الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الناسخ والمنسوخ في القرآن

سامي الذيب
(Sami Aldeeb)

2020 / 2 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


احضر حاليًا كتابًا عنوانه
تفسير آيات النسخ خلال العصور

وهذه هي مقدمته الشبه نهائية

كل نظام قانوني، إن كان ديني أو وضعي (أي من وضع السلطة التشريعية)، يعرف مفهوم النسخ الذي يعني الغاء حكم سابق بحكم لاحق. وقد عرفه الفقهاء المسلمون بأنه رفع الشارع (أي الله) حكمًا شرعيًا بدليل شرعي متأخر. وهذا يحدث عندما يتعارض نصين وعُرِف تاريخ كل منهما، عندئذ المتأخر ينسخ المتقدم . وقد عبر الفقه الروماني عن هذا المفهوم بقاعدة فقهية تقول: Lex posterior derogat priori الشرع اللاحق ينسخ الشرع السابق. ويطلق على الحكم المُلغَى حكمًا منسوخًا، وعلى الحكم المُلغِي حكمًا ناسخًا.
وتتعدد أسباب النسخ. فقد يكتشف المشرع ثغرة في تشريعه فيقوم يتصحيحه، أو ان ألأسباب وراء التشريع القديم قد تغيرت فرأى المشرع مماشاة الوضع الجديد، أو أن مشرعًا جديدًا تسلم الحكم فرأى سن قوانين تخدم مصالحه ومصالح المجموعة التي تسانده. وإن القينا نظرة إلى النظم التي عرفتها البشرية، بداية بالمشرع الكبير حمورابي، نرى تطورًا مستمرًا نحو مجتمع أكثر احترامًا لحقوق الإنسان، حتى وصلوا إلى وثيقة حقوق الإنسان، ولكن عرفت البشرية أيضا انتكاسات في هذا المجال، نذكر منها على سبيل المثال القوانين الألمانية النازية التي استلهمت القوانين التوراتية، والقوانين الصيهونية النازية. وهذا التحول نحو الأفضل أو نحو الأسوأ لم يكن ممكنًا إلا بفضل نظرية النسخ.
والشريعة الإسلامية لم تشذ عن هذه القاعدة. فوفقًا للمصادر الإسلامية استمر الوحي لمدة 23 عامًا وقد صاحب مجتمعًا متغيرًا وقد طرأ على الأحكام التي جاء بها تغيرات قام القرآن ذاته بإخضاعها لمفهوم النسخ. وقد وضع الفقهاء المسلمون قاعدة فقهية تقول: لا يُنكر تَغَيُّر الأحكام بِتَغَيُّر الأزمان. وقد أثار موضوع النسخ خلافات في زمن النبي. واتهمه البعض بتغيير آيات القرآن لتتماشى مع أهوائه ونزعاته كما حدث مع إلغاء نظام التبني حتى يتمكن من الزواج من زينب امرأة زيد. ونذكر هنا قولًا شهيرًا لعائشة: «ما أرى ربك إلا يسارع في هواك». وقد ردت آيات قرآنية على هذه الإتهامات بأن هذا التغيير كان بإرادة الله، مستعملًا فعل نسخ وأنسى وأذهب وبدَّل ومحى. والمتتبع لتطور الشريعة الإسلامية يرى فيها، وفقًا لما جاء في الغالبية العظمى من المفسرين، انتقال من نظم أكثر تسامحًا إلى نظم متشددة تمثل سورة التوبة ذروتها، وخاصة من خلال الآية الخامسة التي يطلق عليها المفسرون إسم آية السيف، والآية التاسعة والعشرين التي تسمى آية الجزية.
ومع احتفاظنا في متحف اللوفر في باريس بمسلة حمورابي التي تتضمن قوانينه، لا أحد يفكر اليوم بتطبيق تلك القوانين. إلا أن المسلمين ما زالوا متمسكين بقرآنهم معتقدين أن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، وأن لا نسخ بعد انتهاء الوحي بممات النبي محمد. وهذا هو سبب التوتر المتواصل بين رجال الدين والسلطة التشريعية التي نسخت الشريعة الإسلامية في كثير من المجالات، دون الإعلان عن نسخها. فالنص الديني يحتفظ بقدسيته، رغم معرفة القائمين على الأمور بأنه لا يمكن تطبيقه في زمننا. وهكذا قنن وزراء العدل العرب نظام العقوبات الإسلامي في القانون الجزائي العربي الموحد الذي تبنوه بالإجماع عام 1996 رغم أن غالبية بلادهم لا تقوم بتطبيق تلك العقوبات. مما يبقي الباب مفتوحًا أمام الصراع بين الدولة والحركات الإسلامية التي تغتنم الفرصة عند التمكن لكي تطبق تلك العقوبات، كما فعلت داعش في المناطق التي سيطرت عليها.
لا يعرف نظام قانوني جدلًا متشنجًا كالذي نجده في الشريعة الإسلامية عبر العصور حول موضوع الناسخ والمنسوخ. فعامة يمر الفقه في الدول الغربية مرور الكرام على مفهوم الناسخ والمنسوخ بإعتباره بديهية قانونية لا تقبل النقاش. أما في الشريعة الإسلامية، فقد كتب العديد من الفقهاء القدامى والمعاصرين المسلمين حول موضوع الناسخ والمنسوخ. ويذكر السيوطي في هذا المجال: «قال الأئمة لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ. وقد قال علي لقاضٍ أتعرف الناسخ من المنسوخ قال لا، قال هلكت وأهلكت» . ورغم أن الغالبية العظمى من المفسرين والفقهاء قد بينوا وجود آيات ناسخة وآيات منسوخة في القرآن، دون الاتفاق على عدد الآيات المنسوخة، إلا ان بعضًا منهم قديمًا وحديثًا أنكر إمكانية حصول النسخ في القرآن.
في هذه الدراسة سوف نتعرض لمفهوم النسخ في العهد القديم والعهد الجديد والقانون الوضعي، وتبرير النسخ في الإسلام عند المفسرين، ومعرفة النص المتأخر الذي ينسخ النص المتقدم، وأنواع النسخ في الإسلام، وعدد الآيات المنسوخة، والآيات المنسوخة بآية السيف، ونسخ الإسلام للديانات الأخرى، والفرق بين نسخ الحكم وعدم تطبيقه، ونظرية محمود محمد طه في النسخ الذي يريد التخلي عن قرآن المدينة والرجوع لقرآن مكة، ومنكرو النسخ قديما وحديثًا، وفتاوى ضد من أنكر وجود الناسخ والمنسوخ، والمطالبة بنسخ الآيات العنيفة في القرآن. وملحق الكتاب يتضمن نصوص مفسرين معتبرين منذ بداية الإسلام حتى يومنا هذا فيما يتعلق بالآيات التي تبرر النسخ في القرآن.
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى: https://sami-aldeeb.com/livres-books
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb
https://www.patreon.com/samialdeeb








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح