ثلث اراضى العالم المسيحى الكاثوليكى …

كانت البورجوازية أكثر الطبقات تضررا من سيطرة الكنيسة ، فقد رأت إن الصراع مع الطبقة الأقطاعية يجب أن يكون موجها للكنيسة أولاً ، فالطبقة الأقطاعية حصلت على إمتيازاتها بناء على التفسيرات الكنسية فالملك هو ”ظل الله على الأرض“ لا يستطيع أن يمارس مهامه إلا إذا أعترفت به الكنيسة ، و النبلاء الإقطاعيين ثروتهم هى منحة من الرب8 ، وجدت ثورة الطبقة البورجوازية صدى لدى الفلاحين بمعاناتهم مع سادتهم من الأقطاعيين ، كذلك طبقة الفرسان الذين تململوا من سيطرة النبلاء عليهم الذين أصبحوا يعانوا من معسرات مالية شديدة نتيجة لإنخفاض قيمة الأراضى نتيجة للتعيرات الأقتصادية ، فلم تعد الأرض مصدر الثروة الوحيد ، و تطورت اساليب القتال و أدواته ففقدت طبقة الفرسان مبررات بقائها ، لذا كانوا متحفزين دائما للثورة على الطبقة الإقطاعية و ضد النظام الإجتماعى و السياسى ...

ألمانيا و حركة الإصلاح الدينى

بدأت حركة الإصلاح الدينى فى المانيا ، فقد شكلت المدن الألمانية منذ نهايات القرن الرابع عشر اثر واضح ليس فقط فى الشعب الألمانى و لكن فى أوروبا بأكملها فمدن مثل فرانكفورت ، ستراسبورج ، نورمبرج ، مراكز مهمة للنشاط التجارى ، حيث شهدت البنوك الألمانية إزدهارا كبيرا بعد من خلال تمويلها للتجارة مع المدن الإيطالية الشمالية ، و المدن الهولندية ، و شكل بيت فوجر9 Fuggers – و هو أحد بيوت المال التى تخصصت فى تمويل العمليات التجارية – مركزا مهما لعمليات التمويل ، و باتت الطبقة البورجوازية محل تقرب من النبلاء و الأمراء و الحكام يطلبون منهم المال لسد إحتياجاتهم ، مما شكل لهم مركزا متميزا ليفرض البورجوازيين سيطرتهم على كافة نواحة الحياة فى تلك المدن …

فى المقابل كانت طبقة الفلاحيين تئن من اغلال القن و قيود المنظام الإجتماعى ، إذ كانا نهباً لشتى أشكال الضرائب النقدية و العينية بالإضافة إلى السخرة ، و لم يقف رجال الدين موقفا مساندا لهم بل على العكس ساند رجال الدين طبقة النبلاء ضد الفلاحين ، كذلك لعبت الأسباب التاريخية و العداء الذى كان بين الكنيسة الكاثوليكية و الأمبراطورية الالمانية التى كانت تعتبر نفسها وريثة الأمبراطورية الرومانية المقدسة ، كذلك ضعفها أمام النبلاء و الأمراء و رجال الكنيسة ، و الضغوط التى مارسها الباباوات و المطارنة على الطبقة البورجوازية لتمويل بناء الكنائس الضخمة …

لكن كان هناك سبب آخر حاسم فى تلك الفترة و هو أختراع ”جوتنبرج“ الطباعة الميكانيكية عن طريق الحروف المصفوفة ، فزالت العقبات لإنتشار العلم ليصل إلى عامة الشعب ، و كان الكتاب المقدس هو أول كتاب يطبع ، فكشفت عنه الأسرار التى كانت دائما فى حوزة رجال الدين ، فهم وحدهم الذين أحتكروا تفسيره ، لتنكسر عملية الأحتكار للمعرفة الدينية التى كان يتشدق بها القساوسة و المطارنة و أصبحت نصوص الكتاب المقدس معلومة لدى الجميع ، و تبين للناس إن القساوسة كانوا يقصون اشياء تختلف عن ما هو موجود فى النص الأصلى ، فثارت الشكوك ضد رجال الدين و بدأت الحملة ضدهم ، كذلك الفساد الذى عم جنبات الكنائس و حياة الترف و المجون الذى عاش فيها المطارنة و القساوسة و الباباوات جعلت العامة ينظرون لهم نظرة شك و ريبة بعد أن كانت مهيبة مقدسة ليهتز الأساس الروحى و الأخلاقى الذى بنيت عليه السلطة الكنسية فى العصور الوسطى ، و تعالت الدعوات بضرورة إصلاح الكنيسة و القضاء على الإنحرافات ، تطورت تلك الدعوة من إصلاح الكنيسة إلى إصلاح العقيدة ذاتها ، تحولت تلك الدعوات إلى حركات فكرية سياسية بدأت من داخل الكنيسة ذاتها على يد عدد من رجال الدين الكاثوليك وشكلوا ما عرف بأسم ”حركة المجامع الكنسية“ ، و شكلوا لجان و مجالس دينية لإقرار عملية الإصلاح الدينى ، و استطاعوا فى فترة من الفترات أن يجعلوا قرارات تلك المجالس فوق قرارات البابا ، كما حاولت الحركة الحد من سلطة البابا من خلال وضع حد لسلطته على الأموال الكنسية ، لكن هذا لم يستمر طويلا فعندما أعتلى البابا نقولا الخامس كرسى البابوية فى عام 1447 قضى على تلك اللجان لتفشل محاولات الإصلاح الداخلى…

كان أغلب المطارنة اللذين قادوا حركة الإصلاح الدينى فى تلك الفترة من ”الإنسانيين“ ، و تعمدوا كشف مساوئ الكنيسة ، و انتقدوا البدع و الخرافات التى أنتشرت على يد القساوسة للسيطرة على العامة ، مما أدى فى النهاية إلى تكوين رأى عام معاد للكنيسة الرومانية إلا أنه لم يستهدف إطلاقا الخروج عليها و الإنفصال عن الكنيسة و لكن الهدف كان الإصلاح …

اللوثرية ” التبرير بالإيمان“ حركة الإصلاح الدينى من الخارج

و بسبب فشل الحركة فى الإصلاح من الداخل ، أنتقلت إلى محاولة فرض الإصلاح من الخارج ، و كان على رأس المنادين بالإصلاح ”مارتن لوثر“ - Martin Luther – طالب الفلسفة و القانون الذى أتجه إلى حياة الرهبنة و شاهد مدى الفساد الذى وصلت إليه حال الكنيسة فى روما و أنتقل منها إلى باقى الكنائس التابعة لها ، أهتدى مارتن لوثر إلى أن الإنسان إذا كان مؤمنا حقاً فإنه يستطيع الخلاص من الشرور التى فى نفسه ، و إن الطقوس كالحج و الإحتفالات الدينية و ما شابه فلا جدوى منها ، و إن الغرض من الصلاة ليس التخلص من الخطايا و لكن إسداء للحمد و الشكر لله …

أعتمد لوثر على الكتاب المقدس و رسائل ”الرسول بولس“ و التى عرفت بأسم التبرير بالإيمان Justification by Faith هاجم لوثر ما عرف وقتها بأسم ”صكوك الغفران“ و التى كانت على خلاف العقيدة الصحيحة التى تقوم أساسا على قواعد ثلاثة و هى الندم ، الأعتراف ، التكفير ، كما وضعها ”توماس أكويناس“ و هو من كبار مفكرى الكنيسة فى العصور الوسطى ، بينما تلك الصكوك استعاضت عن التكفير بالمشاركة فى الحروب الصليبية10 أو الحج إلى روما عند أول كل مائة عام جديد ، فيمنح البابا الغفران للمحارب أو الحاج بدون الحاجة إلى إستيفاء الركنين الآخرين و هما الندم و الأعتراف ، ثم صار الغفران يمنح لكل من يجهز محاربا أو يساهم فى بناء كتدرائية و ما شابه …

كان الغفران عبارة عن صك من الورق يبذل فيه الوعد للمذنب – لقاء قدر من المال – بإنقاص المدة التى سوف يمكثها فى ”المطهر“ ، لم تلبث حتى أصبحت صكوك الغفران عملية تجارية مربحة ، و ظهرت أنواع شتى منها ، مثل الغفرانات الإحتفالية التى كانت تباع فى بداية القرن الجديد و كانت تباع للحجيج إلى روما بمثابة غفران شامل لكل الذنوب ، و عندما وجدوا أقبالا كبيرا عليها استحدثوا صكوك أخرى بمناسبة مضى ربع قرن ، و بسبب إنتشارها الكبير لجأ الباباوات إلى البنوك و الصيارفة فى المانيا خصوصا ”بيت فوجرز“ ليكونوا بمثابة وكلاء لإبرام عقود صكوك الغفران و تحصيل الأموال ، و تقديم القروض لهم بضامنتها ، لتنتشر الصكوك إنتشارا كبيرا و لجأ الرهبان فى سبيل بيع أكبر عدد منها إلى أساليب فى غاية الإبتذال ، حتى انهم أطلقوا إن الرجل إذا ارتكب الخطيئة مع العذراء المباركة نفسها ، فهذه الصكوك ستمنحه الغفران ، ثم تطورت الأمور أكثر و اصبحت الصكوك تسرى ايضا على الأموات …

هاجم مارتن لوثر صكوك الغفران و استنكر افعال القساوسة و الرهبان ، و فى الاول من نوفمبر عام 1517 إنتهز مارتن إجتماع الناس بالكنيسة للأحتفال بعيد الشهداء ، و علق على ابوابها منشورا إحتجاجيا كبيرا يتألف من 95 حجة ضد صكوك الغفران التى تلخصت فى الآتى : -
أولا ) إن الغفران لا يأتى من الكنيسة و لكن من ﷲ ذاته
ثانيا ) إن الغفران لا يمكن أن يمحو ذنبا ، لإن البابا لا يملك تلك السلطة
ثالثا ) إن صك الغفران لا يمكن أن يفعل شيئا للروح فى” المطهر“ ، و إن كل ما يستطيع البابا أن يفعله هو الصلاة للتشفع إلى ﷲ طلبا للغفران
رابعا ) إن طريق المغفرة و الصفح من ﷲ هو التوبة الصادقة

ذاعت الحجج اللوثرية و ترجمت من اللاتينية إلى الألمانية ، و لم يمض سوى شهور قليلة حتى كانت أوروبا بأسرها تناقشها و انقسم الناس بين مؤيد لها و معارض ؛ وجه مارتن لوثر الدعوة إلى الفرسان و الأمراء فى ألمانيا لتزعم حركة الإصلاح على الأسس التالية : -
1- خضوع رجال الدين للسلطة المدنية
2- ليس من حق البابا وحده أن يحتكر تفسير الكتاب
3- ضرورة إنقاص عدد الأديرة
4- عدم الحج إلى روما
5- ضرورة زواج القس
6- الطلاق أمر شرعى
7- ليس فى استطاعة القسس عند تناول القربان ، ان يحولوا الخبز و النبيذ فى العشاء الربانى الأخير إلى جسد المسيح و دمه.

بهذا هاجم لوثر الكنيسة الكاثولوكية فى صحيح سلطاتها و عقيدتها ، ليصدر البابا قراراه بحرمانه من الكنيسة ، رد لوثر عليه بإحراق القرار علنا فى ساحة وتنبرج ، عندئذ اصدر المجمع الكنسى قرار بإعتبار مارتن لوثر خارج على السلطة القائمة و إهدار دمه ، و حرم قراءة كتبه ، و منع الناس من تزويده بالطعام و الشراب ، إلا إن لوثر بات بطلاً قومياً فى نظر العامة من الشعب و أخذت أفكاره فى الإنتشار وأزداد حماسة الناس له و تشكلت حركات رايدكالية على مبادئه و افكاره من أهم هذه الحركات : -
1) حركة الإنبابتين Anabaptist’s
2) حركة الفرسان Knight’s
3) ثورة الفلاحين Peasants War

شكلتا حركتا الفرسان و ثورات الفلاحين ضغوطا كبيرة على الكنيسة ، فالفرسان كانت طبقة ساخطة و متحفزة للثورة ضد النظام الإجتماعى و السياسى الذى لم يعد يوفر لهم الأمتيازات السابقة ، و رأى هؤلاء فى تلك الدعوة الفرصة فى إنتزاع الأراضى من الكنيسة ، كما أراد الفرسان إنهاء سيطرة النبلاء ، لكن لوثر أمتنع عن تأيدهم ، كذلك الفلاحين لم يكونوا عونا لهم ، أما ثورات الفلاحين خاصة فى الفترة ما بين 1524 ، 1525 فقد استمالتهم المبادئ التى دعا إليها لوثر من الحرية و الإنسانية و الأخاء الجرمانى ، و اعجبوا بجراءته على مهاجمة الكنيسة و رجالها بسبب الفساد الذى أستفحل فيها و كثرة الضرائب و الرسوم التى كان يتم فرضها على الفلاحين لصالح الكنيسة ، كذلك مفاخرة لوثر أن أبويه من الفلاحين ، و فى عام 1525 نشر الفلاحين بيانا بمطالبهم أهم ما جاء فيه الغاء رق الأرض ، تحديد القيم الإيجارية للأراضى بشكل عادل ، قصر ضريبة العشور على الحبوب فقط ، و تحديد الخدمات الأقطاعية التى يؤديها الفلاحين للأقطاعيين ، بالأضافة إلى حق صيد الأسماك فى الأنهار و القنوات ، و ان يكون لكل قرية الحق فى أختيار و تعيين القسس فى الكنائس ، لكن أهم البنود و التى كانت لها أثر كبير مطالبتهم بإبراز الدليل من الأنجيل بأنهم ارقاء و قالوا ”لن نكون بعد اليوم عبيداً ، لأن المسيح جعلنا أحرار“ …

نزعة شيوعية فى ثورة الفلاحين و خيانة لوثر للثوار

خلال ثورة الفلاحين برز ”توماس مونزر“ حاكم تزفيكاو و كان يعتبر زعيم الأنابابتيين و الذى نصب نفسه زعيما للفلاحين فى ثورتهم ، استطاع توماس أن يؤسس مجتمعاً شيوعياً بمدينة مولهاوسن Mulhausen يقوم على الغاء الملكية الفردية و المساواة المطلقة و شيوعية الحكم ، و دعا إلى إقامة مجتمع مسيحى جديد يقوم على أساس المساواة المطلقة ، هذا معناه التخلص من كافة الأمراء و رجال الدين...

بهذا استطاع الفلاحين من إحراز أنتصارات كبيرة فى مراحل الثورة الأولى ، و سقطت العديد من المدن فى ايدهم ، إلا إن المفاجأة جاءت على يد ملهم الثورة ”مارتن لوثر“ الذى تنكر للفلاحين و خرج يؤلب النبلاء ضدهم ، و وصف الفلاحين بالمخربين سافكى الدماء ، فهو رأى إن ثورة الفلاحين تهدد مذهبه بالخطر بسبب التغيرات الكبيرة التى قد تعيد ترتيب الهرم الطبقى الأجتماعى و السياسى هذا ما أفزعه بشدة ، فمن الواضح أنه لم يستطع أن يرتقى بفكره من محدودية الإصلاح الدينى إلى مستوى الإصلاح الإجتماعى الشامل …

على أثر خيانة لوثر للثورة أنضم الفرسان إلى طبقة النبلاء ضد الفلاحين ، لينقلب الميزان خاصة بعد تفرغ الأمبراطور شارل الخامس مقامتها بعد أنتصاره على فرنسا فى معركة بافيا فى فبراير 1525 ، فعادت قواته لضرب الثورة ، و لم يستطع الفلاحين بإمكنياتهم البسيطة تشكيل فرق عسكرية لمواجهة الجيش الأمبراطورى الذى تمكنت مدافعه من حصدهم ليهزموا هزيمة قاسية ووقع ”توماس مونزر“ اسيراً فى يد الأمبراطور الذى حكم عليه و على عدد كبير من قادة الثورة بالأعدام …

بالرغم من إخماد الإمبراطور شارل الخامس لثورة الفلاحين إلا إن الأفكار اللوثرية شكلت اثرا واضحا على الحياة الأوروبية ، و أضطر الأمبراطور إلى عقد المجلس الأمبراطورى الأول للفصل فى المسألة الدينية ، و جاءت نتيجة هذا الأجتماع فى غير صالح الكنيسة الكاثوليكية ، إذ أعطى المجلس الحق لكل حكومة أن تعيش و تحكم بما سوف تسأل عنه أمام الله و الأمبراطور ، لتسحب من الكنيسة سلطاتها على المجالس المدنية ، و اعطاء الحرية للأمراء و النبلاء فى أختيار المذهب الذى يريدون ، شعر اللوثريين أنهم أصبحوا فى مركز قوة بالرغم من هزيمة الثورة إلا إن التغيرات السياسية التى حدثت جاءت لصالح الأفكار التى آمنوا بها …

إلا إن الأمور لم تستمر طويلا ، ففى عام 1529 هاجم الأمبراطور شارل الخامس روما التى تعتبر مركز البابابوية فى العالم المسيحى ، أضطر البابا لتوقيع معاهدة صلح مع الأمبراطور ليعقد شارل الخامس المجلس الأمبراطورى الثانى و تقرر فى هذا الأجتماع تنفيذ قرارات المجمع التى كان الغاها فى المجلس الأول و الغاء حرية اختيار المذهب التى اقرها من قبل ، ليحتج اللوثريون و تحدوا سلطة الأمبراطور ، بسبب هذا الأحتجاج أطلق الناس عليهم لقب المحتجين أو البروتستانت Protestants …

فى 1530 دعا شارل الخامس البروتستانت للإجتماع مع الكاثوليك فى محاولة لحل الصراع سلميا ، إلا إن هذا الأجتماع لم يسفر عن شئ و ذاد الخلاف بين البروتستانت و الكاثوليك ، و استمرت الخلافات النزاعات بين الكاثوليك و البروتستانت حتى عام 1555 ليعقد صلح اوجزبرج Treaty of Augsburg الذى أعاد للأمراء حرية العقيدة إلا إنه حرمها على العامة من الناس ، و مع ذلك فهذا الصل بشروطه الغريبة بقى أساسا للحياة السياسية و الدينية فى ألمانيا لمدة تزيد عن الخمسين عاماً …

حركة الأصلاح الدينى خارج ألمانيا

كان إنتشار أكفار مارتن لوثر الإصلاحية مؤثرا خصوصا فى شمال أوروبا خاصة بالدنمارك و السويد ، ثم أنتقلت منها إلى إنجلترا ، إلا إنه كانهناك صعوبة فى إنتقال تلك الأفكار إلى باقى الدول الأوروبية بسبب بعض الصعوبات فى فهم العقيدة اللوثرية خاصةفى قضية القربان ، لكن سبب فى عدم إنتشار أفكار مارتن لوثر هو عدم إهتمامه بنشر أفكاره خارج ألمانيا ، كذلك موقفه من ثورة الفلاحين فى ألمانيا جعل العامة من الناس يتخذون موقفا سلبيا منه …

لكن جراءة مارتن لوثر شجع على ظهور مصلحين آخرين مثل أولريك زفينجلى الذى أنتشرت مبادءه فى سويسرا ، جون كلفن فى فرنسا و بلجيكا و أجزاء من هولندا ، تميزت أفكار كلفن بضرورة وجود حكومة علمانية أو مدنية بجانب السلطة الكنسية ، لذا فإنه أباح الأنقلاب على الحكومة المدنية إذا أقدمت على شىء مخالف للعقيدة ، أتيحت الفرصة لكلفن أن يوضع أفكاره موضع التنفيذ فى جنيف بسويسرا ، لكن الناس نفروا منها بسبب شدة و صرامة نظام الكنيسة و عنف التعاليم الذى اراد أن يفرضها كلفن و اضطر للخروج من جنيف عام 1538 ، إلا أنه عاد مرة أخرى عام 1541 بعد أن استدعاه الشعب حتى مات فى 27 مايو 1564 ليدفن فى جنيف …

كما أنتشرت افكار الكنيسة الكالفينية فى فرنسا و كان لها تأثير كبير و تعرض متبعيها للأضطهادات و المذابح و من اشهرها مذبحة يوم بارثولوميو Saint Bartholomew’s Day و التى بسببها أجبر الألوف من الفرنسيين على الهجرة خارجها و الحياة فى المنفى ، ولم يسمح لهم بالحرية المدنية و الدينية إلا فى عام 1789 على يد الثورة الفرنسية …


_____________________________________________
الهوامش

1) شارلمان أو كارل الكبير هو إمبراطور للإمبراطورية الرومانية المقدسة بين عامى (800 -814) ، الابن الأكبر للملك بيبين الثالث من سلالة الكارولينجيين و يعتبر بيبين القصير (حكم من عام 751 إلى عام 768) مؤسس حكم أسرة الكارولنجيين فى حين يعتبر ابنه شارلمان (حكم من عام 768 إلى عام 814) أعظم ملوكها و هو أول «إمبراطور روماني مقدس» تم إنتخابه فى 25 ديسمبر سنة 800

2) فرسان الهيكل أو المعبد جنود المسيح الفقراء ، أحد أقوى التنظيمات العسكرية التى تعتنق الفكر المسيحى الغربى ، و اكثرهم نفوذا و ثراء ، ذاع صيت هذا التنظيم عندما أعترفت بهم الكنيسة الكاثوليكية عام 1129 ، و ازداد نفوذهم ، معرفون بحلتهم البيضاء المميزة برسم الصليب الأحمر ، أمتلك هذا التنظيم بنية تحتية اقتصادية قوية إنتشرت فى كافةة أنحاء أوروبا الغربية يشير لهم البعض بالفضل فى إبتكار طرق مالية أعتبرت اللبنة الأولى لنظام البنوك الحديثة ، اشترهت حصونهم و قلاعهم فى أوروبا و كانت من الأقوى تحصيناً

3) فرسان مالطة التى تأسست عام 1050 من قبل بعض التجار الإيطاليين لرعاية الحجاج المسيحيين ، و قاموا ببناء مستشفى القديس يوحنا فى القدس لتلك الغاية ، بعد إعتراف البابا باسكال الثانى بهم عام 1113 اصبحوا تحت رعاية الكرسى الرسولى ، بعد نهاية الحروب الصليبية إنسحب الفرسان إلى مالطة , استقروا بها حتى طردهم نابليون بونابرت عام 1798 اثناء حملته على مصر ، استقرت المنظمة بعد ذلك فى روما منذ عام 1834 محتفظة بكيانها السيادى ، و تابعت أعمالها الخيرية التى توسعت لتشمل كل أنحاء العالم من كل الأديان و الجنسيات ، ينقسم فرسان مالطة أو الهوسبيتاليين إلى ثلاثة فئات ، الفئة الأولى هم فى الأصل نبلاء و اصبحوا بعد ذلك فرسان ، الفئة الثانية القساوسة اللذين يقومون بتلبية الإحتياجات الروحية للتنظيم ، ثالثا أخوان الخدمة و هم بمثابة الخدم ينفذون الأوامر الصادرة إليهم ، بالأضافة إلى أعضاء شرفيين يساهمون بالتبرعات للتنظيم ، لازال تنظيم فرسان مالطة موجود حتى اليوم و له أعتراف قانونى دولى ذو سيادة حيث يحق لهم اصدار جواز سفر خاص بهم ، و تقيم المنظمة علاقات دبلوماسية مع ثمانية دول عربية هم الأردن ، السودان ، الصومال ، جزر القمر ، لبنان ، مصر ، المعرب ، موريتانيا ، بالأضافة إلى 28 دولة اسلامية ، و المنظمة لا تقيم أى علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

4) هم قبيلة جرمانية أو سلتية. و هناك خلاف حول نسب التوتونيون بالسلت، و وفقا لخريطة بطليموس فإنهم عاشوا فى يوتلاند، وهو يوافق فى ذلك بومبونيوس ميلا الذي وضعهم فى إسكندنافيا. مصطلح الشعوب التوتونية يستخدم الآن بشكل واسع للإشارة إلى الشعوب المتحدثة بلغات جرمانية ، خصوصا الألمانية، بدلا من الإشارة إلى القبيلة فقط.

5) كان قانون الإرث المطبق في أوروبا ينص على أن يرث الابن الأكبر عقارات والده و عبيده بعد موته، و توزع المنقولات بين أبنائه ، و بسبب هذا القانون نشأت طبقة من النبلاء أو الأسياد الذين لم يكونوا يملكون اقطاعيات ، فشاعت بينهم القاب مثل "بلا أرض" و"المعدم" دلالة على عدم ملكيتهم لقطعة أرض ، و رأى الكثير من هؤلاء فرصتهم فى الحملات الصليبية للحصول على أراض فى الشرق، و رأى آخرون فيها فرصة لتوسيع أملاكهم بضم أملاك جديدة ، كما كان الفقراء يجدون فيها فرصة لحياة جديدة أفضل و وسيلة تخرجهم من حياة العبودية التى كانوا يعيشونها فى ظل نظام الإقطاع السائد فى ذلك الوقت. و لا ننسى أيضا رغبة المدن الساحلية الأوروبية و الطبقة البورجوازية الصاعدة سعيها لتحقيق مكاسب تجارية نظير لقل المحاربين على سفنها ، كذلك رغبة بعض فرسان أوروبا فى التخلص من النظام الإقطاعى الفاسد عن طريق العيش فى الشرق.

6) ما حدث فى تلك الفترة يتطابق تقريبا مع الدور الذى تلعبه المؤسسات الدينية الإسلامية فى بلادنا اليوم مثل الأزهر فى إعادة هندسة الدين لصالح بورجوازية الكومبرادور المسيطرة على الحكم ، كذلك دور التيارات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين و بالرغم من إنها تحاول أن تصف نفسها بالثورية زورا إلا إنها لا تختلف عن البورجوازية الحاكمة فهى فقط تطمع فى السلطة بسيطرة دينية أكثر عنفا ، و بالرغم من فشل تلك المنطومة فى تحقيق رغبات الشعوب و أكبر الأمثلة على ذلك ما حدث فى السودان أخيراً ، إلا إن الكثير من العامة و البسطاء يتأثرون بالخطاب الدينى و لا يزالون بنظرون فى الدين نظرة الأمل للإصلاح

7) راجع موقف التيارات الإسلامية سواء سلفين أو جماعة الأخوان هناك تطابق بين ما طرحته الكنيسة فى فترة العصور الوسطى و ما تطرحه تلك المجماعات المعاصرة لنفس الأفكار

8) راجع المفاهيم التى تنشرها التيارات الإسلامية ، بإن الرزق بيد الله فى تجاهل تام للعلاقات الأقتصادية و أنماط الملكية و الأنتاج و توزيع الثروة

9) بيت فوجرز أسسته عائلة بنفس الأسم من كبار عائلات الطبقة البورجوازية

10) راجع مفهوم الجهاد عند التيارات الإسلامية بالمشاركة فى قتال ضد ما أطلقوا عليهم الكفار أو المشركين ، و الوعد بالجنة و حور العين




المصادر
• جان بيرنجيه ، فيليب كونتامين ، إيف دوران ، فرانسيس راب – موسوعة تاريخ أوروبا العام – (المجلد الثانى) – ترجمة وجيه البعينى – منشورات عويدات (بيروت / باريس) الطبعة الأولى 1995
• كوينتن سكنر - أسس الفكر السياسى الحديث عصر الإصلاح الدينى (الجزء الثانى) - ترجمة حيدر حاج إسماعيل – المنظمة العربية للترجمة الطبعة الأولى 2012
• هربرت فيشر – أصول التاريخ الأوروبى الحديث – ترجمة د. زينب عصمت راشد ، د. أحمـد عبد الرحيم مصطفى – دار المعارف مصر الطبعة الثالثة 1970
• فرنان برودل – الحضارة المادية و الأقتصاد و الرأسمالية (الجزء الأول الحياة اليومية و بنياتها الممكن و المستحيل) – ترجمة مصطفى ماهر – المركز القومى للترجمة الطبعة الأولى 2013
• نيكولاس بولانتزاس – السلطة السياسية و طبقات الإجتماعية – ترجمة عادل غنيم – دار الثقافة الجديدة الطبعة الثانية 1982
• محمد فؤاد شكرى - الصراع بين البرجوازية و الأقطاع – مؤسسة هنداوى للتعليم و الثقافة – الطبعة الأولى 2014
• جفرى برون – تاريخ أوروبا الحديث – ترجمة على المرزوقى – الأهلية للنشر و التوزيع – الطبعة الأولى 2006
• د. جورج قرم – تاريخ أوروبا و بناء أسطورة الغرب – ترجمة د. رلى ذبيان – دار الفارابى – الطبعة الأولى 2011
• د. عبد العظيم رمضان - تاريخ أوروبا و العالم الحديث (الجزء الأول) – الهيئة المصرية العامة للكتاب – الطبعة الأولى 1997
• د. نعيم اليافى – حركة الإصلاح الدينى فى عصر النهضة – مركز الإنماء الحضارى – الطبعة الأولى 2000
• ياكوب بوركهارت – حضارة عصر النهضة فى إيطاليا (المجلد الأول) – ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد – المجلس الأعلى للثقافة الطبعة الأولى 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست