الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أثر السجن في قصيدة -في السجن- منذر خلف مفلح

رائد الحواري

2020 / 2 / 29
أوراق كتبت في وعن السجن


العنوان يشير إلى مضمون القصيدة وواقع الشاعر، فسنجد أثر للسجن، وكيف ينظر السجين/الشاعر للوقت البليد، للأشياء، للفرح، للأمل، للسجان، وللجدران وصلدها، لرفاق، "في السجن" سنجد كل هذا، من خلال ومضات مكثفة ومختزلة بدأت كلها ب "في السجن":
"في السجن
تختلفُ نكهة الأشياء ومعاني ومقاصد الشعراء
يختلفُ الرواةُ بتفسيرِ الوقت باستخدام لغةُ الأدباء"..
وهنا يطرح سؤال: وهل في السجن شعراء؟، وكيف ولماذا يسجنون؟، واعتقد أن إجابة القارئ على السؤال، تعتبر تحدى وانتصار السجين/الشاعر على واقعه وعلى السجان وعلى السحن، وإذا ما توقفنا عند الومضة سنجد فيها عبارة زائدة: "باستخدام لغة الأدباء" فإذا ما حذفناها سنجد الومضة أفضل وأقوى وأكثر اتساع، وهنا نطرح سؤال ما الداعي لها، ما دامت زائدة، وأضعفت من قوة الومضة؟، بكل بساطة، نجيب: أنها جاءت لتشير إلى الثقل "الوقت" على السجين الشاعر، الذي ينخر عمر السجين/الشاعر، وينخر حتى قصيدته، فأحدث فيها (تشويه).
وللافت أن العبارة الزائدة جاءت بعد لفظ الوقت مباشرة، قد يبدو أن هذا التفسير (ينحاز) للسجين/الشاعر، أو يحاول أن يجد (تبرير) لخطأ زائد في الومضة، لكن في الومضة التالية نجد فيها تفسير يؤكد على ما ذهبنا إليه:
" في السِجنْ..
يفرُّ الألمُ من بين دفتيّ كتاباً عالجتهُ فوضى الحواس
وتقرأُ الوجوهَ من خلفِ قضبانٍ باردةً ورطوبة التفاصيل "
استخدام "دفتي كتاب، تقرأ" تشير إلى الأدوات التي يستخدمها الشعراء، وهي احدى المخففات الاربعة وعناصر الفرح ـ الكتابة، المرأة، الطبيعة، التمرد ـ وهذه الأداة أُحدث فيها خلل "فوضى الحواس"، كما نجد ظرف/الحال غير سوي: "خلف القضبان، ورطوبة التفاصيل" وإذا ما أخذنا بداية الومضة "يفر الألم" والتي تعني أن هناك عملية هروب، والتي ستكون صعبة وملتوية، مخالفة للقانون، وأضفنا إليها "الفوضى وباردة ورطوبة" يمكننا أن نتفهم طبيعة وظرف كتابة وكاتب الومضة.
" في السِجنْ..
يقسم الأسير وقته ما بين سجان شره باستخدام روايته
وما بين معنى ارتداد الفراشة في الضوء
ويحتسب الزمن بخطوتي أفقية
ويُسجّل في دفتر الدائن والمدين "
كلما ذكر الوقت نجد السجين/الشاعر يحدث خلل في شكل أو معنى الومضة، ما حدث في هذه الومضة أنها جاءت (طويلة) نسبيا، وكذلك وجود فقرة زائدة ودخيلة "ويسجل في دفتر الدائن والمدين" فالومضة جاءت منسجمة، وبصورة شعرية "الفراشة في الضوء، بخطواتي أفقية" لكن "يحتسب ويسجل" لها علاقة بحساب والتجارة والماديات، وليس الأدب والصورة الشعرية، وهذا (الخلل) ناتج استخدام "وقته، الزمن" وكأن ذكر "الوقت/الزمن" يستفز الشاعر ويجعله يضطرب مما ينعكس على نصه، وهذا يجهل النص والشاعر كيانا واحدا، فهما متوحدين معا، الشاعر يكتب الومضة، والومضة تُكتب الشاعر.
وما يؤكد ثقل الوقت على الشاعر، استخدام الألفاظ القاسية بعد "الوقت/ه" فنجد: "سجان، شره" والاستخدام الثاني بعد "زمن" فجاء "بخطوات أفقية، وهي تعتبر (عادية) فالخطوات غالبا ما تكون افقية، وقليلا ما تكون عمودية، (في حالة صعود السلم)، ومع هذا الثقل الذي أحدثه الزمن/الوقت، إلا أن الشاعر يتمرد على الواقع/على الوقت من خلال تقديم صورة شعرية "ويحتسب الزمن بخطوات أفقية" لكنه في ذات الوقت (أصر) على إظهار للقارئ أن هناك (خلل) في بينية الومضة من خلال الفقرة الأخيرة "يسجل الدائن".
" في السِجنْ..
شيخٌ هرمٌ وطفلٌ يتجاوز عمر الحنين
وتاجرٌ يبحثُ عن مقايضةِ الوقتِ والسنين
وحذرُ المشاعرُ في دقةِ استخدام الأنين "
يستعيد الشاعر توازنه، وكأنه بعد أن عبر عما يحمله من (حقده) على "الوقت"، صفية نفسه وهدأت مشاعره، فنجد الصورة الشعرية "طفل عمر الحنين، وحذر المشاعر، وتاجر ومقايضة" واللافت أن هناك حالة من
(التباين) في الفقرات الثلاث: "الشيخ الهرم والطفل، التاجر الوقت والسنين، دقة المشاعر والأنين" وهذا يعكس حالة (الصراع) الذي يخوضه الشاعر في السجن، وأيضا هناك علاقة توحد وتكامل بينها: "الشيخ والسنين، والطفل والوقت، الشيخ والحذر والدقة، والطفل والوقت والأنين"، لكن، يبقى تكرار معنى الوقت/الزمن من خلال "الوقت والسنين" يشير إلى ثقله ووقعه القاسي على الشاعر.
عالم السجن غير سوي ومفروض على السجين/على الشاعر:
" في السِجنْ..
سجانٌ برمٌ يقارنُ وقتهُ ما بين حبيبته وكحلةُ الوجوه
وفرحة الاختلاف في صفرِ الخروج "


التناقض من "السجان وحبيبته، فرحة الاختلاف، فصر الخروج" وهذا انعكس وتماثل مع حالة السجان، الذي يمارس دور الجلاد والسجان وفي ذات الوقت يحب، والشاعر لا يتوانى عن ذكر الشر الكامن في "وقته".
بما أن السجان يعتبر "سفر"/"أسفار" العهد القديم مقدسة، يستوقفنا تعبير "صفر الخروج"، لماذا لم يستخدم الشاعر "تعبير "سفر الخروج" علما بأنه من الأسفار الأساسية التي بنى عليها (السجان) عقيدته الدينية؟، وهل أراد الشاعر من خلال "صفر الخروج" والذي ينعي ـ والذي جاء بصورة ساخرة ـ عدم الخروج السجان من حالة العبودية؟.
" في السجن..
حريةٌ بنكهة الأشياء الصغيرة وقيدٌ منسوجٌ بخيطٍ وحكاية
وترتدي المرأةُ التباساتٌ واقتباساتٌ أقربُ إلى التحريم
وننظرُ باكراً للشمسِ نقايضها بدفءٍ على حساب البدر "
يمكننا أن القول أن هذه الومضة (خارج) السياق، فبدت بيضاء إذا ما استثنينا لفظ "قيد، التحريم، على حساب" وهذا البياض ناتج عن الفاتحة "حرية" وحضور "المرأة"، والطبيعية "الشمس والبدر"، هناك شبه اجماع عن الكتاب/الشعراء على أن المرأة هي الفاتحة لبقية عناصر الفرح/التخفيف الأخرى، الكتابة، والطبيعة، والتمرد، لكن الشاعر هنا يخالف هذه القاعدة ويقلبها، ويجعل "الحرية"/التمرد هي سبب للوصول إلى بقية العناصر، فكانت المرأة والطبيعية ناتج للحرية/التمرد، وهذا يشير إلى التوحد بين واقع الشاعر والومضة، لهذا نجده يتحدث/يكتب من واقعه هو، وليس من خلال واقع الآخرين.
" في السجن..
لا تمرُ الكلماتُ جُزافاً وتعود بين حنين
ونتمنى أن تلسعُنا برودةِ الطلِّ بظلِ وردةٍ..
وتحتمى الأيام خجلاً ما بين الشبحِ وظله
وتبدأُ البداياتُ مبكرةٌ وتُلقى كمهملاتٌ في سلة "
يعرفنا الشاعر بنفسه أكثر من خلال الومضة السابقة، والتي يستخدم فيها ضمير المتكلم، "نتمنى، تسلعنا" لأول مرة، وإذا ما توقفنا عند هذه الافعال "لا تمر، تعود، تبدأ" بمعناها المجرد نجدها مرتبطة بالزمن/الوقت، وهذا يشير إلى أن ثقل الوقت ما زال فاعل ومؤثر في الشاعر، واعتقد أن "تحتمي الايام خجلا ما بين الشبح وظله" فيها شيء من الأنا، من ذات الشاعر وما يتعرض له من قسوة على يد السان، وللافت في هذه الومضة مشاعر الرغبة في الاحتماء من قسوة السجن والسجان: "حنين، نتمنى، تحمي"، وهنا الألم والحزن في: "لا تمر، تلسعنا، وتُلقي" وإذا ما توقفنا عند الالفاظ المجردة سنجد غالبيتها يشير إلى القسوة.
الومضات منشورة على صفحة صديقي الأسير كمال أبو حنيش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د


.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي




.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا


.. بينهم نتنياهو.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل بسبب حر




.. اعتقال مصور قناة -فوكس 7- الأميركية أثناء تغطيته مظاهرات مؤي