الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هي الفلسفة؟ حوار جماعي مع خالد تورين

الطيب عبد السلام
باحث و إعلامي

(Altaib Abdsalam)

2020 / 2 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في اول الحوارات المفتوحة و التي سوف تستمر نبداء اليوم مع خالد تورين، و خالد بتعريفي الخاص رجل ذو حاسة فلسفية حية و قدرة أدبية رفيعة على التفلسف، لا أحب التزكية الأكاديمية لإنها مجرد رخصة سلطوية و لكن التعريف الحقيقي هو ما يصنعه واقعه.

ف إلى الحوار.

- ماهي الفلسفة؟

*اولاً : شاكر وممتن كل الإمتنان ، للأديب المفكر الطيب عبدالسلام وسعيد جدا بهذه المبادرة الحوارية نتمنى ان تكون ممتعة ومثمرة ويانعة فلسفياً.
إن مهمة تعريف الفلسفة لهي من اخطر واصعب المهام ،ليست فقط لأنها مثل كل ظاهرة بشرية، بل هي من التعقيد والتركيب والتشابك بحيث لا يمكن القبض عليها بتعريف ما ، بل لإن الفلسفة لها علاقة خاصة بنمط وشرط الوجود البشري ، قلت علاقة خاصة لإننا ندري بأن كل ظاهرة بشرية هي في نهاية الامر مرتبطة بشرط وجود الانسان ،شرط وجوده يعني ماهيته اي كينونته اي مايجعل الإنسان إنساناً دون غيره . إن تعريف الفلسفة هو فلسفة حول الفلسفة ، اي التفكير لأقصي حد حول التفكير لاقصي حد ، وأقصى الحدود هذه هي نبع الكينونة "الماهية " ، إذاً الفلسفة تقودنا الي التخوم والحافة ، تجعلنا نلامس ماهيتنا ونعانقها ،ومن اجل ذلك يكون موضوع الفلسفة الاول ليس الموجود وإنما الوجود ، اي الذي يحيط بالموجود .
نعلم وتعلمون أن الإنسان وحده يتفلسف ، اي يفكر ويتسأل حول شرط وماهية وجوده أي "يمتلك وعياً" ، ذلك التفكير حول شرط وجوده ليس شيئاً مضافا الي الإنسان، بمعني ان الإنسان ليس سابق علي وعيه بكينونته ، بل تلك العملية "التفكير بالماهية /التفلسف " هي ما جعل فكرة الإنسان ممكنة ، ومن هنا
لا يمكننا أن نفصل بين ماهية الانسان وعملية التفكير في تلك الماهية ، إذا الفلسفة بماهي التفكير في شرط الوجود اي الماهية فهذا يعني ان الفلسفة هي الماهية نفسها ، هي التي تكون علي إلتفاف وإحاطة بالكينونة .
ومن اجل ذلك اي "الماهية "، امتلك الانسان اللغة و الدين وامتلك العلوم والفنون ...... الخ و الأكثر من ذلك ازمة المعني عند الانسان ناتجه من ذلك ، ناتجة من أنه يفكر ويتأمل في شرط وجوده ، تلك العملية الخطيرة هي التي اشار اليها القرآن في قوله تعالى: "إنا عرضنا الامانة علي الارض والجبال فأبين ان يحملنها و اشفقن منها وحملها الإنسان انه كان ظلوماً جهولا " . ان نتفلسف يعني أن ننعكس علي وجودنا تفكراً وتأملا ، أن نسائل الوجود ونضعه بين قوسين ، ولذلك فموضوع الفلسفة الاول هو موضوع الوجود بصيغة السؤال ما:
" الحياة ، الموت ، الوجود ، العدم ،الإنسان ، الجمال ، الكمال ، اللغة .....الخ " .
إن وجودنا في الاساس مفتوح علي جب عميق ومظلم وغامض ومُستلغز ، اي علي هاوية لا حدود لها ، وتلك الهاوية هي بمثابة الرحم الام بالنسبة لنا كبشر ، ورغم إنها مظلمة وهي متاهة كبري إلا انها المكان الدافئ ، ومكان السكينة والطمأنية ، وما يفتحنا علي تلك الهاوية هو التفكير/الفلسفة ، الفلسفة هي الحبل السري الذي يمدنا بالدم والغذاء والهواء من الكينونة . الفلسفة هي النفق والجسر والبرزخ نحو تلك الهاوية.

-ا : خالد تورين ماذا يستفيد الناس من الفلسفة؟

*عندما يُسأل هذا السؤال سؤال ما الفائدة من الفلسفة؟ كثيراً ما يُستبطن وراءه ، اهمية الفلسفة وفائدتها في المجال العملي اليومي ،وبهذا يراد لها ان تكون "تقنيه" وهي ليست كذلك . اقول علي الرغم من أن الفلسفة لها الأهمية العملية ولكن المهمة والفائدة الكبري للفسفة هي مهمة وجودية و روحية وبالتالي حضارية . الفلسفة هي التي تشكف وتضئ درب الوجود للإنسان ، لذلك هي التي تكون في مقدمة اي إبداع و إنجاز إنساني عظيم ، من خلالها تنكسر حدود و متاريس لفتح آفاق و فتح الدرب لممكنات الانسان ،
ما يجعل ممارسة الحرية وتمثُلها لأقصي حد ممكن هو الفلسفة.
مساهمة الفلسفة في بناء الحضارات التي قامت علي مر التاريخ واضحة وضوح الشمس ، الحضارة الاروبية الحديثة من الركائز الاساسية التي تعتمد عليها هي الفلسفة ، كلنا يعلم تلك الإسماء اللامعة في سماء صيرورة الحضارة الحديثة " كانط ،دريكارت ،هيجل ، هايدغر ،نتشة ،هيوم ، فوكو ....." ، وهذا
ما ينطبق علي معظم الحضارات الأخرى الحضارة الاسلامية واليونانية ....الخ .
إذا قمنا بسحب عملية التفكير من الإنسان ستتهاوي فكرة الإنسان من اساسه ، وعملية التفكير لاقصي حد ممكن هي الفلسفة.
ما يعمق هذا المعنى، هو الإنعكاس التأملي علي وجودنا ، هذا الانعكاس هو ما يجعنا نعي وندرك تمام الادراك ان وجودنا من اجل ممارسة تلك الحرية ، ويتمثل ذلك عبر الممارسة في إخراج ممكنات الانسان و الذي يمثله ابداعه اللامحدود في كل المجالات

-لا تذكر الفلسفة إلا و يذكر إسم كانط؟

*كانط وضع حداً للانا افكر اي الانا اعرف ، من خلال ملكتي الحساسية الزمان والمكان . كانط فصل بين الانا افكر والانا اريد والانا آمل ، وبالتالي السؤال الجذري في كتاب نقد العقل المحض، ماهو إمكان المعرفة وحدودها ؟ الزمكان هو العدسة التي نري بها العالم معرفياً وهي المشروطية القبلية للانا اعرف ، وهذا الأمر وضع المتافيزيقا الغربية كلها علي المحك ، اصبح سؤال معرفة الله والنفس الخالدة والشئ في ذاته ممكنا معرفيا؟ حسب الإمكان الكانطي نحن لانعرف الشئ في ذاته ولكن ما ندركه هو ظاهره كما يتبدي لنا .
الشئ في ذاته مكانه الأخلاق وليس المعرفة اي العقل العملي وليس المحض ، هذه هي الثورة الكوبرنقية التي بشر بها كانط .
جعل الأنا افكر "اي اعرف" الديكارتية، ليست شيئا معلقا في الهواء وإنما هو انا مشروط ومحدود ، كما انه فصل الانوات الاخري من الانا اعرف ، مثل انا آمل وانا اريد .
هذا التحول الكانتي هو ما افرز الفلسفة الهيجلية لآحقاً .

-طيب ما هي طبيعة البرهان المنهجي الذي إتبعه؟

*كانط متأثر جداً بطريقة العلوم الرياضية والطبيعية ، لذلك كان سؤاله في مقدمة كتابه نقد العقل المحض هو لماذا لم تتقدم الميتافيزيقا مثلما تقدمت العلوم الطبيعية ؟ وله كتاب صغير هو "مقدمة لكل ميتافيزيقيا يريد ان يصير علماً" ، كان همه ان يجعل المتيافيزيقا علماً صارماً كالعلم الطبيعي ، وكان يعتقد بانه لا يمكن القيام بذلك الا اذا تم نقد العقل المحض العقل الخالي من التجربة ، اي فحصه وتبيان حدوده .
وهذا المنهج الأشبه بالمنهج الرياضي الذي استخدمة كانط هو ما جعل الفليلسوف شوبنهاور ينتقده رغم انه اشد المعجبين به.

-الى اي مدى كانت الماركسية ناجحة ؟

*الفلسفة الماركسية فقيرة في نظرية الوجود ونظرية المعرفة ، وغنية في الفلسفة الإجتماعية والسياسية ، لذلك اصبحت شعبية اكثر ولاحقا ابتذلت اكثر عندما تحولت
الي ايدلوجيا ومشروع سياسي.
-هل قدرتنا على التفلسف نفسها نابعة من محدودية تهئ لينا المشهد لإدراك اللامحدود، يعني نحن غير محدودين نحاول إختبار
لا محدوديتنا عن طريق محدوديتنا؟

*هنالك مفارقة كبري في وجودنا وهذه المفارقة هي سبب التفلسف ، المفارقة هي ان محدودية وجودنا مفتوح علي اللامحدود، هناك بذرة وجرومثة اللامحدود كامنة في وجودنا المحدود ، وهذه الازدواجية هي التي تعطي مساحة للتفلسف .. اتفق معك

-ما هو تأثير الفلسفة في العلم وتأثيرها في حياه الإنسان؟

*في الإجابة علي سؤال علاقة العلم بالفلسفة ؟
العلم المقصود هنا هو العلم الحديث ، والذي يبدو وكأنه علي النقيض والتضاد مع الفلسفة ، لدرجة انه عندما ساد هذا النوع من العلم بشكل واسع ظن كثيرون أن الفلسفة إنتهت . اي العلم التجريبي الذي ظهر في القرن السابع عشر ،و فلسفة هذا العلم ظهرت مع بيكون من خلال منهج الإستقراء .
الفرق الأساسي بين ذلك النوع من العلوم والفلسفة هو إنهما يعملان بطريقتين مختلفتين ، ف الفلسفة تعمل بطريقة اكثر شمولاً ومحاولة لإدراك كنه وماهية الوجود ، وبالتالي توسيع التأمل والتفكير إلي اقصي حد ممكن ،وهذا يعني أن الفلسفة موضوعها الكل والمعني والعلاقات والقيمة .
علي العكس من ذلك فإن العلم التجريبي والرياضي يعمل بطريقة اكثر جزئيةً من أجل الإحاطة الكلية وضرب طوق محكم كما وكيفا حول الشئ الموجود وليس الوجود ، لذلك تجد عملية الإهتمام المفرط بالاحصاء والتبويب والتصنيف والصيغ والمعادلات الرياضية حاضرة في صميم العلم الحديث وكل ذلك من اجل القبض الكلي والنهائي على الشئ الموجود . وهذا ما يسميه هايدغر عملية السقوط، او "نسيان الكينونة" ويضيف الجملة الشهيرة له بأن "العلم لا يفكر" .
ففي الوقت الذي تعمل الفلسفة علي تمثل الكل في الوجود اي الكينونة ، وبالتالي تمثل وإستدعاء المعني والجمال والجلال واللانهائي ، يدير العلم التجريبي ظهره لكل ذلك ولا يستطيع أن يفكر فيما تفكر فيه الفلسفة لعطب وخلل في زاوية النظر .

-هل الفلسفة تطور نفسها بنفسها ؟ أم هي غير قابلة للتطوير ؟!

*الفلسفة هي التي تنفخ الروح في جسد تلك العلوم ، كل علم دون فلسفة فهو اعمى يذهب في متاهة بلا هدي ولا دليل .
علوم الإجتماع والانثربولوجيا هي علوم صديقة للفلسفة وهي اخر العلوم التي انبثقت من الفلسفة .
الآن الفلسفة تكابد من اجل تحرير تلك العلوم من طريقة العلوم التجريبة والرياضية ، تلك الطريقة الحسابية الباردة

-اولاً ما الفرق بين العلم والمعرفة؟
-ثانياً:؟ ما هي السياقات التاريخية لنشوء الالحاد؟

* حول الفرق بين العلم والمعرفة فالمسألة متعلقه بكيفية إستخدام المصطلحات ،
في بعض الأحيان، قد تدل المعرفة علي العلم وقد يشير كل مصطلح الي شئ مختلف ، ولكن يمكن ان نعرف المعرفة بكونها اشمل من العلم ، عندما نقول العلم نقصد معرفة معينة ولكن عندما نقول المعرفة فهي تشمل المعرفة العلمية والمعرفة الدينية والأسطورية والفلسفية .....الخ
فيما يخص سؤال السياقات التاريخية لنشوء الإلحاد ، الإلحاد ظاهرة انسانية عامة موجودة في كل زمان ومكان ، واينما وجد الإنسان وجد الالحاد لإنه مربوط بنمط وجود الانسان .
حتي الإيمان فيه شئ من الإلحاد ، الإلحاد يبدأ بالشك ، وكل مؤمن هو شكاك ويشك كل يوم ، نعلم ان ابراهيم النبي شك كثير ، عندما قال أنه يريد ان يري الله ، فقيل له اولم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي ، ونعرف انه كيف إنتقل من الإيمان بالشمس ثم القمر ثم الله .
إذا كلُ منا فيه شئ من الإلحاد وشئ من الايمان .
ولكن رغم ذلك ينمو الإلحاد في سياق وتربة ما اكثر من تربة اخري ، الإفراط في الايمان نفسه قد يؤدي الي الإلحاد ، او الإيمان القشوري السطحي هو طريق للإلحاد ، عندما يكون الإيمان عبء علي الإنسان وضد ماهيته وحريته وكرامته يكون الإلحاد هو القرار المتوقع .

-ﺟﻮﺭﺟﻲ ﻟﻮﻛﺎﺗﺶ : ﻋﻘﻞ ﻣﺎﺭﻛﺴﻲ ﻭﻗﻠﺐ ﻭﺟﻮﺩﻱ ﻟﻮﻱ ﺃﻟﺘﻮﺳﻴﺮ : ﻋﻘﻞ ﺑﻨﻴﻮﻱ ﻭﻗﻠﺐ ﻣﺎﺭﻛﺴﻲ ﻣﺘﻰ ﻳﻠﺘﻘﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ ﻓﻲ الفلسفة؟

*يلتقي العقل والقلب في الفلسفة عندما يكون هناك فلسفة بالمعني الممتلئ والعميق للفلسفة ، اي عندما نتفلسف حق التفلسف.

-ﻫﻞ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﺠﺮﺩ ﺭﻳﺎﺿﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ، ﺃﻱ ﺗﻤﺎﺭﻳﻦ ﺫﻫﻨﻴﺔ؟ ﻫﻞ ﻫﻲ ﻣﺠﺮﺩ ﺃﻟﻌﺎﺏ ﻟﻐﻮﻳﺔ؟ ﻫﻞ ﻫﻲ ﻣﺠﺮﺩ ﻣﻐﺎﻟﻄﺎﺕ ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻴﺔ ‏( ﻛﺎﻧﻂ ‏) ﺃﻭ ﻟﻐﻮﻳﺔ ‏( فتغنشتاين ﺍﻟﺸﺎﺏ ‏) ؟ ﻫﻞ ﻫﻲ ﺗﺮﻑ ﻓﻜﺮﻱ،
ﺃﻡ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ ﻭﺣﻀﺎﺭﻳﺔ ﻭﺣﻴﺎﺗﻴﺔ؟ ﻫﻞ ﻫﻲ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻄﺮﻧﺞ، ﺃﻡ ﻣﺮﺷﺪ ﺿﺮﻭﺭﻱ ﻟﻠﻔﻌﻞ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ؟

* هي كل ذلك لذلك هي ضرورة حياتيه و وجودية لا مفر منها مثلها مثل الاوكسجين والماء والغذاء

-هناك سؤال اعتقد انه مهم لم يتم التساؤل عنه وقد يُسئل ، ولو إستبقنا السائل وسألنا : ماهو وضع الفلسفة الآن وماهو مستقبلها ؟

*هذا السؤال يجعلني اتسائل لماذا هناك غياب الآن لإسماء لامعة فلسفياً في الساحة العالمية، كما هو الحال في القرون الثلاثة التي مضت ؟ هل نستطيع أن نفسر ذلك الغياب بالقول بأن اوروبا الحديثة استنفذت طاقتها الفلسفية
و اخرجت اخر ما بكنانتها من خلال سهام "فوكو ودريدا،ودلوز وغادمير وهبرماس ....... الخ " .؟
ام أن الأمر متعلق بسيطرة ما اسميه ب "الظاهرة الأميريكية " وهي ظاهرة تقنية بامتياز وهي بالضرورة علي النقيض من التفلسف ؟ .
بالطبع الآن يتصدر المشهد كل ماهو اميريكي ، وكل ماهو اميريكي هو مسخ مشوه من الحضارة الاروبية ، يقيناً اميريكا هي الوجه القبيح والسئ للحضارة الاروبية ، وهذا الحكم الذي قد يكون قاسياً ليس حكم سياسي وإنما المسألة متعلقة بالثقافي والحضاري . تحول كل شئ حتي الثقافة الي تقنيه مع الظاهرة الاميريكية ، لذلك نادرا ما تجد ثقافة عميقة في اميريكا ، رغم كل هذا الزخم والضجيج أميركا لم تنجب عالما مثل نيوتن او انشتاين او هايزنبيرج .... الخ او شاعرا مثل هوميروس او هولدرلين ...الخ وقس علي ذلك في كل شئ . اميركا دولة يوظف كل شئ فيها من اجل التمدد العسكري والسياسي والربحي وبالتالي التقني، لذا لا يمكن لها أن تثمر ثقافة و علي رأسها الثقافة الفلسفية . نعلم ان هناك بعض الاستثناءات امثال،بيرس وديوي وجميس وتشومسكي ... الخ . وهؤلاء
ايضا ليسوا بالظواهر الفلسفية الفارقة حسب رأيي .
يبدو لي ان اوروبا وصلت إلي سن اليأس الفلسفي ، والآن هناك حوجة لمن يحمل لواء الفلسفة .

-دار في ذهني تساؤل قريب من هذا التساؤل الأخير الذي تفضلت به.
ما يقلقني انا هو أين ينتهي فوكو الفيلسوف
و يبداء فوكو المؤسسة! هنالك اسماء فرضتها المؤسسة الفلسفية التعليمية و تمارس هيمنتها على كل والج للدرس الفلسفي.
الم تصب البرية بذات داء الدار الذي هربت منه؟

* هذه هي المصيبة الكبري المؤسسة قاتله للفلسفة ، وهذا ما يفعله الامريكان مأسسة وبقرطة كل شئ . التربة الحرة هي التربة السليمة لنمو بذرة الفلسفة.

-إذا أردت أن أتعرف على الفلسفه " خارج السياق الأكاديمي "، فمن أي مدرسة فلسفية أبدأ مشروع الإطلاع ؟

*إبدأ بمعرفة الخريطة الفلسفية اي الخطوط العامة للفلسفة ، ثم بعد ذلك رغبة البحث والصوت الداخلي هما المحرك والموجه للإنهمام او التركيز على فلسفة ما او تيار ما.

-ﻣﻨﺬ ﻧﻴﺘﺸﻪ ﻭﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﻥ ﺗﻔﻜﻴﻚ ﺍﻟﺪﻳﺎﻟﻜﺘﻴﻚ ﻭﻧﻔﻴﻪ . ﻫﻮﺳﺮﻝ ﻭﺭﺍﺳﻞ ﻭﺩﺭﻳﺪﺍ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ، ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺣﺎﻭﻟﻮﺍ ﺟﺎﻫﺪﻳﻦ، ﻭﺑﻤﻬﺎﺭﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ، ﺗﻔﻜﻴﻚ ﺍﻟﺪﻳﺎﻟﻜﺘﻴﻚ . ﻟﻜﻦ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳﺄﺑﻰ ﺃﻥ ﻳﻨﺼﺎﻉ ﻟﺮﻏﺒﺎﺗﻬﻢ، فنجد ﺍﻟﺪﻳﺎﻟﻜﺘﻴﻚ يؤكد نفسه ﻓﻲ ﻛﻞ ﺧﻄﻮﺓ ﻳﺨﻄﻮﻫﺎ ﺑﺮﻏﻢ ﻓﺬﻟﻜﺎﺕ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ؟

*الطيب: مشكلة الديالكتيك يا برعي أنه رؤية خطية للوجود و هذا خطاء، القصة اعقد من مانوية الديالكتيك، الصيرورة توجد العدم في الوجود و الوجود في العدم... الصيرورة ليست ملزمة بخط واحد او اي قبلية وصفية.

*خالد : انت يا برعي بهذا الوصف تجعل الديالكتيك اخطبوطا وغولا فلسفياً ، هذا تضخيم ارى انه غير مناسب . اتفق مع الطيب في ان ازمة الديلكتك انه يفترض الثنائية والخطية ، والتجاوز من البسيط الي المركب ومن البراءة الي نقيضها وهكذا ، وبالتالي
هو تفكير جوهراني للعالم وهذا مأزق الديلكتيك

-نظرتك للدين والأخلاق أيهما سابق ف السياقات التاريخية، وهل هناك تعارض بين اللاهوت و العقل؟

* لايوجد سابق واخر لاحق رغم انهما منفصلان في ماهية كل واحد ومجتمعان كذلك ،اينما وجد الإنسان وجدت الاخلاق ووجد الدين بطريقة ما.
التعارض ما بين اللاهوت والعقل ، يحدث اذا فهمنا العقل والدين بطريقة معينة ، وقد لا يكون هناك تعارض اذا نظرنا للدين والعقل بطريقة معينة

-متي كانت لحظه انبثاق الفلسفه؟

*الرأي الشائع والمعتاد يقول بان لحظة إنبثاق الفلسفة هي اللحظة اليونانية ، ولكني أعتقد ان هذه الرؤية قاصرة ، صحيح ان الشكل الفلسفي الذي ظهر في اليونان هو الذي جعل الفلسفة شعاع وضوء ساطع ولامع ، ولكن قبل ذلك كان هنالك تفلسف بِطرقٍ اخري ،
لاتسو وبوذا وكنفوشيوس وما يحتويه كتاب الابنشايد ومحلمة جلشامش هي فلسفة ايضا، لحظة إنبثاق الفلسفة هي لحظة إنبثاق الإنسان ، لايمكن للإنسان ان يكون دون فلسفة ، جرثومة في الفلسفة مركبة في الإنسان ، لكن هنالك لحظات تسطع فيها الفلسفة ولحظات تكمن فيها.

- لدي سؤال في فلسفة العقل.
هل يمكن للأحداث اللامادية أن يكون لها مسببات مادية "فيزيائية" يعني مثلا، هل يمكن أن تكون أعضاء الحس في الدماغ و الإشارات العصبية هي مسببات شيء غامض كالوعي أو الإدراك، هل العمليات العقلية اللامادية هي مجرد اشياء مصاحبة للعمليات الدماغية المادية ؟

*بالنسبه لي شخصيا، فإنني أقبل بالعلية فيما يتعلق بعالم الحس الشائع common sense اي العالم الذي يتضمن
"middle-sized objects in a macro-physical world
و هو العالم الذي نستطيع ملاحظته، و الذي نبني أحكامنا البديهية علي ما خبرناه منه ... بالنسبه لما يتجاوز حدود الحس الشائع فاننا نرفض اصدار أحكام بديهية حول الممكن و غير الممكن،
فمن التهور أن نحكم علي ما قد يحدث علي مستوي الجسيمات الأولية مثلا the quantum scale ، أو علي مستوي الكون ككل the cosmological scale من خبراتنا البشرية المحدوده من مستوي الجبال
و الحجاره و الأشجار و الناس. بالنسبة لنا، يكون السؤال عن عالمية مبدأ العلية و انطباقه علي المستوي الكوني و دون الذري سؤالا علميا تجيب عليه الفيزياء لا الفلسفه. و بقدر ما أعرف، فإن الفيزياء الحديثه لا تتفق مع عالمية مبدأ العلية أو أن كل شئ لا بد أن يكون له سبب. علي أية حال، السؤال علمي و ليس فلسفي. ان كنا نتحدث عن الجبال و الأشجار
و الحجاره فان من الواضح أن كل شئ لا بد أن يكون له سبب، و لكن حين نبدأ الحديث عن الكون نفسه او الجسيمات الأولية فانه ليس هناك شيئ واضح، و نحن لا نقبل هذه المقدمه.

-لماذا تبلورت فلسفة فيلسوف الهدم"نيتشه" حول موت الإله و كرهه المسيحية و كيف قتل البشر الإله ؟
و هل كان نيتشه نقطة محورية في انبثاق فلسفة جديدة تدعو لهدم ما وضعه سلفه من الفلاسفة؟

*كان نتشة يعتقد بإن فكرة الإله ضد جوهر الإنسان ، الإله سوف يشكل عائق نحو معرفة الإنسان بنفسه وممارسة وجوده وحياته كما يجب ، الإله عند نتشة سلطة ، و نتشة كان رافضاً لكل سلطة خارجية تمارس علي الانسان لذلك عرف الانسان السومبرمان وقال هو دولاب يدفع نفسه بنفسه .
نتشه ساهم بشكل كبير في تشكيل فلسفة جديدة كان الأب الفلسفي للتيارات الوجودية والهرمنوطيقيا "التأويلية" ومابعد الحداثة

-هل الفلسفة البرغماتية والتي تتماشى مع الاوحادية الإقتصادية والنظام الرأسمالي جعلت من الفلسفات الأخرى ودعني اسميها فلسفات أخلاقية إن جاز التعبير .جعلتها مجرد مثالية زائفة منتهية الصلاحية
ام ان البرغماتية امتداد للفلسفة المثالية الأخرى؟

* البرجماتية ليست النفعية او الذرائعية كما يفهم عادة ، البرجماتية هي التداوليه ، اي كل شئ يكتسب قيمته وحقيقته من خلال تداوله اي إستخدامه ببن الناس ، وهذه محاربة للميتافيزيقا ، ولكل ماهو جوهراني وقبلي ومسبق وغير محايث . البرجتماتية ليست فلسفة واحدة بل هي متنوعة بعضها مؤثر بالتحليلية والوضعية المنطقية وبعضها بالفسفات اخري

- سؤالي ، هل الجسد بكل مكوناته المعقدة يعتبر مجرد أداة يمتلكها الإنسان "الأنا" ، ويكون الجسد مثله مثل أي حاسوب أو سيارة كوسيلة لمعارك الحياة ، ماهو "الأنا" وأين يذهب إذا هلك الجسد وفنى ، فلسفة الموت المتشعبة ماهو موقفك منها بالتحديد؟

* الجسد لا يمكن فصله عن الأنا او النفس ، الجسد والنفس هما تعبير عن شئ واحد بطريقتين ،الإرادة هي تعبير عن فعل او حركة الوجود، الجسد منظورا اليه من الداخل هو النفس والنفس منظورا اليها من الخارج هي الجسد .
بالنسبة للموت والفناء ، الموت والحياة وجهين لعملة واحدة ، نحن نموت لكي نحيا ونحيا لكي نموت . لذلك لحظات حياتنا هي ايضا لحظات موتنا والعكس صحيح ، دعني اضرب بعض الأمثلة حتي ينجلي الامر ، لحظة الولادة هي لحظة موت ايضا ، عندما نولد فاننا قد قتلنا لحظة ما، وقتذاك تكون قد انتهت لحظة وجودنا داخل الرحم ، ثم لحظة ان نكون شبابا تكون قد ماتت لحظة الطفولة ، اذا الحياة تحمل في بذرتها الموت والموت يحمل في داخله بذرة الحياة ، الطفولة بالنسبة للشباب لحظة ماتت ولكنها ايضا موجودة وجودا كامنا وبشكل اخر في شكل ذكريات واحلام و....الخ .
لذلك عندما نموت نحيا من جديد ، هل ارسطو ميت او هو حي ؟ هو الإثنين كذلك .

-ما المقصود بمقولة فوكو: السلطة ليست فوقية او هرمية بل محايثه وشبكيه؟

*الطيب : إجابتي و إجابة خالد ايضا أن السلطة هي فعل تفاعلي ناتجه عن شبكة إرغامات أخرى متداخله و بالتالي لا يمكننا القبض عليها بوصفها توترا عموديا.

*خالد : اتفق كل الاتفاق مع الطيب في ما يتعلق بمفهوم السلطة عند فوكو.

-الفلسفة في ازمة مع تطور الفيزياء الكم الحديثة (فيزياء الكوانتم) في اشارات تسبق الوجود وتحقق انقلاب في العقل بأن الوجود معكوس وعي أو بصورة أدق متداخل تداخل الوعي والوجود بشكل متطابق وضيق للغاية كماهو محير في تجربة الشق المزدوج وقطة شرودنجر... أعتقد السؤال دة انهيار وانقلاب كبير للاصول الفلسفية وسيكون لغز المستقبل في الفلسفة بعد سبقها العلم بسنين ضوئية

*ذلك الذي اشرت اليه ليس ازمةً للفلسفة بل هو صراع العلم مع نفسه ، وتحديه ل أُسسه بنفسه ، هي ب الأحري ازمة العلم وليست الفلسفة . الفلسفة تراقب التحولات التي تجري في العلم وتبني عليها رؤية فلسفية ، ولكن يبقي العلم موضوعا للفلسفة.


*شكري العميق لجميع المحاورين على هذا التفاعل الثر. و شكرا للأستاذ خالد تورين على هذه اللغة الممتعة و الروح المتفلسفة الحرة التي تحببنا في الفلسفة.

*شاكر للاستاذ الطيب عبد السلام علي المبادرة الجيدة والاسئلة الثرة ، وشاكر لكل المداخلين علي اثراء الحوار . ونعتذر كل الإعتذار علي الاسئلة لم يتم الجواب عليها.
ولكن كثرة الاسئلة وصعوبة الكتابه علي الكي بورت . نتمني ان نتلقي في مساحة اخرى.


شارك في الحوار :
محمد ابو ريفة
برعي محمد
السر حسين
عثمان حسن نور
واجد عمر
عباس اسامة
محمد المجتبى علوب
ابوذر موسى
وضاح حسن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53