الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور (2 )

خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)

2020 / 2 / 13
الادب والفن


يأتى على الفنانون خلال مرحلة ما من حياتهم اوقاتا تطول او تقصر من الخوف من اضمحلال قواهم الابداعية، فكثرا ما تعترض الفنان اوقات يكون خلالها عاجزا عن الابداع ويشعر وقتها ان كل شيىء فى نظره اصبح صامتا
وتصبح ادواته الفنيه من نغم او ريشه او قلم جافية وكسولة ، وكأن لم يكن بينه وبينها الفة وطول صحبة
وكثيرا ما يستسلم الفنان لهذا الخاطر وخاصة بعد فورة الشباب الاولى فيقطع ما بينه وبين الفن
وما يجعل الشاعر يستمر هو ان يهتدى الى منابع جديدة للالهام الشعرى تتجاوز صورته العاطفية الاولى الى افاق جديدة من رؤية الحياة والانسان بعامة
ومثال ذلك فى اقطاب الشعر الحديث فى عصرنا بريخت ، اليوت ، ارجون وغيرهم على اختلاف زوايا الرؤية التى يتبعونها
ولعل صمتا جليلا مثل صوت رامبوا فى اواخر القرن الماضى كان مرده ان الناراللاهبة قد خمدت ولم تستطع النار الهادئة ان تنضج الشاعر الدؤوب
وعلاقة الشعر بالفكر عند نقادنا القدامى غائبة حتى ان بعضهم يخرج المعرى العظيم عن دائرة الشعر لميله للفكر
وعلاقة الشاعر بالفكر لاتنبع من ادراكه لبعض القضايا الفكرية بل من اتخاذه موقفا حياتيا من هذه القضايا فيما يكتبه ، لان الشاعر انسان اولا وهو بهذه الصفة يعيش وينفعل ويفكر ويعمل
فالشاعر يتمثل افكاره لتتحول فى نفسه الى رؤى وصور كما يتمثل النبات ضوء الشمس ليحوله الى خضرة مظللة وزاهية
ويتسائل الكاتب هل يمكن فصل اللون عن الرائحة فى زهرة ؟
وربما كان منبع قضية الذاتية او الموضوعية هو بتصور بعض النقاد ان الشاعر يعبر عن الحياة فحسب ، او على التجاوز يعبر عن نفسه وعن الحياة ، فهو اذا عبر عن نفسه شاعر ذاتى ، بينما هو شاعر موضوعى اذا عبر عن الحياة
وهذه القسمة الثنائية هى افة الافات فى المقاييس النقدية ، حين تقيم تضاد بين العقل والحس وبين الروح والمادة وبين الانسان والكون
على ان كل هذه المضادة لاتقوم الا فى الذهن الشكلى فقط ، فلا احد يعلم اين ينتهى العقل او يبدأ الحس ، ولا احد يستطيع حتى الان ان يفرق بين عوالم المادة وعوالم الروح، والانسان والكون موجودان متلازمان فليس الكون الا صورته النهائية مشكله فى اللغة الانسانية
وقد ذهب ناقد شهير هو بينوتو كروتشيه الى انكار ان يكون فى الحياة او الطبيعة اى جمال
فما الحب لولا حديث الشعراء المحبين مثل دانتى والمجنون ، وما الوجد لولا تأملات الصوفية فيه ، وما الغيرة لولا عطيل ، وما الجنون لولا هاملت وما التشاؤم لولا ابى العلاء
والشاعر حين يبدأ حياته الشعرية عادة يكون اقرب الى الذاتية وربما كان جنوحى للذاتية فى بدايتى اننى ولدت بين صفحات المنفلوطى، وجبران خليل جبران
وبكيت مع سيراتو دى برجراك وماجدولين وانا فى العاشرة من عمرى ، ولا زلت اذكر هيئتى بجلبابى وخفى بضم الخاء ( حذاء خفيف ) وانا انزوى فى ركن صغير من فضاء مهمل وراء بيتنا فى الزقازيق التهم ما يلقنه سيراتو دى برجراك لغريمه من بديع القول
وقد ظل المنفلوطى معبودى حتى تعرفت على جبران خليل جبران فى الارواح المتمردة فبكيت مع سلمى، وحين اقول بكيت لا اتحدث بالمجاز ، بل اعنى اننى كنت اجهش بالبكاء فى وحدتى
وقادنى جبران الى قراءة كتاب ميخائيل نعيمة عنه ومن هذا السبيل دخلت فى سن الخامسة عشرة الى عالم غريب مفزع هو عالم نيتشه
وكنت اعتقد ان نيتشه هو الاب الروحى للنازية ، ولكنى كنت اكذب الخبر ، كما تكذب شائعة مريبة عن صديق حميم ، حتى صدق حدثى عندما قرأت ترجمة حديثة لكتاب هكذا تكلم زرادشت تدفع عن نيتشه تهمة الابوة الروحية للنازية والعنصرية تلك هى ترجمة هولنجديل الصادرة فى عام 1961
وعندما وقفت على عتبة عامى الخامس عشر كنت قد امضيت عامين قادرا على نظم الشعر الموزون
وكان فرحى غامرا فالشعر سيد الكلام وانا شاعر ، وهذا يصيب الانسان باحساس المغايرة والتميز عن اقرانه وانداده، فهو يقدر على ما لا يقدرون
وهذا الاحساس بالتميز يثقل القلب ويدفع الى الوحدة وانا اتحدث عن ظنى فى هذا الوقت
انتقلت بعد ذلك من المدينة الصغيرة الى العاصمة القاهرة ومن المدرسة الثانوية الى الجامعة وتوقفت عاما كاملا عن نظم الشعر فى اواخر عام 1949 ، لم اخط حرفا واحدا وفزعت كثيرا لهذا التوقف ، وشعرت اننى لا استطيع ان اسطر حرفا واحدا فقد عبرت عن هموم حياتى كلها من حب واخفاق ومخاوف
كانت فترة عصيبة وقد حاولت كتابة القصة القصيرة ربما مجاراة لاصدقائى عبد الرحمن فهمى وفاروق خورشيد واحمد كمال ذكى وعبد الغفار مكاوى ، ثم عدت الى الشعر فى اوائل 1951 بمقطعة فيها اثار المرحلة السيرياليه
اسير فى طريق
قفر من الرفيق
الوك لحن لوعة
ممزق العروق
اما القصيدة فكانت بعنوان انعتاق ، كانت صرخة غاضبة يائسة تعبر عن فجيعتى فى كل ما ادخرته من ذاد وردى وتشوف الى افق جديد ----- ما هو هذا الافق الجديد لست ادرى؟
توقفت بعد تلك الوقفة وقفة صغيرة ، لانطلق بعد ذلك وقد تخرجت من الجامعة وعملت واصبحت رقما فى بطاقات المعاشات والمرتبات
وبدأت اعرف الحياة بحق ، وسألت نفسى عندئذ اسئلة كان على ان اعرف اجاباتها او اكف عن الشعر؟
ما جدوى الحياة ؟ ما جدوى الحب ؟ ما جدوى الفن ؟
والى مقال قادم نستكمل فيه فصول الكتاب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل