الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلطة بين ضرورة الانسجام وواقع الاختلاف

الأسعد بنرحومة

2020 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


الاختلاف بين البشر أمر طبيعي لا خلاف في ذلك ، وهو كذلك بين الشعوب والأمم "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ"، وهو اختلاف يفرضه واقع اختلاف العقائد والمذاهب والأفكار.. والاختلاف في الشعب الواحد بين أفراده وأطيافه أيضا طبيعي وهو حقيقة واقعية معيشة ، لكنه ليس كالاختلاف الذي يشاهد بين الشعوب والامم أو بين دولة وأخرى ، فهو اختلاف في الفروع مع وحدة الأصول ذلك أنّ الدولة وأي دولة لا يستقيم حالها الا بوجود الانسجام الكامل بين مختلف مكونات شعبها ، يحدده ويفرضه نوع الأساس الفكري الذي تقوم عليه الدولة وتمشي فيه السلطة، فوحدة هذا الأساس الفكري والعقدي هو المّحدث للانسجام حتى وان وُجد الاختلاف ، لأنه حينها اختلاف في الفرع والجزء وليس في الأصل والعمود...والسلطة ، سواء في الحكم أو البرلمان أو غيره تحتاج للانسجام بين الجميع وان كان الاختلاف بين أفرادها حقيقة واقعية ، لكنه اختلاف في الفروع فقط وليس في أصول الحكم والتشريع والتنفيذ . فهذا الانسجام يفرضه طبيعة الوحدة في القواعد الفكرية وأسسها حتى وان كان الاختلاف في الفروع،وهذا ماهو قائم في جميع دول العالم لا فرق بين فرنسا وبريطانيا ، أو بين أميركا وألمانيا لأنه واقع السلطة نفسها.
والاختلاف المشاهد في أوروبا او غيرها من الدول الديمقراطية ليس اختلافا في القواعد والأسس لانها واحدة كالتداول على السلطة او فصل الدين عن الدولة أو الحريات الاساسية أو غيرها، لذلك تنجح حكوماتهم في تسيير الشأن العام ،لان الوحدة الفكرية في الأصول والأسس يخلق الانسجام المطلوب ، ولا يؤثر عليه الاختلاف الفرعي ....
هذا بخلاف ما هو حاصل عندنا ، فالانسجام مفقود كليا سواء في الجهاز الواحد كالحكومة أو البرلمان أو الرئاسة ، أو بين جميع الأجهزة ، وغياب هذا الانسجام سبب الفهم المغلوط والفاسد عندهم لواقع " الحرية" ولمفهوم " الاختلاف " .
فقد توهّم السياسيون عندنا ومن معهم أنّ الاختلاف يعني اختلافا في كل شيء بما فيها الاختلاف على القواعد والأسس المنتجة للتفكير والمحددة لنوعية القرار ، فاختلفوا في كل شيء باسم الحرية وباسم أنّ الاختلاف حقّ دستوري ، وهذا كلام غير سليم بالمرة ،لأنّ التضارب والمخالفة في هذه الأعمدة أصولا وقواعد يخلف التصادم والتضارب والنزال ومنها الفشل.
وعندما نقول بضرورة وجود وحدة فكرية في الأصول والقواعد المنبثقة من نفس القواعد ، لا يعني أن نفرض طريقة بعينها للتفكير على الناس بالقوة أو بالقانون ونجعلها هي طريقتهم في التفكير كما يحصل في مجتمعاتنا في جميع البلاد الاسلامية ، فهم يفرضون على شعوب المنطقة قاعدة معينة أسقطها علينا الغرب المستعمر في حالة ضعف نمرّ بها وتقبلّها الحكّام فينا ففرضوها بقوة القانون والعسكر وهي قاعدة "فصل الدين عن الحياة الدنيا ومنه عن الدولةو السياسة والاقتصاد" ،ثمّ وخاصة بعد هبوب عواصف الربيع العربي علينا زادوا على ذلك بخبث وخداع بتسويق فكرة "الاختلاف" و"الحرية" على أنه اختلاف مطلق وحرية بلا حدود ، فتفجّر عندنا تناقض خطير وفرقة كبيرة لا تساعد على البناء بقدر ماهي طريق للهدم والتفكك والتنازع والصراع.
تحت هذا التضليل الخطير والمغالطات المقصودة تحوّلت البرلمانات في بلداننا الى سيرك يجمع المناقضات ، هذا اسلامي وهذا قومي عروبي وذاك قومي تركي او كردي والآخر شيوعي ، والاسلامي نفسه تفرق الى شيعي وسني ،كما تفرق اليساري الى اشتراكي زراعي او اشتراكية في رأس المال أو يساري وسطي وهكذا ، فاجتمعت المتناقضات كلها وهي متناقضات في الأسس الفكرية وقواعدها وليس في الفروع ، فغاب الانسجام كليا من السلطة وفلم نحصد الّا الفشل تلو الفشل والانهيار مستمر...
قلنا انّ القاعدة الفكرية لجميع الأسس والأصول لا تفرض بالقوة قانونا أو عسكرا وانما هي موجودة بطبيعتها في عموم الشعب والأمة ، والأصل هو تغيير المنهج العام في المجتمع ليكون منبثقا عن هذه القاعدة وليس العكس ..
وهذه الشعوب مسلمة وهي المكون لمجموع الأمة وتؤمن بعقيدة واحدة ولها كتاب واحد ومنهاج واحد ، والنجاح لا يكون بتشتيت المنهج عليها وطمس أساسها الفكري بادخال كلّ غريب عليها بحجة " الاختلاف " وبذريعة " الحرية " لانه كما قلنا لا يجب الاختلاف في الأصل للنجاح، فليس من العقل الجمع بين أصول الاشتراكية وأصول الرأسمالية وأصول الاسلام في السلطة رئاسة او برلمان أو حكومة .
وكذلك ليس من العقل أن نخرج الاسلام من مواقع السلطة ونبقي الغريب الفكري فيها اشتراكية او رأسمالية أو غيرها بحجة الحفاظ على نمط المجتمع او بحجة فصل الدين عن الحياة ، لأن الناس مسلمون والاصل ان يكون نمط المجتمع منسجما مع ما يعتقدون وليس مناقضا له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن