الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ست أساطير حول الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)

نادر عازر
(Nader Azar)

2020 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


تعرّض الحزب الشيوعي السوري منذ تأسيسه عام ١٩٢٤ إلى الكثير من التشكيك والأفكار المغلوطة، وهذا أمر طبيعي، كون الأيديولوجيا التي استمد منها أفكاره تكوّنت في أوروبا ضمن سياق اقتصادي-اجتماعي وسياسي وثقافي مختلف عن البيئة في البلدان العربية.
وبعد مسيرة طويلة تخللتها أحداث كثيرة، وإنجازات، وأخطاء، وتدخلات من السوفييت، تعرّض الحزب الشيوعي لانقسامات عديدة انبثق منها أربعة أحزاب تموضعت في مواقع مختلفة بين موالاة السلطة الحاكمة في سوريا، ومعارضتها.
وبسبب هذا التشعّب في البيت اليساري، انتشرت حوله العديد من الأفكار الخاطئة، وجرى الخلط بين الأحزاب ومبادئها، وهذا أيضاً أمر طبيعي بالنسبة لغير المطلعين على الشأن السياسي.
لكن ما يثير العجب هو كم الأخطاء التي يقع فيها بعض ممن يُسمّون كُتّاباً، أو يعملون في المجال السياسي حين يتحدثون عن الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)، دون أن يُكلّفوا أنفسهم عناء القراءة، ولو قليلاً، قبل الكتابة، حتى باتت طروحاتهم أساطير.
ومن أكثر ست مغالطات تكراراً هي:
١ "جماعة" رياض الترك
تعتبر إحدى أكثر المغالطات ترسّخاً حول الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) بسبب شهرة أمينه الأول السابق رياض الترك، وتأثيره الفكري على المعارضة السورية منذ السبعينيات.
لكن منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣، رأى الترك بأن التغيير في سوريا لن يتم سوى عبر قوى خارجية، وعلى الطريقة العراقية، بعد يأسه التام من فُرص التغيير داخلياً، كما أراد التخلي عن الماركسية كلياً، وتغيير اسم الحزب.
تعاظمت الخلافات داخل الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)، وفي نيسان ٢٠٠٥ اتجه رياض الترك ومن أيد أفكاره، إلى تأسيس "حزب الشعب".
أما من بقي متمسكاً بالماركسية، وبالخط الوطني الديمقراطي، وبرفض الاستعانة بالخارج، عقدوا كونفرانساً في أيار ٢٠٠٥ أكدوا فيه على استمرار الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)، وأن مؤتمر رياض الترك هو تأسيس لحزب جديد، وليس استمراراً لحزبنا.
٢ تحالف مع "الإخوان المسلمين"
تُثار بين الحين والآخر عبارات مثل أننا كنا متحالفين مع جماعة "الإخوان المسلمين"، أو أن يتم الخلط بيننا وبين تحالف "حزب الشعب" معهم عام ٢٠١١ في تأسيس "المجلس الوطني السوري" ومن ثم "الائتلاف" عام ٢٠١٢.
منذ أحداث مجزرة مدرسة المدفعية التي ارتكبها تنظيم الطليعة المقاتلة التابع للإخوان المسلمين عام ١٩٧٩ اتخذ الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) موقفاً سكوتياً عن ممارسات الإخوان العُنفية، مُركزّاً على "التناقض الرئيسي" الذي اعتبره مع السلطة الحاكمة، وطارحاً برنامجاً للتغيير الوطني الديمقراطي، الذي أصبح مع ولادة "التجمع الوطني الديمقراطي" برنامجاً لخمسة أحزاب، إلى جانب حزبنا، وهي: حزب الاتحاد الاشتراكي، وتنظيم ٢٣ شباط، وحركة الاشتراكيين العرب (أكرم الحوراني)، وحزب العمال الثوري العربي.
لكن مع بدء ميلان ميزان القوى لصالح السلطة الحاكمة في نيسان ١٩٨٠، ظهرت طروحات في "التجمع الوطني الديمقراطي" وحزبنا، بوجوب تخفيف وتيرة الخط المعارض المتشدد، والتخلي عن التكتيك السكوتي عن ممارسات "الإخوان المسلمين" لتفادي ضربات السلطة. لكن رياض الترك عارض هذه الطروحات، التي كانت أكثرية في اللجنة المركزية باجتماع أوائل أيلول ١٩٨٠، وكان مقرراً عقد "كونفرانس" في كانون الأول ١٩٨٠ لحسم الموضوع، لولا نشوب حملة اعتقالات شنتها السلطة على حزبنا في تشرين الأول ١٩٨٠ للقيادة والكوادر والأعضاء، وتكررت حملات الاعتقال سبع مرات على مدى عشر سنوات حتى عام ١٩٩٠.
استطاع حزبنا ترميم نفسه ومواصلة العمل السري طوال الثمانينيات والتسعينيات حتى عام ٢٠٠١، وبعدها بعشر سنوات مع اندلاع الأزمة السورية ساهمنا بتأسيس "هيئة التنسيق الوطنية" التي رفضت العنف المسلح، والتدخل الخارجي، وتطييف الانتفاضة، وأسلمتها، وأيدت الحل السلمي.
نحن الآن في عام ٢٠٢٠، وما يزال العديدون يعتقدون أن موقف السكوت عن ممارسات الإخوان في الثمانينيات كان "تحالفاً"، وأن "حزب الشعب" الذي تحالف مع الأخوان المسلمين عام ٢٠١١، هو نحن!
٣ الابتعاد عن الماركسية
تنهال انتقادات بشكل متواصل، وخاصة من قبل مُتبني الفكر الماركسي-اللينيني، وعشاق ستالين، حول أطروحات الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) وتحليلاته ورؤيته وبرنامجه السياسي، ويكيلون له تهماً بأنه بعيد عن الماركسية، وأن القائمين عليه سطحيون وجاهلون، لم يفهموا النظرية ولا يعرفون التحليل. وكأن الماركسية قالب فكري جامد لا يتغيّر، مُفصَّل على مقاس عقولهم، ومستوى فهمهم، يضعونه أينما يشاؤون، ويحشرون الواقع فيه ليبدو كما يريدون هم، وليس كما هو.
إن قولبة وتحجير المنهج الماركسي والتعامل معه بدوغمائية يناقض تماماً جوهر الماركسية نفسه، الحي والإنساني والمبدع، والهادف إلى إنشاء مجتمع أكثر عدلاً، وتحرير الطبقة العاملة لذاتها، والإنسانية من قيودها، ومن القوى التي تستغلها، بدون استثناء، وهذا يشمل أيضاً الدول والأنظمة الاستبدادية التي ادّعت، ولا تزال تدعي، تبنّي التحرر والاشتراكية، ومحاربة الإمبريالية، ومقاومة قوى الاستكبار، وتحرير فلسطين، فيما هي تدعس على الكرامة الإنسانية، وتستغل طبقتها العاملة، وتغرّبها عن ذاتها، وتسجنها وتعذبها وتقتلها، وتغصبها بواقع رغماً عن أنفها، وتقمع حرية التعبير والتفكير.
وكأن طريق المقاومة والتحرير لا يمر إلا عبر الاستبداد وعلى جثث الناس، وليس عبر مجتمع حر وصحّي وديمقراطي، يتطور طبيعياً لتكون المقاومة جزءاً عضوياً من نسيجه، وخياراً راسخاً يشترك في صياغته الجميع دون إقصاء!
لا يُظهر تمسّك هؤلاء "الشيوعيون" بالماضي، سوى القمع الذهني المزمن الذي يعانون منه، وعبادتهم للفرد، وعدم جرأتهم على التفكير أو التحليل بشكل مستقل وإبداعي، ولم يخرج منهم أي مفكّر له كتاب واحد يُقرأ، وإنما كلها كليشيهات وشعارات مكررة، ومعظم مؤلفاتهم عبارة عن محاولات لتبرير إجرام وقمع من يتبعونهم ويعتبرونهم قدوتهم، ويعيشون على ما يعتقدونها أمجاد الماضي، وباتوا أسرى لتحليلات جرت في زمان ومكان معينين، لا يمكن تطبيقها على أزمنة وأمكنة أخرى.
ما يتبناه الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) واضح في برنامجه السياسي، من حيث قطعه مع الكثير من المفاهيم والممارسات التي مارسها الشيوعيون، لتفعيل وتبيئة الماركسية مع المجتمع المحلي في رؤية جديدة للماركسية، بوصفها منهجاً تحليلياً يتم تطبيقه على زمان ومكان معينين وفقاً لجدل العام-الخاص والداخل-الخارج، من أجل إنشاء رؤية سياسية للواقع القائم وتوليد برنامج سياسي - اقتصادي-اجتماعي - ثقافي لمرحلة محددة.
٤ الديمقراطية بدعة برجوازية
نفس المجموعة اللينينية الدوغمائية، التي تهاجم الآخرين فقط لإظهار أنها متمسّكة بالفكر "القويم"، تخلط بين المبادئ الديمقراطية، والطبقة البرجوازية، والفلسفة والسياسة الليبرالية، وكأنها ليست أشياء منفصلة عن بعضها البعض، أو أن الزمن توقف عند مصطلحات لينين عندما سمّى، قبل أكثر من مائة عام، ما يحدث في الدول الرأسمالية بـ "الديمقراطية البرجوازية"، وكأن هيكلية الدول الرأسمالية هي نفسها دون أي اختلاف، ولم تتغير وتتطور على مدار الزمن، وكأنه لا يزال الذكور البرجوازيون هم فقط من يملكون حق الانتخاب، أو أن النظام السياسي والانتخابي في الولايات المتحدة هو نفسه في الهند أو البرازيل أو السويد أو اليابان!
الديمقراطية في إحدى تعريفاتها المبسطة هي "حكم الشعب لنفسه"، وهي حق طبيعي للإنسان بالتعبير عن إرادته بحرية وشفافية مكفولة في الدساتير، ضمن هياكل تفصل السلطات الرئيسية عن بعضها، وتضمن تداول السلطة تحت الرقابة الشعبية. وهي مسيرة طويلة، تحتاج إلى قوانين كثيرة لتحصينها وترسيخها، وبناء نظام يشمل الجميع وفق ظروفهم المحلية.
الاشتراكية لا يمكن فصلها عن السياق الديمقراطي، ولا يمكن إقصاء الطبقة العاملة عن هذه العملية، فهم من يملكها ومن ينفذها ويديرها، وإلا تحوّل تمثيل العمال، رغماً عنهم، عبر "طليعة ما" إلى استبداد وقهر.
أما الليبرالية فهي فلسفة سياسية تبنّت مجموعة أفكار ومبادئ منها حرية التعبير، وحرية الصحافة، والحرية الدينية، والسوق الحر، والحقوق المدنية، والمجتمعات الديمقراطية، والحكومات العلمانية، ومبدأ الأممية.
رغم تناقضات الليبرالية، وعيوبها العميقة، واستبداد السوق الحر الشنيع، والحروب والدمار الذي سببته، لكنها تبقى أقل سوءاً من الاستبداد المتوحش في الدول التي ادعت وتدعي الاشتراكية والشيوعية وتحرير الإنسان.
إن تبنّي الليبرالية لمبادئ ديمقراطية وتحررية، لا يجعلها ملكاً حصرياً لها، ولا يجعل الديمقراطية نجسة، ولا حرية التعبير شريرة، وبالتالي يتوجب محاربة الليبرالية عبر محاربة كل ما تتبناه!
ومعروف للجميع، أن نسبة كبيرة من "الشيوعيين" السابقين، أو المتمسكين بنسخه اللينينية والستالينية هم مثل أي متشدد آخر بالنسبة للغرب الرأسمالي "الكافر"، فهم يشتمونه ويلعنونه أمام الناس، فيما هم إما يعيشون فيه ويتلقون منه المعونات الاجتماعية والرعاية الصحية، أو يتمنون الهجرة إليه، وإرسال أولادهم للدراسة والعمل فيه، فيما يطلبون من الطبقة العاملة في بلداننا الصبر والتحمل، ويضعون كل أسباب مآسيهم في رقبة الإمبريالية والصهيونية (وكأن اتحادهم السوفييتي لم يكن أول دولة تعترف بالكيان الصهيوني!).
٥ الشيوعية هي ديكتاتورية وقمع
في الجهة المقابلة لليسار المتشعّب، سواء ليبراليين أو محافظين أو إسلاميين، هناك اتهامات مُبسّطة وجاهزة لحزبنا، قبل أن تقرأ عنه شيئاً، ولمجرد وجود كلمة "شيوعي" في اسمه، فتربطه مباشرة بالاستبداد، وبالاتحاد السوفييتي السابق، والصين، وحتى كوريا الشمالية، وكأننا فرع أو امتداد لهذه القوى، أو أن تبنيها هي لأفكار "شيوعية" يجعل الشيوعية نفسها نجسة، تماماً كما تتبنى الليبرالية المبادئ "الديمقراطية".
حزبنا، وكما هو واضح ومعروف، كان معارضاً لتدخلات السوفييت وسياساتهم، وتبعية الأحزاب الشيوعية لهم، وعبادة الفرد، وممارساتهم الاستبدادية، وموقفهم من الكيان الصهيوني. ونحن أول حزب يساري سوري يتبنى "الديمقراطية" منذ العام ١٩٧٨ بعيداً عن مفاهيم "الديمقراطية الشعبية" و "الديمقراطية الثورية" مع بلورة "برنامج تغيير وطني ديمقراطي".
وبالتالي فإن الديمقراطية جزء لا يتجزأ من روح الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) وحياته الداخلية.
من الطبيعي أن يجد العديد من الناس صعوبة في التمييز بين مصطلحات كالاشتراكية والماركسية والشيوعية.
فالماركسية يمكن تعريفها بأنها منهج لتحليل مجتمع ما، في مكان وزمان معينين، لاستخراج برنامج سياسي يطرح طرق حل مشكلات المجتمع.
أما الشيوعية كفكرة تصورية لمجتمع خالٍ من القهر والاستغلال والطبقات، فهي كانت موجودة قبل ماركس بكثير، عند العديد من الفلاسفة. وما فعله ماركس هو أنه أوجد منهج تحليلي ثوري للوصول إلى هكذا مجتمع، وبالتالي سمي نهجه بـ "الماركسية". (ويمكن أن تختلف تعريفات الشيوعية، وستختلف في المستقبل، لأن وجود هكذا مجتمع يتطلب شروطاً عديدة لا تتوفر في عالم اليوم، وهذا ما ستصيغه الأجيال القادمة حسب النمط الاشتراكي الذي سيصلون إليه، قبل الدخول في مراحل اجتماعية أرقى).
٦ الإلحاد ومعاداة الدين
معظم الأطراف المحافظة والدينية، تدّعي بأن الشيوعية تنشر الإلحاد وتحارب الدين وقيمه، وكدليل على كلامهم يُعيدون تكرار جملة واحدة، لا يعرفون غيرها، مما كتبه كارل ماركس بأن "الدين أفيون الشعوب"، وهي إحدى أكثر الجمل، عبر التاريخ، التي أسيء فهمها، وأخرجت من سياقها، ويمكن معرفة ما قصده ماركس، ببساطة، عبر قراءة الفقرة التي ورد بها الاقتباس أعلاه في مقدمة مؤلفه: "مساهمة في نقد فلسفة الحق عند هيغل".
بالنسبة للحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)، فإن الماركسية ليست كل كلمة وكل حرف قاله ماركس، وليست عقيدةً أو دين، ولا رؤية فلسفية للنظام الكوني-الطبيعي، بل يرى الحزب حرية الماركسي في أن يعتقد ما يراه من معتقدات (دينية أو غير دينية)، وأن يمارس ما يراه من شعائر وطقوس (أو لا يمارس) وفقاً لما يعتقده، لتكون الماركسية، بناءً على ذلك، محصورة في إطار اقتصادي-اجتماعي - ثقافي - سياسي، في حالة من الفصل بين العقيدة الشخصية والاتجاه السياسي الحزبي.
كخاتمة، فإنه من بديهيات الكتابة عن أي موضوع أن يُجري كاتبه بحثاً، ولو سريعاً، حول ما سيتحدّث عنه ويعرضه للناس، حتى يكون له احترام ومصداقية، والأمر ينطبق على الكتب والدراسات والمقالات، وحتى التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي. عدا ذلك، تتحول الكتابة إلى نشاط غريزي ورغبويّ، تتشوه فيه الحقائق، وتتحول إلى ترّهات وأساطير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال