الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات حول ثورة 11 فبراير 2011 اليمنية المُجهضة!

منذر علي

2020 / 2 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


هناك من فُجعوا بالنتائج التي أسفرت عنها الانتفاضة الشعبية العظيمة في 11فبراير 2011 في اليمن، فعمدوا إلى الخلط بين الثورة وبين إخفاقها ، وبين أهدافها المأمولة ، و آفاقها الممكنة، فتداخلت عليهم الأمور وتعقدتْ ، وتكونت لديهم رؤى سياسية مشوشة، واعتبروا الفشل هو النتيجة الحتمية للثورة أو مرادفاً لها ، وليست الأوضاع القائمة، الناتجة عن تسلط قوى الفساد في بنية الدولة ، وغياب الوضوح الفكري والبرامج السياسية والرؤى الإستراتيجية والهفوات التكتيكية، وأخطاء من نهضوا بالانتفاضة بدافع الحماس المنبثق عن الوجع التاريخي، ومن تأمروا عليها ، من الداخل والخارج.
و بتعبير آخر تكمن المعضلة في أنَّ الثوريين الأتقياء الذين قاموا بالثورة، لم يحسبوا للانقسامات المجتمعية: القبلية والطائفية والجهوية ، و لم يدركوا الأبعاد الموضوعية والذاتية للمعضلة السياسية القائمة، فأرادوا بالمعنى المجازي أنْ ينتقلوا فجأة من الرقص الشرقي إلى الرقص الغربي ، دون تأهيل، ودون المرور بمرحلة انتقالية ، و في جولة واحدة دون إعداد أو تمهيد. وهذا لا يعيبهم لأنَّ الثورة في جزء كبير منها ليست تخطيط هندسي بارد ، ولكنها غضب عظيم وعواطف جياشة وأحياناً أفعال غير محسوبة ، يلازمها التسرع و الأخطاء في الحسابات حتى لو كانت تسعى إلى غايات نبيلة ، ولنا عبرة في كومنة باريس ، The Paris Commune، سنة 1871، وثورة 1905 في روسيا القيصرية ، وفي غيرها من الانتفاضات الثورية عبر التاريخ. و هؤلاء الأبطال الذين أشعلوا فتيل الثورة لا بد وأنهم سيتعلمون من التجربة الفاشلة، ومن دروس التاريخ، وسيتجاوزون أوهامهم، وسيمارسون الرقص الثوري بمهارة في الجولات الثورية القادمة.
بالطبع هناك من أرادوا أنْ يحتكروا الرقص الأحمق لأنفسهم ، و مارسوا رقصة "البرع "، حول قصر الخلفية غير المأمون ، بغية الحصول على المأمول ، ولكنهم منعوا الغناء الثوري ، وحظروا التطلع صوب الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة، واعتبروا ذلك رجسًا من عمل الشيطان ، وبشروا بالخلافة ، كما عمل الشيخ الزنداني . وهؤلاء، بسبب تزمتهم و ضيق أفقهم ، كان عليهم أنْ يَغرِقوا الوطن في أنهار الدم قبل أنْ يتعلموا من دروس التاريخ، و هم لن يتعلموا بسهولة، أبدا.
وهناك من يمكن أنْ نسميهم بالذباب، ولكن ليس بالمعنى الذي قصده جون بول سارتر في مسرحيته المعروفة ، إذ لا شأن لهم بقضيتي الإرادة والحرية ، فهم متطفلون على الثورة ، وكانوا يبحثون عن مصالحهم. فهؤلاء ينتهزون الفرص السانحة أينما وُجدتْ، ويفدون على كل الموائد الدسمة. و قد و فدوا، بحذر، إلى مائدة الثورة، قادمين من منابع مختلفة، من السلطة ومن المعارضة، ومن الكيانات القبلية والطائفية وغيرها. وهؤلاء لا تعنيهم ثورات الشعوب، بقدر ما تشغلهم المناصب والمكاسب، المترتبة على التغير الثوري المرتقب. وهؤلاء لا يتعلمون من التاريخ، وأنْ تعلموا فأنَّ غايتهم الجوهرية تكون اكتساب المزيد من المهارة والمكر والدهاء في تحقيق مصالحهم في المرات القادمة.
غير أنَّ ثمة فريق آخر عمل بوعي محسوب بدقة وسعى لمساندة الثورة ، لغاياته الخاصة، التي ليس لها صلة بالأهداف الحقيقة لثورة الشعب. و بالتالي فأنهم اعتبروا ما أسفرت عنها الانتفاضة الشعبية هي الثورة ذاتها في أروع صورها ، التي تجلت في آخر المطاف في الوصول إلى السلطة في 21 سبتمبر 2014 ، وتجسيد "ولاية السيد على العبيد" ، أي الوجه الآخر للخلافة التي بشر بها الشيخ الزنداني . وكان ذلك هو بيت القصيد بالنسبة لهم.
وهناك، بالطبع ، الثوريون الحقيقيون ، الذين يدركون معنى الثورة وغاياتها ، ولكنهم محدودي العدد ، مجرد بقع مضيئة في سواد حالك يعم أرجاء الوطن . و فضلًا عن ذلك ، فهم مُقيَّدون من قبل أحزابهم ، ومحاصرون بالأوباش من كل صنف. ولا ريب أنَّ هؤلاء سيتعلمون من التجربة الثورية، وسيقيِّمون التجربة، وسيستعدون لجولات جديدة في المستقبل.
وفي نفس الوقت كان ثمة من خانوا الثورة بجهلهم، لأنهم عبَّروا عن غضبهم المكتوم ، وانفجروا ، وساروا دون قيادة ثورية ، طليعية مُرشدة للغضب ، وموجهة للفعل الثوري ، واعتبروا أنَّ إسقاط النظام، الكابوس الأسود، هو الغاية التي ليست بعدها غاية ، وبالتالي ليس هناك ما يتلوا إسقاط النظام الفاسد من غايات أخرى نبيلة. وهؤلاء "الأغرار الشرفاء" ، سيتعلمون، دون ريب ، من التجربة ، وسيتجاوزن إخفاقاتهم في الجولات الثورية القادمة.
وفي الأخير هناك القوى الإقليمية، وعلى وجه التحديد إيران والسعودية والإمارات وقطر، التي كانت تتربص بالأوضاع في الوطن، وترصد التناقضات،وتستغل التباينات ، وتهندس للوقيعة بين الأطراف المحلية المتنافسة على أسس قبلية وطائفية وجهوية ، و من ثم توجه أتباعها لتوسيع دائرة الصراعات وتروض العناصر المعارضة لتوجهاتها ، بغية الفتك بالوطن وقد نجحت ، بشكل متناغم في بين 2014- 2015، وغدا اليمن اليوم مُقسماً ، عبر الأدوات المحلية ،بين قوى النفوذ الخارجي .
وبالتالي فأنَّ علينا أنْ نتعلم من التجربة الثورية ، التي كانت مليئة بالمكر والتأمر والخداع والسذاجة ، بقدر ما كانت مفعمة بالنبل والبطولة الاستثنائية ، و علينا أنْ نتمسك بقوة بالغايات النبيلة للثورة ، ونحني رؤؤسنا إجلالًا على أرواح الشهداء الأبطال ، الذين عَبَّروا بشرف عن ضمير الشعب اليمني ، و علينا أنْ نحافظ على روح التفاؤل والأمل، ونستعد للجولة القادمة ، لكي نستعيد ثورتنا المجهضة ، ونصون وطننا المنكوب ، ونلملم شتات شعبنا المكروب ، ونوحد القوى الحية في جبهة وطنية عريضة لتحرير الوطن من قبضة قوى التخلف بوجهيها الداخلي والخارجي. وهذا هو الخيار الذي ليس له بديل له سوى الاستسلام لليأس والموت ، ولن نقبل بالاستسلام .
المجد لثورة 11 فبراير اليمنية المجيدة في ذكراها التاسعة ، والنصر للشعب اليمني العظيم، و كل عام وأنتم بخير!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في