الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


للواقع وجهة أخرى

مزهر جبر الساعدي

2020 / 2 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


صحى. لكنه لم يزل.. سمعت الجملة التى لم تكتمل، كأنها قادمة من مكان بعيد؛ كان الصوت الذي بثها، فيه، الكثير من الرقة والدفء، صوت انثوي، شجي. ثمة اصوات اخرى في المكان، بدت لي غير واضحة بالمرة، لكنها سرعان ما اختفت وعم المكان سكون من الرهبة والخوف والترقب. في رأسي، تدوي الكثير من الاصوات مع مشاهد صوتية، كثيرة ومتناقضة لايربطها رابط، تتدافع في مسامعي مع القليل من المشاهد الصورية، مشوشة على اشد ما يكون عليه، التشويش.. خرجت من غرفة الأساتذة التى لم يكن فيها غيري، أذ، لم يحضر البقية في هذا اليوم، الوقت كان قد اقترب من الساعة الحادية عشر ظهرا او ان الوقت كان قريبا من الظهر، ساعة يدي، تشير الى هذا الوقت؛ لم أتفجأ بالسكون والهدوء، منذ بدأت التظاهرات والكلية يسود فيها السكون والصمت، كان كل شيء هادئا جدا، ممرات الكلية شبه فارغة إلا من بعض الطلبة هنا وهناك، وكذلك الحدائق الصغيرة المنتشرة بين الممرات، على غير ما كانت عليه، من الضجيج التى تحدثه حركات الطلاب والطلبات وحوارتهم، في مثل هذا الوقت من كل صباح، قبل أيام.وأنا امر، بعد أن خرجت من غرفة الاساتذة، من امام باب الكافتريا من غير ان ألتفت إليها او الى بابها، لأني كنت على يقين من ان لا أحد فيها، في هذا الوقت كما هو وضعها، الذي صارت عليه، منذ ايام.: أستاذ مصطفى. فوجئت بصوت دكتور وسام، صديقي، يناديني. كان يقف على عتبة باب الكافتريا،عندما عبرته ولم أنتبه له أو لم ألتفت إليه، أصلاً.: حالته غير ميؤس منها........لن حاو ل م رة أخر..ى....... عاد الصوت الشجي مرة أخرى، يرن في أذاني، لم تكن الجملة واضحة كما كانت عليها، الجملة السابقة. كان الصوت كما الطنين الماتع لفراشة طائرة أو مجموعة من الفراشات، تحلق بالقرب من رأسي، كان الطنين يعود ومن ثم يختفي بسرعة. بغتة كما الحمامة التى قذفت بها الرياح العاصفة، كنت قد ارتفعت الى الاعلى، لم ابصر اي شيء سوى، بعد برهة، رأيت أعمدة من نار ودخان، تتصاعد وتلتف من حولي. وصوت استاذ وسام؛ يلومني على عدم الانتباه له، حين بدأ يشرح لي الوضع من وجهة نظر علم الاجتماع السياسي: عندما افكك الوضع الذي وصل إليه، الوطن، أخذ في الاعتبار جميع معايير علم الاجتماع السياسي أو الاسس العلمية التى يقوم عليها الربط بين المجتمع وما ينتج من سياسة او سياسيين وبين علم السياسة، في أحايين كثيرة؛ يتكفل السياسيون وبرامجهم في أعادة صياغة المجتمع، صياغة قهرية، تتناقض كليا مع طبيعة المجتمع وما تحَصل عليه، عبر عقود، من تطوير وتنوير.لايمكن لظرف الواقع، أن يأتي من فراغ، لابد في هذه الحالة من عوامل وعناصر فاعلة ولها تأثير في صيرورة ظرف الواقع هذا، مع هذا، لايمثل هذا الواقع؛ الحقيقة التى تظل قوية وفاعلة، تحت سطح الاحداث وصيرورتها، للحقيقة صيرورة متناقضة تماما مع صيرورة ظل ظرف الواقع هذا، في الحركة والفكرة وبوصلة الاتجاه. لذا، ما أن يضعف ويتفكك السطح الذي يتحرك عليه، ظرف الواقع الذي تخادم ويتخادم مع عناصر وعوامل كينونته مع الحوامل الوضعية المجتمعية، سالفة الذكر..من هذا المدخل بالامكان فهم وتفكيك، الحراك الشعبي في البلد، حراك، لم يحدث، عبر عقود مديدة، ما يماثله، بالمطلق.: شفتاه تتحركان..سمعت هذا الصوت الرقيق، رقيق بافراط، رقيق حد الدهشة. المؤسف قلت مع نفسي تقول جملة واحدة غير مكتملة ومن ثم تصمت صمتا تاما.وددت ان اسائل نفسي عن السبب، لكني لم اتمكن من أن أسألني، فقد مسكني من كتفي، صديقي، دكتور وسام، عندما خرجنا من البوابة الواسعة للكلية، سرنا معا الى سيارته المركونة بالقرب من البوابة، وهو يقول: لنذهب الى ساحة التحرير.في نيتي اعداد دراسة عن التظاهرات،عليه تراني أذهب إليها باستمرار كي اقف على حقيقتها حتى تكون دراستي عنها واقعية وموضوعية وعلمية في آن واحد.لذا تراني ادون ملاحظاتي عنها وأنا في ميدانها..لاأزال معلق في الفضاء بين الدخان والنار. لم ابصراي شيء، جميع الاشياء والمعالم اختفت من امامي ولم يعد فيها، غير الاصوات التى اسمعها بين الفينة والفينة، الصوت الوحيد الذي ظل راسخا وثابتا؛ هو دوي الانفجار الذي حتى هذه اللحظة التى أنا فيها اسبح في السماء بين فتائل النار وسحب الدخان. حين وضع صديقي رزمة الاوراق والقلم والهاتف الجوال في حقيبته، قال لي: لنذهب الآن. أنصت بقوة وبكل ما في مسامعي من تركيز على ساحة الجلجلة وما يصطخب فيها من هتاف.. من المؤسف أني على الرغم من تركيزي على الاصوات، لم اسمع ما تقول بوضوح، ربما السبب هو اختلاط مخارج الاصوات مع أخرى غيرها، أكثر صخبا منها. قلت مع نفسي. الصوتان الوحيدان اللذان كانا واضحان هما؛ صوت المرأة الرقيق، كنسمة ربيع، وصوت صديقي: أغلق الباب، الباب لم يغلق..فتحته ومن ثم أغلقته بقوة. ما أن أدار صديقي محرك التشغيل، حلقت بي أجنحة السعير الى السماء العميقة. في مكاني المعلق في الفضاء، لم أر صديقي، ولم أر اي شيء سوى، طنين الاصوات كأنها ناطة من قاع بئر شديد الظلام، أو أنها صاعدة نحوي من العمق السحيق لقعر جب.: دكتورة هيفاء، سوف يبقى على هذه الحالة ربما ساعات وربما ايام وربما أسابيع وربما اشهر وربما أكثر..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح