الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور4

خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)

2020 / 2 / 26
الادب والفن


انتهينا فى المقال السابق الى ان صلاح عبد الصبور الشاعر الكبير سأل نفسه عن جدوى الحياة ؟

ويقول ان فكرة الله لايستطاع الافلات منها ابدا ، ولعل هذا هو ما عناه كيرجارد من قوله ان الوجود البشرى فى جوهره عذاب دينى

ان بوسويه يحدثنا ان الناس يهتمون بدفن افكارهم عن الموت اهتماما لايقل عن اهتمامهم بدفن موتاهم ، ولكن تلك قدرة تخون معظم المفكرين والفنانين ، والتفكير فى الموت هو بداية التفكير فى الله ، ولذلك كانت اية الانبياء الاولى على قدرة الله هى حديثهم عن الموت والبعث والنشور

كنت فى صباى الاول متدينا اعمق التدين ، حتى اننى اذكر ذات مرة انى اخذت اصلى ليلة كاملة ، وما زلت اصلى حتى كدت ان اتهالك اعياء ، ودفع بى الاعياء والتركيز الى حالة من الوجد حتى اننى زعمت لنفسى ساعتها انى رأيت الله ، واذكر ان اهلى ادركونى حتى لايصيبنى الجنون

كنت وقتها فى الرابعة عشرة من عمرى، لم تمنحنى التجربة السكينة بل زادت قلقى

وكما تولد الحياة والموت ، ولد الانكار فى نفسى ، ولا اعلم كيف ربما قراءة بسائط الداروينية او قراءة نيتشة فى صيحته المرعبة ان الله قد مات وواطمأننت او حاولت ان اطمئن الى هذا الموقف

وساعدتنى الفلسفة المادية التى اقتربت منها اقترابا كبيرا بعد تخرجى فى عام 1951 على ان اجد فى الانكار موقفا موحدا وقد تكون مرحلة ديوانى الناس فى بلادى هى المعبرة عن ذلك الاحساس

الناس فى بلادى جارحون كالصقور
غناؤهم كرجفة الشتاء فى ذؤابة الشجر
وضحكهم يئز كاللهب فى الحطب
خطاهم تريد ان تسوخ فى التراب
ويقتلون ، يسرقون، يشربون ، يجشأون
لكنهم بشر
وطيبون حين يملكون قبضتى نقود
ومؤمنون بالقدر

كنا نجلس تلك الفترة فى مقهى بحى الحسين ، نتحدث عن الكتب والافكار ، وننفث دخان السجاير فى عزاب الهى، والشحاذون يطوفون حولنا فى اعياء ميت ، يلقى الينا احدهم بالسلام ، فاذا نهرناه مضى الى ركنه كسير النفس ، وشغلتنى فكرة التناقض بين حديثنا والواقع من حولنا

ولعلى رايت جريمتنا ، ولكنى لم ادرك ان الثقافة قد تكون وسيلة من وسائل القضاء على الفقر ، بل لعلها المهاد الاول لكل عمل نبيل ، فالقيت اللوم على الكتب
ويظل يسعل ، والحياة تموت فى عينيه ، انسان يموت
وعلى محياه القسيم سماحة الحزن الصموت
والبسمة البيضاء تمهد فوق خديه محبة
لك ، لى ، لمن داسوه فى درب الزحام
القى السلام
وصفا محياه، واغفت بين جفنيه غمامة
بيضاء شاحبة يطل بعمقها نجما سواد
وتمطت الرئتان فى صدر زجاجى خرب
وامتدت الانفاس مجهدة تراوغ فى ان تبوح بالانكسار
انى انهزمت ، ولم اصب من وسعها الا الجدار
والنور والسعداء من حولى ، وقافلة البيوت
ولكنه القى السلام
ومضى ، ولا حس ، ولاظل، كما يمضى ملاك
وتكورت اضلاعه، ساقاه فى ركن هناك
حتى ينام
من بعد ان القى السلام

ولعل هذه الرؤية للحياة والموت هى ما يتضح فى هذا الديوان، ولكنى ادركت فى اواخر تلك الفترة ان ايمانى بالمجتمع هو لون من التجريد واحادية الرؤية

وفتشت عن معبود اخر غير المجتمع فاهتديت الى الانسان وقادنى ذلك الى التفكير مجددا فى الدين

وهكذا اصبحت مؤلها ، وما زال هذا موقفى الوجدانى الذى اخترته، ان حياتنا مجدبة وسخيفة ما لم ترتبط بفكرة عامة وشاملة بسعى الى الكمال

ان الله لايعذبنا بالحياة ، ولكنه يعطينا ما نستحقه ، لانه قد اسلمنا الكون بريئا مادة عمياء نحن عقلها فماذا صنعنا على مدى عشرات القرون ، لقد لوثناه بالفقر والاستعباد والطغيان بدلا من ان يكون جنه وارفة تظلله العدالة والخير والمحبة
لقد اصبحت الان فى سلام مع الله ، اؤمن ان كل اضافة الى خبرة الانسانية هى خطوة نحو الكمال ، وان غاية الوجود هى تغلب الخير على الشر من خلال صراع طويل ومرير ، وخلق كون منسجم يقدمه الانسان الى الله فى اخر الطريق كشهادة استحقاق لحياته على الارض

وما زلت ارى فى الحياة خيرا وشرا ، فالخير هو ما اعطى للحياة فى اصغر جزئياتها معنى كمال التشكيل والنقاء، والشر هو ما جار على عناصر تشكيل الحياة ونقائها

ولذلك فان اعظم الفضائل عندى هى الصدق، ولحرية والعدالة
واخبث الرزائل هى الكذب، والطغيان ، والظلم

وقمة الصدق هو الصدق مع النفس ، ومعناه ان يدرك الانسان وجوده ، وان يعرف مكانه من الحياة ، وان يتحمل دوره وعبء وجوده رغم ما قد يكون من قسوته وثقله

فى قصيدتى ( الظل والصليب) كان همى ان اتحدث عن نماذج من البشر لايستطيعون ان يحققوا ذواتهم ، ويخشون من التجربة، فيموتون قبل ان يعرفوا الموت ، كنت اتحدث عن موت الاحياء فى جبنهم ، كنت اتحدث عن المجتمع التافه واريد ان اشير الى علة تفاهته
هذا زمن الحق الضائع
لايعرف فيه مقتول من قاتله ، ومتى قتله
ورؤس الناس على جثث الحيونات
ورؤوس الحيونات على جثث الناس
فتحسس رأسك
فتحسس رأسك

اما الفضيلة الثانية فهى الحرية واظن مسرحيتى مأساة الحلاج ، وقصائدى هجم التتار وشنق زهران والحرية والموت وغيرها تمجد فى هذه القيمة

اما الفضيلة الثالثة فهى العدالة وهى تتضافر مع الصدق والحرية لصنعا القيمة الحقيقية فى تبرير وجود المجتمع الانسانى
ان شعرى بوجه عام هو وثيقة تمجيد لهذه القيم ، وتنديد باضدادها ، لان هذه القيم هى قلبى وروحى ، وانا لا اتالم لاجلها ولكنى انزف
والى تتمة فى مقال قادم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد