الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة الأمازيغية. في خطر .

الطيب آيت حمودة

2020 / 3 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


آراءة في كتاب ( تحقيق عن تراجع اللغة الأمازيغية في الجزائر ، صادر في 1913 ، انجزه الأستاذان في كلية الآداب واللغات في الجزائر ، [غوتيه ، وإدمون دوتيي ]
ENQUETE SUR LA DISPERSION DE LA LANGUE BERBERE
EN ALGERIEE
الآمر بالتحقيق :

الحاكم العام للجزائر سنة 1910 السيد : Charles Jonnart الذي يعرفه الجزائريون باسم مسيُو جونار[1] .
؛الغاية المستهدفة :
معرفة التنوع الألسني في الجزائر ، والمجال الجغرافي لانتشار الأمازيغية ، وضبط الحدود اللغوية وإدراك أسباب تخلي الأمازيغيين عن لغتهم لحساب لغات أخرى وافدة عبر قرون خلت ،وهي أمور تساعد فرنسا على رسم استراتيجياتها اللغوية وتحديد أنساقها وأولوياتها خاصة وأنها ترمي إلى فرنسة لسان المجتمع الجزائري ، وقد لعبت ( المكاتب العربية ) دورا محوريا في تنفيذ خطة التحقيق ، و عبر التقارير التي قدمتها الإدارات المحلية وكذ المراسلات الرسمية وبالإستناد على إحصاء عام 1906 .
وقد سبق للإدارة الفرنسية أن حققت في سكان الجزائر وانتشار اللغتين العربية والأمازيغية ( البربرية) بينهما ، منذ 1860 ، و 1906 ، و 1911 ، وهو ما يعني أن الهاجس اللغوي أخذ حيزا من اهتمام الإدارة الفرنسية .
فالمقارنة العددية بينت أن ما يقارب 300.000أمازيغي فقدوا لغتهم الأصلية خلال خمس سنوات ، ( 1906 و 1911 )
المحتوى العام :
°°الكتابُ فيه جداول رقمية لعدد الناطقين بالأمازيغية والعربية الدارجة ، في كل ربوع البلاد بعمالاته الثلاثة ( قسنطينة ، الجزائر ، وهران ) وأخرى للجنوب الجزائري ، وفيها حقائق مذهلة يجهلها الكثير من الجزائريين اليوم تمثلت في :

1)انتشار الأمازيغية بمتغيرها الصنهاجي والزناتي عبر كل الفضاء الجزائري باستثناء بعض الجيوب [2]
2) جداول مقارنة بين محصلتي إحصائي 1906 و 1911 ، ومستخلصات الملفات الرسمية للفحص لمعرفة المجال الجغرافي الذي تشغله اللغة الأمازيغية في الجزائر حسب الولايات والعمالات و والبلديات ذات الصلاحية الكاملة والمختلطة ومناطق الصحراء ، مع جداول رقمية عامة لانتشار الأمازيغية والدارجة الجزائرية .
3) نقاش حول النتائج بالمقارنة مع خريطة هانوتو ( HANOTEAU ) .
4) تراجع انتشار الأمازيغية .
5 ) الإستخلاصات .

وصف تحليلي .

°°°قراءة الكتاب توضح مدى اهتمام الفرنسيين بالتنوع اللساني الذين جهلوه في بدايات استعمارهم للجزائر ، فقد وضح أرشيفهم ومراسلاتهم الرسمية طيلة العشرية الأولى لغزوهم للجزائر ، بأنهم يجهلون طبيعة المجتمع الجزائري ، فاعتقدوا خطأ بأن الجزائريين [ كلهم عرب ] بسبب ربطهم بين الدين الإسلامي والعروبة .
بدأ التدقيق في معرفة الإختلافات في زمن (الجنرال بيجو) الذي أصر على أن في الجزائر شعبين [عربي وأمازيغي ] ، وقد حرص خلفاؤه في البحث والتقصي لتقسيم الجزائريين إلى كانتونات لغوية لاستخدامها كفتيل صراع إثني عند الحاجة ، مع العلم أن التنوع اللساني لا يترجم التنوع الإثني ، فالجزائريون غالبيتهم أمازيغ (بربر) استعربوا لظروف تاريخية ودينية و ثقافية و بيئية .
°°°الجداول الإحصائية بينت بوضوح حضور اللسان الأمازيغي في كل الفضاء الجغرافي للجزائر بأقاليمه الكبرى ، وعمالاته ، وبلدياته بنوعيها الكاملة والمختلطة ،
فهي كثيفة الإنتشار في ثلاثة من الحصون الكبرى التي صعُب أختراقها ( القبائل ، ميزاب ، الأوراس ) ومناطق أخرى حضرية ثنائية اللغة ، أو وحيدة بفعل نجاح التعريب فيها . فقرى جبال جرجرة ، و الأوراس وقصور ميزاب [ممزغة بالكلية ] في حين أن المدن الحضرية منها ك(بجاية) و(تيزي وزو) و( باتنة ) و (غرداية ) رغم وقوعها في فضاء ممزغ إلا أن لسانها خليط بين الأمزغة واللسان الدارج .
فغوتيي GOUTIER ودوتيي DOUTTIER قدما إحصائيات مميزة للناطقين بالأمازيغية في كل الفضاء الجزائري ، ويمكن التمييز فيها بين أربع من النماذج :
1) نموذج إقليم الشرق ، ك( بلدية تبسة ) من عمالة قسنطينة في إقليم الشاوية ، لغة الأهالي الأم هي الأمازيغية عند [المراردية ] الذين حافظوا على تراثهم ولسانهم الأمازيغي ، ويتكلمون كذلك اللسان العربي الدارج بطلاقة خارج محيطهم ، فهم في الأصل من أمازيغ اللمامشة وليسوا من عرب سيدي يحي بن ثعالب ، ونفسه يُقال عن أهالي بلدية عين البيضا ، الذين يتحدثون الأمازيغية بمتغيرها الشاوي إلى جانب العربية الدارجة التي هي خليط من الأمازيغية والعربية البدوية والفرنسية ... وهو يجعلنا نصنف هذه الجهات رغم أمازيغيتها القحة الواضحة بأنها بلغة مزدوجة أمازيغية وعربية دارجة ، هذا التغلغل العروبي بارز كذلك عند ( أولاد عبد النور) التي في الأصل أمازيغية اللسان ، وأصبحت حاليا معربة بالكلية .
اقليم الشاوية عموما عرضة للتعرب منذ بدايات الغزو الأعرابي الهلالي منتصف القرن الحادي عشر1050 م ، فتشابه الخصال البدوية عند الوافدين والمستقبلين ، وتمترس الأعراب بالإسلام واللغة العربية سهلا مهمة الإندماج المحلي في قيم الوافد العروبي ، فانتشار زوايا القرآن ، والزواج المختلط ،ومدارس اللغة العربية ، و علوم الدين وانتشار الكتاب العربي الإسلامي بين الناشئة ، و إجراء التعاملات التجارية ، وإجبار الأهالي على توثيق معاملاتهم بلغة القرآن وعلى يد قضاة عرب أو مستعربين ، كلها عوامل شجعت تعريب هذه الجهات ، فقد ذكر قوتيي GOUTIER في كتابه هذا شيئا عجبا ، هو أن [ ساكنة القل collo عند استجوابهم عن أجدادهم ينكرون انحدارهم من الأمازيغ نكرانا بيّنا، ويؤكدون بأنهم ( كلهم عرب ) هاجروا من المغرب ، واكثريتهم يعتقد أنه من العيب النظر إليهم كقبائل أصليين . ]
2)منطقة القبائل ، البلدية المختلطة أقبو ، كانت تتشكل من اتحاد قبلي مكون من ثلاثة دواوير ( ايلولة + ايث عيذل + ايث عباس ) يُضاف إليها أوزلا قن وايث مليكش .
(ايث عباس ) غالبيتهم يحترفون التجارة خارج الديار عبر كل الجزائر والبلاد التونسية ، رجالهم يتكلمون العربية بطلاقة خارج موطنهم ، في حين أن تعاملاتهم المحلية في حيزهم الجغرافي بينهم وبين أبنائهم وذويهم وجيرانهم تتم باللغة الأم الأمازيغية ، في جهات أقبوا يبدو وأن التَّعرب بدأ في التوسع تحت تأثير النفع التجاري والهجرة الآتية من المنطق المستعربة ، كالمسيلة والحضنة ... في حين أن ( ايث عيذل ) لفقر بيئتها كثيرا ما يلتجيء أبناءها للهجرة للعمل في الأقاليم المعربة أو عند المعمرين وهما ما يجعل كبارهم يحسنون الدراجة الجزائرية في حين أن المقيمين بها يتحدثون الأمازيغية القبائلية بالجملة كلغة أم .
3)الأقليات العربية باختلاطها بالأهالي الأصليين تعلموا الأمازيغية كما الشأن (توات قرارة ) في الجنوب ، والعكس هو الصحيح بالنسبة للأمازيغ الذين تعلموا العربية وبقيت اللغات الأصلية لكل طرف رهينة البيوت عند النساء والأطفال . الشيء الملفت هو أن ساكنة ( زاوية الحاج بلقاسم) العربية لا تتحدث سوى الأمازيغية ، هذه الزاوية محاطة بعديد القصور الأمازيغية التي كانت لها الغلبة في التأثير اللساني على الأقلية العربية الوافدة .
4) مناطق ذات اللسان العربي الدارج كلية مثل ( القل ، المسيلة ،والمعاضيد) الأخيران التي كانت المرابض الأولى لاستقرار هجراب أعراب هلال وسليم ، و الإحصائية تستند على التوزيع اللساني وليس العرقي .

°°تراجع الأمازيغية ... الأسباب .

اللغة الأمازيغية بمتغيراتها كانت هي السائدة منذ الأزل في ربوع هذه البلاد ، فقلاعها الكبرى لم هزمها المستعمرون منذ القديم ، فهي النواة الصلبة لكل لسان ، وهي التي حافظت على كينوتها رغم اجتهاد المغيرين في الإجهاد عليها بسياسات مركزة (إجتماعية) و(اقتصادية ) و(ثقافية ) و(دينية) ، لكنها بقيت حية في مرابضها مُقاومة صلبة .
في العصور المتأخرة و تبعا لملاحظات الإحصائات تبين وأن الزواج المختلط الحاضر بقوة جهات الأوراس ، ومنطقة البيبان وواد الشلف ... ساهم في خلخلة وإزاحة اللغة الأمازيغية من مواقعها ، ورغم ذلك فقد أثبتت بعض المناطق مقاومة صلبة وتفوقت في الإنتشار كما هو الشأن في جهات أقبو ، وسهول مجانة ...بفعل امتلاك وشراء القبائل الأمازيغ للأراضي بها ، أو احتواء وتمزيغ بعض الجيوب العربية والعملية العكسية صحيحة كذلك .
ومن أكبر الملاحظات أن العامل الديني وأسلمة بعض الجهات لم يؤثر في لسان تلك المناطق التي بقيت أصيلة في لغتها الأمازيغية ، كمناطق ( حمام القرقور) و(بني ورثلان) و (بني عيدل ) و(بلزمة ) و(سوق أهراس ) على سبيل المثال لا الحصر ..... في حين أن العامل الإقتصادي وظهور أقطاب صناعية اقتصادية وامتداد طريق السكك الحديدية من الغرب إلى الشرق سهلت عملية الفرنسة والتعريب ، فخروج الأمازيغي من بيئته الجبلية نحو الفضاءات الأوسع والنشاطات الأفيد له يفقده لسانه بالتدريج لحساب العربية والفرنسية ،
وهناك إشارات عدة بأن الأمازيغية فقد بريقها وتراجعت في كثير من المواقع وتدهور حالها قبل وصول المعمرين الفرنسيين إليها ك(وجدة) و(تاغيت ) و(تافيلالت ) ...[ واتضح بفعل ذلك أن الحضارة والثقافة العربية الإسلامية هو المتسبب الرئيسي في تراجع الأمازيغية لصالح العربية لانتشار فقه التمكين للعربية بدل اللسان المحلي الأصيل .]

°° دور فرنسا في تعريب الأمازيغ .

هناك إقرارات واعترافات مباشرة من طرف الأكاديميين الأوربيين بأن فرنسا ساهمت في تغيير اللسان الأمازيغي وتعريبه وهو ما ظهر في كتابات [ماسكاراي MASQUARAY ] الذي ذكر وأن فرنسا لها نية فاعلة في تعريب الأمازيغ بقوله :
[ ... أردنا إعطاء قانون إسلامي للأوراسيين ، عبر فرض قاضي إسلامي فيها سنة 1866 ، وحرصنا على التواصل معهم بلغة الدين وليس بلغتهم الأصلية ولا نغالي إذا قلنا بأننا ساهمنا في أسلمة الأوراس وتعريبها ..[3]
كما اعتقد بعض العلماء الأجانب الكبار ذوي السمعة الكبيرة في الوسط العلمي أمثال الجغرافي الألماني فيشر ثيوبالد FICHER- THEOBALD الذي ذكر قائلا :
:
[ ... لقد ساهم الفرنسيون إلى حد ما في تعريب غير عادي للأمازيغ ..... فقد نظروا إلى الجزائريين بأنهم كلهم عرب ، وفرضوا عليهم القراءة والكتابة بالعربية من خلال الإدارة وممارسة الإسلام منذ عام 1859 ..] [4] وهناك عالم آخر متخصص في الأمازيغيات ومتذوق جيد للتراث المحلي ودارس له هو [ هانوتوHANOUTEAU ] الذي قدر عدد الأمازيغ أنذاك ب85 ألف وهم يشكلون الغالبية ، وفي تقاريره أثبت وأن التوزيغي الإثني لا يتطابق مع خريطة التوزيع اللساني ، فالعرب الحقيقيون في استخلاصه لا يمثلون سوى سدس الأهالي ، الأهالي الذين استعرب كثيرهم تحت طائلة عوامل متداخلة متراكمة .

[ كان سعينا تعريب القبائل، أكثر من سعينا لأمزغة العرب ، فقد كان هدفنا يصب في تكوين مملكة العرب. ] ..أنظر quelques mots sur l’algerie page 11 .
سعيهم وعبر المكاتب العربية اللعب بجيو نولوجية الأمازيغ عبر تغيير النمط التقليدي في التسميات واستحداث الألقاب التي كانت تعبر عن جينولوجية عربية ك(بن) ، و(أبناء) و(أولاد )....
أنظر essai de grammaire de langue tamacheq page 323

وهناك أمثلة كثيرة لا يتسع المقام لذكرها عن سعي الفرنسيين تعريب شمال افريقيا بغرض ايجاد مبررات وجيهة لاحتلالهم للجزائرولخلود فيها ، فكل حركة تحررية تُجابه إديولوجيا بقولهم أنكم عرب ٌ غزاة مثلنا أنتم في القرن السابع ونحن في القرن التاسع عشر .

°° دق طبول خطر ضياع الأمازيغية ...

فقدان أي أمة للغتها الأم ، يعني ضياع هويتها وإرثها الثقافي والحضاري ، فقد فرط الأجداد في التمكين للغتهم وتوحيدها و تقعيدها لأسباب قد تكون من فرط ( سذاجدتهم) أو ( مازوخيتهم ) واحتقارهم لذاتهم وخصوصياتهم أمام جبروت المغيرين ، فقد عملت الدول الإسلامية الأمازيغية من زيرية و مرابطية وموحدية وإدريسية و حمادية و زيانية ومرينية ... على تفضيل العربية على لغتهم الأم التي بقيت حبيسة البيوت والتعاملات العائلية فاسحة المجال للغة العربية باعتبارها لغة الدين والتعامل التجاري والتواصل ، ولا شك بأن الغزو الهلالي بدأ ً من القرن الحادي عشر للميلاد ، ساهم بقسط كبير في امتداد التعريب اللساني استقواء بالدين ، وهذا ما جعل الفرنسيين يقولون بأن التعريب كان متمكنا قبل وصولنا إلى هذه البلاد ، وساهمت الدولة الوطنية بعد الإستقلال بتعويم التعريب عبر التعليم و السياسة ، وهو ما فجر ثورات وتمردات في الربيع الأمازيغي 1980 ، والربيع الأسود في أفريل 2001 ، ورغم المكاسب المحققة من توطين الأمازيغية وترسيمها في 2016 إلا أن شوفينية النظام لا زال يلعب على الحبلين بتعطيل كل نماء لها بغلق مجال التطوير وسجن مشروع (أكادمية اللغة الأمازيغية ) خوفا من تطورها ونمائها حتى لا تُصبح ضرة قوية للغتين الأجنبيتين العربية والفرنسية معا .


الإحالات ____________________________________

[1] مسيو جونار Charles Jonnart سياسي وأكاديمي فرنسي تولى إدارة الجزائر كحاكم عام بين 1911/1903 ، اشتهر في فترته الثانية بتشجيع الثقافة المحلية وتراثها
وفي عهده بني البريد المركزي والمدرسة الثعالبية .

[2] كمسيلة والمعاضيد مرابض بني هلال .

[3] (1) Masqueray : Noie concernant les Aoulad-Daoud du Mont-Aurès. - Alger, Jou«
1879, p. 27 (Revue Africaine, mars-avril 1877).

[4] géographe Théobald Fischer من كبار الجغرافيين الألمان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال