الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مزايا انخفاض الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري

صبحى إبراهيم مقار
(Sobhi Ibrahim Makkar)

2020 / 2 / 19
العولمة وتطورات العالم المعاصر


يعرف سعر الصرف بأنه "عدد وحدات النقد المحلي التي يمكن مبادلتها بوحدة واحدة من النقد الأجنبي"، ولذلك يعتبر سعر الصرف أداة الربط الأساسية بين اقتصاد معين وباقي اقتصاديات العالم مما يسهل المعاملات الدولية من خلال ثلاثة أسواق مختلفة تتمثل في كل من سوق الأصول، سوق السلع، سوق عوامل الإنتاج. ويلعب الدولار الأمريكي دوراً كبيراً في الاقتصاد العالمي نتيجة لعدة عوامل تتمثل أهمها في كونه يمثل عملة أكبر اقتصادات العالم وارتباط العديد من العملات بالدولار أو بسلة عملات دول صناعية يمثل الدولار فيها وزناً نسبياً كبيراً، ولقيامه بدور عملة الاحتياطي العالمي من خلال احتفاظ البنوك المركزية في معظم دول العالم باحتياطيات كبيرة منه لتلبية احتياجاتها من السلع والخدمات المستوردة لكونه العملة الأساسية التي تتم بها معاملات أسواق الصرف الأجنبي واستخدامه لتسعير أهم السلع العالمية مثل الذهب والبترول.
وقد شهد سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري انخفاضات متتالية بعد نجاح مصر في تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي إلى أن وصل حالياً إلى 15.67 جنيه في 18/2/2020 مقارنة بـ 17.96 جنيه في 31 ديسمبر 2018. وتتمثل أهم المزايا التي يمكن تحقيقها من انخفاض قيمة الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري في كل من:
1) انخفاض القيمة الحقيقة للديون الخارجية، حيث يؤدى انخفاض قيمة الدولار مقابل الجنيه إلى انخفاض إجمالي قيمة هذه الديون بنفس النسبة، والتي تقود إلى سلسلة من المضاعفات من أهمها انخفاض عجز الموازنة العامة، وانخفاض أعباء الديون وزيادة القدرة على السداد مما يؤدى إلى زيادة قدرات الدولة على عقد قروض جديدة بسعر فائدة أقل وعلى آجال طويلة جداً.
2) زيادة الطلب على الجنيه المصري نتيجة لقيام المواطنين بتحويل مدخراتهم من الدولار الأمريكي إلى الجنيه المصري، وخاصة الفئات التي تتوافر لها إمكانية الحصول علي الدولار مثل العاملين المصريين في الخارج، والعاملين في الأنشطة المالية والمصرفية والتجارة الخارجية، بالإضافة إلي فئات المضاربين نتيجة لزيادة درجة اليقين عندهم باستمرار انخفاض قيمة الدولار الأمريكي في الأجل القصير مما يؤدي إلى زيادة الكميات المعروضة من الدولار الأمريكي في سوق الصرف الرسمية وانخفاض الطلب عليه. وبالتالي، نقص حجم أو تلاشي سوق الصرف غير الرسمي مما يزيد من فاعلية سياسة الصرف الأجنبي التي يعلنها البنك المركزي وزيادة درجة مصداقيتها من قبل الوكلاء الاقتصاديين، وتزيد بالتالي ثقتهم في الاقتصاد المصري.
3) زيادة قدرة الدولة على الحفاظ على تنافسية الصادرات المصرية بل وزيادة قدرتها على النفاذ إلى الأسواق الخارجية نتيجة لانخفاض أسعار أغلب السلع المستوردة خاصة أسعار الخامات والمستلزمات الوسيطة المستوردة من الخارج مع انخفاض قيمة الدولار، حيث تصبح المدخلات الوسيطة في هذه الحالة ميزة نسبية لكونها تمثل مكونا أجنبياً هاماً في الصادرات المصرية مما يؤدى إلى انخفاض تكلفة الإنتاج وانخفاض أسعار المنتجات النهائية المصرية في الأسواق العالمية. وبالتالي، زيادة الطلب على المنتجات المصرية فتزيد بالتالي قيمة الصادرات وتتحسن المستويات المعيشية بصفة عامة والفئات محدودة الدخل بصفة خاصة. وذلك بسبب زيادة قدرة الدولة على دعم السلع والخدمات نتيجة للانخفاض المستمر في عجز الموازنة العامة للدولة بسبب انخفاض قيمة فاتورة استيراد السلع المخصصة للدعم.
4) انخفاض إجمالي قيمة القروض التي حصل عليها رجال الأعمال المصريون بنفس نسبة تراجع قيمة الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري مما يؤدي إلى زيادة احتمالات تحقيقهم لأرباح كبيرة وانخفاض احتمالات تعثرهم في سداد مديونياتهم للبنوك مما يشجع المزيد من الشركات المحلية على الدخول إلى حلبة الإنتاج بسبب زيادة التوقعات بتحقيق الأرباح مع استمرار انخفاض قيمة الدولار مما يساهم في انخفاض معدلات البطالة وزيادة حصيلة الضرائب، بالإضافة إلى حدوث حالة من الرواج في مختلف أسواق السلع والخدمات نتيجة لرغبة الكثير من الشركات ورجال الأعمال في إتمام أية صفقات أو اتفاقات وعدم تأجيلها لحين استقرار قيمة الدولار الأمريكي حتى يمكنهم تحقيق أقصى استفادة ممكنة دون تضرر باقي فئات المجتمع.
5) انخفاض فاتورة الواردات، وبصفة خاصة السلع الاستهلاكية التي ليس لها بديل محلى، انخفاض معدل التضخم، انخفاض تكلفة سلة الحاجات الأساسية للمواطن مثل الغذاء والعلاج والتعليم والسكن والزواج وسداد الديون. كل ذلك يؤدى إلى حدوث تحسن مستمر في ميزان المدفوعات، وانخفاض عجز الموازنة العامة للدولة مما يدفع الحكومة إلى عدم فرض ضرائب جديدة أو تخفيض نسب الضرائب الحالية مما يقلل من الأعباء التي يتحملها كل من المستثمرين، القطاع العائلي.
6) عدم تعرض الصناعات المصرية للمخاطر والتقلبات، وذلك لقيام البنوك بتوفير ما تتطلبه من دولار بكميات أكبر مما تشتريه مما يساهم في وجود فجوة في عرض الدولار تدفع سعر الدولار نحو المزيد من الانخفاض. ونتيجة لاعتماد أغلب هذه الصناعات علي تسهيلات الموردين عند استيرادها للمواد الخام والسلع الوسيطة، فإن تكلفة الإنتاج سوف تتجه للانخفاض بصورة مستمرة.
ولتحقيق أقصى استفادة ممكنة من انخفاض سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري نقدم الاقتراحات التالية:
1) إصلاح الميزان التجاري من خلال إعادة تأهيل الصناعة لزيادة الإنتاج ورفع الإنتاجية والاستفادة من الانخفاض المتوقع في تكاليف الإنتاج لنصل في النهاية إلى إنتاج سلع وخدمات جيدة تتوافق مع رغبات المستهلكين وتلتزم بمعايير الجودة وتكون بسعر تنافسي مناسب في كل من الأسواق الدولية والمحلية على حد سواء مما يؤدى إلى الحد من الاستيراد وتقليل عجز الميزان التجاري. لذلك يجب التوسع في شبكات الجودة لضمان تحقيق أعلى كفاءة إنتاجية ممكنة من خلال التحديث المستمر لنظم الميكنة ومختلف مراحل العملية الإنتاجية، بمعنى التحول من تصدير المنتجات الرخيصة والمنخفضة الجودة إلى تطبيق إستراتيجية "اكسب السوق عن طريق تحسين جودة المنتجات" من خلال الاعتماد على البحوث والتطوير وتطبيق أحدث الأساليب التكنولوجية في الإنتاج، وتطبيق نظام لمراقبة الجودة ونظام آخر لتراخيص الجودة للسلع المصدرة للخارج، بالإضافة إلى التوفيق بين الجودة الداخلية والمظهر الخارجي للصادرات السلعية، وفحص السلع والمنتجات بداية من البحث والتطوير والتصميم إلى التصنيع ووسائل النقل والتخزين.
2) توفير البرامج التدريبية اللازمة لرفع كفاءة القائمين على الإدارة النقدية للصرف الأجنبي مما يساعد على تحقيق الاستقرار النقدي العادل في قيمة الجنيه المصري في مواجهة كافة العملات الأجنبية بصفة عامة والدولار الأمريكي بصفة خاصة. ويتحقق الاستقرار النقدي بصفة أساسية من خلال استقرار المستوي العام للأسعار ونمو العرض النقدي الإسمى بمعدل يقترب من معدل نمو الإنتاج السلعي، بالإضافة إلى وضع السلطات المختصة معدلات هدفية لكل من العرض النقدي الاسمي والمستوي العام للأسعار لا يجب تجاوزها.
3) ربط سعر الفائدة على ما يتم إصداره من أصول مالية مقومة بالجنيه المصري بعائد الأصول البديلة المقومة بالعملات الأجنبية لضمان تحقيق عائد تنافسي يدفع الأفراد إلى زيادة ما في حوزتهم من موارد وأصول بالجنيه المصري.
4) تحديد أولويات الإنتاج والاستهلاك والاستثمار والواردات للحد أكثر فأكثر من الطلب علي الدولار الأمريكي والسيطرة علي عجز ميزان المدفوعات، وتقليل حجم الدين الخارجي من خلال ترشيد عقد القروض والتسهيلات الخارجية، مع الحد من الإنفاق الحكومي في الخارج لتخفيض عجز الموازنة العامة للدولة، سواء كان هذا الإنفاق علي تمثيل دبلوماسي أو قنصلي غير ضروري، وكذلك العمل علي تخفيض الإنفاق الخاص في الخارج، وبصفة خاصة الإنفاق السياحي مما يؤدى إلى استمرار انخفاض الطلب علي الدولار الأمريكي.
5) تشديد الإجراءات الرقابية في الموانئ والمطارات والتدقيق في عمليات فحص الواردات السلعية للقضاء على ظاهرة تهريب السلع بصفة عامة والحبوب المخدرة بصفة خاصة، والتي يتم تهريبها ضمن الشحنات المستوردة بمسميات لسلع أخرى مما يؤدي إلى تحجيم سوق الصرف غير الرسمي. وبالتالي، زيادة فاعلية سياسة الصرف الأجنبي المتبعة من قبل البنك المركزي وزيادة درجة مصداقيتها لدى الوكلاء الاقتصاديين. ويتطلب ذلك الأمر توعية المواطنين بأهمية تفضيل مصلحة المجتمع على المصالح الشخصية، خاصة وأن نسبة كبيرة من حصيلة النقد الأجنبي التي تتدفق إلي السوق غير الرسمي يتم استخدامها في تمويل المزيد من عمليات التهريب وتجارة السلاح والمخدرات.
6) الوصول إلى اتفاق مع المصدرين يلزمهم بإعادة كامل قيمة الصادرات إلى داخل مصر وعدم الاحتفاظ بها في الخارج مقابل استمرار الجهاز المصرفي في تدبير احتياجاتهم من العملات الأجنبية، وتكون لهم الأولوية عن غيرهم في حال التزامهم بهذا الأمر.
7) توعية المواطنين بأهمية شراء العملات المناسبة للدول التي يسافرون إليها، فالمسافرون مثلاً إلى السعودية أو دول الاتحاد الأوروبي لا يحتاجون بالضرورة شراء الدولار الأمريكي، كما يجب حثهم على إيداع العملات الأجنبية في الجهاز المصرفي ليزداد العرض مقابل الطلب مما يسهل من عملية الوصول إلى سعر عادل ومتوازن لصرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي وباقي العملات الأجنبية الأخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة