الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [15]

وديع العبيدي

2020 / 2 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


(29)
النسخ: بداية الثورة المضادّة..
(1)
ظاهرة (الناسخ والمنسوخ) هي عرض من أعراض المرحلة اليثربية في حركة محمّد والقرآن والسنّة؛ وهذا يعني ضرورة ربط قراءتها، بمستجدّات القرآن اليثربي/(المدني)، وتخصيص خلافاته عن قرآن مكّة. وطالما كانت مرحلة يثرب، أول مواجهة ميدانية وتطبيقية لأفكار محمّد؛ فقد كشفت نقاط الخلل وعدم واقعية/ (نجاعة) جملة الأفكار المكيّة/(القرآن المكّي).
في العرف السياسي المعاصر، يتمّ التمييز بين مرحلة العمل السرّي/ السلبي، ومرحلة العمل العلني الرسمي، بعد استلام السلطة والحكم. ولعله، من أشباه الاستحالة، محافظة حزب أو جماعة سياسية، على مبادئها الأولية قبل السلطة، في مرحلة تصدّر الزعامة والحكم. والصفة الأعمّ لهذا التغيير، هو الاتجاه للانحطاط والانحراف في التطبيق.
ولم يكن حراك محمّد تحت عنوان (الحنفية/ الإسلام) الديني، غير مشروع سياسي/(ماسنيون وغيره)، لترسيخ كارزما الحاكم الفرد، بدل الحكومة الجماعية، لكومونة قريش السيادية العامة.
وقد سبق التنويه إلى اعتماد قريش لدستور مكتوب وتعليمات ووصايا، تنظم الوضع الداخلي للحياة المكية من جهة، ومن جهة مقابلة، تنظم العلاقات الأفقية بين قريش والقبائل في شبه الجزيرة.
هذا يعلّل وضع (القرآن) الذي كان من مسمياته الأولى: [الكتاب، القرطاس، المصحف، الفرقان، القرآن] المترجم لرؤية محمّد وأفكاره وحاجاته، والمراد أن يكون بديل [دستور مكّة].
السيطرة على مكّة، وجعلها مركز زعامة محمّد [كاهن، نبيّ، قاضٍ]، هو جوهر مشروعه الأساس. ولو لانت له أمور مكّة، لما خرج من محيطها، لذلك بقي حلم العودة إليها، شاغل محمّد، حتى تسنى له ذلك بطريقة ما في العام الثامن من الهجرة.
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا/ (النصر 110- مدنية)
وكان استسلام (مكة) له، قاعدة مرحلة جديدة، وقوّة شرعيّة ذاتية مضافة، يتوعد بها قبائل العرب، متبنيا خطابا أكثر ترهيبا وترغيبا كما في سورة (الفتح)..
حيث يرجّح مرجعيته القريشيّة المحليّة، على صلته بأنصار يثرب، وكما يتبدى لاحقا في ترجيحهم في توزيع الغنائم، رغم عدم خروجهم للقتال، في مقابل بخس حقوق الأنصار المشاركين في كلّ غزواته!.
ومن المفيد إدراج بعض أعداد سورة الفتح، المترجمة للأحلام السابقة والآفاق المقبلة للزعامة المستجدّة..
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ
وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا
وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا
هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ
لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ /(الفتح 48: 1- 4)
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ
شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا
يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ..
بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا
وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا /(الفتح 48: 11- 12)
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ
مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ
وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ
فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ
لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء
لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ
فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ
وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ
لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ
مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ
فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ
تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا
سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ
مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ
كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ
يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا /(الفتح 48: 24- 29)
تؤرخ سورة (الفتح) لمرحلة (صلح الحديبية)/(6 ه) الموقعة بين قريش ومحمّد، لتفادي الصدام بينهما، والسماح لمحمّد وأتباعه بزيارة الكعبة؛ وما يقدمه هذا من (طمأنينة) وقتية، وفرصة تربّص العودة إلى مكة. ونثبتها هنا، لهيمنة أجواء مكة والحنين إليها، على روح النصّ.
فكان صلح الحديبية وسورة الفتح/(6ه)، البداية التاريخية، لدخول مكة بذريعة زيارة الكعبة، بعد عامين.
ولكي لا تبقى القراءة منغلقة ميتة في سطور التاريخ، أنوّه إلى إستعادة ملفوظات: [فتح، نصر] في تشكيل الكتل الطائفية السياسية في عراقستان/ بعد داعش.
تحالف (نصر) بزعامة حيدر العبادي [1952/ 2014- 2018م/ ؟]، وتحالف (فتح) بزعامة هادي العامري [1954م- ؟]؛ وهما جزء من تحالفات وتكتلات سياسية طائفية انتخابية، للمشاركة في انتخابات (18 مايو 2018م)، لتحديد فرية (الكتلة الأكبر) في الاستبداد بكعكة الحكم.
في تلك الانتخابات فاز تحالف (سائرون) بزعامة الصدر [1974م- ؟] بالمركز الأول، وتحالف (فتح) بالمركز الثاني،وتحالف (نصر) بالمركز الثالث، وذلك في أدنى نسبة مشاركة في مسرحية الانتخابات. شارك الأول والثاني في رفع (عادل عبد المهدي) [1942/ اكتوبر 2018- فبراير 2020م/ ؟] لرئاسة الوزراء؛ وانتهت بخلعه على أيدي ثوار تشرين، بعد ستة عشر شهرا من ولايته.
وكانت لعبة التكتلات السياسيّة لعام (2018م)، تدشينا لمرحلة ما بعد داعش [2014- 2017م]، حيث بدأ زعماء الطوائف والحرب، بترديد ملفوظات (العراق، الوطنية)، ووضع العلم العراقي على أكتافهم، لمجرد الاستهلاك الاعلامي الانتخابي، فيما استمرّ ولاؤهم الأولى لايران، كما كشفته مرحلة الانتفاضة، وما بعد اغتيال سليماني/(2يناير 2018م).
لا غرابة.. أن قائد (بدر) هو نفسه رئيس كتلة (فتح)، وهو بذلك وضع نفسه في موقع (النبيّ) في التناظر التاريخي المقارن. والمؤكد، أن أحداً لن يجرؤ على اتهامه بـ(التشبّه) بالنبيّ، كما جرى اتهام الفنانة التونسية ذكرى محمد [سبتمبر 1966- 28 نوفمبر 2003م] من قبل صحفي سعودي، ثم الحكم بقتلها من قبل فقيه سعودي؛ ليجرى تنفيذ الحكم في القاهرة من قبل جماعة مجهولة!.
زعيم (بدر) و(فتح)، قائد الحشد الشعبي، يضع نفسه بعد القضاء على (داعش)، بمثابة عودة المنتصر إلى عرينه وبلده الأم، والذي سبق له الحرب ضدّه سنوات طويلة، أسوة بقتال محمّد لقريش في معارك [بدر وأحد]. فحضور التاريخ الديني المقارَن عارم وفي سياق متصل.
فهل تينك العودة هي عودة (الإبن الضالّ)/(لوقا 15) إلى بيت أبيه، أم هي عودة الهارب المنتقم، كما في أفلام هوليود؟.
الوجه الآخر للقصة، هو قراءة ابن عباس [619- 687م] لسورة النصر الشرطية، ممثلة في جواب جملة الشرط، المحذوف من النصّ؛ وهو الإعلام بقرب موت محمّد، بعد ذلكم. وقد تحقق جزء منه في حادث اغتيال سليماني والمهندس، وهما على رأس العمليات ضدّ داعش وأهل الغربيّة. فهل تكون نهاية العامري وشلته وشيكة؟!..
أما على صعيد بروليتاريا الإنتفاضة، فلابدّ من وقفة ستراتيجية عند مسمّى(جبل أحد)، الغزوة التي رسمت خسارة الطغمة، أمام قريش. وكيف (التاف) أهل قريش وراء الجبل، لضرب قوات محمّد من الخلف.
هذا الدور التأريخي، في ضرب السلطة العدوّة من الخلف، لما يزل غائبا، نظريا وعمليا، عن الحراك السياسي للانتفاضة، ومن غيره، لن تخرج انتفاضة تشرين المستمرة، من جمود الراهن، وعجزها عن تجاوز عنق الزجاجة!..
(2)
قلت: ان محمّد سعى لوضع (قرآن)، يكون بديلا لدستور مكة وحلف الفضول، في مشروع زعامته على مكة وما جاورها. ومن البديهي، أن لا يكشف عن نواياه عارية، وهو بين ظهرانيهم، بل يظاهر ويباطن ويستخدم (تقيّة) لخداع المجتمع. ولكن عندما حظى بدعم الأنصار اليثاربة، وصار في مأمن، كشف عن جلده واستقوى، ملوحا بالعنف الدموي ضدّ كلّ الأطياف التي نشأ في حاضنتها، وهي..
1- النصارى والحنفاء- حاضنته في مكة، بضمنها خديجة زوجته؛ وصفهم بالكافرين وناكثي العهود.
2- اليهود الأنصار- حاضنته في يثرب، وصفهم بالكافرين وناكثي العهود.
3- الأعراب وقبائل نجد واليمامة- ويأتي وصفهم بالمنافقين.
4- قريش وأهل مكة- ويأتي وصفهم بالمشركين.
بمعنى، أنّ محمّدا، كلّما زاد عدد أتباعه وازداد قوة مسلحة، تكشفت نواياه وأغراضه للملأ بغير رتوش وأقنعة. وهو ديدن المرحلة اليثربية عموما، ونصفها الأخير، تحديدا.
وهنا يأتي دور السؤال التالي: من هي (قريش) الإسلامية؟..
هل قريش ما قبل الإسلام، هي نفسها قريش ما بعد الإسلام، جنولوجيا وثقافيا؟..
حسب تكشفات الواقع الميداني، فالجواب بالنفي. وعلى القارئ الباحث، استقراء أهل قريش الأصلاء في المشهد الإسلامي. وباستثناء الذين اعتنقوا مذهب محمّد من أهل قريش من قبل، فلا يكاد يعرف منهم أحدا، بما فيهم أعمام محمّد وأبناء عمّاته.
الوجه الأبرز بين أولئك هو أبو سفيان صخر بن حرب [567- 652م] كبير أشراف قريش، الذي عيّنه محمّد، واليا على نجران/(نصارى اليمن). ولى أبو بكر قيادة الجيش في الشام إلى ولديه: معاوية [608- 680م] مع أخيه يزيد بن صخر بن حرب [605- 639م]. أصبح حاكما للأردن في (21 ه)، وبعد موت أخيه يزيد حاكم دمشق، ضم دمشق لولايته، ثم جعله عثمان واليا على الشام/(35ه).
لكن مصطلح قريش، استحال إلى الهامش بعد وقوع مكة تحت الحكم الإسلامي، وتراجعت أهمية سكان مكة، لصالح المهاجرين والطغمة السيادينية الجديدة. وبدل (حلف الفضول) الذي أسسه القريشيون لنصرة الضعفاء وإنصاف المظلومين، ابتدع أعوان محمّد (المؤتلفة قلوبهم)، لغرض مختلف تماما، هو الدعاية الدينية واكتساب الأتباع بواسطة إغرائهم بالمال، وإعانتهم في احتياجاتهم بمقابل؛ وهو الاسلوب المتبع لليوم، من قبل دول وجماعات وجمعيات إسلامية، ولا سيما في مجتمعات تجهل العربية وتارخ الإسلام.
هذا (النسخ/ المسخ) الاجتماعي، أو السوسيوثقافي، هو مقدمة وجزء لا ينفصل عن مشروع النسخ التدميري، الذي قام عليه مشروع (محمّد) في تدمير كيان الاجتماع العربي والثقافة العربية، بدء بابتداع اصطلاح (الجاهلية) الشائن، لتشويه وتسقيط عرب ما قبل (الإسلام)، والتي يزداد تأكيد الباحثين، على أنها كانت أكثر رقيا حضاريا وأخلاقيا وتسامحا، من سمات (الإسلام)، التي ما زال العرب والأعراب يعانون من فظاظتها ودموتها وفسادها الأخلاقي والحضاري.
والحلّ الضروري والأوحد، هو تحرير النفس والعقل والحياة العربية من براثن المشروع المحمّدي التدميري، واستعادة الضمير والقيم والروح العربية العاشقة للحرية والكبرياء والتسامح والانفتاح. ذلكم الذي توفرت عليه الجزيرة العربية، والتي أعمل فيها سيف الإسلام، لاغتيال الاختلافات والتعددية الثقافية، لصالح الفكر الواحد واستبداد الزعيم الأوحد، محمّد النبيّ المتأله، والمتسلط على رقاب العرب ونسائهم وضمائرهم. حان الوقت الآن..
وأنها ساعة.. لا تتأخر ولا تتقدم، ليستعد ابناء الشرق الأوسط ذواتهم المسبية، في قفص الجنّ والسحر والرهاب الهمجي. حان للإنسان المسلم التوقف عن ترديد المعواذات والصلوات والصلعمات الوثنية المهينة للفرد والذات الإلهية. فلم سبق لموسى أن يشرك نفسه ف الصلاة إلى جانب إسم يهوه، ولا السيد المسيح قرن إسمه باسم الآب في الصلاة.
وكف للمسلم الذي يصف يسوع المسيح بعبدالله ورسوله، أن يرفع محمّدا البشري الغريزي النرجسي، مرتبة لا تفصله عن الله عن (الله) شيء. بل حان للمسلم الآن، وأنها ساعة لا تتأخر ولا تتقدم.. ليتوقف عن التبرير الساذج والمعلوف ف تفسير عبارة (صلعم) الوثنية المهينة للذات الإلهية، وكلّ ما يلحقها ويحيط بها من خزعبلات المقام المحمّدي المشبوه في السماء العليا.. محمّد الذي يورد القرآن في جانب منه،
ان العقل العربي الأصلي، القائم على النقد والسخرية والتمرد، تعرض للإخصاء على يد الإسلام الدموي المنغلق والمناقض للعقل والحضارة والحرية الإنسانية. وعلى كل عربي ومسلم حتى اليوم، أن يعترف بحالة الإخصاء والخناثة التي يعيشها بالولادة والوراثة، مهددا من التعرض للخطوط الحمراء، وبنفس السماجة التي تتردد في عراقستان البلطجة.
لقد خرج النظام السعودي من سرداب السلفية الوهابية، وهي تنتقل من قفص الإسلام لقيم الانفتاح واللبرالية بالتدريج. وبعض سلفية مصر من ذيول الوهابية الانجليزية، يعتذرون عن ممارساتهم وفتاواهم الهمجية المعادية للأنسان والحضارة والتمدن.
الكرد والأمازيغ يخرجون أفواجا، من سجن الظلمات، إلى فضاء الحرية.. ولم يبق غير عبيد عراقستان وذيلية الأمارة والإمامة وعبادة الموتى والأوثان، بزعامة طهماسب شاه.. ان تراب العراق يدعو للتطهر والتبرؤ من (رجسة خراب البيت المحمّدي)، التي تواصل نشر الفساد والانحطاط ولغة الدم والحقد داخل النسيج العراقي الأكثر قدما وعراقة وأصالة من الإسلام وتجار الرقيق والدم والعمائم.
من الغريب والهجين، أن يهون على العراقي بلده وأرضه.. وأن يعمى ويصم ويخرس، على مسخ الإسلام الصفوي للحياة والقيم العراقية، واستبدالها بالفساد والضعة والخناثة..
لقد انقلبت الشخصية العراقية، والثقافة العراقية، والأخلاق والقيم العراقية، خلال العقدين الأولين من الألفية، تحت إدارة االشيشا الايرانية. هذا الانهيار المباشر على الخط السريع، يمثل مرحلة متقدمة في طريق انهيار ايران وزوالها من الخريطة، كما حصل من قبل في ذيقار والقادسية.
ايران لا تقوم بلا عراق، ولن تنهار، إلا بيد العراق..
في العراق جرى تأسيس الأرشيف الإسلامي المحمّدي والعلوي، وفي العراق، ينتهي هذا الأرشيف، وتسقط آخر وريقاته.
يكفي العراق والعراقيين ، أن ريادة التحرر والتخلص من الدموية الإسلامية، كانت من بلاد المغرب العربي، وعلى يد الأمازيغ.. وأن السعودية كانت أكثر جرأة وشجاعة، في نزع أردية الدم، والتخلص من أرجاس الموتى والوثنية؛ بينما تنافس ابناء عراقستان في التجلبب بأردية الدم والضلالة والعبودية..
بعبارة واحدة.. أن عراقستان هو (مسخ) العراق العربي الحر، على يد أحفاد الذيول..
وأن ثقافة الذيول العبودية، ه (نسخ) للثقافة العراقية الشريفة، التي طالما كانت سمة العراق الرئيسة، في عيون العالم.
(3)
على مدى سنوات، بذل صاحب القرآن جهودا مضنية، ليس في تدبيجه، وتضمين نصوصه محاصصات جميع الأطراف الفاعلة في المجتمع والقرار السياسي؛ أكثر منه، اقناع الناس أن..
[الر. كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ]- (هود 11: 1)
(الر) = أنا الله الرَّحمن. ( كتاب) = هذا كتابٌ. (أُحْكمتْ آياته) = بعجيب النَّظم وبديع المعاني ورصين اللَّفظ. (ثُمَّ فُصِّلَتْ) = بُيِّنت بالأحكام من الحلال والحرام وجميع ما يحتاج إليه. (من لدن حكيم = في خلقه. (خبير) = بمَنْ يُصدِّق نبيَّه وبمَنْ يكذبه/ [الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - للواحدي (ت 1076م)]
الر. كِتابٌ) = هَذَا كِتَابٌ. (أُحْكِمَتْ آياتُهُ) = قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يُنْسَخْ بِكِتَابٍ كَمَا نُسِخَتِ الْكُتُبُ وَالشَّرَائِعُ بِهِ. (ثُمَّ فُصِّلَتْ) = بُيِّنَتْ بِالْأَحْكَامِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَحُكِمَتْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، ثُمَّ فُصِّلَتْ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. قَالَ قَتَادَةُ: أُحْكِمَتْ أَحْكَمَهَا اللَّهُ فَلَيْسَ فِيهَا اخْتِلَافٌ وَلَا تَنَاقُضٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فُصِّلَتْ أَيْ: فُسِّرَتْ. وَقِيلَ: فُصِّلَتْ أَيْ: أُنْزِلَتْ شَيْئًا فَشَيْئًا/[كتاب معالم التنزيل- للبغوي[1044- 1122م]]
فلمّا كان أمره في يثرب، صار (يرفع) من هنا، و(يبدل) هناك، وكلّه قناعة، باستمرار تصديق الناس/(حاشيته خاصة)، بأن الرافع المبدّل هو (حكيم خبير)، ينقله (جبريل).
[وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا]- (الكهف 18: 27)
لا مبدّل لكلماته = لا مغير لما أوعد بكلماته أهل معاصيه والمخالفين لكتابه/ (الطبري [839- 923م])
لا مبدّل لكلماته = لا مغير لها ولا محرف ولا مؤول/ (ابن كثير [1301- 1373م])
لا مبدل لكلماته = لا تغير ولا تبدل لصدقها وعدلها، وبلوغها من الحسن فوق كل غاية، (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ)/(الانعام 6: 115) فلتمامها، استحال عليها التغيير والتبديل؛ فلو كانت ناقصة، لعرض لها ذلك أو شيء منه؛ وفي هذا تعظيم للقرآن، في ضمنه الترغيب على الإقبال عليه/ (السعدي [1889- 1956م])
ولا جرم أن (القرآن) يومذاك كان مكتوبا على قطع من جلود البقر، محفوظا تحت فراش محمّد، ولم تكن منه نسخ في بيوت المسلمين، ولكن كان ثمة حفظة ورواة. لا ينبغي وضعهم في مستوى واحد مع المدونين والباحثين في عصر التدوين وصناعة الكتب.
كما أن الايمان الأعمى، والثقة العمياء، بالصفات القدسيّة والألقاب الدينية، تلغي جوانب هائلة من العقل، وتمنعه من الشكّ والمقارنة والاتهام. وفي أيامنا الأخيرة، لم يطرأ في المجتمع الديني، من كتشف أو يجترئ طرح أسئلة بنيوية إشكالية، تهز قاعدة الهرم.
وما زالت لغة الروادع والترهيب المتعسّف وتكفير الشكّ، دعامة العبودية لسلطان الغيب والاقطاع الديني. ولكننا بالمقابل، نرى حركات تمرد وارتداد وخروج عن البيعة، بشكل مستمر، وعلى مدى تاريخ الاسلام.
ولعلّنا نتوقف بتمعّن، أمام سؤال عائشة البعيد الدلالات، لزوجها الرّسول: [ما أرى ربّك إلا يسارع في هواك]- حديث صحيح/ (البخاري 4788؛ مسلم 1464)
[يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ... تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا. لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا]- (الاحزاب 33: 50- 52)
وذلك أن خولة بنت حكيم أو (امرأة مؤمنة) وهبت نفسها للنبي، فأورد (الأحزاب 33: 50)، فقالت له ما قالت. وهي هنا زوجته المقيمة معه، وتراقب تعاملاته مع جبريل وطريقة إيرادة للآيات والسور؛ بمعنى أنها تعرف كواليس الانتاج والصناعة، ولا تنظر للسلعة الجاهزة من خارج. وهو ما يصح بدرجة تالية على كتاب القرآن، وما صدر عنهم في الخصوص.
حيثية عائشة التيمية، تفيد في توضيح وتعليل طرق إتيان آيات النسخ المدنية، وما وراء نسخ آيات وأحكام سابقة من العهد المكي أو المدني. وإذا كان ثلث القرآن، هو مجرد استجابة وانعكاس لنرجسية شخصية صفراء، وثلثه الآخر، دعاية مجانية مقدّسة، يصنعها (إلهه) الشخصي؛ فأن آيات النسخ، ومنها (البقرة 2: 106)، هي في درج الاستجابات العلويّة لغرائز النبيّ ورغباته، لا غير.
لا أعتقد أن التوراة قد كتبت لإشباع نرجسية (موسى بن عمرام) وحاجاته، بل أن موسى رفض تكليفه بأمر الرسالة والتوجه بها إلى فرعون. وهذا خلاف شخص، يسعى لها سعيا، ولم يتورع عن شتم ولعن أعمامه، من أعيان مكة، لعدم تصديق حكاية نبوّته. فأيّ مستوى أخلاقي تستند إليه هاته الشخصية، أو مزاعمها الهشة في النبوّة؟.
وليس أكثر طرافة، لتصديق الشخص، مثل أقواله حول صلة الرحم، واعتبارها شرطا، لاكتساب رحمة الله..
[فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ]- (محمد 47: 22- 23)- مدنية
[الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ]- (البقرة 2: 27)- مدنية
[وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ]- (الرعد 13: 21)- مدنية
وف الحديث: [الرَّحمُ معلَّقةٌ بالعرش تقولُ: مَن وصلني وصله اللهُ، ومَن قطعني قطعه اللهُ]- رواه مسلم عن عائشة، وورد لدى البخاري وغيره بصياغات وإحالات مختلفة.
[قال الله: أنا الرَّحمن، وهي الرَّحِم، شققتُ لها اسمًا من اسمي، مَن وصلها وصلتُه، ومن قطعها بتتُّه]- رواه الالباني عن أبي داود، عن عبد الرحمن ابن عوف [580- 654م]
ولا أحسب، أن أحدا من أهل الأرض، قطع رحما، وقتل نفسا ونهب واغتصب وطغى، مثل (محمّد) الذي لعن أعمامه وقاتل قومه، وجعل نفسه ندّا وشريكا لإلهه، يوافقه في خيره و شرّه، فهو موجود من اجل محمّد، يصلي عليه؛ وليس محمّد من أجله.
وثمة.. فأنّ قصة (النسخ)، تتجاوز موضوع الصناعة، لما هو أكثر خطورة وأثر منه. وذلكم هو اتهام (الله) بكونه وراء موضوع (النسخ)، وتبديل كلماته وأحكامه، مناقضا لنصوص سابقة، تنفي أمر التبديل والتغيير في (القرآن).
وما يخرج عن عرف محمّد وطوابير الفقهاء والمفسرين وعامة المسلمين، أنّ (الله) ليس (ملكية صرف) مسجلة بإسم الإسلام أو نبيه. بل هو كائن قبل الإسلام.
فالله، لفظ الجلالة، خالق الكون وربّ العالمين، تعرفه اليهودية الأقدم تاريخا وكتابا، ولم يصدر عنها حالة الفوضى والاضطراب والتشوه والتشويش التي أصدرها الإسلام والقرآن ونبيه وفقهاؤه، وهم الأحدث عهدا، والأكثر جهلا، والأبعد في مضمار الحضارة والثقافة والتمدن.
وباعتراف بعض الباحثين، فأن (القرآن) يخلو من (اللاهوت)، ولا يقدم أدنى لمحة عن طبيعة اللاهوت، ما خلا فضيحة (أسماء الله)، والصحيح أنها (صفات)؛ لأنّ لله إسما واحدا، لا شريك له. فيما قدّمت قائمة (أسماء الله) المزوّة، جملة (صفات الشيطان) المتسمة بالمكر والتضليل والتكبر والانتقام وغيرها، مما لا يليق نسبتها للقداسة.
وكلّها خصائص نفسية مطابقة لسلوكية محمّد، تمّ إسقاطها على (الذات الإلهية) في الإسلام. بمعنى .. أنه بدل تسامي محمّد/ (البشري) والارتقاء للمحضر العلوي؛ قام الإسلام، بـ(تنزيل) : (الذات الإلهة)، وإقسارها لموافقة صفات محمّد ونزعاته.
ولكن، هل عبرت اللعبة على طوابير العلماء والفقهاء والفلاسفة طيلة اربعة عشر قرنا؟.. هل كان الخوف والسيف، مانعا لحرية الرأي والتعبير، وقولة الحق والحقيقة؟..
هذا ما يجيب عنه البخاري والطبري، وتلاميذهما، بابتداع مدرسة قائمة على الشويش والتناقض؛ بمعنى إيراد روايات على درجة من التناقض، يتجاوز حدود العقل والمنطق، بعضها يمتدح ويغالي في المديح، وبعضها يقدح ويغالي في القدح؛ فلا تعقل الأخرى، ولا تستسيغ الثانية؛ وهو ما يفهمه الدّهماء تحت عنوان (معجزات نبوية)، بلغ عددها أكثر من ثلاثة آلاف، دون اعتبار لما تتضمنه من قباحة أو خرافة.
فصحيح البخاري [810- 870م]، وهو مصنف يجمع أقوال الرواة، سجّل الغث والسمين عن شخصية مزعومة، سبقته عصره بقرن ونصف؛ بينما يتأخر عنها الطبري [839- 923م] بقرنين، وفي بيئة صحراوية يعمّها الجهل والظلمة؛ قدّم للقارئ كلّ ما يطمع فيه، كلّ حسب مذاقه وحاجته.
فالذي يتطلع للخرافات والمعجزات والخوارق، يلقى بغيته؛ وعبد الشبق والغريزة والدم، يجد ما يلبي نزعاته. ولكن تلك الأخبار والروايات، لا تعني بحال، ان المؤلف يؤمن بها، ولكنه ترك الحكم لعقل القارئ وثقافته.
هذا القارئ هو الذي جعل كتاب البخاري مقدسا بعد موته بقرون. ولكن البخاري من وجهة نظر أخرى، قدم موقفا نقديا ساخرا، من الشخصية والقارئ الديني. ولولا تلك الأدبيات، لما وجدت المدرسة النقدية والنقضية، بضاعتها اللازمة.
ولكن، ليس البخاري والطبري، جامعي التناقضات والغث والسمين، وانما ذلك هو سمة الخطاب القرآني، وجوهر الناسخ والمنسوخ، والمتشابه والمحكم، القرآن والمصحف، أم الكتاب واللوح المحفوظ.
وبكلمة: خالف تعرف!. ولولا حالة التشويش والركاكة والقباحة والمبالغة الخارقة، لما عرفت تلك الشخصية الشهرة العالمية، ولما أصبحت موضع إثارة وانشغال، دون أن يمكن لأحدهم، فهم شيء من تلك الشخصة، أو نص كتابه المرتبك؛ وهذا حال الأمة، وسبب تمزقها وتناحرها، وعجزها عن الانسجام ونيل السلام.
[كم أنا مشوّه. أنظر: أنا محمّد]- الكوميدا الإلهية- لدانته [1265- 1321م]
(4)
من خلال العرض السابق، نستنتج..
1- أن [النسخ] ظاهرة يثربية بامتياز، لم تسبق مظاهرها قبل الهجرة.
2- ان (النسخ) كان استجابة للظروف والمستجدات والمماحكات المباشرة واختلاف الثقافات بين يثرب ومكة.
3- دخول عناصر عرقية وثقافية جيوسياسية على الجماعة المحمّدية، شكلت ضغطا براغماتيا على (محمّد)، فارضة عليه شروطها وأطماعها، بدل أن يفرض عليها شروطه وأحكامه.
4- التحول من الدعوتية إلى المواجهة المسلحة، بما فيها استعادة التقليد البدوي في الغزو والكر والفر واستدرار الغنائم والأسرى.
5- التراجع القيمي لمشروع محمّد الديني والأخلاقي، وانحطاطه لمستوى المادة والغريزة والأغراض الدنيوية، وبأساليب فجة وغير حضارية، منافية للقيم.
6- تحوّل المتبوع إلى تابع، والتابع إلى متبوع؛ في يثرب. فالجماعة الاعرابية والعجمية الملتحقة بمحمّد، صارت تقوده وتملي عليه، بدل أن يقودها ويملي عليها. وبدوره، صار (القرآن) تابعا لأصوات الناس وشروطهم، بعدما كان (متبوعا) من قبل.
7- تحوّل (القرآن) إلى (تابع)، خاصية سوف تستمرّ بعد موت محمّد، عبر ملابسات الظروف الجديدة وتحدياتها، وبشكل، أفقده (قداسته) ومركزيته؛ وصولا إلى ظاهرة تحوّل (الرواة والمحدثين) إلى سلطة مرجعية تتحكم بالقرآن [نصا وتفسيرا وتأويلا]، وتجعل من سلطة الاخباريات [الحديث والسنّة]، فوق سلطة القرآن والزعامة الدينسياسية.
واليوم لا يتبع المسلمون القرآن، ولا يخضعون لتعاليمه ووصاياه؛ وإنما يتبعون الملالي، ممن يتحدث باسم (الدين)، ويفرضون وصايتهم على الدين والقرآن، ويجعلون أنفسهم وكلاء لربّ العالمين في خلقهم، ويجرمون كلّ من لا يخضع لهم، ويقذفونهم بعصيان الله ومخالفة الشريعة. أية شريعة!؟..
ومن يعص الملا، يعص الله، ويحكم بالتكفير؛ وهو منوال محمّد في وقته، بلعن من يخالفه وقتله بتهمة عصيان الله. فليس محمّد فقط أشرك بالله وصادر سلطانه، وإنما كلّ ملالي الفتاوي والعمائم، يثبتون شركهم وكفرهم، بتكفيرهم الناس والحكم عليهم، وهذا من حقوق الله وسلطانه!.
ومعظم الملالي من التنابلة التي تكتلت قواعدهم ايام الوثنية العباسيّة، ربائب العجم وأعداء العروبة والإسلام الأول. وأكثرهم من السفهاء والملاحدة الملاعنة، روّاد التلذذ بالغرائز وسمسرة الغلمان والجواري والإماء وملكات اليمين. يصفون أنفسهم بالعلماء ولا تتعدى معلوماتهم قواعد العربية والفقه، جهلاء بالعلوم واللغات الأجنبية، وثقافة العصر. والناس لا يتبعون علومهم، وإنما مزاعمهم الشفاعية وقراباتهم لنسب الرسول وعائلته، وكلّ ذلك من سبيل الكذب والافتراء والارتزاق، ومن جهل أتباعهم وسفههم.
فهل نقول أيضا، أن مراجع النجف وقميم ومشيخة الأزهر وأمثالها، هم أكثر خطورة على العرب، من (إسرائيل)..!
(5)
والخلاصة من هذا..
أولا: (النسخ) كان استجابة للظروف والتحديات الجيوجتماعية في يثرب.
ثانيا: (النسخ) ارتبط بتغيرات واضطرابات الشخصية المحمّدية، ووقعها تحت ضغوط الزعامة والنرجسية من جهة، وضغوط الطارئين الجدد على جماعته.
ثالثا: وضوح أثر (الشيطان) على شخصية (محمّد)، واستخدامه (أداة غيبية) للسيطرة على أتباعه والتحكم بهم.
رابعا: استحلال (الشيطان) محلّ الربوبية من جهة، والعمل على تزويق صور (الجنّ) ودمجهم في الثقافة الجديدة، وذلك نزولا عن معتقدات قديمة بين سكان الجزيرة.
خامسا: علاقة محمّد بالسحر، ووقوعه تحت تأثيره، بضمنها قصة موته بالسحر أو السمّ. والسحر أحد تقنيات تدوين وترتيب وتدبيج آيات وسور القرآن وفق نسبب عددية، وما فيها من تكرار وتوزيع حروف وألفاظ سرّية، بحيث يخضع النصّ لدلالات رقمية ونجمية، لها علاقة بعلم السحر، وتأثيره في النفوس. وهذا مرجع عدم جواز ترجمته للغة أخرى، لانفراط عقده وأنظمته الرقمية السحرية، عند الترجمة.
وهذا هو جوهر ما يوصف به القرآن من (بلاغة ومعجزات لغوية). والصحيح هو دلالات سحرية ورقمية ووصفية، وتكرارات (ذكر) الآلهة والأنبياء من جهة، والشياطين والجن وأبليس من جهة أخرى.
هذا التناقض والتهافت والتأكيد والتفنيد، وراء نص بلا معنى واضح/(كتاب مبين/ يوسف 12: 1-2)، وارتباك معانٍ مضطرب. فالاعجاز = هو العصيان على الفهم والتفسير. ليس لصعوبته وعمقه، وإنما لاضطرابه اللغوي وارتباك مضامينه، وانقضاض بعضه على بعضه الآخر.
وهذا كذلك، سرّ انصراف الناس عنه، واتباع الرواة والمحدثين والفقهاء مصدرا للدين.
القرآن هو كتاب للتلاوة والغناء والاستطباب بالسحر، وليس للعقل والفهم والتفسير والاتباع في السلوك.
(6)
بعبارة أخرى، ان مرحلة (يثرب) هزّت الشخصية المحمدية نفسيا وفكريا، وفضحت تلبّساته الشيطانية، وعلاقته بالجنّ وهيئاتهم وآثارهم، وبشكل جعلهم (ندّا) ميتافيزيكيا لـ(الأنس)/(البشر).
تلك المنظومة الشيطانية التي تخلخلت العقيدة والفكر الإسلامي، طبعت التابع الإسلامي، فريسة لخوف وقلق دنيوي وأخروي، لا يميز منهم الملائكة الصالحين من الشياطين، ولا الجن المؤمن، من الجن القاسط/(المشرك). وهذا مصدر الاضطراب والهشاشة وعدم (الايقان) لدى المسلم.
وهذا يعيد القارئ لمناقشة قصة الغار الأول، هل كان ذلك (الخنّاق) الموسوس، هو: (جبريل)، أم: (ابليس)؟..
دلالات الهلع والارتعاد والانهيار التي رافقته منذئذ، بما يشبه أعراض (الصرع)، قبل أن يجري توصيفها بعلامات النبوّة من قبل قس مسيحي/(إذا صحّ الحديث)؛ علما أن المسيحية وفي كتابها ووصايا المسيح، تؤكد عدم وجود أنبياء من بعده، سوى (أنبياء كذبة). فهل جامل ورقة بنت عمّه على حساب الانجيل. أم أن (الراوي) لفّق القصة، لغاية ما؟.
ولعلّ من يقرأ الانجيل والمزامير بعقل نابه، يستقرئ ملامح واضحة، تتطابق مع سيرة محمّد، وملامح الهلاك والفساد وسفك الدم، والكذب والظلم والاعتداء على الله، التي تخلّلت رسالته. وعجبا لمن لا تستفزه شعارات: (جئتكم بالذبح) *، (وضع رزقي تحت سيفي)*، (الدم الدم، الهدم الهدم)*.
ما يحتاجه المسلم اليوم لييس التبرير والانكار والانفعال، إنما امتحان الأفكار والأحداث والأرواح، وتميز الشرّ من الخير، والتحرر من عبودية اليقين والتلقين، إلى تنفس هواء الحرية ، والخروج من الصندوق لاستطلاع الضفاف الأخرى.
وما أسلحة الترهيب والخوف والاغتصاب والعسف السائدة في المجتمعات الإسلامية منذ أربعة عشر قرنا، وتشهد رواجها اليوم؛ ليس في سياق (نهضة اسلامية)، إنما ضمن سيناريو عالمي يكشف حقيقة الاسلام وتعاليمه، تمهيدا لتسقيطه وتجريمه دوليا.
ولعلّ العالم يتفق جملة، على فرادة السيد يسوع المسيح على مدى الزمن، فهو القياس لفهم وإنارة اللاهوت والعلاقة بين الانسان وربّه، ليس من خلال (الدين البشري المادي والغريزي)، وإنما من خلال العقل والمعرفة: [تعرفون الحق والحق يحرركم]- (يو 8: 82). وفي رسالة عبرانيين: [اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ]- (عب 1: 1- 2)، وهو يؤكد ضمنيا نهاية الرسل والأنبياء.
فليس من العقل والمنطق، أنه بعدما ختم قائمة الأنبياء والرسل، بايفاد ابنه للعالم؛ يعود ويعاود إرسال رسل جدد، وينسخ كلماته. وكلّ من ادعى نبوة أو رسالة من بعده، انكشفت فريته، سواء في القرن الميلادي الأول، أو بدعة ماني الذي خلط عدّة أديان في دين واحد؛ وهذا ديدن كلّ من اتبعه من محمّد إلى العلوية والدرزية والبابية والبهائية والماسونية.
صحيح ان الاسلام امتدّ ونفذ، ولكن كيف كانت ثماره/(من ثارهم تعرفونهم)- (مت 7: 16)؟.. لماذا تستوطن مجتمعات المسلمين في خوف وجوع وذل وانحطاط وارتداد مضطرد ومهانة؟.. لقد حاولت طويلا الأخذ بالقول الساري، ان الاسلام رفع العرب، وأنه كرامة العرب، ولكن تطبيقات ذلك في الواقع هي معكوسة.
الاسلام أذل العرب، وأوقع فيهم الفتنة والخلافات، وجعلهم فريسة للعجم. أي قرآن عربي مبين، أحباره ومفسروه وسدنته من غير العرب. غير العرب هم واضعوا قواعد لغة العرب، وهم الواقفون على أمرها، فيما يتنازع العرب بعضهم البعض في لغات ولهجات وعادات متضاربة.
أليست فارس قد ابتلعت عراقستان، منذ (539م) قبل الميلاد، وأنشأت فيه أكبر جالية ايرانية منذ قرون، تحولت تدريجيا، وبنكوص جماعات قبلية نجدية إلى أغلبية سكانية، وأكبر طابور خامس ولاؤه ضدّ العراق. وهم يستبدّون بحكمه منذ (2003م)، يعيثون فيه الفساد وسفك الدماء، ولا يسمحون بخروج السلطة من أيديهم ومن النفوذ الايراني الحاقد.
كيف تقرأ النفوذ الايراني في الشريط الخليجي والممتد جنوبا مع شواطئ البحر العربي، مخترقا بالتشيع والولاء الأجنبي ومعداة العروبة والوطنية. ذلك فضلا، عن خريطة (الهلال الشيعي) النافذ، بدل (الهلال الهاشمي الأردني) أو (الهلال السوري القومي) لأنطون سعادة. ماذا نحتاج لكي نشعر ببعض الحياء والخجل؟.
أم ان الجوع والغريزة وعقدة النقص، قد استملكت الكيان العربي، فلا يحس بغيرها؟..
(7)
ان المسلم يعيش في يوتوبيا ذهنية مبنية على تصوّرات ونصوص جامدة، يفندها الواقع. واقع يسوده الحسد والغيرة والطمع واللؤم وكراهة الذات والايقاع بالذات. إذا كان الاسلام قد عجز عن بناء مجتمع إنساني قيمي ومنسجم مع نفسه ومع العصر، بعد أربعة عشر قرنا ونيف، فمتى يولد هذا المجتمع؟.
الطبقة الدينية في الاسلام، تتحدث عن اسلام سلام، ومثله من شعارات فضفاضة، وتأمر بالتكفير والتصفيات والاغتيالات وتنفيذ مجازر منافية للانسانية، دون واعز أو حياء. ثم ينسب هولاء تسلكاتهم الدموية إلى الله. أن مجرد نسبة العنف والقتل والمجازر والظلم إلى (الله)، هو تأكيد عدوانية (الإسلام) لله.
ومن مظاهر الإسفاف الإعلامي، لغة التبرؤ من الإجرام والمفاسد، بجملة: (هل لديك دليل؟)، ليس هناك دليل. وكأن جرائم محو إتلاف ادلة الجريمة، غير معروفة في القانون. وأن هيمنة طغمة الإجرام على مقدرات، تعفيها من إتلاف ما لا يناسبها من وثائق ومستندات، ودلائل.
وهو ما يكشف أسباب وجود المليشيات الهمجية وطبيعة واجباتها السرّية ونشاطاتها التي لا تعلنها الدولة ووسائل الإعلام، فضلا عن توفر عديدها على وسائل إعلام وفضائيات، تشاغل الناس عن حقيقتها. ولا بدّ من يوم، تنكشف فيه جرائم مليشيات بدر والمهدي والعصائب والحشد الشعبي، ضدّ سكان ومناطق العراق، المستهدَفة من الذيول.
ليس تصفية الشخصات الوطنية والعلمية والعسكرية والمعارضة لايران، وإنما هدم وتسوية مراكز وعمارات ومآثر مادية وثقافية، تمثل هوية العراق الأصلية والعربية. وهي أشياء لن يكون للتقية والمعصومية والباطنية، والفراغ السياسي والعسكري، تمريرها..
ان مجرد قتل إنسان، هو اعتداء على خليقة الله وعمله. انظر واستمع، بجرأة وعقل، إلى تصريحات الملالي، وما يفوح منهم من روائح الشتائم والتهديد والتحريض الواضح، واختبر بنفسك نص القرآن: [من يفسد ويسفك الدماء/ البقرة 2: 30]؛ [اَلسَّارِقُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ/ يو 10: 10]
(اخرج منها يا ملعون)*، لا خبر جاء ولا وحي نزل. ان الله الحقيقي يوجد في كل مكان في الكون، إلا في كيان (الإسلام)، العدوّ لله والانسان، والذي يسخر الجن والشيطان، رسالة للتوحيد وكرامة النبوة، كما تورد التفاسير الخائفة.
[اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ]- (مت 7: 15)!
[وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ]- (مت 24: 11).
[لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا]- (مت 24: 24).
[وَلكِنْ، كَانَ أَيْضًا فِي الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ. وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ، يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكًا سَرِيعًا]- (2 بط 2: 1).
في ضوء هاته الملاحظات، سوف نتوفر على قراءات جديدة لنصوص القرآن وشخصية محمّد، أكثر قربا من الواقع الظرفي وتحدياته، وسنجد أن (محمّدا) لم يكن بطلا، بقدر ما كان ضحية أمر رسمه له ثلاثي مكة [بحيرا، خديجة، ورقة]، وثلاثي يثرب [الأنصار، المهاجرين، الأعراب].
أمّا تقديس محمّد ورفعه للمكان المحمود، فقد جرى عقب موته، وجعله (وسيلة) لاقتناص الزعامة والخلافة والولاية والسيادة والسمسرة في اتجاهات ومستويات متعددة، بعدما، صار (الإسلام) تابعا مصنوعا، بأيدي الاقطاع الديني: [اصحاب زعماء، أهل بيت أدعياء، فقهاء ومحدثين].
(8)
هل الإسلام (دين) أم (أيديولوجيا) أم (قانون غاب): لبناء سلطة وطبقة سياسية؟..
ماذا يعتقد عقلاء العرب في العراق ومصر والشام، بعدما شهدت بلدانهم ومجتمعاتهم من تمزقات وصراعات وفتن وضغائن، لما تزل تهرس أبناءهم وأنسجتهم الاجتماعية، دون أن يجرؤوا على اتخاذ قرار ناجع!..
كيف يستبدّ أهل العمائم والمشيخات، قيادة المجتمعات، ويتم تكفير المثقفين والعلماء بذريعة تكفير العلمانية، ولا تجد الحكومة الطفيلية، غير الانحياز للطبقة الدينية، طمعا بالسلطة؟..
ليست وظيفة هذا الموضوع تغيير الناس ولا تخليصهم المجاني مما هم فيه من خرافة وخناثة، قدر ما هو استفززاز وتنبيه، يدفعهم لتغيير أنفسهم وعقلولهم وواقعهم، وإدراك حاجتهم الضرورية للوطن والكرامة، بدل خزعبلات الاقطاع الديني المرتذل.
وتنبيها ثابتا للمسلم، أن القرآن والتراث الاسلام العباسي السقيم، لا يوجد فيه لفظة (وطن) و (سيادة) و(إنسان حر). والجاهل هو السعيد، بعبوديته.
طيلة العهد المكي، بذل محمّد مجهودا في استعراض سلاسل (الأنبياء) وموضعة (إسمه ونفسه) بينهم، وتأكيد مكانتهم السماوية والفردوسية؛ وعلى حين بغتة، يقوم بطعنهم من الخلف، وبلا تردد، في سورة الحجّ(22: 53): [وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ].
أليس هذا اتهاما جائرا وتجنيا وتسقيطا، لأنبياء سابقين، عبر اسقاط شخصي، لأزمته واضطرابه النفسي على أشخاصهم؟.. وكيف يصطفي (الله) ، أتباع (ابليس): (ذرية على العالمين). لقد جعل محمّد نفسه معيارا ومثلا، لأولئك الذين، بذل جهده لألحاق نفسه بهم، والتعلق بأذيالهم، لإقناع الناس بنبوّته. وبالمعنلا الدارج، ان السيء عندما يسقط، لا يرتضي أن يسقط وحده، إنما يُسقِطُ الجميع بجريرته. فضلا عن حقيقة، ان نص (الحجّ 22: 53)، ينسف وينسخ مضامين الايات التالية، وما هو في سياقها:
[إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ]- (ال عمران 3: 33- 34)- مدنية
[قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ]- (البقرة 2: 136)- مدنية
ان النص الآنف من سورة الحجّ المدنية، ينفي (نبوّة) محمّد، ويفند دعاواه في الافتاء والتأليف، فيما هو يفتقده، في مجال النبوة والعلاقة الإلهية، فلا يطعن في شخصية يسوع المسيح من جهة، ولا يتهم الأنبياء السابقين، بوخزة ابليس: (يلقي الشيطان في أمنيته).
وفي غمرة تلبّسه، نسي محمّد: (الله)، وكلّ ما سبق تسطيره عن الحفظ الإلهي، والحرس الملائكي الذي يغلق أبواب السماوات والأرض، والكلام المحفوظ واللوح المحفوظ، وكلّ ما من شأنه، توثيق قواعد (نبوّة) افتراضية خاوية، تترواح بين إلحاف الرواة والمحدثين، في تعظيم (نبي بدوي) يعلم الغيب ويرتكب المعجزات، ويلمّ بأخبار الأولين والآخرين، من أنس وجن وحيوانات؛ وبين بشر عادي وشخص أمي، لا يكتب ولا يحسب، لا يزرع ولا يصنع، وإنما هو صنيعة نساء جاهلات.
(9)
ينسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ..
أولا: على طريقته في ضمّ إسمه لقافلة الأنبياء، منح بعدا تاريخيا سابقا للوحي الشيطاني.
ثانيا: اتهم الأنبياء جملة، بأنهم من رواة وأتباع (وحي الشيطان)، لتبرير ما يأتيه، وتطبيع خطأه، أو بطلان نبوّته البشرية المؤيدة بالفخذ والبطن وفراش عائشة.
والتفسير الأرجح هنا، هو استخدامه المكر والخداع، لاستمالة قريش وأعيانها، بعدما اتهموه بأن جلّ أتباعه من العبيد والضعفاء.
عن أبي العالية: قالت قريش لأبي كبشة: إنما جلساؤك عبد بني فلان ومولى بني فلان؛ فلو ذكرت آلهتنا بشيء جالسناك، فإنه يأتيك أشراف العرب فإذا رأوا جلساءك أشراف قومك كان أرغب لهم فيك. فألقى الشيطان في أمنيته، فكانت هذه الآية: [أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى]- (سورة النجم 53: 19- 20)
فأجرى الشيطان على لسانه: [تلك الغرانيق العلى. أن شفاعتهن لترجى. ومثلهنّ لا يُنسى]- (سورة النجم 53). فسجد النبيّ حين قرأها، وسجد معه المسلمون والمشركون؛ فلمّا (علم)/(هل كان النبيّ خارج وعيه، وكيف يقول بعضهم، كلّ ما يقوله النبي: (وحي يوحى)!) ما جرى على لسانه، (كبُرَ) ذلك عليه.
فواساه ربّه وخفّف عن نفسه وأمر فضيحته على الملأ: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ )...
وفي رواية أخرى، عن نفس الراوية:
انّ أبا أحيحة سعيد بن العاص، قال: قد أن لابن أبي كبشة أن يذكر آلهتنا بخير!.. حتى بلغ ذلك المهاجرين بالحبشة: أن قريشا قد أسلمت. فاشتدّ على الرسول ذلك، فكانت الآية: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)..
فأيّ وحي هذا وأية نبوّة، بل وأي ظاهرة دينية أخلاقية، تقوم على كذب وتدليس، أو عته واضطراب نفسي/ عقلي؛ وبعدُ، لا يؤخذ بقول الشاعر:
لَعِبَتْ هَاشِمُ بِالْحُكْمِ فَلا.... خَبَرٌ جَاءَ وَلَا وَحْيٌ نَزَلْ
وهكذا لعبت بنو هاشم دور (رجسة الخراب) في حياة العرب وبلاد الجزيرة، فكانت وباء وداء وبيلا، وأساس كل الكوارث والويلات والتخلف والهمجية والانحراف وبحار الدم التي أسيلت باسم وبسبب عائلة ممسوسة، رفعها إبليس على ركام من جثث وبحيرات آسنة من دماء.
وقد قيل: العار خلّف نارا، والنارُ خلَفت عاراً. وهاته هي المتوالية التي يعيشها عرب الإسلام. ولا غرابة، أن يكون الإسلام حربا وسيفا مسلّطا على رقاب وعقول العرب أنفسهم، ويكون إسلام الهواشم، أساس شرذمة العرب وتمزيق كياناتهم، وتعطيلهم عن عجلة الحياة والتطور والتمدن والحضارة. فهل يصحو عربي؛ وهل يستيقظ مسلم من قاع مستنقعه، ويعي. صحيح: [إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم]- (الرعد 13: 11)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* [عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرو بنِ العاصِ قالَ : قُلتُ لَهُ: ما أَكْثرَ ما رأيتَ قُرَيْشًا أصابَت مِن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فيما كانَت تظهرُ مِن عداوتِهِ، قالَ: حَضرتهُم وقدِ اجتمعَ أشرافُهُم يومًا في الحِجرِ فذَكَروا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالوا: ما رأَينا مثلَ ما صبَرنا عليهِ من هذا الرَّجلِ قطُّ سفَّهَ أحلامَنا وشتمَ آباءَنا وعابَ دينَنا وفرَّقَ جماعتَنا وسبَّ آلِهَتَنا لقد صبَرنا منهُ على أمرٍ عظيمٍ أو كما قالوا: قالَ: فبينَما هم كذلِكَ إذ طلعَ عليهِم رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فأقبلَ يَمشي حتَّى استلمَ الرُّكنَ ثمَّ مرَّ بِهِم طائفًا بالبيتِ فلمَّا أن مرَّ بِهِم غَمزوهُ ببعضِ ما يقولُ قالَ: فعَرفتُ ذلِكَ في وجهِهِ ثمَّ مضى فلمَّا مرَّ بِهِمُ الثَّانيةَ غَمزوهُ بمثلِها فعرَفتُ ذلِكَ في وجهِهِ ثمَّ مضى ثمَّ مرَّ بِهِمُ الثَّالثةَ فغمزوهُ بمثلِها فقالَ: تَسمعونَ يا معشرَ قُرَيْشٍ أما والَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيدِهِ لقد جئتُكُم بالذَّبحِ..]- (أورده: البخاري في خلق أفعال العباد، أحمد في المسند، ابن حبان في الصحيح، ابن أبي شيبه في المصنف، البيهقي وأبو نعيم الاصفهاني في دلائل النبوّة، صححه أحمد شاكر، حسنه شعيب الارناؤوط في تحقيقه على مسند أحمد، وصححه الالباني في كتابه (صحيح السّيرة النبوية).
* [بُعِثْتُ بين يَدَيِ السَّاعة بالسَّيف، حتى يُعبَدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وجُعِلَ رِزْقي تحت ظلِّ رُمْحي، وجُعِلَ الذَّلُّ والصَّغار على مَنْ خالَف أمري، ومَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم]- (رواه البخاري في باب الجهاد، العسقلاني في شرح فتح الباري، ابن عبد البر في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد).
* (الدم الدم، الهدم الهدم): هو شعار مليشيات الوهابية لدى نشرهم الدعوة والبيعة لسلطان كلّ من عبد الوهاب وآل سعود.
* صدام المجيد [1937/ 1979- 2003/ 2006م] رئيس جمهورية العراق، له مجموعة أعمال سياسية وأدبية، منها روايات: القلعة الحصينة/2001م، زبيبة والملك/ 2004م، اخرج منها يا ملعون/ 2006م، رجال ومدينة/ د. ت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح