الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل الغربي في الفلسفة

عثمان عبدالله مرزوك
ناقد و باحث و اكاديمي

(Othman A. Marzoog)

2020 / 2 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اذا صح التعريف فالعقل هو ذلك الجزء من الجسم الذي يجعل الانسان قادرا على ادراك الاشياء و التفكير والشعور، كما عرفه قاموس اكسفورد، قد يكون التعريف فسلجي اكثر مما هو فلسفي. فلسفيا لا يمكن الوصول الى تعريف محدد كامل، فكل فيلسوف على مر التاريخ الغربي يبصر العقل بمنظار مختلف.
العقل تطور كما تطور كل شيء، اذا بدئنا تاريخيا مع الفيلسوف سقراط (469 - 399ق.م) نرى ان العقل قبله له مهمة استكشاف الاشياء والطبيعة والحكم عليها بدون محاولة معرفة العقل ذاته، مع سقراط يبدأ المشوار في النظر الى العقل كجزء من الجسد لكن بدون ان تتم زلزلته من مكانه وتجريده من عرشه، حيث ركز سقراط على الانسان داخليا ولم يخصص العقل بالنقد. الطبيعة عند سقراط ادنى من الجسد والنفس اهمية لذا اولى الاهمية للنفس ومحاولة استكشافها.
اذا كان سقراط نظر داخل الانسان ان افلاطون ( 427 - 347ق.م) يبصر السراب، حيث لم ينقد العقل هو الاخر واعتمد عليه في القول بعالم الماورائية والاتي وقال بان العقل لن يصل للحقيقة المختبئة وراء قناع الواقع وهذه تعتبر معرفة اعلى من ان يصل اليها العقل. وبذلك وجه ضربة للعقل بدون وعي او بوعي. لكن تلميذه النجيب ارسطو (384ق.م-322 ق.م) اعاد الحقيقة الى الواقع واعطى للعقل الاحقية بالاكتشاف والتجريب والاهمية التي اعطاها للعقل اهتزت في النهاية مع فلاسفة امثال فرنسيس بيكون. عند بيكون العقل اقرب الى الصنع الانساني منه الى الصنع الطبيعي حيث ان العقل يتشكل في المجتمع وبذلك تتكون لديه اوهام عديدة اولها اوهام الخيال والتصور ثم اوهام الفرد لطبيعته واوهام السوق واوهام لغوية مثل محرك لا يتحرك واخيرا اوهام العقل التي تنتشر وتنتقل من فيلسوف الى اخر. بهذه الاوهام اصبح العقل اكثر اعتدادً بنفسه.
قدسية العقل لم تزل ماثلة امام الفلاسفة حيث ان باروخ سبينوزا (1632-1677م) المنطقي الرياضي يقبل بالاستدلال العقلي ويرى ان الحرب التي يخوضها العقل امام الماورائية ينتصر بها العقل لا محال لكن بهذا يموت الامل والرجاء الموجودين في العقل الوهمي. بهذا اعطى تلميحا للوهم احقية الوجود بين الحقائق والاستقرار في العقل. تبع ذلك ايمانويل كانت (1724-1804م) الباحث عن العقل المحض او بطريقة اخرى باحث عن العقل الذي يتشكل بدون تدخل الحواس واستجوب العقل الذي يتكون بتدخل الحواس فيه، حيث تساءل فيما اذا كان العقل مؤهل ان يقوم بمنصب الحاكم واستجواب فرضيات مثل الدين والحقيقة ، ليكون كانت اول من يقول صراحة يجب استجواب العقل اولا.
لم يعد العقل تاجا للحكمة بعد ان عبر جون لوك (1632- 1704 م) عن موقفة اتجاه العقل حيث اعاد العقل على نفسه ناقدا وارتد يختبر ذاته في مقال عن العقل البشري(1689) حيث لم يعد يأتمن العقل ورفض فكرة كانت عن وجود عقل محض واجاب بان الانسان يولد صفحة بيضاء وان اراء الخير والشر لا تولد مع الانسان وان جميع انواع المعرفة تكتسب من التجارب عن طريق الحواس الخمسة. ازاد جورج بيركلي (1684-1753م) من صعوبة الموقف ومن هشاشة العقل عندما ذكر بان المادة لا توجد في العقل الا على شكل صور او احساسات مخزونه في العقل فمعرفة الشيء هي الاحساسات المخزونة عنه، فكما ان التفاحة هي مجموعة احاسيس تنبعث الينا لتصل الى الذهن وبهذا انكر بيركلي وجود المادة وقضى عليها واضاف الى العقل الذاكرة. بعد هذه الضربة للعقل من بيركلي جاءت ضربة اقوى من ديفيد هيوم(1711-1776 م) ؛ انكر هيوم على العقل ما اضفاه بيركلي عليه حيث لا وجود الا للعقل، هيوم يرى اننا نعرف العقل كما نعرف المادة عن طريق الاحساس بالحواس فإننا لا ندرك العقل على الرغم من انه داخلي، والعقل هو اسم مجرد لسلسلة اراء ترتبط بالمشاعر والذكريات والاحاسيس لتكون العقل، وليس هناك نفس منظومة وراء العقل. بهذا قضى بيركلي على المادة واكد وجود العقل وقضى هيوم على العقل لأنه لا يدرك الا مثل المادة.
بعد التحولات والمواجهات العقلية قصم روسو (1712-1787م) ظهر العقل، لقد تساءل لماذا اصدق العقل وارفض فطرتي؟ بعض ما يمليه العقل يرفضه شعوري. وقف روسو وحده يكافح المادية واللادين الذي جاء به عصر التنوير، حيث اعتبر ان التفكير يناقض طبيعة الانسان. التفكير يزرع الشك ويكمن نصف الرد على اللادينين والماديين في توحيد افكار بيركلي و هيوم والنصف الاخر في تمجيد روسو للشعور وانقاذ الدين من العقل والشك.
اعاد هربرت سبنسر (1820-1903م) بعض الهيبة للعقل بلا وعي عندما اعتمد عليه بدون نقد ذاته في تقديم نقد لاذع للدين وطريقة تكون الديانات وتطور العقل البشري، لكن في نهاية المطاف قال بان بعض الحقائق لا يمكن سبر غورها او الوصول لها وهذا الاعتراف مغالطة منطقية فهو اعتراف ضمني بان الانسان قد عرف عنه شيء ما وهو انه لا يستطيع ان يعرفه، وكما قال هيجل ان تقييد العقل بالعقل كمن يحاول السباحة دون ان يدخل الماء. يعتقد سبنسر بمحدودية قدرة العقل بالوعي لكن لا محدوديته باللاوعي. اعتقد سبنسر بتطور العقل الانساني حيث مر بثلاث مراحل اولى التفسير الديني، والثانية التفسير الميتافيزيقي الماورائي, والثالثة التفسير العلمي الذي يعتمد على الملاحظة والتجربة وقانون العلة والمعلول.
بعد ان اعتمد سبينسر على العقل جاء نتشة (1844-1900م) ليضيف الى العقل القوة حيث اعتمد على القوة في احقاق الفكرة, حيث ان الافكار السخيفة صحيحة بالقوة وليس بالقدرة على الثبات امام النقد، قد يكون نتشة واقعيا عمليا اكثر مما يكون فيلسوفا من هذه الناحية، فالعقل والاخلاق هما سلاحان بيد القوة. يرى ان الانسان قد بالغ في تقديسه للعقل والادراك العقلي الذي هو ليس سوى عملية ثانوية لا لزوم لها وان الغريزة هي اعظم انواع الذكاء.
ظهر فيلسوف اخر وهو هنري برجسون (1859- 1941م) الذي يقول بان العقل ليس الاداة الصالحة لأدراك الحياة فهذا فوق مقدوره، وقد ميز بين العقل والمخ، فالمخ هو مجموعة من التصورات وردود الافعال، اما العقل فهو تلك القوة التي تختار من بين تلك المجموعة من التصورات ما يناسبها للبقاء وتحاول استعمال الوجود لصالحها بذلك برجسون فصل بين العقل والمخ فالماء في النهر خاضع لتعرجات النهر لكنه ليس النهر ذاته. الغاية من العقل والحواس تيسير الحياة لا تصوير الوجود. وضع برجسون البصيرة التي تتغلغل في دواخل الاشياء وتحسها احساساً مباشراً بدلاً للعقل الذي اسرف في الاعتداد به وهو بذلك مثل الذي يبدل اوهام الشباب بخرافات الطفولة.
بينما موقف بندتو كروتشه( 1866-1952م) من العقل اعاد له بعض الهيبة التي فقدها مع برجسون حيث يرى كروتشه ان العقل يسبق المادة وهو الحقيقة الاولى التي يصلها الانسان والحقيقة كلها عبارة عن فكر لا مادة. الفنان مثلا عند كروتشه يصبح فنانا بمجرد تكوينه للصورة الذهنية وان الجمال يرتبط بالصورة الداخلية اكثر منه بالصورة الخارجية، رغم ان الفكرة قد لا تكون سليمة حيث لا يمكن ان نعرف الصور الذهنية للكاتب او الرسام ليتم الحكم على جمال الكتابة الرسمة، فلا يصبح الانسان رساما بمجرد تكوينه للصورة الذهنية.
ربما اخر ما مر بنا هو برترند رسل (1872-1970 م) وموقفه العقلي والمنطقي من العقل ذاته حيث انه اعتبر تكوين العقل جزء من عملية بناء وليس هناك خيار غير الاعتماد عليه في نقده والرفع من شانه. ان العقل اليوم قد يكون حالة صوتيه من الخارج بحثا عن سكون الداخل مع برامج التواصل الاجتماعي ومعرفة ان هناك اختلافات وثقافات مختلفة اصبح العقل الانساني اكثر تمدننا لكن اكثر شعبوية في ذات الوقت واكثر عاطفية في التقييم.
المراحل الثلاث التي تخطاها العقل بدأً من مرحلة الديانات الى مرحلة الماورائية ثم العلم و اليوم دخلت مرحلة جديدة يمكن تسميتها بمرحلة الضوضاء الفكرية والشعبوية خصوصا مع تصاعد اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وبريطانيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي