الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة إلى - ثوار- ليبيا

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2020 / 2 / 16
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


رسالة إلى "ثوار" ليبيا بمناسبة العيد التاسع للكارثة
تجربة ما يسمى الثورة الليبية أو ثورة فبراير، تبقى خير مثال لتوضيح هذه الهوة الفاصلة بين مطالب الشعب الحقيقية، وبين مطالب البرجوازية التي تصبوا للوصول إلى الحكم عن طريق وبواسطة إستغلال عذاب وأصوات المواطنين. ليبيا دولة كبيرة المساحة قليلة السكان وغنية بالبترول والغاز، استولى عليها ملازم في الجيش سنة 1969 بواسطة إنقلاب عسكري منسوخ عن إنقلاب عبد الناصر في مصر قبل ذلك بعشر سنوات. الملازم الصغير أصبح عقيدا وبدأ في تنفيذ مشروعه السياسي، والذي قدمه كخلاص للشعب الليبي من الحكم الملكي الذي وضعه الإستعمار الإنجليزي وصيا على الشعب وللمحافظة على مصالحه الإقتصادية والسياسية في البلاد في بداية الخمسينات. أغلبية الشعب الليبي تقبل بل ورحب بهذا التغيير المفاجيء وبلغة السلطة الجديدة وتوجهاتها الوطنية، قومية وإسلامية وتقدمية وضد الإمبريالية في نفس الوقت، الشريحة الأمازيغية ربما كانت الوحيدة التي قابلت هذا البرنامج بالشك في نواياه الوطنية. وبعد عدة سنوات من ممارسة السلطة، تخلص العقيد من زملاءه واحدا واحدا وبدأ فترة من الحكم الفردي المطلق، ثم أصبحت السلطة له ولقبيلته وعائلته وأولاده، وهو تطور طبيعي لحكم مطلق خلال أربعين عاما. أغلبية الشعب الليبي تعايشت مع النظام، القلة رفضت هذه السلطة بالقول والسلاح، فهاجر من هاجر، وقتل من قتل، شنقا أو رميا بالرصاص، والمئات وجدوا أنفسهم في غياهب السجون تحت التعذيب والإغتيال والإختفاء والإعدام، وقلة أخرى اختارت التعاون مع النظام واستغلاله لمصالحها الخاصة، أما أغلبية الشعب الليبي فقد تعايش مع النظام بطريقة أوتوماتيكية مثلما هو حال كل الأغلبيات الصامتة. أستمر الوضع هكذا أربعين عاما، حتى اليوم الذي قررت فيه هذه الأغلبية الصامتة بأن هدنة الصمت والصبر قد انتهت وبأنه قد حان الوقت للتغيير وزحزحة هذه المصيبة من فوق صدورهم، كما فعل من قبلهم الشعب في تونس ومصر. فخرج البعض في تظاهرات شعبية مسالمة، ونتيجة للقمع الشرس الذي مارسته قوى السلطة، أختار البعض الآخر حمل السلاح، بينما مئات الآلاف من المواطنين خرجوا لاجئين إلى مصر وتونس لحماية عائلاتهم وأطفالهم من همجية الحرب، ناهيك عن العمال المهاجرين، ما يقارب المليوني عامل من مصر وتونس وأفريقيا وآسيا، اضطروا للهروب بجلودهم والرجوع إلى بلدانهم بعد أن فقدوا أعمالهم وممتلكاتهم نتيجة لتوقف الإقتصاد الليبي والذي ما زال متوقفا حتى الآن، ونتيجة للعنف والعنصرية الذي تعرضوا له في هذه المرحلة. فالثورة المسالمة سرعان ما تحولت إلى حرب مسلحة، ذلك أنه في نفس الوقت دخل في السيناريو عامل جديد هو "ثوار الفنادق"، معارضوا العقيد أصحاب الجنسيات والحسابات المصرفية المتعددة، والذين كانوا يمارسون الثورة من خلال شاشات التلفزيون القطرية والسعودية والفرنسية وغيرها، وطلبوا مساندة أمريكا وفرنسا وبريطانيا ثم حلف الناتو لمساعدتهم في التخلص من هذا الطاغية ليحلوا محله. وقد نجحوا في نهاية الأمر، بمساعدة طائرات الناتو وبمساندة السعودية وقطر من الوصول إلى السلطة والتحكم في المجلس الوطني والحكومة وفي مصير البلاد. وهي اليوم في صراع مفتوح مع الميليشيات الوهابية التي تتحكم عسكريا وأمنيا في قطاع واسع من البلاد وترفض تسليم أسلحتها بدون مقابل وبدون ضمانات للمشاركة في كعكة السلطة. خلافا للإنتفاضة التونسية والمصرية واليمنية، الشعب الليبي لم يكن "الخبز" همه الأول أو السبب الرئيسي لغضبه، رغم وجود طبقة فقيرة واسعة لم تصلها مليارات البترول، الهم الرئيسي لليبيين كان التخلص من النظام البوليسي القمعي الذي كان يمنعهم من التنفس، الشعب الليبي ثار ضد "الخوف" وسياسة التخويف التي كان يمارسها النظام على جميع المستويات، وأيضا ضد الفساد العام والرشوة ونهب ثروة البلاد والفوضى العامة في جميع قطاعات الحياة وغياب الخدمات الأساسية من الصحة والتعليم والثقافة والمواصلات .. إلخ. واليوم، وبعد تسعة أعوام من عمر الإنتفاضة الليبية، لا بد أن نتسائل ما الذي تحقق من مطالب الشعب الليبي؟ لا شيء .. لا شيء على الإطلاق من المطالب الأساسية، رغم تحقق ما يسمونه "الديموقراطية" والإنتخابات "النزيهة" ووجود مجلس وطني وبرلمانين وحكومتين "شرعييتين"، متناسين أن الشرعية الوحيدة التي لا خلاف عليها لا تأتي إلا من تحقيق هذه المطالب ذاتها التي دفع ثمنها بالدماء آلاف الشباب والرجال والنساء. ولكن "الديموقراطية" كلمة سحرية يمكنها أن تغطي كل الأكاذيب والمشاريع المشبوهة، ويمكنها أن تحول الجحيم إلى جنة تجري من تحتها الأنهار. الإنسان الليبي تخلص اليوم من الكابوس الذي دام أربعين عاما، نهض على قدميه ونفض الغبار من على جسده ومسح الدماء وضمد جراحه، وتنفس عميقا هواء نقيا خاليا من الخوف، وأراد أن يستريح للحظة ويفكر ماذا سيفعل في الأيام القادمة، فهو ما يزال تحت تأثير الصدمة التاريخية، لا يعرف أين هو ولا يعرف بعد الشرق من الغرب ولا الشمال من الجنوب، غير أنه قبل أن يفيق من دهشته، ها هي قبائل الضباع والتماسيح والذئاب، تمسك بيده وتقوده وهو ما يزال يترنح إلى مسرحية جديدة.
في سنة ٢٠١٣، أي منذ سبع سنوات كنا "نعتقد بأن الشعب الليبي لن يبقى متفرجا لفترة طويلة، ليس لأنه لا يحب المسرح، ولكن لسوء النص ورداءة الممثلين". للأسف الشديد، الشعب الليبي منذ تسعة سنوات بقي متفرجا على جثة بلاده تنهشها الكلاب والضباع، ورغم سوء النص ورداءة الممثلين، فالمسرحية مستمرة، فصول وحلقات جديدة لنفس المسلسل الممل، ونواصل التفرج على الفضيحة، التفرج على العمال يباعون بالمزاد كالعبيد، ويموتون من العطش في الصحراء، او من التعذيب في السجون، أو غرقا، تلفظهم الأمواج على شواطيء المدن الموبوءة بالمال والبترول، والليبيون يعيشون في الظلام كل ليلة كالخفافيش لإنقطاع الكهرباء يوميا لساعات غير محددة ..
فصل جديد من المسرحية:
الإنتاج الوحيد الذي يمكن أن تنتجه الجيوش النظامية والمؤسسات العسكرية عموما هو أكوام الجثت والحرائق والخرائب والأشلاء، الجيوش لا يمكنها أن تنتج أي شيئ آخر عدا الدمار .. هذه هي وظيفتها الأساسية مصنع للجثت، "العسكري المفيد" للمجتمع هو مثل الماء الجاف أو الحديد الخشبي، إستحالة منطقية. أما الجيش الليبي فإنه قد تمكن من خلق شيئ جديد - أليس من ليبيا دائما يأتي الجديد - وهو ما سمي بتنظيم الضباط الأحرار والفاتح من سبتمبر والنظرية العالمية الثالثة ومعمر القذافي - والذي لم يكن في حقيقة الأمر سوى نسخة باهتة الألوان لمن سبقه من الإنقلابيين والحكام العسكر. ترقى الكولونيل إلى عقيد ثم قائد ثم منظر إلى أن أصبح ملك الملوك، عاث في البلاد فسادا، روع ليبيا وأدخل الرعب والخوف في قلوب الليبيين لمدة تتجاوز الأربعين عاما. وأعتقدنا بأنه مات ودفن في مكان مجهول وأن الشعب الليبي قد تخلص من الكابوس ومن الحكم العسكري إلى الأبد ويمكنه أن يرفع رأسه ويتنفس الهواء النقي. ولكن اليقظة لم تكن إلا كابوسا آخر أشد قسوة وأشد مرارة، ها هو الجيش الليبي المغوار يعود ثانية لابسا جلبابا سعوديا هذه المرة باسم "الجيش العربي الليبي"، والكولونيل المغتال يعود ممسوخا في جبة جنرال متقاعد متعطش للسلطة والمجد والدماء والإنتقام .. تخلص الشعب الليبي من "القائد"، وها هو شبحه يعود بعد الترقية في صورة "القائد الأعلى". هذا الكابوس يمثل نصف الصورة فقط، فبالإضافة إلى الجيش العربي الحفتري الشجاع، هناك جيش آخر ينافسه ويمكن تسميته بالجيش العربي الإخواني الإسلامي يتكون من كل من هب ودب من الصعاليك واللصوص وأبناء الشعب الأمي الفقير، عشرات ومئات الكتائب ذات المرجعية السلفية تعيث في البلاد فسادا وتبث الرعب والخوف والفوضى في حياة المواطنين .. للأسف الثورة ليست تغيير الوجوه والأسماء والرتب، الثورة ليست إستبدال الأشخاص أو الأنظمة والحكومات والأحزاب .. الثورة لابد أن تحدث في العقول أولا .. ولكن العقول غابت، أختفت وتبخرت .. لم يبق سوى المعدة والمصارين .. الطريق للحرية ما تزال طويلة، والطريق إلى العدالة أكثر طولا، أطول من الطريق إلى جالو كما يقول الشيخ المرحوم .. والنفق المظلم أمامنا وليس ورائنا .. ويبدو المستقبل معتما ومغلقا بالشمع الأحمر، وليس معونة الله ولا يهوة ولا المسيح ولا حتى زيوس وآلهة الإغريق مجتمعة تكفي لزحزحة هذه الصخرة فوق صدر ليبيا المنكوبة. وكل عام وأنتم بخير-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي