الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأساة الذوق العام

محمد أبو قمر

2020 / 2 / 18
ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية


علي فكرة ، هبوط الفن نتيجة مش سبب ، يعني لما يفسد الذوق العام كل حاجه بالضرورة بتفسد .
طيب إيه هو ده إللي إحنا بنسميه الذوق العام؟؟.
الذوق العام هو النسق الأخلاقي والثقافي والفكري والديني ، هذا النسق هو الذي ينتج قيمنا الإنسانية ، وهو الذي يحدد نوعية الأخلاق ، وهو الذي يصبغ الفنون والآداب بلونه ، وهو الذي يحدد مدي قابليتنا للتطور الحضاري والإنساني هل نحن جامدون متحجرون أم متحركون ولدينا الاستعداد للتغير وللتطور ، وهو في ذات الوقت الذي يحدد نظرتنا للمرأة هل نحترمها فعلا أم نضربها ونهينها ونخفيها بدعوي تكريمها والحفاظ عليها ، هل لدينا قابلية للتعايش أم ثقافة الكراهية تشيع بيننا بلا ضابط ولا رابط.
ياسيدي الفاضل لا يختلف هبوط الفن عن قذف أحدهم للفضلات المنزلية من شرفته في عرض الطريق ، ولا يختلف أبدا عن تعطيل مصالح المواطنين في أروقة المصالح الحكومية بحجة أداء الصلاة ، هبوط الفن مثل تهتك النظرة إلي المرأة باعتبارها وعاء جنسيا ، الفتوي بتكفير الأغيار دينيا عبر شاشات التلفاز لا تختلف أبدا عن أغنية هابطة تأتيك عبر الشاشة ذاتها ، الشاكوش الذي غني أغنية أثارت حفيظتك لا يختلف مطلقا عن الشاكوش الذي شدي بأغنية يقول مطلعها " وجه المرأة مثل فرجها " ، ولا يختلف عن الكماشة التي غنت لنا كثيرا عن جواز اغتصاب السبايا والأسيرات ، ولا يختلف عن المنشار الذي ألقي علينا قصيدة قتل تارك الصلاة.
الخطاب الثقافي والفكري والديني عندما يعتريه العوار ، عندما يمتليء بالزيف والتلفيق وتشيع فيه الخرافة ، عندما ينفي العقل ويجفف الوجدان ، عندما يحدث ذلك يصبح الذوق العام أشبه بآلة خربة تنتج لك الأشياء مشوهة ومتفسخة ومتهتكة ومختلطة ببعضها بطريقة تفقدك حتي معرفتك بذاتك فضلا عن معرفتك بتاريخك من أين جئت وإلي أي مصير أنت ذاهب.
وعلي فكرة ، فإنه كما أننا لن نشفي من كل أمراضنا السلوكية والمعرفية والطائفية والخرافية إلا إذا تجاوزنا هذا الخطاب فإن أي قرار ليس بمقدوره أن يمنع أي ظاهرة فنية متهمة زورا بإفساد الذوق العام ، ذلك أن الذوق العام الذي نتوهم أنه مجني عليه هو منتج كل الظواهر الممرضة نتيجة إفساده بهذا الخطاب.
هل تعلم ياسيدي أن كلمة الفن الهابط لا تقتصر مطلقا علي الأغاني أو الموسيقي الهابطة؟ ، الحوار فن ونحن لا نتحاور وإنما نتشاتم ، والنقد فن ونحن نفتقد كلية إلي أدواته ، بل إن الأزياء فن ولك أن تتأمل كيف وضعنا نساءنا داخل زكائب بألوان تدفعك إلي التقيوء بدعوي ستر العورات .
والعمارة فن ، ولك أن تتجول في الأحياء الشعبية لتري كيف يشيد الناس بيوتهم بطريقة أشبه بالكهوف أو المقابر ، ناهيك عن الشوارع والحارات التي لا تدخلها الشمس والتي تتلوي مثل ثعبان يحتضر بحيث تتعجب كيف سمح مهندسو الأحياء في مجالس المدن بهذا التنظيم المميت.
نوعية الفن والسلوك والأخلاق والحب والكراهية والتعايش وقدرة العقل ونوعية الروح ومدي جفاف الوجدان أو حيويته ، كل ذلك وغيره من توابع الذوق العام ، نوعية هذه الأشياء تنبع من نوعية الذوق العام ، والذوق العام ذاته هو الشجرة التي يرويها الخطاب الثقافي والفكري والديني ، فإن كان هذا الخطاب يرويها ماء صافيا كالماء الذي يروي زهرة السوسن ويجعلها تبدو متألقة أبية تفرض وجودها فإن هذه الشجرة التي هي الذوق العام ستثمر ثمرا يبعث علي دهشة العالم ، وإن كان هذا الخطاب يرويها بجموده وتحجره وتيبسه وبخرافاته وبحكاياته المزيفة المفارقة لكل عقل فإن هذه الشجرة التي هي الذوق العام لن تنتج لك إلا كل ما هو هابط ومتفسخ ومتهتك ورديء ، فن هابط ، وعمارة متجهمة ، وشوارع قذرة ، وأدب طخين ، وأشعار مزيفة ، ونقد متهافت ، وفكر ملفق ، وطائفية مقيتة ، وكراهية مضمرة ، وتنمر ، وخوض في الأعراض ، وتحرش ، واحتقار للمرأة ، وفتاوي تفرق لك بين الظراط والفساء الحميد والفساء والظراط الغير مستحب وأغان تثير حفيظتك دائما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد