الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيدي بومسيمر

خالد خالص

2020 / 2 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من من أهل الرباط والنواحي وحتى من الزوار، لا يعرف "سيدي بومسيمر" المتواجد بزنقة البويبة التي تقع بين باب البويبة وشارع السويقة، أمام الباب الخلفي لجامع مولاي سليمان؟.
وقد سمي هذا "السيد" بهذا الاسم ( وهنالك من يناديه بسيدي مسيمسر ) لعدم معرفة اسم من شيده ولأن جدرانه كلها مسامير صغيرة دقت من قبل الزوار، فسمي نسبة لهذه المسامير. والمسيمر تعني باللغة المغربية المتداولة المسمار الصغير.

وللتذكير، فسيدي بومسيمر معروف لدى الساكنة "بالبركة" التي يتوفر عليها في علاج مختلف الآلام التي تلم بالإنسان، بطقوس غريبة، تكمن في ملامسة الموجوع الجهة المؤلمة بأحد أصابعه وبالمسمار، قبل دقه بلطف على بعض الحروف المثبتة على جدران السيد، واحدا تلو الآخر، وقراءة الفاتحة وإعادتها، الى أن يسكن الألم، عند دق المسمار على حرف من الحروف المذكورة، حيث يتوقف المعني بالامر الذي لم يعد يشعر بالالم عن الدق.

ويوفر محافظ "سيدي بومسيمر"، وهو رجل بسيط للغاية، للموجوع، المسامير، وكذا المطرقة الضرورية، ويدله على طقوس "السيد"، وطريقة استعمال المسامير، مقابل قطعة من النقوذ يتركها له الموجوع قبل المغادرة، إن كان ذلك في إستطاعته. ولا أعلم صراحة هل يوجد مثل سيدي بومسيمر في المدن والقرى المغربية الأخرى أم لا.


ويرجع تواجد "سيدي بومسيمر"، كما يرجع تواجد العديد من الأضرحة والاولياء الصالحين، لمعتقدات قديمة قدم الانسان الذي يؤمن بالروحانيات، وبقوة السادات والأولياء، في الاستخارة وفي علاج الأمراض وفك الالغاز التي كانت تحير العقل أحيانا.

وحتى لا نبتعد عن صاحبنا فإن "سيدي بومسيمر" كان بالنسبة لأهل الرباط والوافدين عليها ، بمثابة "مستشفى لعلاج الالام" بصفة عامة، وآلام الأسنان والاضراس بصفة خاصة حينما لا تنفع العلاجات النباتية التي كانت تستعمل أيضا (كالقنفل بالنسة للاسنان وغيرها) .

والسؤال الذي كنت دائما أطرحه على نفسي ولم أكن أجد له جوابا، وأنا طفل صغير، يكمن في العلاقة السببية بين دق مسمار على الحائط وقراءة سورة الفاتحة وبين إيقاف آلم ناتج عن ضرس أو سن "مسوس"؟.

يقول بعض المختصين في علم الاجتماع والانتربولوجيا، ومنهم إدموند دوتي (EDMOND DOTTE)، الذي عاش سنوات في المغرب والجزائر وتونس في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بأن دق المسامير والأوتاد على الجدران، وفي جذوع الاشجار، ممارسة قديمة قدم الانسان، توجد في معظم الحضارات العريقة.

ويظهر بأن ممارستها بالمغرب ترجع للثأثير الروماني خلال تواجد الرومان بالمغرب، حيث كان كبير قضاتهم يدق مسمارا في جدار من جدران معبد جوبيتير كابيتولان ( Les Marabouts - notes sur l Islam maghrébin, 1905 ترجمه للغة العربية الاستاذ محمد ناجي بن عمر ، تحت عنوان "الصلحاء - مدونات عن الاسلام المغاربي خلال القرن التاسع عشر" ونشرته دار افريقيا والشرق سنة 2014 ). ويمكن للباحث أن يرجع أيضا لكتاب " تاريخ المغرب الكبير - العهد الروماني بالغرب 146 ق.م – 430 م. لمحمد علي الدبوز ، من الصفحة 303 الى الصفحة 382، لاثراء فكره أكثر حول فترة تواجد الرومان بالمغرب.

وكانت بعض المعتقدات تسير على نفس هذا النهج في البادية المغربية، حيث كان دق المسمار يتم من قبل الموجوع في جدع شجرة عتيقة تظل أحد الأضرحة وتقرأ الفاتحة أو سورة سبح، وتهدى شمعة للولي الصالح قبل مغادرة المكان وقد زال الألم بقدرة قادر.

وأظن، -بالرغم من عدم تخصصي في الامر-، بأن هذه المعتقدات، تركز في الاصل على تحفيز الجسم لقدراته على الشفاء الذاتي، بالطاقة الحيوية للتخلص من نوع محدد من الأمراض، والتخفيف من نوع محدد من الآلام. وهنا ندخل في طرق العلاج الطبيعية المتعددة التي منها ما يستهدف الجسم الطاقي، ومنها ما يستهدف الجسم المشاعري ومنها ما يستهدف الجسم المادي، لإحداث توازن فيه لشافئه.

ويمارس معظم هذه الطرق اليوم، العديد من الذين يمتهنون "الريكي هيلينغ". وتعني كلمة ريكي الأسيوية "حكمة الله"، بينما تعني كلمة "هيلينغ" ( healing ) العلاج، ويمتهنون "البرانك" الذي يعتمد على استخدام الطاقة الذاتية لشفاء الجسم، وطريقة "الكريستال" التي تستخدم الأحجار والبلورات في عملية الشفاء هذه لطرد الشوائب من الجسم، أو طريقة "الكيغونغ" التي تستخدم لاستعادة التوازن المفقود في الجسم، باعتماد حركات منسقة للجسم إلى جانب التنفس، والتأمل لتحفيز الصحة الروحانية وهي طريقة صينية عريقة الى جانب العديد من الطرق الاخرى ( البرانا والتشي كونغ ...) التي تهدف كلها الى العلاج الطبيعي بالطاقة الحيوية.

وقد يقول قائل، بأن حديد سيدي بومسيمر وغيره، المستعمل للمساعدة على علاج بعض الالام، قد ذكر في القرآن الكريم في سورة الحديد بالآية 25 التي تقول بأن الله سبحانه وتعالى، أنزل الحديد الذي فيه بأس شديد (بأس بمعنى قوة) ومنافع للناس، لاقول بأن الحديد ذكر ست مرات في القرآن لا مرة واحدة، إلا أنني أتجنب الخوض في مناقشة أمور أعتبر نفسي غير مؤهل بما فيه الكفاية لمناقشتها.

كما بحتث قليلا في الحضارات الأخرى، بخصوص العلاج بالمسامير، فوجدته منتشرا الى يومنا هذا في الكثير من الدول الاوروبية، كبلجيكا وفرنسا والنامسا والدول الاسكندنافية، ناهيك عن الدول الاسيوية والافريقية، حيث تجد أشجارا عريقة في العديد من الجهات، تدق فيها مسامير بطقوس تتشابه الى حد ما فيما بينها، بينما تجد بأن عادات مناطق أخرى تكمن في تعليق بعض القماش على أشجار "مباركة" -كما يقع بالمغرب-، حيث تصب جميع هذه العادات ربما وعلى اختلافها، في ما أصبح يستعمل اليوم بطرق عصرية للوصول الى نفس النتيجة وهي العلاج بالطاقة.

وحينما نقارن بين طقوس سيدي بومسيمر على سبيل المثال لا الحصر، وطقوس العلاج الذاتي بالطاقة الحيوية المتحدث عنها، وهو يسمى اليوم بالطب البديل، الذي أصبح منتشرا في العشرية الاخيرة، ويتم في أرقى مراكز العلاج، وبفنادق خمسة نجوم، بتسعيرات باهضة، فإن التساؤل يدور حول ما إذا كان آباؤنا وأجدادنا على صواب، عندما كانوا يلجؤون الى مختلف طرق العلاج الطبيعية البسيطة، التي لم تكن قط مكلفة ومنها طريقة المسامير، التي تمس العقل العقائدي المتجذر وقوته في تبديل الحال والاحوال ؟.

ذ.خالد خالص








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القادة الأوروبيون يبحثون في بروكسل الهجوم الإيراني على إسرائ


.. حراك تركي في ملف الوساطة الهادفة الى وقف اطلاق النار في غزة




.. رغم الحرب.. شاطئ بحر غزة يكتظ بالمواطنين الهاربين من الحر


.. شهادات نازحين استهدفهم الاحتلال شرق مدينة رفح




.. متظاهرون يتهمون بايدن بالإبادة الجماعية في بنسلفانيا