الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [20]

وديع العبيدي

2020 / 2 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


(34)
أمّ الكتاب..
[ما لكم تكأكأتم عليّ، كتكأكئكم على ذي جِنّةٍ، افرنقعوا عنّي]- عيسى بن عمر النحوي البصري (مواليد 766م- مجهول تاريخ وفاته)
تهافت المتأولين والمتأخرين من غير علم في هذا الأمر، قرف العقلاء عنه وعن مسالكهم./ و. ع.
لا هم أدركوه، ولا هم تركوه!./ محمد عبده [1849- 1905م]
(1)
(ألله) و(الدين) كان معروفا في شبه جزيرة العرب، ولم يقدم (محمّد) و(القرآن) جديدا في سياق المعنى والعبادة، ولكنه قدّم إسلوبا مختلفا في تعريفهما. بمعنى.. أنه أعاد صياغة الفكر الديني والمفهوم الإلهي، بشكل مبتدع. وهذا (التجديد/ الابتداع) وراء رفض الناس لمحاولته، من جهة؛ ولجعل نفسه محور الفكر الديني العربي، أي رفض (مبدأ النبوّة).
في مقابل رفض الناس له ولدعوته، قام (محمّد) برفض من نوع قاسٍ. قام بتوسيع مفهوم (الرفض) ليجعله في مستوى واحد مع (النقض). وحتى اليوم، لا يتقبل (المسلم) فكرة (نقد) أو (رفض)، كممارسة بشرية طبيعية؛ ويضخم معنى (النقد) إلى (رفض)، وفي داخله؛ يتساوى (الرفض) و(النقض) لا إراديا.
فبدل محاججة المعترضين، صدر قرار تجهيل الأمة قاطبة من جهة، وتجهيل وتكفير مرحلة ما قبل الإسلام جملة؛ وذلك بإطلاق مصطلح (جاهليّة) على ما سبقه. وبذلك ألغى كلّ تاريخ الجزيرة وتاريخ المعرفة والعقائد الجزيرية قبل ظهور (الإسلام).
ولعلّ هذا هو مغزى تجاهل المسلمين السّلفيين واستنكارهم، لكتاب جواد علي [1907- 1987م] في (تاريخ العرب قبل الإسلام). وهو عنوان يشكل مأثرة، بالمقارنة بكتاب (في الشعر الجاهلي)/(في الأدب الجاهلي) لطه حسين[1898- 1973م]. وفيما رفض جواد علي مصطلح (جاهليّة العرب)، ووظف محتوى الكتاب لتفنيده؛ إستكثر طه حسين أن تكون للعرب لغة وثقافة وفنون أدبية قبل الإسلام. وفيما حاول الأخير منح مكانة خاصة للإسلام في (ازدهار) ثقافة العرب، اتهمه أهل زمانه، بألأإساءة للإسلام.
ومن ترادف السلوك المحمّدي الآنف: انّ الزوج الذي ينتقد شيئا في الطعام، تفهمه الزوجة بمعنى رفضه لطعامها أو طريقة صنعه؛ وبآلية نفسيّة داخلية، تفسّره بعدم رغبة الزوج فيها، أو وجود (امرأة) أخرى في حياته. وهو ما يحصل بين صديقين، إذا تكرر بينهما النقد وعدم التوافق التامّ.
لم يوجد في ثقافة (محمّد) شيء إسمه (الإنسان الفرد)، حرية الفرد، إختلاف الفرد/ الأفراد في الموقف من شيءما/ شخص ما؛ أو اختلاف الأفراد في طريقة ومستوى فهم وإدراك الموجود والطارئ. لقد كانت نرجسيته وانغلاقه من الحدّة، بحيث لا تسع لقبول شيء من الخارج/(خارج ذاته وخارج عقله وخارج تصوّراته)؛ ولربّما، نظر إلى نفسه، بوصفه (ممثلا) للكلّ ونائبا عنهم في كلّ شيء.
عندما أصدرت مجموعتي الشعرية الأولى، وصلتني رسالة غريبة من شخص من النجف. كان يتحدث عن قصييدة في المجموعة، بأنها قصيدته. القصيدة التي تترجم ذاته وتجربته. ولو أنه فكّر في الكتابة عنها، لكانت نفس هاته القصيدة بألفاظها وتعابيرها ومشاعرها. وتستمر الرسالة في الذوبان والتماهي في القصيدة.
بقدر ما كان ذلك أمرا مفرحا لي، فقد كان محرجا. لقد أحسست، وهو كتب بانفعالية وتوتر، ومن غير ديباجة أدبية، أنه يكاد يتهمني بسرقته. سرقة تجربة حبّه الناطقة في القصيدة. ولم يخطر له، ان التجارب قد تتشابه وقد تتماهى في بعضها، كما تتناص الأفكار، لدى أشخاص غرباء عن بعضهم ومن بلدان متباعدة. بدأت أخشى ان تضيع مني القصيدة.
وفي جانب آخر، شعرت مع نفسي، أنني نجحت ف التعبير عن تجربة إنسانية لشخص لا أعرفه، وفي مكان آخر من البسيطة، خارج المكان المحلي الذي اوجد فيه. منذ تلك اللحظة/ الرسالة؛ صرت أصف نفسي، بأنني أترجم آلام الآخرين. وبعبارة محلية: أنا لسان حال الفقراء، الذي لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم وهواجسهم.
وأستطيع القول، أنني حتى هاته اللحظة، بعدما تجاوزت الشعر إلى النثر، ما زلت أكتب تحت هاجس: لسان الآخرين، ترجمان الفقراء، لسان من يخونه التعبير. أنا خارج النص؛ الآخرون هم المتكلمون!.
هذا الأمر لم يكن مني؛ لكنه جاء من الآخرين. في سبتمبر عام (1996م) قدّمت أمسية شعرية في (مقهى النيل)/ قطاع 7- في العاصمة النمساوية، في نهاية الأمسية، تقدم مني شاب وجلس أمام على الأرض، وكانت المقهى مزدحمة جدا؛ نظر نحوي وقال: لماذا لا تأتون هنا دائما، وتقيمون هكذا نشاطات!..
ما زالت نظرات ذلك الشخص وهيئته ملء عيني، أينما ذهبت!. رسائل من هذا المحتوى والشعور، تحمّلني مسؤولية تاريخية، لا تكاد تعرف شيئا عني وعن قرفي بالحياة واللاجدوى.
بالنسبة لمحمّد، كان الأمر مختلفا. كان ذا طموح ومشروع سياسي، يبرر له تسويغ كلّ الوسائل، للمضيّ فيه، وإقناع الآخرين به. أكثر منه، (محمّد)، كحالة نرجسية غير عاديّة، لم يزعم نفسه ممثلا عن الناس والفقراء، وإنما زعم نفسه، نائبا عن (السماء)، رقيبا ومتسلطا على رقاب الناس.
[وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ، وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ]- (المائدة 5: 117)- مدنيّة
[لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا]- (الأحزاب 33: 21)- مدنيّة
فقد جعل الرجل نفسه شاهدا/(قاضيا) على الناس، وذلك تمثلا بموسى: [مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ الْمِصْرِيَّ؟]- (خر 2: 14). وقد كان جزاء موسى على ذلك، هروبه من مصر إلى برية سيناء، ما ينيف عن أربعين عاما.
أما نص (الأسوة)، فهو ترجمة مشوّهة/(محرّفة) عن وصيّة المسيح: [إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي]- (لو 9: 23). وشتّان ما بين هذاوذاك!.
قام الإسلام على أساس الدعوة الشخصية لمحمّد، لأنّ عبادة الله كانت معروفة ومعمولا بها في الجزيرة..
[إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ]- (البقرة 2: 62)- مدنيّة
أما الجديد في الأمر، فهو (الدعوة الشخصية) لنبوّة (محمّد) وجعلها أساسا لتكفير وقتل من يعارضها. ولقد فات على كثيرين ان التوحيد، هو (الايمان بالله الواحد الأحد الذي لا شرييك له)؛ ولكن هذا ليس كافيا في الفكر والفقه الإسلامي، الذي جعل الايمان مزدوجا/ (مثنويا)، يشتمل على الايمان بأثنين: ألله) و(محمّد)، وهذا يتضمن مبدأ (الشرك) بالذات الإلهة.
وكلّ الصلوات والعبادات الإسلامية، ترفع (لله والرسول) مزدوجة بدء من منطق الشهادة التي تتكرر في الصلاة وغيرها، حتى الدعوات التي تعقب الصلاة.
أما منطق الايمان المنسوخ الواضح أصله في نص (البقرة 2: 62): الايمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح.
بينما منطق الايمان المسيحي: [وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ: الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى]- (عب 11: 1)
فلماذا دخلت الشخصنة البشرية والنرجسية المحمّدية في أساس الايمان الإسلامي؟.. وماذا ينفع الانكار والتكذيب والتكفير، وكأن فهم اللغة العربية لا اقتصر على(الكهنة)، وتعطلت عنه مدارك الناس.
أكثر من ذلك، حاصل لدى اهل الغلوّ والتطرف، الذين يلحقون عبارة (محمّد وآله وصحبه) في منطوق الصلاة، وهو من صريح الكفر وقبيحه.
(2)
قاموس الوهم والإيهام..
من الأساليب اللغوية المستخدمة في الخطاب القرآني، هو إشاعة (المصطلحات). وهاته في أصلها، ألفاظ عاديّة، جرى تداولها بمعانٍ متحركة بحسب السياق. ولكن تحويل (لفظة) إلى مصطلح، عمل على (تجميد) دلالته في (اتجاه محدد) و(معنى قسري ضيّق).
وقد أنتج (القرآن) سياقا مزدوجا من الاصطلاحات الموظفة دينيا في مجال ضيّق متعسّف، مثل..
مؤمنون- مشركون
كافرون- منافقون
أنصار- مهاجرون
نعيم- جحيم
متقابلين- متناظرين
سرر- أرائك
معين- غسلين
يمين- شمال
وجوه مبيضّة- وجوه مسودّة
مغلولة- مبسوطة/(اليد: دالة الانفاق)
طيّبات- خبيثات
طيّبون- خبيثون
هدى- ضلال
خلق- جعل
أحسن تقويم- أسفل سافلين
وثمة إصطلاحات جامدة يعمل على تكرارها باستمرار، حتى لتظهر كأنها جزء من الخلق الكوني الثابت، مثل..
صراط مستقيم: (الفاتحة 1: 6)، (البقرة 2: 142، 213)، (ال عمران 3: 51، 101)، (النساء 4: 68، 175)، (الانعام 6: 39، 87، 126، 153، 161)، (الاعراف 7: 16)، (يونس 10: 25)، (هود 11: 56)، (الحجر 15: 41)، (النحل 16: 76، 121)، (مريم 19: 36، 43)، (طه 20: 135)، (الحجّ 22: 24، 54)، (المؤمنون 23: 73)، (النور 24: 46)، (سبأ 34: 6)، (يس 36: 4، 61)، (الصافات 37: 23، 118)، (ص 38: 22)، (الشورى 42: 52، 53)، (الزخرف 43: 43)، (الاحقاف 46: 30)، (الفتح 48: 2، 20)، (الملك 67: 22).
لا مبرر لاستخدام مفردة (طراط/ سراط) الرومانية، ومعناها (طريق)، في كتاب (عربي مبين) و(لسان عربي مبين)؛ وقد ورد في (الانجيل): [قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى الزُّقَاقِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُسْتَقِيمُ]- (اع 9: 11) وهو موضع البيت الذي نزل فيه شاول الطرسوسي في دمشق، عقب هدايته.
لكن القرآن الذي لا يشير للقصة، وإنما يستعير (الإسم) فحسب، ويحيله (إصطلاحا) ذا دلالة دينية يقينية [اهدني الصراط المستقيم]- (الفاتحة 1: 6)، يكررها المسلم أكثر من (15) مرة يوميا؛ لا يشير إلى مكان هذا (السراط) واتجاهه. ورغم ان القرآن تحدث عن (الأعراف) و(البرزخ)، ومناطق متعددة من (الجنة) و(جهنّم) متعددة الطوابق ومختلفة أقسام المتعة والتعذيب؛ فالطريق الأكثر تكرارا والمرشد الرئيس للحياة الثانية، يبقى لغزا، ومعنى هائما.
ولا يفوتني هنا التنويه، حالة الإستثناء الطارئة على المصطلح، إذ تحوّل مرة إلى (صراط الجحيم)-(الصافات 37: 23)، كما ورد بمعان مؤكدة: (صراط الله)- (الشورى 42: 53)، (صراط حميد)- (الحجّ 22: 24)، (صراط الحميد)- (النور 24: 46)، (صراط سوى)- (مريم 19: 43؛ طه 20: 135)، (طريق مستقيم)- (الاحقاف 46: 30).
في هاته الحالة، يتشكل المعنى داخل الذهن/(العقل الباطن) من خلال التكرار وتأكيد التكرار، من غير إعطاء فرصة للسؤال أو مجرد التساؤل والشك. وهذا يشمل معظم القاموس الديني القائم على (الوهم) و(الايهام) و(التصوّر) الذهني، خارج مدار الواقع والمادّي.
هل تعرف مكان (الجنّة)، أو (الجحيم)، أو (الآخرة)، و(الحساب)، (الحشر)، (القيامة)، (الخلود) وما إلى ذلك. انّ مكانها (الذهن) و(التصوّر الذهني)، والثقافة الجمعية الغيبية، التي لا طريق لتأكيدها أو التحقق من وجودها ومصداقيتها. ومع ذلك، حكم القضاء المسلم، بمحاكمة ومعاقبة كثيرين عبر التاريخ، لتشككهم في اكسسوارات الفكر الديني، وعوالم الآخرة.
ورغم ان يوم الحشر والقيامة والحساب لم يحن بعد، يحكم الفكر الديني وكهنوته، أن فلانا في النار، وفلانة تحت ظلة السدرة. وفي ذلك يرتعب قوم ويزعلون، ويبتهج آخرون ويسيل لعابهم.
فلا جرم.. أن تكون تجارة (الوهم) و(الايهام)، هي الأكثر رواجا ومغانم وجاذبية!.
(3)
(الإيهام).. و(الايحاء)..
لقد استبدلت ثقافة الـ(جاهليّة) المادّيّة، بثقافة مصطلحات (وهميّة) ضبابيّة المعاني غائمة الدلالات.
ان المعاني الواضحة، تحظى بالقبول، أو بالرفض، وينتهي أمرها. أما المعاني المشوّشة، فتثير موجة من بلبلة وضجيج، وكثير من الفضول والقيل والقال، من باب التسلية والنكتة، أو التعالم والمنابزة. ومثل أي (حجر) يلقى في بحيرة ساكنة، شغلت (البدعة)، أحاديث المجتمع المكي وما حوله، متحيرين بين اعتباره في باب (الجدّ) أو (الهزل)!.
ان حصيلة الجدل والدجل المستثار بفعل الفكرة والحركة الجديدة، تتجلى في الأرشيف الهائل للتراث الإسلامي ومصنفاته المتعددة المجلدات، والتي - فضلا عن افتقادها المنهج والاسلوب العلمي والعقلي في الدراسة والبحث والتفسير-، تنتهي في معظهما إلى العبارة المأثورة: (والله اعلم)!.
من تفسير الماء بعد اللأي بالماء، لا ينتج علما ولا دينا. وان انطواء الوهم على الوهم، وإحالة (العلم) إلى (الله)، يجرد الظاهرة من مبرر وجودها، ومشاغلتها الناس، وتشويش حياتهم.
لقد تولى عساكرة الإسلام، إتلاف مكتبات العراق ومصر، وفارس والهند، بذريعة عدم جدواها في وجود (كتاب) الله!. وقد اعتقد عمر بحكم شخصيته وصلته المباشرة بحراك الإسلام الأول، أن لديه القدرة على قراءة وفهم وتفسير القرآن وتأويله بلا تردد أو تحيّر.
ولكن عمرا كان شديدا ولقاحيا، لا يجرؤ أحد على مواجهته أو مجادلته أو معارضته، واختار كثير من الصحابة والرواة من أهل الخلاف، الهروب في إتجاه العراق وبلاد فارس، بعيدا عن بصره ويده؛ وهناك، من إطار اجتماع أهل الرأي والجدل والشك والاجتهاد، سوف تنبلج مدارس فكرية وفقهية، وتطفو مذاهب وطوائف، وتتشكل شلل، تتبع وذاك، فتتوزع داخل العراق بين الكوفة والبصرة، والموصل والأنبار، وواسط والريّ، قبل أن تنتشر وتترامى نحو دمشق وغزة والفسطاط.
ماذا لو أن (محمّدا) لم يخرج من مكّة إلى يثرب؟..
ماذا لو أنّ الجماعات الإسلامية لم تتخطّ حدود الحجاز ونجد، نحو العراق والشام ومصر؟..
ماذا لو أن عمرا وعثمانا، لم يأمرا بتحريق المكتبات وتغريقها؟..
ماذا لو أن عثمانا لم يجمع القرآن في كتاب موحّد، ويوزع نسخا موحّدة منه في مراكز الأطراف؟..
هل ثمة (حتميّة) ما وراء ظهور (الإسلام) الانفجاري، وانتشاره السريع خلال قرن من الزمان؟..
هل كان (الإسلام) فرقة نصرانية مزيّفة، يقودها زعيم بدوي شرس، كما يرد في أدبيات السريان؟..
ما هو المحذوف في علاقة (الإسلام) باليهودية ويهود الحجاز؟.. وهل كان بيت عبد المطلب أو قريش على ديانة اليهودية؟.. قبل نسخها ومسخها مرذة بعد مرّة، حتى يصار إلى تصفية (28) قبيلة وجماعة يهودية من سكان شبه الجزيرة، ونسف صلة الرؤومة بين أولاد العمومة: إسماعيل وإسحاق، عيسو ويعقوب.. ويرتفع بينهما السيف منذئذ حتى اليوم..
ما هي السطور المحذوفة بين عليّ عبد مناف وأحبار اليهودية؟..
كيف تسللت مفاهيم وأفكار الزبور والتوراة والأنبياء إلى خطب عليّ ونهج البلاغة وأصل عقيدة الإمامية ومسودات أدبياتهم؟..
لماذا وصف الأوائل أتباع عليّ وولديه بهود الإسلام؟..
هل (الإماميّة) هي استنساخ اليهودية، في قالب (الإسلام)؟..
يعتبر مؤرخو (الشيعة) أنهم (الإسلام) الأصلي المنسوخ، والخط الرئيسي في (الإسلام) الذي شوّهه الصحابة والخلفاء الثلاثة. فما سند حقيقة زعمهم؟.. هل كان (الإسلام) الأصلي (فرقة يهودية)، قبل انحرافها أو انقلابها على شريعة (موسى)؟..
كيف يمكن تبرير وتفسير التزام كهنوت الشيعة، بنفس ثياب كهنة اليهودية السوداء، من لحى وعباءات ولحى وطرق التأليف والتأويل والجدل ونهج مهاجمة مخالفيهم/(السنة والجماعة)، في مقابل مهاجمة اليهود للنصارى بالتحريف والخلاف والهرطقة؟..
(القرآن) الذي ينعم بتوصيفات ذاتية عديمة السند والمعنى، حول: القدسيّة، المعصومية، الحماية الالهية، وصيانته من مسّ أبليس من شماله وجنوبه، هو أكثر النصوص ارتباكا وتناقضا وتضاربا، وتكرارا للأفكار والحوادث والمعاني، بتبديل وقلب المعاني واضطرابها من موضع لغيره.
هل فرعون غرق في البحر أم لا؟..
هل عيسى صلب أم شبّه لهم..
هل عيسى مات ثم صلب، أم لم يصلب ولم يمت؟..
هل علم الله كامل أم جزئي؟..
هل كان محمّد يعرف الغيب أم كان بشرا عاديا لا يملك لنفسه شيئا، مما يراد به، أو تحوك له نساؤه، أو يؤذيه السحرة ويتلبّسه الشيطان في صورة جبريل أو دحية الكلبي؟..
ما وجه اليقن في (القرآن)؟.. ما وجه اليقين في (سيرة) محمّد؟.. ما وجه اليقن في سيرة (عليّ)؟.. ما وجه اليقين في أخلاق الرعيل الأول في الإسلام، وأدب الشتائم والقذائف فيما بينهم؟.. ما وجه اليقين في قصص التراجيديا الشيعية، أم أنها نسج موضوع على غرار تراجيديا الاغريق التي حوّها القصخون العلقمي إلى حقائق تؤسس للنحيب واللطم وتقريع العرب وابن زياد؟..
ثمة بحر من الأسئلة، وبحار من الشكوك والفضائح، لا تصمد أمامها غشاوات الأوهام والإيهام لحظة.. لكن إزاحة تلك الأوهام من لاوعي الدهماء هو المشكلة. وهذا مغزى سياسة الجهل والتجهيل والخرافة والتخريف التي يجاهد الملالي لتوسيع مساحاتها في الجمهور العربي الضائع واليائس، في وسط الانحطاط العربي والهزيمة الوجودية.
وفي أزاء كل هذا، يجد البعض متنفسا، ليس في البكاء واللطم وايذاء النفس، فحسب، وإنما في عقلية المعارضة والعصيان والتمرد على السلطات والمجتمع العام.. ولابد لكلّ من تهمّه المسألة الوطنية، رصد الحياة والشخصية العراقية في ظل السقوط، وما كانت عليه قبل السبعينيات والثمانينات، وةحتى ما قبل (سبتمر 1990م).
كف يمكن الاستفادة من معطيات السلوك العلقمي في عراقستان، لتفكيك وتحليل وتفسير ما حصل على محمّد وعليّ قبل أربعة عشر قرنا.. فالعقلية الإسلامية المالكة لم تتغير ولا تتغير، بين الأمس واليوم..
(4)
(الكتاب).. في القرآن..
[ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ]- (البقرة 2: 2)- مدنيّة
[أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ]- (البقرة 2: 44)
[وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ]- (البقرة 2: 53)
[وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ]- (البقرة 2: 78)
[فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ]- (البقرة 2: 79)
[أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ]- (البقرة 2: 85)
[وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ]- (البقرة 2: 87)
[مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ]- (البقرة 2: 105)
[وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا]- (البقرة 2: 109)
[وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ]- (البقرة 2: 113)
[يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ]- (البقرة 2: 129)
[وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ]- (البقرة 2: 144)
[الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ]- (البقرة 2: 146)
[إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ]- (البقرة 2: 174﴾
[نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ]- (آل عمران 3: 3)- مدنيّة
[وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ]- (آل عمران 3: 19)
[وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ]- (آل عمران 3: 20)
[وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ]- (آل عمران 3: 48)
[قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ]- (آل عمران 3: 64)
[يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ]- (آل عمران 3: 71)
[وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ]- (آل عمران 3: 72)
[وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ]- (آل عمران 3: 75)
[كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ]- (آل عمران 3: 79)
[وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ]- (التوبة 9: 29)- مدنيّة
[الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ]- (يونس 10: 1)- مكيّة
[وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ]- (يونس 10: 37)
[وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ]- (هود 11: 110)
[الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ]- (يوسف 12: 1)- مكيّة
[كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَاب]- (الرعد 13: 43)- مدنيّة
[الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ]- (الحجر 15: 1)- مكيّة
[وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً]- (النحل 16: 89)- مكيّة
[وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيل]- (الإسراء 17: 2)- مكيّة
[وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ]- (الإسراء 17: 4)
[كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا]- (الإسراء 17: 58)
[الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا]- (الكهف 18: 1)- مكيّة
[يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا]- (مريم 19: 12)- مكيّة
[وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا]- (مريم 19: 16)
[وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا]- (مريم 19: 41)
[وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا]- (مريم 19: 51)
[وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا]- (الفرقان 25: 35)- مكيّة
[تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ]- (الشعراء 26: 2)- مكيّة
[قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ]- (النمل 27: 40)- مكيّة
[وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى]- (القصص 28: 43)- مكيّة
[الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ]- (القصص 28: 52)
[وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ]- (العنكبوت 29: 46)- مكيّة
[وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ]- (السجدة 32: 23)- مكيّة
[كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا 򞑼 الأحزاب 33: 6)- مدنيّة
[وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ]- (الأحزاب 33: 26)
[ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا]- (فاطر 35: 32)- مكيّة
[وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ]- (الصافات 37: 117)- مكيّة
[وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ]- (الزمر 39: 69)- مكيّة
[وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ]- (غافر 40: 53)- مكيّة
[اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ]- (الشورى 42: 17)- مكيّة
[مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ]- (الشورى 42: 52)
[وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ]- (الجاثية 45: 16)- مكيّة
[لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ]- (الحديد 57: 59)- مدنيّة
[هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ]- (الحشر59: 2)- مدنيّة
[يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ]- (الجمعة 62: 2)- مدنيّة
[لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا]- (المدثر 74: 31)- مكيّة
[إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا]- (البيّنة 98: 6)- مدنيّة
(5)
الكتاب في شرق المتوسط في القرون المسيحية هو (الكتاب المقدس)/(بالعربية)، (بايبل/ بيبلوس/ باليونانية)، وكان (أهل الكتاب) هم أهل الأرض، من فلسطين إلى الأناضول، ومن روما إلى الهند. فالمقصود بـ(الكتاب) - إصطلاحا- في لغة العرب والعجم، ليس كتاب (المجسطي)، وليس كتاب ارسطو في (المنطق)، ولا كتب الهند والفرس؛ إنما هو الكتاب الموحّد لليهود والنصارى، والذي أسس قواعد العقلية الجزيرية من جهة، وشكّل مادّة ثلثي (القرآن).
[وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ]- (ال عمران 3: 79)- مدنيّة
ومن واقع الاصطلاح الكتابي السائد قبل الإسلام، ظهر اصطلاح (أمّ الكتاب)؛ دالة تأكيد (توافق) المضمون القرآني، مع جوهر المضمون الكتابي، بعهديه: (القديم والجديد).
أمّ الكتاب، بحسب هذا التعريف، يشير إلى المنهج والمصدر، أكثر منه، إلى نص (مصمّر/ مخبوء)، بين آيات القرآن.
وهنا من الضرورة التنويه لمفارقة فقهية طريفة؛
[وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ]- (النحل 16: 43)- مكيّة
أقول.. ومن واقع إختبار وتجربة شخصية، أنه لا يمكن قراءة القرآن وفهمه، من غير اطلاع مدروس على العقائد السابقة لظهور الإسلام وكتبها القانونية. وذلك ما حثّ عليه النصّ المكيّ؛ بينما نسخه النصّ اليثربي الانقلابي، الذي حكم بتكفير (اليهود والنصارى) واتهمهم بتحريف كتبهم ونقضهم (الميثاق)،
ان الأحكام اليثربية، تعارض جوهر الأحكام المكيّة عموما. وبغيره، نعتبر الكتاب كلّه سياسيا، كان المكّي المتودّد منه (تكتيكا) مرحليا قبل إستلام السلطة؛ والجزء اليثربي الدموي الصارم منه، منهج الحكم والمواجهة العلنية؛ وذلك بألفاظ القاموس السياسي/ الحزبي المعاصر.
والاسلام عموما هو ظاهرة سياسية، استخدم قفا الدين، لاختراق المجتمع والعقل الجمعي، وسدّ أبواب الذرائع. ويثبت التاريخ بوضوح وجراءة، أنه ما من حركة دينية ولا نبي أو رسول، حمل السيف وتنكب الهمجية والإرهاب، اسلوبا ووسيلة، لفرض زعامته ودعوته.
وقد لام القرآن اليهود على (قتلهم) الأنبياء، ولكنه لم يذكر أنّ (الأنبياء) قتلوا الناس. وإنما الذين مارسوا القتل، هم الملوك والزعماء، مثل (داود يسّي) الذي حرمه الربّ من بناء (الهيكل)، لأنّ يديه منجستان بالدماء. وداود هو (إسوة) محمّد الشخصية، دون أن يفهمه حقا.
وما واقع اضطراب حياة المسلمين، وخلافات فقهائهم وتنافس جهابذتهم، غير نتيجة لعدم الفصل والتمييز بين الزعامة السياسية القائمة على البطش والرعب والمراوغة، وبين حقيقة النبوّة (الغائبة) في الإسلام. وهذا يفصّر هيمنة الخلافات الشخصية والصراعات العارمة حول السلطة والزعامة، التي دفعتهم لتسقيط بعضهم البعض، وهم (صحابة الرسول)؛ وكانت أساس انشقاق (البيت النبوي) والاسفاف الخلقي المستخدم بينهم، بسبب الشقشقية ومواريث فدك والوجاهة والسلطة، التي جعلت من أرض العراق وأهله، قرابين دموية، باسم عقيدة زائفة ودعاوى باطلة.
فليس ثمة معنى ملغز ومضمّر في الإسلام، وإنما ثمة حقائق مفروض عليها التعتيم والتغييب والتخصيص، يمنع لأجلها السؤال والتنقيب والبحث في كتب الأقدمين وكتب العقائد قبل الإسلامية. وفي هذا المربط، يتفق ملالي العجم والعرب، وعامة المذاهب، إذ يعتبرون تثقيف (العامة) وتدخلهم في التفاصيل (مفسدة وفسادا). ولا فساد أكبر من (الجهل والتجهيل)، والخوف من العقل والنور والحقيقة.
[وهَذا هُوَ الخَبَرُ الذي سَمِعناهُ من (المسيحِ) وَنُخبِرُكُمْ بِهِ
أنّ اللهَ نورٌ وَليسَ فيهِ ظُلْمَةٌ ألْبَتّةَ
إنْ قُلْنا أنّ لَنا شِرْكَةٌ مَعَهُ وَسَلَكْنا في الظُلْمَةِ
نَكْذِبُ وَلَسْنا نَعْمَلُ الْحَقّ
وَلَكِنْ إنْ سَلَكْنا في النّورِ كَمَا هُوَ في النّورِ
فَلَنا شِرْكَةٌ بَعْضُنا مَعَ بَعْضٍ
وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسيحِ ابْنِهِ يُطَهّرُنا مِنْ كلّ خَطِيَّةٍ
إنْ قُلْنا أنَّهُ لَيسَ لَنا خَطِيّةٌ
نُضِلُّ أنْفُسَنا وَلَيسَ الحَقّ فينا
إنْ اعْترَفْنا بِخَطايانا فَهْوَ أمينٌ وَعَادلٌ
حَتى يَغفِرَ لَنا خَطايانا وَيُطَهّرَنا مِنْ كلِّ إثْمٍ
إنْ قُلْنا أنّنا لَمْ نُخْطِئْ نَجْعَلُهُ كَاذِباً
وَكَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فينا]- (1يو1: 5- 10)
والكلمةُ = السيّدُ المسيحُ/[في البدءِ كانَ الكلمةُ، والكلمةُ عند اللهِ]- (يو1: 1-2)
وفي إطار هذا الأمر، يتساءل الباحث يوسف تيلجي: [بأي لغة نزل القرآن !! ، إسلاميا القرآن نزل عربيا ، وفق الآية ( إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ / 2 سورة يوسف)، ولكن النص القرآني يؤكد من جهة أخرى، على أنّ المسيح هو "كلمة الله " ( إنّما الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ .. / 171 سورة النساء )، والمسيح كان يتكلم الآرامية. ( ولقد تكلم المسيح الآرامية بالرغم من إنه سكن فلسطين لأنها اللغة التي كانت سائدة آنذاك .. / نقل من الموقع التالي https://ar.arabicbible.com ) .
وبما أن المسيح هو كلمة الله، والمسيح يتكلم الآرامية. أي من المنطق أن القرآن قد نزل وحيا على الرسول بالآرامية ! وهذه معضلة عقائدية تحتاج الى أجوبة]- (يوسف تيلجي- تساؤلات بين القرآن المقروء والقرآن المكتوب- الحوار المتمدن ع6500- 27 فبراير 2020م).
والنتيجة؛ أنّ كلّ ما في القرآن، ممّا يخالف (السيّد المسيحَ)، فهو موضوع. ونعرفُ أيضا، أن (محمّدا) وضع نفسَهُ محلّ (المسيحَ)، وجعلَ نفسَهُ (محور) القرآن. ولا غرو.. أن يلتفّ ميرزا غلام أحمد [1835- 1908م] على الفكرة، بإسقاط صورة (المسيح على (محمّد)، ويعلن نفسه (المسيح) في مجيئه الثاني، والذي يدعى (محمّد المهدي)، (وشيعة الشيعة) في أول الحكم.
هذا السيناريو السطحي، يتغافل عن طبيعة (يسوع المسيح) الذي جسّد المحبة والسلام، ولم يكن نهّابا قتالا للناس/(يو10: 10)؛ فلا يختلط الأمر بضدّه، كما التبس المصلوب بضدّه/(النساء 4: 157).
(6)
من خصائص إسلوب القرآن المبالغة وتحويل المفردة العادية إلى مصطلح، وتحميله معنى خلاف معناه، أو تعظيمه. والقرآن، بلفظه صيغة مبالغة من الفعل: (قرأ- قراءة- قرآنا). والحرف المضعّف (آ) ليس من الأبجدية العربية، وهو من أصول (آرامية)، ومن المفدرات الدخيلة والغريبة في القرآن، بحسب المؤرخين والمستشرقين.
واصطلاح (أمّ الكتاب) هو الآخر صيغة مبالغة وتوكيد لـ(لكتاب). فالقسم بـ(أمّ الكتاب) ليس كمثل القسم بـ(الكتاب) في شدّته، وإنما هو أكثر توكيدا. ومثله القسم بـ(روح الله). ومن شاكلته: سويداء العين، مهجة القلب، لُبّ الشيء، جوهره وذروته.
[وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ]- (43: 4)- مكية
[يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ]- (الرعد 13: 39)- مدنيّة
أم الكتاب: أم الشيء هو مرجعه.
أمّ الكتاب: بمعنى الأصول التي يُرجَع إليها عند الاشتباه.
فإذا جاء من يُلبِس مثلاً، نُرجع (المُتَشابَه) إلى (المُحْكَم)؛ لنعرف الجواب المعين للتشابه، وقد يخفى على بعضنا. فإذا التبس عليك أمر فيما يتصل بضبط القرآن، بشبهة أثيرت حول كتابة القرآن، أو جمع القرآن، أو الأحرف، أو القراءات، أو نحو ذلك ارجع إلى الأصل الكبير [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]- (الحجر 15: 9).
(7)
اللوح المحفوظ (أو) أمّ الكتاب..!
[يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ]- (الرعد 13: 39)
ان جملة العبارات والمصطلحات اللغوية والدينية، وظيفتها نزع غلالات الشك، وزرع اليقينية والايمان الأعمى بالنص الإسلامي الشفاهي والمكتوب، واعتبار كل بادرة للشك والسؤال من باب الزيغ والكفر ووساوس أبليس.
ممّا أدخله عثمان هو أدب القرآن: (لا يمسّه إلا المطهّرون)، واعتبار (القرآن)، (كلام الله)، في (محكم تنزيله)، والكتاب كلّه (محكم)، (أمّ الكتاب)، وأصله في (لوح محفوظ)، وهذا الأخير طوله وعرضه ما بين السماء والأرض، وهو وصف تكراري، جاء في وصف (جبريل) وفي وصف (يد) الله، أو (ساقه)، مما يسعد مسامرات ليالي الصحارى والأرياف.
أما السؤال الأبدي: فهو عدم وجود خطاب واحد مستقر في القرآن.. وأنّه لما يزل (حمّال أوجه) كثيرة.
فهل يتهيأ للملالي والفقهاء تقدم تفسير علمي عملي واحد موحّد، ينسجم مع العقل والحياة والعصر، ولا أثر فيه للقلقلة والعنعنة وعبارات التقديس والتبجيل وتأليه البشر وتجسيد (الله) وتشبيهه وتمثيله، ومن غير كفر وتكفير ولعن وقذف أحد، أو دغدغة اتباع القرآن بدخول السماء، وترهب المخالفين باستقبال النار.
ان الفكر الإسلامي لما يزل في دوامة القرن الأول؛ ولا يتعدى دعاوى المعتزلة والاشاعرة، الشاغلة الناس حتى اليوم!.
من وقت لآخر، تقوم جهة ما باصدار طبعة جديدة من (القرآن). ومع كلّ طبعة جديدة، يتم سحب الطبعات السابقة ومنعها من التداول. ولم يظهر منذ القرن العشرين- ف أقل تقدير-، مقال واحد، يؤشر اختلافات وأخطاء بين طبعات القرآن، كما هو دأب الغربين في طبعات (الكتاب المقدس).
أما ترجمات القرآن للغات الغربية، كالانجليزية والألمانية، فلا صلة لها بالقرآن العربي؛ وفي هذا خدعة وضلالة، لا أظنّ جوازها عند الله، أو قيم الإنسانية.
وهذا طبعا لا يعني غياب الخلافات بين القرائين، إنما دمقراطية السف والارهاب الفكري، الذي تتنافح فيه الحكومات قبل المليشيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استمر
على سالم ( 2020 / 3 / 1 - 01:57 )
شكرا للسيد الكاتب الكريم , انت تعمل مجهود رائع فى كشف مصائب الناسخ والمنسوخ البدوى , هذا اكيد وقت فارق ومتميز لكشف الغطاء عن البالوعه الاسلاميه ومصائبها والتى كان مسكوت عنها طوال الف وربعمائه عام , يجب ان نفضح الدجل والاكاذيب والعك والبلاوى الخافيه


2 - وما خفي أكثر
وديع العبيدي ( 2020 / 3 / 1 - 11:31 )
السيد علي سالم
اشكر مرورك وملاحظتك
كل فرد مطالب بحكم الضرورة
كشف الحيثيات والمستور وما بن السطور
ونزع القدسية والارهاب وديباجة العبودية
تحية ومحبة


3 - معقول
احمد علي الجندي ( 2022 / 1 / 27 - 21:55 )
قلت
-
بينما منطق الايمان المسيحي: [وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ: الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى]- (عب 11: 1)
-
قلت الكلمة لها عدة معاني ومقاصد
هنا النص يقول عن الايمان اي كيف يؤمن الانسان
او معنى ان يؤمن الانسان
لا اكثر ولا اقل
فالايمان هو التصديق
والنص عرف كيف يكون الايمان
ولكنه لم يتعرض الى شروط الايمان المسيحي
فالايمان المسيحي لا يكون الا بالايمان بان المسيح هو الله الظاهرة بالجسد الذي مات من اجلك
فالاية القرانية التي تعرضت لها تعرضت الى الايمان الاسلامي اي ماذا يجب عليك ان تؤمن به لكي تكون مسلما
ولم تتعرض لمعنى الايمان نفسه كما العدد المسيحي اي بالعامية انت قارنت بين شيئين ليس لهما علاقة ببعض

ثانيا تقول
-
أما ترجمات القرآن للغات الغربية، كالانجليزية والألمانية، فلا صلة لها بالقرآن العربي؛ وفي هذا خدعة وضلالة، لا أظنّ جوازها عند الله، أو قيم الإنسانية.
-
لا اعلم مدى صحة هذا الكلام
ولكن بحسب شبكة الالحاد العربي في مسألة نبوءات المسيح هنالك تدليس في بعض الترجمات
ايضا بحسب قراءتي بعض نصوص سفر اشعيا
محرفة الترجمة لتتناسب مع النبوءات

اخر الافلام

.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو