الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن ومبارك والأبوية

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2020 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


الشعوب الساذجة فريسة أوهامها تكون كالكرة بين أيدي النصابين والدجالين والمرتزقة.‏
تارة يشيعون أن أمريكا وإسرائيل كانوا حلفاء لمبارك الديكتاتور. وتارة تكونان من دبرتا مؤامرة 25 يناير لقلب نظام حكمه. ‏تارة تكون أمريكا وإسرائيل تحارب الإسلام والمجاهدين في سبيل الله، وتارة تكون هي من صنعتهم، كأنها من أتت بهم في ‏انتخابات مجلس النواب المصري عام 2012.‏
نجد عبادة عبد الناصر يترافق معها لعن مبارك. بجانب الانبطاح تحت أقدام أصحاب الفضيلة والقداسة. مع الإيمان ‏المهووس بنظرية المؤامرة، التي يحرك فيها الشيطان الأعظم شعوب العالم، كما يحرك بيادق على رقعة شطرنج.‏
كلها مظاهر لمرض واحد، هو الفكر الأبوي القدري. الذي يجعل من الإنسان والشعوب ألعوبة في يد الأسياد، باختلاف ‏نوعياتهم وتصنيفاتهم. هي آفة الفكر والسيكولوجية، التي تجعل من الأفراد والشعوب عالة وصخوراً في طريق مسيرة ‏البشرية.‏
الخلاف مع قطاع كبير ممن يلعنون مبارك وعصره، هو بالدرجة الأولى خلاف على رؤية دور الحاكم ودور الدولة. وعلى ‏المسؤولية التي يتحملها الفرد أو الشعب تجاه نفسه.‏
فأصحاب النظرة البطريركية، يرون الحاكم إلهاً مسؤولاً عن كل كبيرة وصغيرة في حياتهم، ابتداء من دورات المياه إلى ‏غرف النوم. وفق هؤلاء يستطيع الشعب أن يكون كسولاً وأونطجياً وفاسداً ومغيباً كما يحلو له. وعلى الحاكم توفير حياة ‏رغدة هانئة له، وأن يجبره جبراً على أن يتحول إلى إنسان حقيقي جدير بحق بما يطلبه من رفاهية.‏
سوف نتفق ونصفق لهؤلاء، إذا عثروا لنا على حاكم مهما بلغ جبروته وطغيانه يمتلك فعلياً كل هذه القدرات.‏ شعوب الشرق تطلب من حاكمها ما يحتاج لقدرات إله، وليس لمجرد موظف بدرجة رئيس جمهورية، حتى ولو خلال نظام شمولي ديكتاتوري.
في علم الإدراة ترتبط السلطة بالمسؤولية. فلا مسؤولية دون سلطة أو خارج نطاقها.‏
وفق هرم السلطة تتعدد مستويات المسؤولية، وتتعدد معها السلطات لكل مستوى. وتمتد مسؤولية المستويات الأعلى إلى ‏المستويات الأدني، وصولاً من قمة الهرم إلى قاعدته.‏
تكون السلطة و المسؤولية مباشرة خلال المستوى الواحد. إذا يقيم أداء المسؤول عن قراراته الإيجابية والسلبية (بما فيها ‏التي لم يتخذها تقصيراً)، التي تخولها له سلطاته، وتفرضها عليه مسؤولياته. وهنا قد يحاسب على التقصير إدارياً أو ‏جنائياً.‏
أما مسؤولية المسؤول الكبير أو الأكبر، عما يحدث في المستويات الأدنى، فإنها تعد " مسؤولية غير مباشرة". وتتضاءل ‏درجة هذه المسؤولية، كلما أوغلنا نزولاً في المستوى عبر هرم السلطة. وتسمى هنا "مسؤولية أدبية" أو "مسؤولية سياسية". ‏هكذا يعد رئيس الجمهورية أو الوزير مسؤولاً عن كل ما يحدث في البلاد بكامل اتساعها وتعدد أنشطتها وأوجه الحياة ‏فيها. لكن هذه المسؤولية تكون مجرد مسؤولية أدبية أو سياسية، وتبعد عن نطاق المسؤولية الإدارية والجنائية، مع بعد ‏المسافة عبر هرم السلطة، بين مستوى سلطات المسؤول ومسؤولياته، وبين المستوى محل النظر، الذي نرصد فيه ‏الإنجاز أو التقصير.‏
هنا يكون تحامل وتهافت الحملات الإعلامية المحمومة، التي تم ويتم حتى الآن شنها على حسني مبارك وعصره، ‏بتحميله كامل المسؤولية، عن فشل أداء مسؤولي وأفراد أمة بكاملها.‏
بالطبع في النظم الشمولية تتعاظم مسئولية القادة الكبار، لكن هذا لا ينفي أو يبرئ المستويات الأدني، ويجعل منها مجرد ‏مفعول به أو ضحية.‏
من الخطأ أيضاً تقييم أي نظام أو عهد سياسي على أساس مطلق، بمقارنته بالمفترض النموذجي.‏
فالإنجاز السياسي والاقتصادي يقاس، بما سبقه وما لحقه، واللذان يكادان يشتركان معه في ذات الظروف والإمكانيات ‏المتاحة، ليظهر لنا منفرداً تأثير النظام ورجاله. أعتقد أن مثل هذه الرؤية تضع مبارك وعهده في مرتبة متقدمة، من حيث ‏رخاء البلاد وحداثتها، إذا ما قارناها في مختلف جوانبها بالعهدين الناصري والساداتي.‏
أظن أن عصر مبارك كان أفضل الممكن، فيما كان عصر مرسي لو استمر سيكون أسوأ الممكن.‏
من يعترضون على التقييم النسبي لعهد مبارك، عليهم المقارنة بين شخصية د. أحمد نظيف رئيس وزراء مبارك، وبين ‏شخصية د. عصام شرف ود. هشام قنديل ومن تلاهم. ليتبين حقيقة وضعنا الآن مقارنة بما مضى. لم نستطع حتى ‏الآن الإتيان بوزارء ومسؤولين، أكثر كفاءة أو في مستوى كفاءة قيادات مبارك.‏
أليس هذا كافياً للاقتناع، أن حكم مبارك رغم سوئه وفق النظرة المطلقة كان أفضل الممكن؟!!‏
بالتأكيد هناك بمصر رجال سياسة واقتصاد، أفضل من بعض من رجال عصر مبارك، وأفضل من جميع رجال عصرنا ‏هذا. لكن هناك أولاً طبيعة الساحة السياسية المصرية، التي تعوق هؤلاء عن الوصول لصدارة المشهد الرسمي والشعبي. ‏وقد تطردهم إلى خارج البلاد، نجاة بأنفسهم وبقدراتهم الإدارية والعلمية. وهناك ثانية طبيعة العلاقات وموازين القوى، التي ‏في حالة تمكن بعض من هؤلاء الأكفاء من تبوء مناصب، تعوقهم عن تفعيل وتطبيق رؤاهم، فيضطرون إلى مسايرة ‏الوضع، لحين مغادرتهم الساحة جبراً أو اختياراً.‏
لا ينطبق ما تقدم على مبارك وعصره فقط، لكن على ما يمكن أن يفعله أي حاكم ديموقراطي أو ديكتاتور لانتشال البلاد ‏من سقطتها، دونما تغيير حقيقي في أدائنا جميعاً كشعب ونخبة، ودون أن تتغير نظرتنا البطريركية للحاكم كإله مسؤول ‏وحده عن كل ما يحدث لنا، خيراً كان أم شراً.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة