الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب بين قرطاج وباردو هل تقع ؟

فريد العليبي

2020 / 2 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


بين بــاردو وقرطاج صراع في تونس اليوم ، لا أحد بإمكانه انكار ذلك ، طيلة سنوات كان هذا في عداد المـــحرمات ، فمع بورقيبة وبن على كان لقصر قرطاج الكلمة العليا والأمر الحاسم وما عد ا ذلك فواصل ، فالقــصبة تابعة وباردو خادمة . ويعود للانتفاضة فضل الفصل بين تلك القصور وبالتالي السلطات ، وإن ظاهريا على الأقل ، بما يذكر بحلم الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو في كتابه روح القوانين ، حتى أن تلك القصور أصبحت تتنافس في التودد الى الشعب ، ولكن دون حصاد يذكر .
كان من حصيلة الانتخابات الأخيرة وجود رئيس يقول إنه يريد ما الشعب يريد ، وأنه سيحقق بالدولة له ما يبتغيه ، وبدا أن ما يريده يشبه المستحيل من حيث إنجازه ، فلا شيء يملكه حتى الآن يمكنه من تحقيق حلمه فالآليات الدستورية التي قال إنه ملتزم بها لا تمكنه من انجاز ذلك المستحيل .
وهنا برز صراع السلطات ، يمكن للرئيس أن يحلم بما يريد ، تقول باردو في سرها ولكنه لن يقدر عليه وهنا مقتله فالقدرة تعوزه ، لقد حاز على ثقة أغلب الناخبين ، ولكن ما الفائدة اذا كان الدستور قيدا في معصمه وبين يدي مفتاحه ، وله اطلاق ما شاء من الشعارات ، بل انني سأرددها خلفه ، وأصفق له ، ولكنه لن ينجح ووقتها سيبدو ككاذب لن يصدقه بعد ذلك أحد .
وخلال ذلك شعر الرئيس أنه في صراع مع الزمن لإثبات جدارته ، وأن الشعب ينتظره ، فكانت زياراته وخطبه في سيدي بوزيد والقصرين ولقاءاته الصحفية واستقباله الشباب الثائر والجرحى المحبطين على عجل ، وقد انتبه أنه لا يكفي التنبيه الى الأعداء الخارجيين ، وانما أيضا الى الأعداء الداخليين ، الذين قد يكونون أشد خطورة ، بل إن هؤلاء الداخليين لن يتورعوا عن استعمال الخارجيين ضده ، مثلما برز في تفصيلات خبر اقالة مندوب تونس في الأمم المتحدة حيث اتهمت الرئاسة طرفا لم تذكره بالإيعاز اليه لتوريطها وأن ذلك المندوب لم يبق أمامه الا الاستنجاد بالكيان المتهم.
وفي غالب الحالات في السياسة كما في الحرب فإن سيوف الداخل أشد وطأة من حراب الخارج ، وقد تجبر ضحاياها على تجرع السم ، بما يُذكر بسقراط الحكيم وحنبعل الحاكم تفضيلا على الوقوع تحت رحمتهما .
تقول قرطاج إنها تبحث عن حلول وستجدها ولو بعد طول عناء، ولكنها حتى الآن لا تقدم ما ينبع منها من الشعب ، ربما لاقتناعها أنه ضعيف ومعدم ، لذلك تبحث عن تلك الحلول في ذلك الداخل وذلك الخارج ، دون ادراك أن ذلك مستحيل وان عليها صنع حلول لم يسبقها اليها أحد في تاريخ تونس المعاصر ، بالتعويل على الشعب ولا أحد سواه .
يمكن لقرطاج أن تكون لها حتى الآن شعبية جارفة ، ولكنها تجازف بخسرانها وهى تصطدم بصخرة الواقع ، وعليها ادراك أن السرعة في حل المشاكل لها أهمية بالغة ، فالوقت كحد السيف وإن لم تقطعه قطعها ، فما يمكن القيام به اليوم قد لا يمكن القيام به غدا ، ولا ينبغي أن يذهب في بالها أن نقص صلاحياتها الدستورية تكبلها ،فالمسألة سياسية وليست دستورية فقط . واذا لم تعول في حسم معاركها على نقل المعركة الى ساحة باردو ومن بعدها القصبة ، وتطلق بالثلاث سياسة التوافق السابقة التي غدرت بصاحبها فإن أعداءها سيحولون المعركة الى ساحتها هي، وقد بدأوا بفعل ذلك . وليست تصريحات رئيس البرلمان الأخيرة التي ذكر فيها إخفاقات قرطاج الديبلوماسية الا بدايتها ، وعليها أن لا تنسي تلك القاعدة الاستراتيجية التي تقول إنه إذا أحرزت نصرا انضم إليك الجميع بما فيهم أعداؤك ، أما إذا انهزمت فسيتخلى عنك الجميع بما في ذلك أنصارك .
تستعمل اليوم باردو وحزبها الغالب ونعني حركة النهضة تكتيك العرقلة في مواجهة قرطاج ويتفنن قادتها في المخاتلة ،ويتظاهر ذلك الحزب بالانقسام، مُستدرجا قرطاج الى الساحات المحببة اليه وما أكثرها ، وهو يناور في خوض الحروب الصغيرة قبل كشف وجهه في الحروب الكبيرة القادمة. ويبدو مغرورا في ممارسة تكتيكاته وثقته في نجاحها لاعتقاده أن مخزونه الفكري كفيل بعدم تفطن قرطاج اليها ، ففي السياسة كما في الحرب كثير ما يظهر العدو انكساره واستسلامه ولكنه يعد في نفس الوقت العدة لهجوم كاسح واطلاق الرصاصة الأخيرة على عدوه ، ووقتها تكون حرب باردو وقرطاج قد حُسمت نتائجها قبل بدايتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح