الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماكرون أبصر وميركل تفضّل التعامي

طارق الهوا

2020 / 3 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من مدينة مولوز Mulhouse شمال شرقي البلاد الإجراءات الأولى للحكومة الفرنسية في مجال مكافحة الإرهاب الإسلامي، واستخدمت الرئاسة في هذا السياق مصطلحا جديدا هو "الانفصال الإسلامي"، للتعبير "بصورة أدق” من "ظاهرة الطائفية" التي كانت متداولة سابقا.
يبدو أن اجراءات الرئيس ماكرون جاءت بعدما تبيّن بوضوح استحالة اندماج كثير من المسلمين في الجمهورية، وهو أمر لم تعرفه فرنسا حتى عقود قليلة، حين كان المسلم يسافر إليها، وإلى دول الغرب بشكل عام، ويتمنى أن تصبح بلده مثلها، ويبدأ هو شخصيا في محاكاة تقاليد وثياب وأساليب أي بلد يذهب إليه.
في مقابل ظاهرة انفصال بعض المواطنين الفرنسيين المسلمين عن فرنسا، سواء لجهة الانتماء أو القيم أو التعليم والملابس، أو حتى قبولهم الرئيس رئيساً فعلياً لهم، بدلا من سلطة أئمة المساجد، شدد ماكرون على ضرورة "استعادة الدولة حضورها" عبر "منظومة إعادة قيم الجمهورية"، والقرار يعني الوقوف في وجه كل مظاهر العنف بما فيها تجارة المخدرات والأسلحة والتطرف الإسلامي، خصوصاً في الأحياء الحساسة والضواحي، التي يكاد بعضها أن يكون أماكن مغلقة تعيش في عصر آخر وقيم أخرى.
كما أعلن الرئيس الفرنسي إنه سيفرض قيودا على إيفاد دول أجنبية أئمة ومعلمين إلى البلاد، بهدف القضاء على ما وصفه بخطر "الشقاق"، بعدما كان يتحاشى من قبل الدخول في قضايا متعلقة بالجالية المسلمة في البلاد، وكان تركيزه ينصب على الإصلاحات الاقتصادية وعلى "جمع" فرنسا كما أعلن في حملته الانتخابية، لكنه أبصر كما يبدو أخيرا الخطر الذي سيقوض بلاده بأسلوب واجهات "أعمال الخير" و"الدعوة" و"الانشطة الرعوية"، وقال إنه سينهي بالتدريج نظاما ترسل بموجبه الجزائر والمغرب وتركيا أئمة للوعظ في مساجد فرنسا "لكبح النفوذ الأجنبي والتأكد من احترام الجميع لقوانين الجمهورية"، وطلبت حكومته من الهيئة التي تمثل الإسلام في فرنسا إيجاد سبل لتدريب الأئمة على الأراضي الفرنسية، والتأكد من أنهم يستطيعون التحدث بالفرنسية وعدم نشرهم أفكارا متشددة.
حسناً فعل الرئيس ماكرون، فمعظم مساجد العالم تحولت إلى منابر سياسية تتخذ من خطبة الجمعة أداة لتسفيه أداء الحكومات في الدول ذات الأغلبية المسلمة، وبث الحقد في نفوس المسلمين تجاه دول المهجر التي آوتهم، واعلان هذه الدول دور حرب، والتخطيط للسيطرة على أي مؤسسة سواء مدنية أو عسكرية تسمح ببناء مسجد داخلها للصلاة، وتكفير وتحقير كل الاديان الأخرى. لم تعد الصلاة سبب بناء المساجد، بل أن بعضها في أوروبا ينتمي إلى أردوغان أو القرضاوي أو الدواعش أكثر مما ينتمي إلى الاسلام نفسه.
"ظاهرة الانفصال الاسلامي" في فرنسا جزء مما يحدث في أوروبا ومعظم دول العالم، ولا يُعقل أن تكون الصين والهند وأوروبا وبعض دول الشرق الاوسط على خطأ أو واهمة أو متعسفة، فالانفصال يتطابق تماما في الاسلوب رغم اختلاف الثقافات واللغات، فبعض المسلمين يعيشون حالة انفصال عن الواقع، في دول لا تمنع انتشار الاسلام لكنها تحارب الانفصال عن الدولة، وظاهرة صعود اليمين المتطرف أمر طبيعي في ظل تراخي حكومات العالم عن اتخاذ قرارات سيادية تمنع الانفصال عن مجتمعاتها وبالتالي تقوّض الدول.
ما عدا ميركل
معظم دول العالم حتى ذات الأغلبية المسلمة أصبحت تواجه ظاهرة الانفصال عن الدولة، لكن المثير للإنتباه هو إصرار المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على لوم اليمين في ألمانيا على تشدده، لدرجة أنها علقت على حادث إطلاق النار الذي وقع في مدينة هاناو الألمانية بوجود أدلة تدين من يروجون لمعاداة ديانات أخرى، ولم تقل ما سبب هذه المعاداة، ولم تشرح لماذا ظهرت في العقدين الأخيرين فقط.
قفزت ميركل على ذكر الاسباب وأعلنت إن "الحكومة الألمانية ستستخدم كل قوتها للتصدي لمن يحاولون تقسيم البلاد"، لأن "هناك مؤشرات كثيرة في الوقت الحالي على أن مرتكب الجريمة تصرف بناء على دوافع يمينية متطرفة أو عنصرية بدافع الكراهية تجاه أشخاص من أصول أو ديانات أخرى".
هكذا ألقت الأم الروحية للمهاجرين خصوصا غير الشرعيين منهم، على اليمين الألماني تهمة تقسيم البلاد والانفصال عنها، بينما كل دول العالم وجارها ماكرون يتهمون الارهاب الاسلامي بهذا الامر.
لماذا أبصر ماكرون بينما تصّر ميركل على التعامي؟
قد يكون السبب روح الحرية الفرنسية، بينما يميل الألمان إلى روح العسكرية، وقد عبّر هتلر نفسه عن إعجابه بقدرة الاسلام على عسكرة المجتمعات، وتمنى الفوهرر، أو الفورر بالألمانية، بوضوح في كتابه "كفاحي" لو هزم المسلمون شارل مارتل في موقعة بلاط الشهداء، وجاء حرفيا في كتابه المشار إليه "لو أن العرب انتصروا آنذاك لكان العالم الأوروبي اليوم مُسلما، ولفرضوا على الشعوب الألمانية ديناً أهم شيء فيه هو نشر الإيمان الحقيقي بالسيف، وإخضاع جميع الشعوب الأخرى له، وهذا متأصل في دماء الألمان".
قَبِلَ الفورر ما رفضته قريش، لكن نهايته لإخضاع العالم كله تحت إمرته معروفة، وألمانيا اليوم تواجه ما أعُجب هتلر به، فقد تحدثت تقارير ألمانية عن الأثر الإخواني العميق داخل المجتمع، بعد قيام الاستخبارات الألمانية الداخلية بفحص أنشطة جمعية "ملتقى ساكسونيا" الإخوانية التي تدير مسجد التقوى بمدينة راشتات بولاية بادن فوتمبرغ، وأصدرت الهيئة تقريراً أشارت فيه إلى أن جماعة الإخوان المسلمين في الداخل الألماني، تبني أخطر شبكة أصولية ذات تأثير قوى في أرجاء البلاد، ونفوذهم تنامى في السنوات الماضية.
كما ذكر دكتور لورينزو فيديو، مؤلف كتاب "الإخوان المسلمون الجدد في الغرب" أن "كثير من كوادر الإخوان احتلوا مواقع بارزة في ألمانيا، ما وطّد نفوذهم وجعل من ألمانيا قاعدة انطلاقهم لأوروبا".
شجعت ورعت ميركل موجات الهجرة الأخيرة إلى أوروبا، وهي غير آبهة بكل التقارير التي تقول أن هذه الموجات مدروسة وفيها مندسون ينفذون ستراتيجية الاستيطان وليس الهجرة الموقتة، وهي (الموجات) تلتزم خطة "الجهاد الحضاري"، لا "الجهاد العسكري"، ولا تؤمن بأسس الحياة المدنية التى ترتكز عليها المجتمعات الأوروبية.
هل ألمانيا، وأوروبا ضمناً، لا تدري حقاً بما يجري على أراضيها وعلاقته بقوى التطرف الإسلامي والأخواني؟ هل يُلام اليمين (المتطرف كما يصفوه) على محاولته استعادة هوية أوروبا؟ لماذا وقفت ألمانيا في وجه الكاثوليكية وانطلقت منها أكبر حركة إصلاح كنسي، بينما ترحب وتشجع من يحاولون الانفصال عنها وتقويض قوميتها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س