الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلن عندن سيارة ..؟

سيمون خوري

2020 / 2 / 12
الادب والفن


هكذا دائماً يترك الزمن بصماته علينا ، دون إستئذان . وتتحول وجوهنا الى دفتر قراءة عتيق ، أشبه بأوراق بقال في حاراتنا القديمة . وتكشف التجاعيد ما قاساه جسدنا وذاكرتنا من هموم ومتاعب. ونكتشف فجأة أننا كبرنا فعلاُ ، خاصة مع الحضور المتفرد للإحفاد . الذين يوقظون في داخلنا ذاك الربيع الطفولي وعالم الفراشات ، الذي خسرناه نحن الكبار مع الزحف الصحراوي لزمن أغبر
ترى ماذا لو افتراضنا جدلاً ، أن الزمن عاد بنا الى مرحلة الطفولة اليانعة او سنوات المراهقة ، ترى هل سنعيد رسم ذات الاحلام ..؟! بالنسبة لي لا أود تكرار تجربة طفولتي مرة اخرى . لأن أولاد الفقراء بلا طفولة. كانت أحزاني تسافر، وتبحث عن غصن قبل وصولي كجسد.
بيد أني أتمنى الأن أن أستلقى مرة أخرى فوق العشب و اتدحرج ككرة من الثياب القديمة تعبت من اقدامنا في تلك البراري المحاذية لمخيمنا . وأراقب كيف تتدافع الغيوم ، مثل أطفال صغار بعد إنتهاء الدرس . أو أن اصرخ بكل ما أوتيت من صوت ... أه ... أه ، تعبيراً عن ألمي وربما غضبي . اتمنى أن تستعيد ذاكرتي المتعبة أصوات كل أحبتي الذين رحلوا الى عالم اخر . وأن ابكي بحرقة كم هو مؤلم أن تخسر بعض أصدقاءك .. ومؤلم اكثر عندما لا تملك صور البعض الأخر . هكذا الزمن أشبه بممحاة قديمة من أيام الدراسة الإبتدائية . نسينا حتى أسماء من تبقى من الأهل في أوطاننا السابقة . ونثرثر ونثرثر..
وانا أيضا بدوري أثرثر لطرد عزلة الزمن ومحراثة القديم فوق وجهي ، الذي يحرث في خصلات شعري وما تبقى من سواد . منذ ايام قالت لي رفيقة العمر، شو القصة الشيب يزحف سريعاً ، إبتسمت قائلاً لقد شاب عمرنا قبل رأسنا . تذكرت أغنيتنا العراقية المحببة لناظم الغزالي " عيرتني بالشيب ".. لا بأس لم تعد لدينا أحلام من الوزن الثقيل .. يكفيني أحلام الأحفاد الصغار الخفيفة .
حفيدتي " ضناي " تغني لي على التلفون .. جدو اسمع ..
" كلن عندن سيارة وجدو عندو حمار " وتضحك قهقه ..قهقه.
أما " سيمون " ايضا على التلفون " أخ .. يا جدو تعبت كل يوم مدرسة..شو هالحالة ؟؟
وأسال سارة ... ياسارة أنت مين بتحبي .. جدو أم الشيكولاته ؟
أجابت بعفوية ..طبعا الشيكولاته لأني بأكلها.. أما جدو .. وسكتت ؟ وفهمت بدوري الإجابة .
اما احفادي الذكور، تتوزع اهتماماتهم بين التكنولوجيا والرياضة. غريب أمر هذا ال" د ن ي ".
علاقتي مع حفيداتي الإناث أفضل من الذكور ... أقص عليهم قصة " أبو الحصين " والديك الفصيح .. وقصة بابور الكاز القديم ، وكيف كنا نسخن الماء للإستحمام . أو كيف كنا نربط الصرصور الطيار من قدمة بخيط ونطير معه فرحاً .. وأضحك لوحدي قبل أن يضحكوا ...
يسعدني ضحكاتهم البريئة ، وصياحهم الطفولي وغضبهم الجميل .
ترى هل هناك وسيلة ما تحول او تمنع تقدمنا في العمر ..؟ !هل يوجد عقار " صيني " يمتلك سر الخلود.
ترى هل أخطأ " بروميثوس " حين علم الإنسان سر النار المقدسة ، أم أن " الغراب " هو الذي أخطأ حين علم الإنسان كيف يخفي جريمته..؟
لا أدري ..؟ ربما سيمضي زمن طويل ونحن نثرثر حول كيفية الحفاظ على أرثنا العمري . والعالم يتغير من حولنا . حتى خلايانا هرمت .
فلا الناس عادوا كما كانوا، ولا البحر عاد كما كان . وحصلت الكلمات على حق " اللجوء " في مدن تنتظر الشمس بالقطارة . فيما تفتح دوائر الخوف من المستقبل ، أبواب كافة التساؤلات حول المصير الذي ينتظر إنساننا الراهن . وكيف يمكن أن نحتفظ بإنسانيتنا في عصر تحكمه التكنولوجيا ؟ وتحاول صياغة إنسانية حسب شروطها وسوق العرض والطلب. ومع ذلك نواصل البحث عن مبررات تفسر فشلنا ، كنوع من خداع الذات ، بأننا لا نتحمل مسؤولية ما آلت اليه حالة أوضاعنا الراهنة ؟.
والسؤال هنا هل فعلاً هناك حضارة معاصرة .. وما هي سماتها ؟؟
العالم يعيش حالة مخاض كونية كبرى ، أو حالة فراغ إنتقالية . نشهد فية عصر النهايات الكبرى . ما بعد الماركسية وما بعد العقائد الدينية وما بعد القوميات . عالم تلاشت فيه حدود " الغربة " سواء أكنت في وطنك الأم أو في الوطن البديل . عالم يجري فيه البحث عن " المواطن الملائم " كما إختارت " ألمانيا " أو كندا وبلدان اخرى، نوعية المهاجرين اليها لمرحلة تكيف جديدة . وفق منظومة ذهنية جديدة . تتلائم مع
عصر المنعطفات الحادة . حيث إبتلع" فيروس العولمة " كل الأنسجة الإنسانية لمجتمعات العالم قاطبة . وتحولت وسائل الإعلام الى آداة بيد السلطة في التضليل الإعلامي ، والتلاعب بالرأي العام . وعلى راي الفيلسوف اليوناني الراحل " كاستوريادس " كلنا على خطأ ...." فقط السلطة على حق . السلطة باشكالها التكنولوجية الجديدة . التي أدت الى مزيد من التلوث البيئي والفقر والبطالة . وحروب لا تنتهي ، وعقائد دينية تمارس إستبدادها. توظف لخدمة ميكانيزم العولمة الجديد .
الذي قاد ويقود نحو مزيد من الإنهيار، لكافة القيم الإنسانية الجميلة . فالبعض يبحث عن " هرمجدونة " والبعض الأخر عن موعد " يوم القيامة " . فيما تهدم أسوار كافة الأوطان ، وتستباح من قطب واحد بعقد نكاح متعدد البلدان.
الى أين يمضي إنساننا الراهن ..هل نطلب حلاً من أؤلئك الذين كانوا سبباً في صنع أزمة الإنسان المعاصر؟ أم نراهن على الأجيال القادمة في عملية تغيير حقيقية لمعنى الوجود الإنساني ..؟!
لا ادري ..؟ في داخلي خوف مزمن ورعب ، من تنامي ثقافة الفواجع ، والهروب نحو الماضي . وخوف من نتائج صراع البشر ضد الطبيعة والبيئة. وألأوبئة الأخيرة ، ربما تبرر قلقي المزمن و قلق اعداد هائلة من البشر.
لم تعد هناك سماء لا زرقاء ولا صفراء ، الهواء النقى سيوزع بالبطاقة التموينية . اختفى التواصل الإنساني السابق . وجرى إستبداله برسالة على الجهاز المحمول . كما لم يعد " ساعي البريد يطرق الباب مرتين " الذي لعب فيه الممثل جاك نيكسلون دوراً متألقاً .انقرض عصر " كوداك " وقلم" باركر " وولاعة رونسون ". وربما قد نشهد أوتشهد الأجيال القادمه عصر " نانو " إنسان . عالم تكنولوجي سريع التغيير . ومجتمعات متخيلة من بشر لم تتقابل مع بعضها البعض سوى على مواقع التواصل الإجتماعي . وعملياً معظمنا يعيش حالة مشابه لهذا النوع من العالم الإفتراضي . فلان صديقي على النت ، الا يستخدم بعضنا هذا التوصيف؟!
يحضرني هنا قصة الكاتب الإيراني الأصل " أصفندياري " الذي إستبدل إسمه الحقيقي بأخر يتلائم مع العصر التكنولوجي قبل عشرون عاماً.
FM – 2030
هذا إسمه الجديد . معتقداً أن ذلك يتماشى مع روح العصر القادم .... خاصة أن الأسماء القديمة محملة بروائح الماضي ، وجغرافية الزمان والمكان معاً. .. ربما ؟؟ . فلا احد إختار إسمه ، أو ديانته أو لونه ، ولا حتى مكان ولادته .هكذا تفكير ينطبق الان على المهاجرين واللاجئين . الباحثين عن سماء جديدة ، بعد أن فقد كل منهم مشروعه الخاص، وتوقف عن مجاراة الخيول الرابحة في هذه الحياة التي إبتلع فيها العراء الواسع الانسان وحوله الى مجرد رقم في إحصائيات سجلات الهجرة الدولية، ومركز الإحتجاز. وهناك حتى الأشجار تحولت الى حراس لخيم المهاجرين المتناثرة .
إنها مرحلة جديدة لشتات عالمي ، يتجاوز فيها البشر مفهوم القوميات .هجرات عابرة للقارات .
ثم ماذا بعد ..؟!
حياة جديدة وتجربة واقعية جديدة . والكل ينتظر قدرة خارج الحدود . والسماء السابقة أصبحت بعيدة جداً. حتى الأمكنة تحولت بعد رحيل أصحابها وعصافيرهم ، الى خرائب ومدن أشباح .
" وبنيلوبي " لم تعد تنتظر " اوديساس " فقد غرق في البحر ؟ ورحلت هي بطائرة ورقية تجوب المحيط باحثة عن وطن جديد . خال من جنون البقر والبشر.
. وثم ننتظر تقديم الدولة لنا الحلوى بعد الموت .إنه عالم يقدم فيه الجلاد العزاء للضحية .
شخصياً سأنتظر في ما تبقى لي من زمن ، كما الشاعر الأمريكي " لورانس فرلينجيني " .. ما زلت أنتظر عصراً يشهد القلق فيه مصرعة ونهايته "
ميلاد وعي جديد بقيمة الإنسان . لا أملك خياراً أخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القاعدة الثابتة
ماجدة منصور ( 2020 / 2 / 14 - 04:07 )
القاعدة الثابتة التي أدركها جيدا...هي التغير0
شخصيا أراقب روعة التغير و دهشة الجديد....كالأطفال تماما0
ما زلت قادرة على التعلم كالأطفال بالضبط رغم الشيب اللعين الذي إبتدأت بمصادقته مؤخرا0
صرت عم صاحب حالي المتغير و كأني حدا...تاني0
يا ساتر..إستر
تحياتي استاذ

اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج