الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلمة السر هى «الاستغناء».. المقاومة حتى النفس الأخير

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2020 / 3 / 9
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات




أكتب هذا المقال الأحد 8 مارس 2020، يوم المرأة العالمى. أكتب وأنا ممددة فى الفراش، أقاوم أزمة صحية بدأت منذ عام، ومازالت تعوقنى عن ممارسة حياتى التى عهدتها.


أتذكر أن يوم 8 مارس لم يكن يمر بى، إلا وأنا أفتتح مؤتمرا نسائيا دوليا، أو أحضر الاحتفالات والمهرجانات والأنشطة المتنوعة، فى بلاد مختلفة، من العالم، احتفالاً بالنساء، وتدعيمًا لإنجازاتهن ونضالهن فى كل مجال.

يأتى 8 مارس هذا العام، وأنا طريحة الفراش، أقاوم من أجل وجودى، والبقية من حياتى. مضى عام كامل، اثنا عشر شهرا، وأنا محرومة من المشى مثل كل الناس، وأعجز عن القراءة، والنوم الطبيعى، وبجانبى علب الأدوية المتناثرة، التى أعتقد أنها عديمة النفع والفائدة، بل فى الحقيقة تضرنى، وتؤذينى. فأنا عشت ثمانين عاما، من الصحة الفطرية، لم أتناول فيها قرصا واحدا من الأسبرين، ولم أزر طبيبا، ولم أخضع لأى عملية جراحية. هذا جعل جسدى حساسا للدواء، يقاوم مادته الفعالة، كأنما هى فيروس غريب، يتحرش بدمى، أو سم يدمر مناعتى الطبيعية.

عام كامل من المرض والاحتياج لمنْ يساعدنى على الحركة، ويعد لى الطعام، ويعطينى الحبوب قبل الإفطار، وبعد العشاء، على معدة خاوية، أو معدة ممتلئة، لا يهم.

المهم أن أتبع نصائح الأطباء، وأمارس حركات العلاج الطبيعى، دون استياء أو تذمر.

عام كامل من المرض، لا ينقص يومًا، انفض الأهل والأصدقاء والأقرباء، الذين كانوا يحيطون بحياتى وأنا فى قوتى، وقمة صحتى. لم يبق لى إلا ابنتى الكاتبة، منى حلمى، وابنى عاطف حتاتة المخرج السينمائى. قبل النوم تمسك «منى» بيدى قائلة: «تصبحين على خير» وعاطف «يمسح دموعى وهو يبتسم فى صمت»، ويقول لى: «ماما سوف تنتصرين على المرض والألم». اثنا عشر شهرا، اكتشفت حقيقة الطبيعة البشرية، والمعدن الخفى للبشر. من خلال الألم المبرح، لمدة عام بأكمله، عرفت أن «كلمة السر»، هى «الاستغناء»، المقاومة حتى آخر نفس، التشبث بذاتى إلى الرمق الأخير، عدم الاحتياج إلى أى أحد، ألا أستسلم لضعف صحتى، ووهن جسدى. كلمة السر هى أن أظل أقاوم، حتى الموت. والاستغناء عن الحياة ذاتها، حتى الانتهاء.

فما جدوى العيش، تحت سوط الحاجة. أكثر وجعًا من قسوة المرض، هو وجع مهانة، ومذلة، اللجوء إلى مساعدة الآخرين.

أعدت تعريف معنى «السعادة»، أصبحت أن أفعل بنفسى كل الأشياء، التى اعتقدت أنها مستحيلة، وأن وقوعى على الأرض ليس معناه ألا أحلم بلمس السماء، أو أن ارتطام رأسى بالجدار لا يعنى بالضرورة أن أفقد الوعى وأذهب فى غيبوبة. تعلمت أن ساقى المكسورة، ليس معناه انكسار قلبى. ربما لا أستطيع رؤية الحروف أو الكلمات التى أعطيتها عمرى، لكننى مازلت أرى علامات طريقى. وإن أصبحت حبيسة غرفة نومى، مكبلة على الكرسى، فلا شىء يمنعنى من أن أمشى، حتى على بساط من الهواء.

جاءتنى المكالمات الهاتفية، من جميع أنحاء العالم، من وسائل الإعلام، وشخصيات كثيرة صادقتها خلال سفرياتى الكثيرة، يهنئوننى على اختيار مجلة التايم، وعلى دخولى قائمتها الـ100 امرأة الأكثر تأثيرًا على مدى الـ100 عام الماضية. غريب هذا الشعور، بأن منْ يتكلمون عنها، امرأة ليست أنا. أنظر إلى صورتى فى الجرائد، أكاد لا أعرفها.

مسافة شاسعة تفصل بينى، وبين تلك المرأة. فالعام الذى قضيته فى المرض، كان بمثابة دهر من الزمان، أبعدنى جسديا، ونفسيا، عن كل الأشياء حولى.

ابنتى «منى» قالت مندهشة: «تصورى يا ماما، هناك جرائد كتبت صفحات عن الموضة والأزياء والتجميل وصبغات الشَعر، وممثلات سينما من الدرجة العاشرة، وفضائح عشق المشهورين من الرجال.. وترتيبات الدورى الإفريقى التى تتصدر الصفحات الأولى، ولم يذكر شىء عن اختيار مجلة التايم.. فى يوم المرأة العالمى، يتجاهلون إنجازا عالميا، فريدا لامرأة مصرية.. أليس هذا مضحكا للغاية، وهم طوال الوقت يتشدقون بأنهم يدعمون النساء.. ويكرمون المرأة، ويحتفلون بالمرأة.. لن يتغيروا يا ماما.. أقول لك مافيش فايدة... كذب، وزيف، وتضليل، وعدم اتعاظ من التاريخ».

الأحد 8 مارس 2020، وتأتينى هذه الفكرة المفاجئة، لم لا أبدأ فى كتابة الجزء الرابع من «أوراقى حياتى»؟. الأجزاء الثلاثة، على رفوف مكتبتى، تحدق لى، فى اشتياق لكى أنهيها. سألت ابنتى «مُنى»، فهى، منذ مرضى، وأنا أمليها كتاباتى وهى تكتبها على الكمبيوتر وترسلها إلى الصحف. تحمّست جدا، وشجعتنى، وأسرعت بإحضار القلم، والأوراق، لتسجل المشاعر الأولى الطازجة، قبل أن تهرب.

وكانت البداية: «اليوم الأحد 8 مارس 2020، يوم المرأة العالمى... ماذا عندى أقوله للنساء. لا شىء إلا كلمة واحدة «الاستغناء»، وإن كان معناه توقف النبضات، والترحيب بالانتهاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم سوف تنتصرين على المرض فمثلكِ لا يعرف الاستسلام
فؤاده العراقيه ( 2020 / 3 / 9 - 18:19 )
للتو نشرت بوست على صفحتي بالفيس وكتبت فيه
اختارت مجلة التايم الامريكية الدكتورة نوال السعداوي من ضمن ١-;-٠-;-٠-;- إمرأة الأكثر تأثيرا في العالم.
في حين تعاني الدكتورة في بلدها الام من إهمال الأطباء لها مؤخرا وكذلك دون أن تأخذ استحقاقها كما فعل الغرب معها وحيث تمكث في شقتها البسيطة في منطقة شبرا الشعبية، لا تملك بيتا فخما كغيرها من المبدعين والمفكرين والأدباء، ولم تجني أموالا من كتبها لكونها لم تصب اهتماماتها ع المادة كما يفعل الاخرون، بل سخرت حياتها للتغيير وخصوصا تغيير واقع النساء وتحريرهن من عبودية افكار المجتمع التي همشتها وشيئتها ، لم تغادر بلدها كما فعل اقرانها إلا مجبرة في ثمانينات القرن المنصرم بعد أن كانت حياتها مهددة بقضايا الحسبة وهدر
الدماء ، ولغاية يومنا الحاضر هي مستمرة بعطائها وبنضالها ضد كل انواع المظالم
ومن ثم دخلت لموقع الحوار عساني اجد مقالة لكِ وها انا وجدت حروفكِ تضيء الموقع وعقولنا معا , قلوبنا معكِ دوما والى الابد ويحزننا مكوثكِ هذا ولكن لنا ثقة بقوتكِ وبكونكِ ستنتصرين وستكتبين اروع الكتب
محبيك من العراق يبعثون لك التحايا والامنيات والامتنان لكِ لما اعطيتهم من نور لعقوله


2 - انتِ عنوانا للقوة والقوة هي انتِ
فؤاده العراقيه ( 2020 / 3 / 9 - 18:24 )
لا تهم الجرائد ولا صفحات الموضة واعلامها فهؤلاء يبحثون عن تجارتهم واموالهم التي ستفنى بعد ان تفنيهم , وما سيبقى في هذا العالم هي افكارك وكتبك غصبا عن تخلفهم , نعم لن تتغير عقولهم طالما كانت نظرتهم للحياة ناقصة واهتمامهم ولهاثهم منها للمادة فقط فالمادة تحكمهم وتتحكم في عقولهم
اشد على يديكِ بشدة وننتظر بلهفة الجزء الرابع من اوراقي حياتي وسيكون اعظم كتابا وطالما سألتُ نفسي عنه وكنتُ واثقة بأنكِ ستكتبيه
كوني بخير ولا تجعلي المرض يحبطكِ فأنت عنوانا للقوة


3 - ذات يوم
ماجدة منصور ( 2020 / 3 / 10 - 04:17 )
ذات يوم سيقيم لك الأحرار تمثالا يقع في مدخل مطار القاهرة الدولي ...و سيقولون: البهية، نوال سعداوي قد مرُت من هنا0
لك المجد سيدتي
ستتعافين....و ستعيشين كي تكوني شاهدة على نهاية عصر الطغاة0
لك احترامي وحبي العميق من أستراليا0

اخر الافلام

.. رجل استخبارات إيراني يتنكر كامرأة ويتجسس على قدرات إسرائيل ا


.. الرجال أكثر صدقاً مع النساء الجميلات.. دراسة تكشف أسرار سلوك




.. موجز أخبار الواحدة - منظمة دولية: غزة أصبحت مقبرة للنساء وال


.. رنا.. امرأة جريئة بادرت وطلبت يد ابن صديقتها




.. حديث السوشال | اعتقال امرأة بسبب عدم التزامها بالحجاب في إير